وصل العدد صفر الى اوروبا بعد معاناة شديدة ومحاولات مستميتة من جانب الفلاسفة ورجال الدين ورجال السياسة على حد سواء لمنع الصفر من الانتشار ووأد فكرته من الاساس. لكن بعد وصول الصفر الى اوروبا لم يعد هناك عائق فى العالم يمنع من تطور الرياضيات حتى وصلت الى الشكل اللتى نعرفها عليه اليوم.
لكن مع ذلك ومع وصول الصفر الى مكانته الحالية لابد من الاعتراف باننا لا نحن ولا اجدادنا قد فهمنا الصفر ونستخدمه بالشكل السليم فى حياتنا اليومية. فنحن مازلنا نرتكب نفس الاخطاء اللتى كان اجدادنا يصنعونها حينما كانوا يتعاملون مع الصفر. و اوضح مثال لذلك يتجلى فى عملية الترقيم فاننا نبدأ عد الاشياء دائما من العدد واحد. فاذا اردنا مثلا ان نعد ثلاثة اكواب فاننا نعدها على النحو التالى: واحد اثنان ثلاثة. ويكون العدد الكلى ثلاثة. وهنا قد يسأل سائل: وما العيب فى ذلك؟ والاجابة ان كل من عنده المام بعض الشئ بلغات برمجة الحاسوب يعلم ان الترقيم فى لغات البرمجة لايبدأ من العدد واحد ولكن من العدد صفر. فاننا اذا اردنا ان نعد ثلاثة اشياء فاننا نعدها هكذا : صفر واحد اثنين . ويكون العدد الكلى ثلاثة. وهنا نلاحظ ان العدد الكلى يزيد دائما عن اخر عدد مرقم بواحد. وقد يتعجب انسان من هذا التعقيد ومافائدة ان ابدأ الترقيم بالصفر وخاصة انه فى هذه الحالة على الانسان ان يتذكر رقمين: اخر عدد تم الوصول اليه بالاضاف الي العدد الكلى. اما في حالة بدء العد من واحد فاننا علينا ان نتذكر رقما واحدا فقط!! ولكي نوضح اين يكمن الخطأ ينبغى ان نقوم برحلة في التاريخ نستعرض خلالها قصة التقويم الميلادي ومدي ارتباط ذلك بسؤ استعمال الصفر.
التقويم الميلادي اللذى نستخدمه اليوم هو تقويم شمسي يرجع اصله الى قدماء المصريين. فقد اكتشف قدماء المصريين ان الشمس تحتاج الى 365 يوما لكى تصنع دورة كاملة حول الارض. ولذلك فقد قسموا السنة الى 12 شهر يتكون كل شهر من 30 يوم تماما ثم اضافوا فى النهاية 5 ايام مقدسة تقام فيها الاعياد والاحتفالات الدينية. وقد اخذ اليونانيون والرومان من بعدهم بهذا التقويم المصري القديم ولكنهم عدلوا فى اسماء الشهور وعدد ايامها. فقد كان كل حاكم يطلق اسمه على شهر من الشهور ثم يطيل فى عدد ايامه حتى يكون الشهر اللذي يحمل اسمه عظيما. ولذلك وصل عدد ايام بعض الشهور الى 31 يوما وبعضها الى 30 او حتى 28 يوم. وظل الامر هكذا حتى وصل يوليوس قيصر الى الحكم. فثبت الشهور على الصورة اللتى نعرفها عليها اليوم واضاف تعديلا جوهريا على التقويم القديم وهو مفهوم السنة البسيطة والسنة الكبيسة.
فلقد اكتشف الفلكيون الرومان ان الشمس تحتاج الى اكثر من 365 يوما لكى تصنع مايبدو وكأنه دورة كاملة حول الارض. فقد اكتشف الرومان ان طول السنة هو 365 يوما و6 ساعات تقريبا. اي لكى تصنع الشمس 4 دورات متتالية فانها تحتاج 4 مرات 365 يوم زائد يوم اضافي. ولكي تكون السنة الشمسسية معبرة عن الواقع قرر يوليوس قيصر ان يكون طول شهر فبراير كل 4 اعوام 29 يوما وماعدا ذلك يكون طوله 28 يوم. ونحن نطلق على هذا التقويم التقويم اليوليانى نسبة الى يوليوس قيصر.
