هناك زعم خاطئ بان اينشتاين قد حطم الهندسة الاقليدية واثبت خطأها. وهذا امر غير ممكن لان الهندسة الاقليدية عمل رياضى مبرهن. وحتى اذا كان عالمنا لا يتصرف وفق الهندسة الاقليدية فان هذا لا يعنى ان الهندسة الاقليدية خاطئة ولكنه يعنى فقط ان اختيار الهندسة الاقليدية للتعبير عن سلوك العالم هو اختيار خاطئ. لذلك دعونا نرى ماقاله اينشتاين نفسه عن الهندسة كما يقول المثل الشعبى قد شهد شاهد من اهلها!.
فى 27 يناير عام 1921 حاضر اينشتاين فى الاكاديمية البروسية للعلوم محاضرة شائقة فى ذكري الاحتفال السنوى بيوم ميلاد الملك كارل فريدرش العظيم مؤسس الاكاديمية. وكان عنوان محاضرته الهندسة والمشاهدة. وفيما يلى ترجمة لهذه المحاضرة. واحب ان اشيراولا اننى لست مترجما محترفا ولم احرص على حرفية الترجمة. ولكننى حرصت على ان تكون الترجمة دقيقة فى معناها كما فهمتها. ولذلك ارجو ان اكون قدمت ترجمة مقبولة للمحاضرة ولا يكون اينشتاين قد وضع الافكارعلى سن قلمى فاكون انا وضعت الكلمات على طرف لسانه!
من المثير فى البداية ان نلاحظ فى محاضرة اينشاين كيف انه تجاهل نظرية الكم. وكان يحلم بوصف سلوك الذرة عن طريق تطوير الهندسة كما هو الحال فى النظرية النسبية. ومن المثير ايضا انه لم يعتبر هندسة ريمان تعارض هندسة اقليدس ولكنها تعميم لها. وكيف انه عندما وجد ان الهندسة الاقليدية لاتلبى كل احتياجاته فاصر على البقاء فى محيطها وبحث عن اقرب تعميم لها. وفيما يلي نص الترجمة:
الهندسة و المشاهدة
تتبوأ الرياضيات مكانة خاصة وسط باقى العلوم. وسبب ذلك أن الثقة فى نظرياتها مطلقة ولا يمكن ان يختلف حولها احد. بينما باقى العلوم يمكن التنازع بشأن محتواها بدرجة او باخرى وهى دائما معرضة لخطر ان تظهر حقائق جديدة تسقطها فى يوم ما. بالرغم من ذلك فليس للباحثين فى مجالات اخرى ان يحسدوا الرياضيين طالما كان هؤلاء الباحثون يبحثون فى الواقع القائم ولا تقوم نظرياتهم على مجرد تصورات فى اذهانهم فقط. وليس من المستغرب ان نصل الى استنتاجات متسقة منطقية اذا أتفقنا من البداية على البديهيات الاساسية وطرق استنباط النظريات من هذه البديهيات. لكن المكانة الكبيرة اللتى تبوأتها الرياضيات تعود الى انها من تمنح باقى العلوم الطبيعية درجة ما من الثقة فى نتائجها وبدونها لا يمكن ان تصل الى هذه الدرجة.
وهنا يظهر لغز حير الباحثين كثيرا عبر كل الأزمان: كيف يمكن للرياضيات وليدة الفكر البشري والمستقلة تماما عن المشاهدة و التجربة ان تطابق الواقع بهذه الصورة الكاملة؟. فهل بامكان الذكاء البشرى فقط وبدون اى مشاهدة او تجربة الوصول الى خصائص الاشياء؟
هنا ساعطى اجابتى اللتى تعبر عن وجهة نظرى بصورة سريعة: اذا كانت الرياضيات تتعلق بالواقع فهى ليست معصومة من الزلل. هى فقط مأمونة طالما كانت لا تتعلق بالواقع القائم. لقد اتضح لى هذا الامر جليا خلال ذلك الاتجاه الرياضى المعاصر اللذي يعرف بالمسلماتى Axiomatics واللذى يجعل الرياضيات اكثر عمومية. فالتقدم اللذى حققه هذا الاتجاه هو انه فصل بين ما هو شكلي -صياغي- منطقى عن ما هو عينى منظور. وما يشكل مادة الرياضيات فى هذا الاتجاه هو فقط الشكلي -الصياغي- المنطقى وليس اى محتوى منظور يتم ربطه مع الصياغة.
