لويثان Leviathan – هوبز

لويثان

لويثان

ينتمي كتاب لويثان الى ميدان الفلسفة السياسية. وهو من أهم كلاسيكياتها وينافس فى شهرته كتاب الأمير لميكيافيللي. ويعد توماس هوبز مؤلف الكتاب من أول من تعرضوا لمفهوم العقد الأجتماعى. وقد سبق جان جاك روسو فى ذلك بمائة وخمسين سنة. ويتعرض هوبز فى هذا الكتاب الى مفهوم رئيس من مفاهيم السياسة وهو مفهوم الدولة.

أما عنوان الكتاب “لويثان” فهو مقتبس من العهد القديم. حيث لويثان هو عفريت بحرى مخيف يمزج خصائص التمساح والأفعى و التنين و الحوت معا. و لايقوى اي بشرى مهما كان على  مجابهته. فقط هو الله من سيقوم بالقضاء عليه قبل قيام القيامة. وفى هذا الكتاب يرمز هوبز الى الدولة بهذا الكائن. وفى الادبيات الغريبة ترمز هذه الكلمة اليوم الى الكيانات الهائلة اللتى تسيطر على حياتنا و اللتى لاقبل لنا بها  كالبنوك و الأعلام و البورصة وغير ذلك.

اما كتاب لويثان فهو مقسم الى اربعة اجزاء تعرضت الى مواضيع مختلفة. شملت حتى الدين وعلم النفس. لكن هذه الاجزاء ليست هي الأجزاء المهمة من الكتاب. فقط النصف السياسي هو اللذى بقى معتبرا عبر الزمن وهو ما سنتعرض له اليوم.

وقد عاصر هوبز الحرب الأهلية اللتى اندلعت فى انجلترا عام 1642 . وقد أثرت هذه الحرب كثيرا فى افكار هوبز. حيث عاين خلال هذه الفترة  أهوال الحرب ولمس تداعيات فقدان الامن والأمان. مما دفعه لأن يكتب ان معاناة المعيشة تحت سلطان دولة ظالمة أهون بكثير من معاناة المعيشة عندما لاتوجد دولة على الأطلاق.

ويقرر هوبز بداية انه لاتوجد قوانين أو أعراف أو أخلاق مطلقة. فكلها مفاهيم مستحدثة ينتجها كل مجتمع متحضر طبقا لتجربته وتاريخه. ويدعو هوبز القارئ لعمل تجربة ذهنية لتخيل شكل العالم قبل أن يعرف دولا وقبل أن تقم فيه مجتمعات. انه بالضرورة مجتمع الغابة!  فمقومات الحياة محدودة. بينما الحسد عند الأنسان ومقارنته نفسه بجيرانه واعتباره ذاته مركز الكون كل هذه أشياء تقود البشر الى الصراع على مقومات الحياة. ومن ثم فعلى الانسان ان يستولي على كل ما يصل اليه وألا يتوان فى ذلك البتة لأن غيره سوف يفعل ذلك بكل تأكيد. وفى حياة كهذه لاقيمة لعهد او لوعد. انها حرب الكل ضد الكل!. انها حياة حيوانية و فقيرة ومقرفة وقصيرة كما يصفها هوبز! اذن ماهو المخرج؟

يوضح هوبز اولا بعض المفاهيم الاساسية قبل طرح الحل اللذى يفضى فى النهاية الى قيام الدولة. فيفرق هوبز بين الحق و القانون. فالحق يعطي الأنسان الفرصة ان يفعل الشئ او لا يفعله.  اما القانون فهو يمثل الزاما على الأنسان بأن يفعل الشئ أو ألا يفعله. ثم يفرق هوبز بين القوانين المدنية و الطبيعية. فالقوانين المدنية بامكان الانسان ان يخالفها. بل عليه ان يخرقها ليضمن بقاءه في مجتمع الغاب. مثلا القانون اللذى يحتم الوقوف عندالاشارة حمراء هو  قانون مدني وبامكانى ألا التزم به. ولكن هناك قوانين اخرى تنبع من المنطق نفسه و لا يستطيع الأنسان ان يخالفها و الا هي تعاسته و فناؤه.

فكما ان هناك حق طبيعى للأنسان بأن يغتصب اي شئ يصل اليه فهناك قانون طبيعيى يجبره على الحلم بالسلام. وهناك قانون  يدعه يقبل التخلى عن التمسك بحقوقه الطبيعية طالما  طالما قبل الأخرون بالتخلى عن نفس القدر وطالما دعم ذلك فرصة تحقيق السلام. ويمكننا ان نلخص هذا بحب لأخيك ما تحب لنفسك. او مالا تقبله علي لنفسك لا تقبله لغيرك.

