من التصورات الاساسية اللتي قامت عليها ميكانيكا نيوتن ان الزمان مطلق فهو يؤثر في جميع الموجودات ولكنه هو نفسه لا يؤثر فيه شئ. فهو ينساب بنفس الكيفية في كل مكان و تحت اي ظرف. واذا تخيلنا أن في الكون في مكان ما ساعة مركزية كالساعات الذرية الموجودة في بعض الدول فبالأمكان معايرة جميع الساعات في الكون بالنسبة لهذه الساعة الدقيقة وبهذا يمكن تعيين الزمان المطلق في الكون كله.
ولكن عندما ظهرت النظرية النسبية أتت برأي مختلف. فالنظرية النسبية قد اسقطت فكرة الآنية و بالتبعية فقد اسقطت فكرة الزمان المطلق.كيف هذا؟
في افلام المغامرات و الاكشن نري كثيرا لقطة شبه كلاسيكية حين يلتقي فريق الابطال وهم يحملون ساعاتهم الفاخرة ثم يقومون جميعهم بظبط ساعاتهم على نفس الوقت. ثم تبدأ مغامرتهم اللتي تنتهي في نهاية الفيلم بتصفيق المشاهدين وايرادات عالية في شباك التذاكر. هنا يظهر سؤالان بسيطان ولكنهما في نفس الوقت عميقان وبامكانك ان احببت ان تطلق عليهما سخيفان. السؤال الاول ماللذي يضمن ان هذه الساعات الفاخرة اللتي يحملها الابطال بعد تفرقهم كل الى وجهته سوف تظل تعمل بنفس الكيفية؟ ان النظرية النسبية تقول ان هذا غير ممكن! ولكن ليس هذا هو موضوعنا اليوم. موضوعنا اليوم مرتبط بالسؤال الثاني. وهو مرتبط بمعايرة الساعات. هل من الممكن من حيث المبدأ معايرة ساعات مختلفة بحيث تعطي نفس التوقيت؟ النظرية النسبية تقول لا. ان هذا غير ممكن اذا كانت الساعات في اماكن منفصلة وفي مجموعات اسناد ذات سرعات نسبية مختلفة. و الان للتفاصيل.
لو تخيلنا اننا طلبنا من شركة رولكس مثلا ان تصنع لنا مليارات من الساعات الفاخرة وتعطينا الشركة ضمانا ان هذه الساعات تمت صناعتها بنفس الطريقة و انها كلها تسير بنفس الدقة. الان نضع هذه الساعات في اماكن مختلفة في الكون. وفي لحظة ما اقوم بمعايرة تلك الساعات بدلالة الساعة اللتي احملها في يدي حتي تعطي جميع الساعات نفس الوقت في نفس اللحظة او تعطي الزمن المطلق كما كان يتصوره نيوتن. فكيف يمكنني ان اصنع هذه المزامنة؟
المشكلة انه طبقا لنظرية النسبية فانه لا توجد سرعة اعلى من سرعة الضوء. والمعلومات لا يمكن ان تنتقل ابدا بسرعة اعلي من سرعة الضوء. ولكن النظرية النسبية تقول ايضا ان سرعة الضوء ثابتة و تساوي 300 الف كيلو متر في الثانية الواحدة بغض النظر عن اي شئ اخر. فربما استطيع استغلال هذا لخلق التزامن.
فلنقم الان بتجربة ذهنية. تخيل انني احمل ساعة دقيقة في يدي وبواسطة رحلة علمية استطيع ان اضع ساعة مشابهة فوق سطح القمر. ولنفترض ان الساعة الان في يدي تشير الي الثانية عشر مساءا والضوء يحتاج الي ثانية ونصف حتي يقطع المسافة بين الارض والقمر. أجري التجربة كالتالي: ارسل شعاع ليزر الى سطح القمر حيث ينعكس ثم يعود مرة ثانية الى الارض. اذن لابد ان تستغرق رحلة شعاع الليزر 3 ثواني و تشير الساعة وقت عودة الشعاع الي الارض الثانية عشر مساءا وثلاث ثواني. حتى الان لا توجد اي مشكلة. ولكن لتعيير الساعة الموجودة على القمر فلابد ان تعطي الساعة علي سطح القمر من مكاني على الارض الثانية عشر و ثانية ونصف حين تعطي ساعتي الارضية الثانية عشر وثلاث ثواني. لاني على الارض دائما اري صورة القمر او ماضي القمر منذ ثانية ونصف. فتكون في هذه اللحظة الساعتان الموجودتان على القمر و على الارض متزامنتان تماما. فاذا كانت الساعة على القمر تعطي الوقت مثلا الثانية عشر ظهرا و خمسة ثواني فان علي مرة واحدة ان ارجع عقارب الساعة على القمر بثلاث ثواني ونصف وبهذا اخلق التزامن.