دعونا نري اي مسلمة من مسلمات الهندسة: مثلا بين اى نقطتين يمر خط واحد مستقيم. فكيف يمكن ان نفسرها من خلال وجهتى النظر القديمة والحديثة؟
التقسير القديم: الكل يعرف ما هو الخط المستقيم وما هى النقطة. اما مصدر هذه المعرفة سواء كان من الثراء الروحى البشري او من المشاهدة او من الأثنين معا او من اى مصدر اخر فذلك امر لا يشغل الرياضى ويدع البحث فيه الى الفيلسوف. واعتمادا على هذه المعرفة المسبقة تكون المسلمة واقعة. بمعنى ان جزء من تجلياتها هو امر قبلي.
التفسير الحديث: الهندسة تتعلق باشياء ترمز اليها بكلمات ك: مستقيم ونقطة الى اخره. وهى لا تشترط اى معرفة مسبقة بها. فقط تشترط الصحة الشكلية -اي الخالية من اى محتوى منظور او مكتسب من الخبرة- لأى مسلمة يتم تشكيلها لاحقا باستخدام هذه الكلمات. وهذه المسلمات هى من ابداع العقل البشري. والنظريات الرياضية هى نتائج منطقية لهذه المسلمات البليغة. والمسلمات تعرف اولا الأشياء اللتى سوف تتعامل الهندسة معها. وقد اصاب شليك Schlick كبد الحقيقة عندما وصف المسلمات فى كتابه حول نظرية المعرفة بأنها “تعريفات ضمنية”.
وبذلك الفهم المسلماتى المعاصر تنقي الرياضيات نفسها من كل ما لا ينتمى اليها وتزيح ذلك الغموض المظلم اللذى علق باساسياتها. وهذه التنقية توضح ان الرياضيات لا تستطيع ان تقول شيئا حول الواقع القائم ولا حتى حول أي تصور له. فالنقطة والمستقيم الى اخره كلها مفاهيم بلا محتوى فى الهندسة المسلماتية. وما يعطيها محتوى لا ينتمى الى الرياضيات!
لكن من ناحية اخرى من المؤكد ان الرياضيات بصفة عامة والهندسة بصفة خاصة تدين بنشأتها الى الحاجة لمعرفة خواص الاشياء الحقيقية. فكلمة هندسة Geometry ترجمتها الحرفية قياس الأرض: وقياس الأرض يتعلق بالعلاقة المكانية -الهندسية- لبعض الأجسام الطبيعية بالنسبة لبعضها: تحديدا اجزاء من الارض واشرطة وقضبان القياس الى اخره. لكن من الواضح ايضا ان منظومة مفاهيم الهندسة المسلماتية وحدها لا تستطيع ان تقول شئ عن تلك الاجسام اللتى نصفها عمليا بالجاسئة. ولكى تقول الهندسة شيئا عن هذه الاجسام لابد ان تفقد حلتها المنطقية المجردة بحيث يمكن الربط بين المفاهيم المجردة مع الواقع المعاش. ولكى يصنع الانسان ذلك الامر لابد ان يضيف النظرية التالية:
“الاجسام الصلبة تتصرف بالنسبة لخواصها المكانية -الهندسية- كأجسام هندسة اقليدس الفراغية”. ففي هذه الحالة تصف نظريات هندسة اقليدس خواص الأجسام الجاسئة عمليا.
ومن الواضح أن الهندسة المكملة على هذه الصورة أصبحت أحد العلوم الطبيعية. بل يمكن أعتبارها اقدم فروع الفيزياء. فنتائجها قائمة على تعميم المشاهدة وليس على الاستدلال المنطقي فقط. ونحن نريد ان نطلق على هذه الهندسة المكملة اسم “الهندسة العملية” لنميز بينها وبين “الهندسة المسلماتية الخالصة” . والتساؤل حول اذا كانت الهندسة العملية للعالم اقليدية ام لا هو سؤال له معنى واضح واجابته تستلهم من المشاهدة فقط. وعلى ذلك تكون كل قياسات الطول فى الفيزياء وكذلك القياسات الطولية فى المساحة والفلك هي هندسة عملية اذا وضعنا فى الأعتبار النظرية المساعدة التالية: “الضوء ينتشر فى خط مستقيم بالمفهوم الهندسى العملي”.