وبعد انتشار المسيحية فى اوروبا اعتمدت الكنيسة التقويم اليوليانى لتحديد الاعياد المختلفة وتم اختيار عام ولادة السيد المسيح ليكون بداية التقويم. وكان الاعتقاد فى البداية ان التقويم اليولياني دقيق جدا ويمكن الاعتماد عليه بصورة جيدة. لكن مع مرور الزمن اتضح ان التقويم اليولياني ليس دقيقا تماما وابتدأت المشاكل تظهر خصوصا بما يتعلق بتحديد مواعيد الاعياد وبخاصة عيد القيامة. وعيد القيامة هو من اهم الاعياد المسيحية اليوم وكان في الماضى هو اهم عيد مسيحى علي الاطلاق وتقوق اهميته اهمية عيد الميلاد بكثير لان عيد القيامة يرمز للفداء والتضحية وهي رموز كانت ترسم صورة المسيحية فى بدايتها الاولى. وتحديد موعد عيد القيامة عملية فلكية معقدة لانه يعتمد على حركة الشمس والقمر في نفس الوقت. فاحد عيد القيامة هو اول يوم احد يأتى بعد ظهور اول بدر فى فصل الربيع. وكما نعلم فان البدر يعتمد على حركة القمر وعلى التقويم القمري اما بداية فصل الربيع فهو يعتمد على حركة الشمس وعلى التقويم الشمسى وينبغى ان يكون دائما يوم 21 مارس حيث يتساوي طول الليل والنهار تماما. لكن في التقويم اليوليانى لم يكن هذا الواقع. فبداية فصل الربيع اخذت تتحرك مع مرور الزمان لتأخذ مواعيد متقدمة. وكان السبب فى ذلك ان الفلكييين الروماننين اخطأوا فى تحديد طول السنة الشمسية ب 11 دقيقة تقريبا. فطول السنة الشمسية ليس 365 يوم و 6 ساعات بل هو 365 يوم و 5 ساعات و 49 دقيقة تقريبا ومعنى ذلك انه كل 100 عام يكون الفارق بين السنتين الاسمية والفعلية 1100 دقيقة اى ما يقل قليلا عن يوم كامل حيث ان اليوم يحتوى على 1440 دقيقة وكل 4 قرون يكون الفارق 3 ايام
وكان الكثير من رجال الدين المسيحيين المكلفين بحساب ميعاد عيد القيامة للاعوام التالية ينبهون الى هذه المشكلة ويوصون ويقترحون حلولا لحل هذه المشكلة. لانه لو استمر الحال هكذا فسوف يأتي يوم تكون فيه بداية فصل الربيع في 25 ديسمبر مثلا او اى تاريخ اخر. وكان من ضمن المنبهين لهذه المشكلة العالم الشهير كوبرنيكوس كما كان الراهب ديونسيوس من اوائل الناس اللذين نبهوا الى هذه المشكلة وسوف نعود الى هذا الراهب مرة اخري لاحقا فى موضوع اليوم. لكن كل اقتراحات هؤلاء ذهبت ادراج الريح فى البداية ولم يهتم احد لهم. واستمر الحال هكذا حتى عام 1582 حيث بلغ الفارق 10 ايام وكانت بداية شهر الربيع يوم 11 مارس بدلا من 21 مارس وهنا قرر البابا جريجوري الثالث عشر اتباع تقويم جديد يعرف باسم التقويم الجريجوريانى نسبة الى البابا جريجوري. وهنا قرر البابا ان يكون اليوم التالى للخميس الرابع من اكتوبر 1582 هو يوم الجمعة الخامس عشر من اكتوبر سنة 1582. اى ان البشر ينامون ويصحون فيتقدم التقويم 10 ايام دفعة واحدة وبهذا يتم ضمان ان تكون بداية الربيع التالى يوم 21 مارس. ولكى يبقى موعد الربيع دائما هكذا و لايتغير كثيرا تم تغيير طريقة تحديد السنوات الكبيسة فهى لن تبقى كما كانت عليه في التقويم اليوليانى. بمعنى انه لن تكون بالضرورة كل 4 سنوات هى سنة كبيسة. لكن تم اعتماد قاعدة جديدة وهى فى السنوات القرنية اى السنوات اللتى تنتهى بصفرين لن تكون السنة كبيسة الا اذا كانت تقبل القسمة على 400. مثلا عام 2000 كان سنة كبيسة لانه 2000 تقبل القسمة على 400 لكن الاعوام 2100 و2200 و 2300 لن تكون سنوات كبيسة. صحيح ان الاعداد تقبل القسمة على 4 ولكن ليس على 400. فقط العام 2400 سيكون مرة اخرى سنة كبيسة. وبهذه القاعدة الجديدة يتم كل 4 قرون اختصار 3 ايام وهذه كانت المشكلة فى التقويم اليوليانى.
