الأجسام ذات الشحنات الكهربائية المختلفة تتجاذب بينما الاجسام ذات الشحنات الكهربائية تتنافر. هذه المعلومة نعلمها جميعا. لذلك ربما قد يفاجئنا السؤال التالي: كيف تتلاصق اذن ذرات الاجسام معا مع انها متعادلة كهربائيا؟ فى الحقيقة ان اجابة هذا السؤال فى غاية الأهمية و لاتفى الكلمات للتعبير عن ذلك! فهى تشكل الاساس اللذى يوضح خواص العناصر المختلفة. فهي تفسر لنا مثلا لماذا للحديد هذه الصلابة اللتى يتمتع بها. وكيف أن الحديد اقوى من الخشب. بل انه يفسر كيف تلتحم ذرتان مع بعضهما ناهيك عن مئات والوف الذرات لتتشكل اجساد الفيروسات الصغيرة وصولا الى الجبال الهائلة مرورا باجسادنا نحن! واجابة هذا السؤال تقع في تخصص الكهروديناميكا الكمية QED. ذلك التخصص الرائع اللذى يستطيع ان يفسر كل الظواهر الفيزيائية حولنا ابتداء من لماذا ان السماء زرقاء أو أن التفاحة حمراء حتى ادق التفاصيل. بل هو يستطيع ان يفسر كل العمليات الميكانيكية والكيميائية اللتى تحدث بداية من تدوير مفتاح السيارة حتى ان تتحرك. فقط لا يستطيع هذا التخصص الاجابة عن ثلاث اسئلة تتعلق بالجاذبية و الاشعاعات النووية وتماسك نوات الذرات. اذن السؤال مرة اخرى لماذا تتماسك ذرات المواد مع انها متعادلة كهربائيا؟
من الضرورى ان ننتبه الى ان كون الذرات متعادلة كهربائية لايعنى ذلك انها غير مشحونة. بل كما نعلم كلنا فهى مشحونة بشحنات موجبة وأخرى سالبة متساوية فى المقدار. ولذلك تكون المحصلة النهائية صفر وبهذا تكون الذرات متعادلة. لكن عند افتراب ذرتين من بعضهما تتوقف نتيجة ما يحدث على المسافة بينهما. فاذا كانت المسافة كبيرة يكون تأثير كل ذرة على الاخرى فعلا صفر. لكن اذا كانت المسافة بين الذرتين قليلة فهنا يلعب التوزيع الداخلى للشحنات الكهربائية بداخل الذرات دورا كبيرا جدا. كما يوضحه المثال التالى:
عندما تقترب ذرتان من بعضهما فأن الكترونات الذرة اليمنى ستشعر بالكترونات الذرة اليسرى تدفعها بعيدا. كما انها تشعر بجذب نواة الذرة اليسرى الموجبة لها. لكن حيث ان المسافة بين الالكترونات اقل فتتفوق قوة التنافر على قوة التجاذب. ونفس الوضع ينشأ بالنسبة لألكترونات الذرة اليسرى. اذن عندما تقترب ذراتان من بعضهما يتغير شكل السحابة الالكترونية فى كل منهما من شكل متماثل منتظم حول كل نواة الى شكل مفلطح ومشوه قليلا. وهنا تقول الكهروديناميكا الكمية ان ذرتين تتغير فيهما السحابة الألكترونية بهذا الشكل لا بد ان تتولد بينهما قوة تجاذب!!. فكل ذرة تتحول الى مايشبه مغناطيس ذا قطبين سالب وموجب وتتجاذب الاقطاب المتضادة فتنشأ قوة تجاذب بين الذرات اساسها التنافر بين الالكترونات!