وانا اعطى وجهة النظر هذه فى فهم الهندسة اهمية خاصة لان بدونها لما استطعت ان اصيغ النظرية النسبية. فبدونها لما وصلت الى هذا التقدير: حيث أن هندسة اقليدس لا تسري بالنسبة لمجموعة اسناد تدور بالنسبة لمجموعة اسناد قصورية -وذلك بسبب انكماش لورنتر- فاذا اردنا مساواة مجموعات الاسناد الدوارة بغيرها فى القدرة على اسناد الاحداث الفيزيائية فيجب ان نتخلي عن الهندسة الاقليدية. وبدون وجهة النظر هذه لتم وأد الخطوة الحاسمة اللتى نقلتنا الى اعتماد نفس معادلات الفيزياء بغض النظر عن مجموعات الاسناد اللتى ترصدها.
واذا رفض الانسان العلاقة بين اجسام الهندسة الاقليدية المسلماتية والاجسام الجاسئة عمليا سيصل الى نتيجة تبناها بصفة خاصة هنرى بوان كاري Henri Poincaré صاحب الرؤية العميقة الثاقبة تقول: وسط كل الهندسات المسلماتية تتميز الهندسة الاقليدية ببساطتها!. وحيث ان الهندسة المسلماتية لاتقول وحدها شيئا عن الواقع القائم بل لابد ربطها أولا مع نظريات فيزيائية فمن الممكن بل من المفضل ان نتمسك بهندسة اقليدس فقرار تعديل الهندسة الاقليدية فى حالة ظهور تناقضات بينها وبين المشاهدة سيظل الأهون على قلب المرء. وحتى اذا رفض الانسان العلاقة بين الاجسام الجاسئة عمليا والهندسة فلن يتخلص بسهولة من أعتقاده المتأصل فيه ان عليه أن يتمسك بالهندسة الاقليدية لأنها ابسط الهندسات!
لكن لماذا يرفض باحثون من امثال بوان كاري العلاقة بين الهندسة والواقع؟ السبب بكل بساطة ان اجسام الواقع القائم -عند دراستها بدقة- ليست جاسئة. فخواصها الهندسية تعتمد على مؤثرات خارجية كدرجة الحرارة والقوى الخارجية الى اخره. وبهذا نجد ان العلاقة بين الواقع و الهندسة تم تحطيمها. ويجد الانسان نفسه مضطرا الى قبول الفكرة التالية اللتى تمثل وجهة نظر بوان كاري: الهندسة G لا تقول شيئا عن الواقع. فقط الهندسة متضامنة مع بعض النظريات من الفيزياء P يستطيعون ذلك وبحيث يقع مجموع الهندسة G والفيزياء P تحت حكم التجربة والمشاهدة. وبامكاننا ان نختار الهندسة G وتلك النظريات الفيزيائية المشار اليها عاليا كيفما اتفق. فالأختيار هو عملية اصطلاحية. لكن المعيار الحاسم لاختيارنا هو الا تتناقض الهندسة G وكل الفيزياء P مع المشاهدة فى النهاية. بهذا الفهم يكون المكونان اللذان اصطلحنا على اختيارهما: -الهندسة المسلماتية من ناحية والنظريات الفيزيائية المصطفاة من ناحية اخرى- متساويين أمام نظرية المعرفة.
وانا اري ان بوان كارى كان بعيد النظر و محقا فى وجهة نظره. نحن لانجد مكافئا فى الواقع للمفاهيم الأساسية الواردة فى نظرية النسبية كاجسام وساعات القياس بشكل كامل. وكل الاجسام الصلبة و الساعات الموجودة لا يمكن أن تلعب دور العناصر الغير قابلة للتجزئة فى منظومة المفاهيم الفيزيائية. فهى اشياء مركبة لا يجوز ان تلعب دورا مستقلا فى بناء الفيزياء النظرية. مع ذلك فنحن مضطرون الى اعتبارها مفاهيم مستقلة مراعاة لمستوى الفيزياء النظرية اليوم . فنحن مازلنا بعيدين جدا عن الوصول الى اساس نظري متين لبناء الذرة نستطيع بواسطته ان نفهم سلوك تلك الأشياء المركبة.
