توفر الرياح الطاقة اللازمة لحدوث امواج البحر. لكن هذا لا يعنى ان ديناميكية انتشار الامواج تعتمد على الرياح فالرياح تتوقف وتنتهى تماما بينما انتشار الأمواج يستمر بعد ذلك. و يعتمد انتشار الموجات من تلقاء نفسها على اختلال التوازن بين القوى الداخلية الموجودة فى الماء من وزن وضغط. تماما كما ان ديناميكية اهتزاز البندول البسيط تعتمد على قوى الوزن و الشد مع مراعاة ان حركة البندول قد تحتاج فى البداية الى انسان يسحب البندول او يدفعه فيخل بالتوازن الموجود فتنشأ اهتزازات تستمر لفترة طويلة حتى بعد حتى ان يكون الانسان اللذى سبب حركة البندول لم يعد موجودا
مع ذلك فأن الرياح هى اللتى تحدد اتجاه انتشار الامواج. فعندما تهب الرياح تتكون أمواج فوق سطح الماء. وقد تبلغ سرعة الرياح مقدارا عظيما ونصل الى الحالة اللتى نصف البحر عندها بأنه هائج. لكن بعد ان تخمد الرياح وتنتهى تستمر الامواج فى الانتشار بعد ذلك لايام وقد تعبر الاف الكيلومترات لتصل الى دول وقارات ومناطق مختلفة تماما عن المناطق اللتى نشأت فهيا الموجات لأول مرة. لكنها دائما تواصل حركتها وانتشارها فى نفس اتجاه الرياح اللتى سببت الأمواج. تماما عندما يحرك انسان بندول ويتركه فان البندول يستمر فى الاهتزاز فى نفس الاتجاه اللذى حرك فيه الانسان يده اول مرة
و كما نعلم قد تهب الرياح فوق المياة المفتوحة من كافة الاتجاهات الممكنة. فقد تهب من الشرق او الغرب وقد تمر باخرة عظيمة فتسبب موجات تنتشر فى اتجاه معين. لكن ما نلاحظه عند وجودنا على الشاطئ ان الامواج تأتى دائما من الامام بغض النظر عن اتجاه منشأها الاصلى! و اذا تخيلنا اننا نجلس على شاطئ البحر الابيض المتوسط فى ايطاليا نشاهد امواج البحروهى قادمة باتجاهنا ثم فكرنا هل اذا انتقلنا الان فى لمح البصر الى الجهة الاخرى على الشاطئ الليبى هل سنشاهد الامواج تبتعد عنا متجهة الى ايطاليا؟. بالطبع لا فنحن سنشاهد الامواج ايضا تتحرك باتجاهنا! وحتى اذا طفنا حول بحيرة كبيرة من كافة جوانبها فكل جهة سنذهب اليها سنشاهد امواج البحر قادمة باتجاهنا كما لو أن فى وسط البحيرة نافورة مياة تتفجر ومنها تنبعث الامواج فى كافة الاتجاهات! اذن ماهو سر هذه الظاهرة؟
اجابة هذا اللغز تتلخص فى نقطتين. النقطة الاولى أن سلوك الموجات فى المياة العميقة يختلف عنه فى المياة الضحلة. لكن لماذا؟ نعلم ان نقاط الماء عند سطح الماء تتحرك فى مسار دائرى عند انتشار الامواج. لكن كيف تتصرف نقاط الماء الغير سطحية؟ انها تتحرك ايضا فى مسارات دائرية ولكن نصف القطر يقل دائما كلما اتجهنا نحو العمق حتى يصل الى الصفر بعد مسافة معينة. وهذا يفسر لماذا انه قد تهب اعتى العواصف فوق سطح البحر لكن غواصة موجودة تحت الماء فى عمق مناسب فأنها لا تشعر بشئ من العاصفة الموجودة فوقها لأنها موجودة فى منطقة من الماء هادئة تماما. لكن ماذا لو كان الماء ضحلا وكانت الارض قريبة من سطح الماء ؟ فى هذه الحالة تشعر نقاط الماء الدوارة بالارض. وطبعا لن تستطيع نقاط الماء الملاصقة للارض من ان تصنع حركة دورانية و الا فان عليها ان تنحر فى الارض الموجودة تحتها. وتقتصر حركتها على الاهتزاز اماما وخلفا فقط. ويؤثر ذلك على حركة النقاط فوقها فتتحرك فى مسار بيضاوي مفلطح وليس دائري. اذن النتيجة النهائية ان الارض فى المناطق الضحلة تفرمل سرعة انتشار الموجات وأن سرعة انتشار الموجات فى المناطق الضحلة اقل منها فى المناطق العميقة
.
