يبدو العنوان للوهلة الاولى غريبا وقد يبدو مضحكا. فالمعروف عن الجاذبية انها قوة تؤثر في الاجسام المادية فهل تؤثر قوة الجاذبية ايضا في الزمن وتقيده بل وقد تمنعه من الحركة؟ نعم هذا ماتوصل اليه اينشتاين عن طريق تجاربه الذهنية حول الجاذبية!!
فقد توصل اينشتاين الى ان التسارع و الجاذبية هما وجهان لعملة واحدة و ان انسان محبوس في غرفة مغلقة فوق سطح الارض لا يمكنه ان يدرك ان كان فعلا فوق سطح الارض او انه في الفضاء ويتم تعجيله بعجلة قيمتها 10 مترفي الثانية المربعة. راجع الربط التالى اللذي تحدثنا فيه عن هذا الموضوع. بناء على هذا فان التسارع نسبي ونستطيع ان نحيل مسائل الجاذبية الى مسائل التسارع ونستطيع ان نحيل مسائل التسارع الى مسائل الجاذبية وسنحصل في كلتا الحالتين على نفس النتيجة. وحيث اننا نبحث اليوم حول تأثير الجاذبية على الزمن فسوف نستخدم الحل السحري وندرس تأثير التسارع على الزمن!!
لنتخيل ان هناك صاروخ في الفضاء يتحرك بعجلة تسارعية. وتوجد في ارضية الصاروخ وفي سقفه ساعتان متماثلتان تماما وتعملان بنفس الكيفية. ثم يتسلق راصد الى سقف الصاروخ ليراقب كيف تعمل الساعتان. ولنتخيل ان كلتا الساعتين ترسلان ومضة ضوئية كلما عملت تكة. اذن فعلى الراصد ان يرصد الفارق الزمني بين ومضتي ضوء متتاليتين قادمتين من اسفل ويقارنه بالفارق الزمني لتكات الساعة الموجودة بجواره في سقف الصاروخ. لكن حيث ان سقف الصاروخ يتحرك بعجلة تسارعية الى اعلى فأن سقف الصاروخ يبتعد دائما عن شعاع الضوء القادم من اسفل. وبناء عليه سيلاحظ الراصد ان الفارق الزمني بين ومضتي ضوء قادمتين من اسفل اكبر من الفارق بين تكات الساعة الموجودة بجواره وسوف يستنتج ان الساعة الموجودة في اسفل الصاروخ تؤخر.
ولو فرضنا ان هناك راصد اخر يقف على ارضية الصاروخ ويراقب الساعة الموجودة في السقف فماذا سوف يري؟ نفس الشئ ولكنه سوف يرى ان الساعة الموجودة في السقف تعمل بشكل اسرع من الساعة الموجودة بجواره.لماذا؟ لان الشعاع القادم من السقف يقطع دائما مسافات اقل لان ارضية الصاروخ تتحرك بعجلة الى اعلى لتقابل شعاع الضوء القادم من فوق.
وأحب ان انوه ان هناك فارق كبير بين تأخير الزمن في النظرية النسبية العامة عنه في النظرية النسبية الخاصة. ففي النظرية النسبية الخاصة يرى كلا من الراصدين في مجموعتي الاسناد ان زمن مجموعة الاسناد الاخري هو اللذي يؤخر ويسري ببطء. اما في النظرية النسبية العامة فالتأخير يسري في اتجاه واحد. لان احد الراصدين يرى ان الزمن في مجموعة الاسناد الاخري هو اللذي يؤخر بينما يري الراصد الثاني ان الزمن في مجموعة اسناد الراصد الاول هو اللذي يسري بشكل اسرع.
اذن فقد راينا أن التسارع يؤثر على الزمن. وبالتالي فالجاذبية تؤثر على الزمن ايضا. نقطة. ومن اول السطر!!
من هنا نستطيع ان نستنتج ان الساعات تبطئ عند وجودها في مجال جاذبية قوي وتعمل بشكل اسرع عندما تبعد عنه. وان انسان يعيش عند سفح الجبل يعيش اطول من انسان يعيش عند قمة الجبل حتى لو كان لكل منهما نفس العمر بالنسبة لمجموعة اسناده!!
لكن هل هناك اثبات عملى لهذا ؟ ام ان هذه مجرد شطحات وتخاريف؟ بلى. وهنا سأذكر برهانين عمليين يدعما تأخير الزمن وفقا للنظرية النسبية العامة.
البرهان الاول: في عام 1960 في جامعة هارفارد قام الاستاذ باوند و مساعده ربكا بعمل اول تجربة عملية دقيقة للتحقق من تباطؤ الزمن في النظرية النسبية العامة. فقد وضعا ساعة ذرية عند قمة برج ارتفاعه اثنان وعشرون مترا ونصف المتر وساعة اخري مشابهة تماما عند سطح الارض. واثبتت التجربة فعلا ان الساعة الموجودة على الارض تؤخر بالنسبة للساعة الموجودة عند قمة البرج وبنفس المقدار اللذي تنبأت به النظرية النسبية العامة.
اما البرهان الثاني وهو في الحقيقة تطبيق عملى للنظرية النسبية العامة على الاقمار الصناعية. فلكي تعمل الاقمار الصناعية بصورة صحيحة يجب مراعاة ان الزمن يسري عندها بصورة اسرع منها عندنا على الارض ويجب مراعاة هذا لظبط الاشارات الصادرة من القمر الصناعي و لو لم نفعل هذا لاخطأت السيارات اللتى تستخدم اجهزة الملاحة المنعطف اللذي يجب ان تنعطف عنده بعدة كيلومترات وايضا لاخطأت ما يسمي بالصواريخ الذكية اهدافها بعشرات الكيلومترات!!