اما بالنسبة لاعتراض عدم وجود اجسام جاسئة فى الواقع فعليا وافتراض أن ذلك لا ينسجم مع الفيزياء فهذا ليس اعتراض عميق كما قد يبدو من النظرة السطحية الأولي. فليس من الصعوبة بمكان تحديد الحالة الفيزيائية الكاملة لأجسام القياس بحيث تكون خواصها الهندسية محددة بالنسبة لبعضها بشكل قاطع وبحيث تستطيع ان تشكل بديلا للأجسام الجاسئة. ونحن نبنى خصائص باقى الاجسام الجاسئة عمليا من اجسام القياس هذه.
دعونا الأن نطلق مفهوم “مسافة” على علامتين موجودتين فوق جسم جاسئ عمليا. ودعونا نتخيل جسمين جاسئين عمليين توجد على كل منهما مسافة. ثم دعونا نعرف تساوي المسافات بانه امكانية جعل احد هاتين المسافتين تتطابق مع الاخرى دائما. والهندسة العملية تشترط صحة المسلمة التالية المستوحاة من المشاهدة:
اذا كانت هناك مسافتان فى مكان ما ووقت ما متساويتين فهما دائما وفى كل مكان متساويتان.
ولا تعتمد الهندسة الأقليدية العملية وحدها على هذه الشرط بل كذلك يفعل اقرب تعميم لها اى الهندسة الريمانية العملية وبالتالي تفعل النظرية النسبية العامة. اما عن المشاهدات اللتى تدعم صحة ذلك الشرط فاذكر مثالا واحدا: ظاهرة انتشار الضوء فى الفراغ تنسب الي كل نافذة زمنية محلية مسافة تناسبها تعرف بالمسافة الضوئية و العكس صحيح. وبالتالى توجد فى النظرية النسبية مسلمة اخرى تشبه المسلمة السابقة لكن بالنسبة للزمن. ويمكن ان نصيغها كالتالي:
اذا سارت ساعتان مثاليتان فى مكان ما -يجب ان تكونا متجاورتين تماما- ووقت ما بنفس السرعة فانهما تسريان فى كل مكان وفى أى وقت بنفس السرعة.
واذا لم تتحقق هذه المسلمة بالنسبة للساعات الطبيعية لما تساوى التردد الخاص بالذرات الكيميائية من نفس النوع كما توضح المشاهدة. وشكل خطوط الطيف الدقيق جدا يشهد بصحة تلك المسلمة من مسلمات الهندسة العملية. وانطلاقا من هذه المسلمات الضرورية نصل الى مفهوم البعد Metric فى متصل continuum ريمانى زمانى مكانى رباعى الأبعاد.
التساؤل الان حول اذا كان ذلك المتصل الرباعي اقليدي او لا هو سؤال فيزيائى تأتى اجابته من المشاهدة وليس له علاقة بمغزى الاصطلاحات اللتى اتفقنا حولها. والهندسة الريمانية سوف تكون سارية ايضا اذا اقتربت نتائج المشاهدة مع نتائج نظرية اقليدس عندما تصغر المناطق الزمكانية.
وعلى الرغم من أن هذا الفهم للهندسة سوف يفشل عند تطبيقه على المسافات تحت ذرية لكنه ربما يحتفظ بجزء من اهميته اذا اردنا معرفة تركيب الجسيمات الأولية. فمفهوم الحقل اللذى توصل اليه الانسان عند تعامله مع المسافات الكبيرة قد يستطيع ان ينقله الى العالم تحت الذري واللذى يكون الجسيمات الأولية. ومدي نجاح هذه المحاولة يحدد وحده امكانية توسيع المجال اللذى عرفت من أجله المفاهيم الاساسية لهندسة ريمان ليشمل حقائق فيزيائية جديدة. لكن ربما لن يكون هذا النهج مثمرا كما كانت محاولة توسيع مفهوم الحرارة على جزيئات المادة.
اما محاولة توسيع مفاهيم الهندسة العملية على المسافات الكونية الواسعة فمشاكلها اقل. صحيح بامكان انسان ان يعترض انه كلما كبرت المسافات كلما ابتعدنا عن حالة المثالية ولا يمكن ان يكون بناء فى حجم الكون جاسئا. لكن هذا ليس اعتراض جوهري. ويبدو لي بلا شك ان سؤال هل الكون منتهى ام لا هام جدا من وجهة نظر الهندسة العملية. واعتقد انه ليس بعيدا ان نحصل على اجابة لهذا السؤال من قبل الفلكيين قريبا. ودعونا نتذكر مااللذى تقوله النظرية النسبية العامة فى هذا الشأن! انها تقول توجد امكانيتان بالنسبة للكون:
1 ان يكون الكون لانهائي مكانيا. وهذا يكون ممكنا اذا تلاشت كثافة المادة المتركزة فى النجوم فى المتوسط. وهذا يعنى ان النسبة بين الكتلة الكلية للنجوم بالنسبة لحجم الكون اللذي تتناثر عليه تقترب باستمرار من الصفر كلما وسع الانسان المنطقة اللتى يدرسها فى الكون.