اذن كان هذا هو سر التصاق الذرات مع بعضها. ونفس هذا المبدأ مع اختلاف التفاصيل هو المسئول عن التصاق الجزيئات مع بعضها. فالجزيئات ايضا تحتوى على شحنات موجبة واخرى سالبة. كما ان هذا النموذج يوضح لنا ان الجزيئات تتماسك مع بعضها سواء كانت من نفس المركب الكيمائي ونطلق على القوة فى هذه الحالة قوة تماسك cohesion كما انها قد تحدث بين المواد المختلفة كيميائيا adhesion ونطلق على القوة فى هذه الحالة قوة التصاق وهذا يفسر لنا لماذا تلتتصق قطرات الماء بايدينا بعد ان نغسلها بالماء او بعد الاستحمام.
وهذا يقودنا الى ظاهرة هامة جدا تعرف بظاهرة التوتر السطحى surface tension. وملخص هذه الظاهرة ان التأثير الواقع على الجزيئات الموجودة عند السطح يختلف عن التأثير اللذى تشعر به الجزيئات الموجودة فى العمق. فجزئ ماء موجود فى العمق تجذبه جميع الجزيئات حوله من جميع الاتجاهات بقوى متساوية. فتكون المحصلة النهائية لكل القوى الواقعة عليه هى الصفر. لكن بالنسبة لجزيئات الماء الموجودة عند السطح فأن الأمر يختلف حيث أن محصلة القوى المختلفة ليست صفر. حيث تجذب جزيئات الماء الموجودة تحت السطح الجزيئات السطحية الى الداخل ببنما لاتوجد جزيئات خارج السطح تعوض هذا التأثير. ويجب ان نراعي ان قوة جذب جزيئات الهواء اقل من قوة جذب جزيئات الماء.
اذن وجود جزيئات الماء عند السطح يشكل وضعا غير مريح بالنسبة لها فهى تشعر بقوة تجذبها نحو الداخل. بينما جزئ ماء موجود بالداخل لا يشعر بهذا الضغط. و الامر يشبه اتوبيس يتزاحم فيه الركاب عند الباب بينما هو فارغ من الداخل. فهذا الوضع يدفع الركاب بكل تاكيد الى التخلى عن اماكنهم عند الباب و البحث عن مقاعد بالداخل. وهذا هو الوضع بالنسبة للماء حيث تحاول كل جزيئات الماء ما امكن لها سبيلا الابتعاد عن السطح و الاتجاه نحو الداخل. وكما يقول الفيزيائيون فان وجود جزيئات الماء عند السطح يصنع طاقة وضع عالية. وهناك قاعدة عامة فى الفيزياء أن الطبيعة تحاول ان تقلل دائما طاقة الوضع الموجودة فيها. ولذلك تحاول الاجسام على كافة انواعها تقليل مساحة سطحها باكبر قدر ممكن. ولهذا فى الفضاء الخارجى تتخذ السوائل دائما شكلا كرويا حيث ان الكرة هى الشكل الهندسى اللذى يوفر اصغر مساحة سطح بالنسبة لنقس الحجم. ولذلك تشكل عملية الشرب او وجود السوائل فى مجملها مشكلة كبيرة بالنسبة لرواد الفضاء.
من هذه المقدمة نستطيع ان نرى كيف ان قطرات الماء هى النتيجة الطبيعية لجذب الجزيئات لبعضها وهى البنت الشرعية لقوة التوتر السطحى. وخصوصا فى حالة المطر حيث تشبه حالة السقوط الحر للماء حالة انعدام الوزن فيظهر تأثيرالقوة الموجودة بين الجزيئات ونرى قطرات الماء تتشكل بشكلها الكروى.
وكذلك تمثل الفقاعات ظاهرة فيزيائية مماثلة ولكن هنا يختلط الهواء بالماء. ويبقى الهواء محبوسا بداخل الهيكل الكروى لقطرات الماء. وفى كلتا الحالتين ترتفع قوة الضغط بداخل الهيكل الكروى لتعادل قوة التوتر السطحى اللتى تحاول تصغير مساحة سطح الكرة وبالتالى نصف قطرها. وما يميز الفقاعات ان جدارنها الرقيقة اللتى لايتعدى سمكها بضع مئات من الجزيئات فقط ومع ذلك نستطيع ان نلمح خلالها شكلا من اشكال القوى اللتى تنشأ بين الاجسام تحت الذرية.