وهنا نصل الى النقطة الثانية اللتى تتعلق بانتشار الموجات اللتى تمر بين وسطين سرعة انتشار الموجات فيهما مختلفة. وهنا يحدث الانكسار! وموضوع الانكسار قد يكون محيرا احيانا لكنى اشبهه دائما بالمثال التالي: تخيل انك تجلس على شاطئ البحر وشاهدت انسانا يغرق امامك وانت تريد ان تنقذه. فأي مسار سوف تسلكه لكى تصل فى اقل وقت الى الغريق.؟ منطقيا لن تأخذ مسارا مستقيما. فنحن نعلم ان الانسان يستطيع ان يعدو على الارض بسرعة اكبر بكثير من اللتى يسبح بها فى الماء. ولذلك لكى نصل للغريق المسكين فى اقل زمن سنعدو باقصى سرعة على الارض لنستفيد من سرعتنا فى مسار حتى لو كان مائل حتى نصل الى قبالة الغريق ثم نسبح فى اتجاه عمودى بعد ذلك ! وهذا هو الحال فى انكسار الموجات فعندما تنتقل موجة بين وسطين فانها تتخذ مسارا اقرب الى المسار العمودى على الخط الفاصل بين الوسطين فى الوسط اللتى تكون سرعة انتشار الموجات فيه قليلة. بينما تأخذ الموجة مسار مائل عن الخط العمودى فى الوسط اللذى تكون سرعتها فيه عالية. ونعبر عن ذلك فيزيائيا بان نقول ان زاوية الدخول فى الوسط اللذى تتحرك فيه الموجة اسرع تكون اكبر من من زاوية الخروج فى الوسط الاخر و العكس صحيح.
اذن فى حالتنا تحديدا فان سرعة انتشار الموجات فى المياة العميقة عالية وفى المياة ضحلة ضئيلة فتكون النتيحة الحتمية عند عبور الموجة من المياة العميقة الى الضحلة ان تنكسر و ان تأخذ مسارا اقرب الى العمودى على الخط الفاصل بين المياهين. ولذلك نرى الموجات تقترب دائما متعامدة على الشاطئ بغض النظر عن اتجاهها الاصلى اللتى كانت تنتشر عليه فى المياة العميقة
ونفس هذه الظاهرة لكن فى ميدان اخر يستفيد منها كل من يرتدى نظارة طبية. حيث يتم انكسار موجات الضوء لأن سرعة انتشار الضوء فى الزجاج اقل منها فى الهواء. فتكون النتيجة اننا نستطيع ان تتحكم فى شعاع الضوء الداخل الى تجويف ونجعل الصورة المتكونة تسقط فوق شبكة العين تماما مما يحقق افضل رؤية ممكنة
كما ان هذه الظاهرة نعرفها ايضا فى الالياف الضوئية اللتى تستغل انكسار الضوء بل وحتى انعكاسه الكلى. فعندما يدخل شعاع الضوء مائلا بشكل كبير الى الالياف الزجاجية لاول مرة يكون عليه لان يخرج الى الهوء ان يخرج بزاوية تزيد عن زاوية الدخول. فان زادت زاوية الخروج عن 90 درجة فان شعاع الضوء لا يخرج بل ينعكس بالكامل ليسقط على السطح الزجاج المقابل بزاوية دخول ايضا كببرة. وبالتالى تمككننا هذه الالياف من اسر الضوء واجباره على اخذ مسارات غير مستقيمة حتى يخرج مرة اخرى من الطرف الاخر!. وهذا يمكن الاطباء من استخدام الألياف الضوئية كمناظير للحصول على صورة واضحة للاعضاء الداخلية فى الانسان. حيث يقوم الاطباء بادخال حزمة من هذه الالياف لا يتعدى سمك الواحدة شعرة الرأس الى معدة انسان عن طريق فمه فتقوم هذه الاليفاف بنقل صورة واضحة لمعدة الانسان. كما ان هذه الالياف تستخدم فى المبانى السكنية لنقل ضوء الشمس المباشر من الخارج الى داخل الغرف اللتى لا توجد بها اى نوافذ وذلك بدون اى استهلاك للكهرباء.