2 أن يكون الكون منتهى مكانيا. وهكذا يكون الأمر اذا كانت كثافة المادة المقاسة الموجودة فى الكون اكبر من الصفر. مع مراعاة طبعا انه كلما كبر حجم الكون كلما قلت كثافة المادة فى المتوسط.
وانا لا اريد ان اغفل عن ذكر ان هناك سبب نظري يدعم فرضية الكون المنتهي. النظرية النسبية العامة تقول ان القصور الذاتى لجسم يزداد كلما زادت الكتل المقاسة فى جواره. ويبدو ان القصور الذاتى لجسم ما يحصل عليه حصريا من التفاعل المتبادل مع باقى الكتل الموجودة فى الكون تماما كما ان الوزن فى نظرية نيوتن ينشأ نتيجة تفاعل الأجسام فيما بينها. ونستطيع ان نستنبط من النظرية النسبية ان القصور الذاتى يتولد بشكل كامل عن التفاعل المتبادل بين الكتل -مثلما كان يطالب بذلك ارنست ماخ Ernst Mach مثلا – فى حالة واحدة فقط وهى ان يكون الكون منتهيا.
لكن هذه الحجة ليس لها تأثير كبير على الفيزيائيين والفلكيين. ويؤمنون بأن المشاهدة وحدها هى الحكم فى هذه المسألة. لكن أي مشاهدة؟ قد يعتقد شخص ان كثافة المادة فى المتوسط يمكن ان نحصل عليها من خلال الجزء المرأى من الكون. لكن هذا أمل خادع. فتوزيع النجوم المرأية غير منتظم بشكل هائل ولا يجوز ان نغامر بافتراض ان توزيع المادة فى الكون يشبه توزيع المادة فى مجرة درب التبانة! فمهما كبرت المنطقة الفلكية اللتى يدرسها الأنسان فربما ساوره قلق انه خارج هذه المنطقة لا توجد نجوم على الأطلاق! على ذلك فتقدير الكثافة المتوسطة للمادة يبدو مستحيلا.
لكن هناك طريق اخر يبدو لى اكثر واقعية وان كان يحتوى أيضا على صعوبات كبيرة. اذا بحثنا عن الاختلافات الفكلية اللتى تشترطها النظرية النسبية مقارنة بنظرية نيوتن بالقرب من الاجسام عالية الكتلة لوجدنا هذا الأمر متحققا فى كوكب عطارد. وفي حالة كون الكون منتهيا سيكون هناك ايضا اختلاف اخر عن نظرية نيوتن واللذى يمكننا ان نعبر عنه بلغة نيوتن كالتالي: يبدو حقل الجاذبية وكأن هناك مؤثر اخر يساهم فى تشكيله بالاضافة الى الكتل المقاسة. فيبدو كما لوكانت هناك كثافة سالبة موزعة بشكل منتظم على الكون. لكن حيث ان هذه الكثافة السالبة صغيرة جدا فلا يمكن ان نلاحظ تأثيرها الا من خلال منظومة مترامية الأطراف.
واذا افترضنا أنا نعلم التوزيع الاحصائي للنجوم فى درب التبانة وكذلك كتلهم فبامكاننا حساب الحقل الجاذبى طبقا لنظرية نيوتن وكذلك يمكن ان نحسب السرعة اللتى لابد ان تتحرك بها النجوم حتى لاتنهار مجرة درب التبانة نتيجة التأثيرات المتبادلة بين النجوم وبعضها ويبقى اتساع المجرة ثابتا. فاذا كانت السرعة المقاسة فى المتوسط اللتى تتحرك بها النجوم اقل من المحسوبة فان هذا قد يكون الدليل على ان الجاذبية عبر مسافات واسعة اقل من الناتجة عبر نظرية نيوتن. ومن هذا الأختلاف يستطيع الانسان ان يصل بشكل غير مباشر الى ان الكون منتهي بل وقد يستطيع ان يقدر حجمه.