واخذ التقويم اليوليانى ينتشر فى البلاد المختلفة حول العالم الواحدة بعد الاخرى واخذت الدول تتخلى عن التقويم اليوليانى. و تعتبر اليونان من اخر الدول اللتى اعتمدث التقويم الجريجوريانى بديلا عن اليوليانى وكان ذلك فى عام 1923. وفى حالة مصر فان الدولة المصرية اعتمدت التقويم الجريجوريانى عام 1875 بينما مازالت الكنيسة القبطية تستخدم التقويم اليوليانى حتى اليوم ولذلك تحتفل الكننيسة القبطية بيوم عيد الميلاد يوم 7 يناير بالتقويم الجريجوريانى لانه يوافق يوم 25 ديسمبر بالتفويم اليوليانى. حيث يبلغ القارق بين التقويمين اليوم 13 يوما. وسوف تحتفل الكنيسة القبطية بعيد الميلاد يوم 8 يناير ابتداءا من الاعوام 2100. حيث سيصبح الفارق بين التقويمين 14 يوم.
كانت هذه رحلة سريعة فى التاريخ تعرفنا خلالها على نشوء التقويم الميلادي. لكن اين يوجد الخطأ المذكور عن استخدام الصفر؟ هنا لابد ان نعود مرة اخرى الى الراهب دينوسيوس واللذي ذكرناه عاليا حيث اكتشف انه هناك خطا فى تحديد عام ميلاد السيد المسيح وانه ولد فعلا فى العام الرابع قبل الميلاد وليس كما كان يعتقد الناس حتى ذلك التاريخ انه كان فى العام الاول الميلادي. وبناء على ذلك فانه فى بداية كل قرن جديد يظهر خطأ جديد قديم يتعلق ببداية القرن الفعلية باشتراط ربطها بميلاد المسيح. وكانت اخر مرة حدث ذلك الخطأ فى العام 2000 حيث كتبت كبريات المجلات العالمية مقالات اشارت فيها الى خطأ تحديد عام ميلاد السيد المسيح وكتبت ان مرور 2000 سنة على ميلاد السيد المسيح حدث فعلا وكان ذلك فى العام 1996. وكان الحساب كالتالى اذا جمعنا الفين زائد سالب اربعة تكون النتيجة 1996. ولكن للاسف فان هذا الحساب خطأ تماما ومرور 2000 سنة على ميلاد السيد المسيح كان عام 1997!!
ولتوضيح ذلك دعونا نتستعرض المثال التالى اذا ولد طفل فى يوم 1 يناير فى العام الرابع قبل الميلاد فمتى سيبلغ عمره 6 سنوات؟ ليس فى العام الثانى الميلادي ولكنه فى العام الثالث الميلادي!! حيث:
1 يناير فى العام الرابع قبل الميلاد تمت ولادة الطفل
1 يناير فى العام الثالث قبل الميلاد يكون عمر الطفل عام واحد
1 يناير فى العام الثانى قبل الميلاد يكون عمر الطفل عامين
1 يناير فى العام الاول قبل الميلاد يكون عمر الطفل 3 اعوام
وهنا انتبهوا يتبع العام الاول قبل الميلاد العام الاول الميلادي و لا ووجود للعام صفر
1 يناير فى العام الاول الميلادي يكون عمر الطفل 4 اعوام
1 يناير فى العام الثانى الميلادي يكون عمر الطفل 5 اعوام
1 يناير فى العام الثالث الميلادي يكون عمر الطفل 6 اعوام!!
وليست هذه المشكلة الوحيدة المتعلقة بالصفر بل هناك مشكلة اخرى تتعلق ببداية القرن الجديد. مثلا احتفلت كل دول العالم عام 2000 ببداية الالفية الثالثة. لكن هل هذا صحيح؟ هل ابتدأت الالفية الثالثة فعلا فى العام 2000؟ الاجابة لا فالعام 2000 كان اخر عام فى الالفية الثانية وبداية الالفية الثالثة كان فى العام 2001. وهذا بالطبع لاننا اذا ابتدأنا الترقيم من واحد فتكون مائة هى العدد المتمم للمائة ولكن اذا ابتدأنا الترقيم من الصفر فسيكون العدد 100 هو بداية القرن الجديد!!
في النهاية يجب ان ننوه انه فى العلوم التطبيقة لا يتم استخدام اي من التقاويم السابق ذكرها فى المقال ولكن هناك تقاويم مختلفة يتم استعمالها. مثلا هناك التقويم اليوليانى الفلكى. وهو ليس له علاقه التقويم اليوليانى اللذى ذكرناه عاليا ولكنه مجرد تشابه اسماء. وهذا التقويم افترحه فلكى فرنسى اسم جوزيف سكاليجر وقد اعطاه هذا الاسم تكريما لوالده اللذى كان اسمه يوليوس. وفيه يتم عدد الايام المنصرمة من تاريخ حدده بشكل عشوائى وهو 1 يناير عام 4713 قبل الميلاد. وفي ميدان البرمجيات هناك تقويم مشهور باسم توقويم يونيكس وهو يقيس عدد الثوانى المنصرمة منذ 1يناير سنة 1970 ميلادية!!