لكن الرغبة المتبادلة فى احلال السلام ليست كافية لحل المشكلة. فالأتفاق على شئ لا يعنى الألتزام به. بل ربما مخالفة الاتفاق هى الأضمن لانه لا يمكن لأى طرف ان يضمن التزام الطرف الاخر فى التعاقد! وهنا نصل الى مثال “المتهمين” وهو مثال مشهور فى نظرية اللعب game thory وهو علم محترم يتعلق بدراسة الامور الاستراتيجية و العسكرية واتخاذ القرارات.  ويقول المثال ان هناك متهمين تم القبض عليهما بسبب ارتكابهما جريمة ما   لكن المحقق لا يستطيع ان يثبت الجريمة عليهما. فيحبسهما منفصلين ويمارس عليهما نوع من الضغط. ويغري كل منهما بالأعتراف الكامل مقابل مكافأة مغرية . وملخص الموقف كالتالى: اذا لم يعترف اى من المتهمين فسوف ينالان حريتهما معا لأن المحقق لا يستطيع ان يدينهما. اما اذا اعترف احدهما ولم يعترف الأخر. فسوف ينال المعترف حريته بالاضافة الى مكافأة صخمة بينما سينال المتهم الاخر عقوبة طائلة. اما اذا اعترف الاثنان معا فسوف ينال الأثنان عقوبة بسيطة. فكيف يتصرف المتهمان؟

النظرة المتسرعة قد توحي بان الاثنين  لن يعترفا وبذلك سوف ينالان حريتهما معا. لكن هذه الرؤية متسرعة فدعونا نضع انفسنا فى مكان المتهم الاول. وسنرى ان من مصلحتنا الأعتراف. فالمتهم الثانى قد يصمت ولا يعترف وبهذا ننال حريتنا بالاضافة الى مكافأة كبيرة.  اما اذا اعترف المتهم الثانى فسنكون فى هذه الحالة قد وقينا انفسنا شر العقوبة الهائلة!

وهنا نصل مع هوبز الى لب المشكلة. فعقوبة خرق الاتفاق ليست كبيرة مما يغرى الاطراف بعدم الألتزام به.  فلو كانت العقوبة اللتى سيحصل عليها المتهمان فى حالة اعترافهما معا كبيرة فسوف يتردد المتهمان كثيرا قبل ان يقرر احدهما الاعتراف.

وهنا يرى هوبز دور وقيمة الدولة.  حيث تتخلى كل  اطراف المجتمع عن قدر من حقوقها  لصالح الدولة وبحيث تكون الدولة هى الضامن لالتزام جميع الاطراف بتعهداتهم. ويجب ان تكون الدولة ذات سطوة وقادرة وقاهرة وبحيث ان تستطيع ان تجبر اى شخص مهما علا شأنه على الألتزام بسلطان الدولة. ويجب  ان يدرك كل أنسان ان الصدام مع سلطة الدولة ستكون عاقبته وخيمة عليه. و سلطة الدولة قد تكون ممثلة فى جماعة منتخبة كالبرلمان او قد تكون متمثلة فى حكم فردي كملك يحكم . وفى الواقع كان هوبز لا يخفى تعاطفة مع الحكم الملكى ولكنه لم يرفض ايضا الحكم البرلماني.

ويعد غلاف كتاب لويثان عملا رائعا ويعبر عن فكرة الكتاب بشكل مذهل. فهو يمثل جسم اللويثان عبارة الاف الاشخاص اللذين هم المجتمع نفسه. وتعلو قامة اللويثان المدينة باكملها وتفوق برج الكنيسة بكثير. كما ان اللويثان يحمل فى يده صولجان الحكم دليل على شرعيته ويحمل فى الاخرى السيف لانفاذ سلطانه بالقوة!

ولكن هناك عديد من الانتقادات موجهة الى كتاب لويثان فهناك من يعتبر الكتاب فلسفة مادية لاتحترم الانسان وترى انه عبدا يمكن التنبؤ بتصرفاته بشكل ميكانيكى. وكتاب لويثان ينسب الى الأنسان أسوأ مافيه. ويرى ان مقدرا عليه ان يعيش مجتمع الغاب اذا لم توجد سلطة حاكمة تراقب تصرفاته.

كما ان البعض يري ان كتاب لويثان يمهد لأستبداد الدولة فهو لا يرى بأس فى ان تمارس الدولة كل أشكال الرقابة على افراد المجتمع . ويرى البعض ان الحياة فى مجتمع كهذا ليست الا صورة اخرى من صور العبودية