اتمني ان يكون الكلام حتى الان واضح. فحتي هذه اللحظة لا توجد اي مشكلة. فاين المشكلة اذن؟ فلنقم الان بأجراء تجربة ذهنية اخرى بطلاها انا وانت. فدعنا نتخيل ان كلانا يركب صاروخا فضائيا طويل جدا وكلانا يجلس في مؤخرة صاروخه وبجواره ساعة دقيقة. وفي مقدمة كل صاروخ توجد ساعة مشابهة. ونتخيل الان انني توقفت بصاروخي في الفضاء فلا اتحرك بينما يبقى صاروخك على حالته فهو يأتي من خلفي ثم يحاذيني ثم يتخطاني بسرعة هائلة تقارب سرعة الضوء.
الآن ابدأ انا بمعايرة الساعة الموجودة في مقدمة صاروخي بدلالة الساعة الموجودة بجواري في المؤخرة. فأفعل كما في حالة تجربة القمر فارسل شعاعا من الضوء الي مقدمة السفينة حيث ينعكس ثم يعود الي مرة اخرى. فاذا كان الزمن اللازم ثانيتين. وكانت الساعة وقت بداية التجربة الثانية عشرة ظهرا ولحظة عودة الشعاع كانت الثانية عشر وثانيتين. فيجب ان اري الساعة عند مقدمة الصاروخ تعطي في هذه اللحظة الثانية عشر وثانية واحدة. وهنا تكون ساعاتي متزامنة.
و في تمام الساعة الواحدة أراك قد صرت في محاذاتي تماما. فاخبرك بدون تضييع وقت ان الساعة الان الواحدة تماما. ثم تقوم انت بمعايرة ساعتك الموجودة في الامام تماما كما فعلت انا من قبل. فانت ترسل شعاعا من الضوء ينعكس و يعود اليك في تمام الساعة الواحدة و ثانيتين و ينبغي عليك في نفس اللحظة ان تري الساعة المركبة في مقدمة صاروخك تعطي الوقت الواحدة وثانية واحدة. الان انت تتصل بي و تخبرني انك قمت بعملية المعايرة وساعاتك كلها الان متزامنة. تخيل الان ماذا سوف يكون رد فعلي؟ انا سوف اعترض عليك بشدة لان ساعاتك ليست متزامنة ابدا. لماذا؟ فانت حين ارسلت شعاع الضوء الي مقدمة صاروخك فهو يتحرك بالنسبة لك بسرعة الضوء. ولكنه يتحرك لي ايضا بسرعة الضوء. وهذا هو نص المبدأ الثاني للنظرية النسبية الخاصة لاينشتاين. لكني في نفس الوقت ارى مقدمة صاروخك وهي تبتعد باستمرار عن الشعاع الذاهب بينما مؤخرة صاروخك تقترب دوما من الشعاع المنعكس. فمسافة الذهاب من وجهة نظري اطول بكثير من مسافة الاياب. لكن ساعاتك لا تعني بهذا وتعطي نفس الفترة الزمنية لرحلتي الذهاب و الاياب. اذن من وجهة نظري فساعاتك ليست متعايرة او متزامنة.
لكن ماذا سوف يكون الان رد فعلك انت؟ انت سوف تعترض بشدة و ستقول بأن ساعاتي انا هي اللتي ليست متزامنة وهي اللتي تعطي القراءات الخاطئة. لماذا؟ لانني بالنسبة لك اتحرك للخلف. وشعاع الضوء اللذي ارسلته انا لمقدمة صاروخي يتحرك بالنسبة لي ولك بسرعة الضوء وهذا هو المبدأ الثاني للنظرية النسبية الخاصة. ومن وجهة نظرك انت فانت تري مقدمة صاروخي تتحرك باتجاه شعاع الضوء الذاهب بينما تبتعد مؤخرة صاروخي دائما عن الشعاع المنعكس. وتعطي ساعاتي على الرغم من ذلك ازمنة متساوية لفترتي الذهاب و الارتداد. بينما ساعاتك انت تعطي لفترة الذهاب زمن اقل من زمن الارتداد!!
اذن فمسافرين في الفضاء يتحركان بسرعة نسبية بالنسبة لبعضهما البعض لا يستطيعان تعيير الوقت بشكل مطلق. او بتعبير فيزيائي فان مجموعات اسناد تتحرك بالنسبة لبعضها بسرعة نسبية ثابتة ما في خط مستقيم لايسري الزمان بالنسبة لها بنفس الكيفية.
وهنا رأينا كيف اسقطت النسبية تصور الزمان المطلق لدى نيوتن. كما اننا رأينا ايضا كيف اننا بدون استخدام اي معادلات رياضية نستطيع التوصل الى نتائج هامة. وهذا يعطي ملمح هام لجمال النظرية النسبية.