تعد الولايات المتحدة الأمركية الفائز الأكبر جراء الحرب العالمية الثانية. وكذلك كان الحال نفسه بعد الحرب العالمية الأولى. ولكي نتعرف على قصة هذ الفوز فهناك أربع خلفيات تتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية. فياحبذا لو نتعرف عليها أولا.
النقطة الأولي: الولايات المتحدة الأمريكية هى من أقدم دول العالم اللتى تنتهج النظام الديموقراطي. بل أنها من أقدم دول العالم على الأطلاق سواء كانت ديموقراطية ام لا. وربما تكون هذه النقطة مفاجئة للبعض. فالبعض يخلط بين مفهومي: الدولة والشعب. فالدولة ليست مفهوما تاريخيا فقط بل هى مفهوم تاريخى وسياسي أيضا. فيشترط مفهوم الدولة مما يشترط ثلاثة أشياء:
- حدود جغرافية شبه ثابتة
- شعب يحتل تلك الرقعة الجغرافية
- نظام حكم مستقر يحدد شكل السلطة بين هذا الشعب على هذه الرقعة الجغرافية وعبر امتداد عمر الدولة.
فاذا اخذنا مثالا الدولة المصرية المعاصرة سنجد ان هناك حدود جغرافية شبه ثابتة شكلت قلب الدولة المصرية حتي اليوم. كما ان هناك شعب سكن هذه الأرض بصورة غير منقطعة عبر الاف السنوات. اما الشرط الثالث المتعلق بثبات نظام الحكم فنجد ان نظام الحكم اليوم ليس له علاقة بنظام حكم الأسر الفرعونية او الدولة الفاطمية او حتى النظام الملكي فى النصف الأول من القرن العشرين. اما فى الحالة الأمريكية فان هذه الشروط متوافرة جميعها منذ القرن الثامن عشر.
أما كون الولايات المتحدة ديموقراطية من عدمه. فكنه الديموقراطية لا يعنينا اليوم لكن يكفينا ان الأمريكيين كانوا يصفون انفسهم بأنهم ديموقراطيون ويفخرون بذلك. بينما كان خصومهم وعلي الأخص هتلر يهاجم الديموقراطية ويقول انها قضت على بلده الأصلي النمسا ووعد بهدم الديموقراطية في ألمانيا. وفي عهده انتهى وجود البرلمان وتم حل جميل الأحزاب سوى الحزب النازي وتم ايقاف مبدأ الفصل بين السلطات فكانت جميع السلطات متجمعة فى يد القائد او الفوهرر. وأهمية هذه النقطة على الاطلاق هو ان نعلم ان الأمور كانت أسهل بالنسبة لهتلر في ان يسالم من يشاء أو يحارب من يشاء. بينما لم يكن الأمر كذلك بالنسبة لروزفلت بل كان محكوما برغبة الأغلبية كما سنرى بعد قليل.
النقطة الثانية: هى التركيبة الديموغرافية للولايات المتحدة الأمريكية. فمما لا يخفى علينا جميعنا ان الولايات المتحدة الأمريكية هى دولة مهجر. لكن ربما ما لا يعلمه البعض ان نسبة الامركيين من أصول ألمانية عالية جدا. ونذكر ان اليوم يعيش فى الولايات المتحدة ما يقرب من 50 مليون امريكى من ذوي اصول المانية بينما يعيش فى المانيا نفسها حوالى 80 مليون المانى. ومن مشاهير الامريكيين ذوي الأصول الألمانية الرئيس الامريكى الحالى دونالد ترامب ومن قبله الرئيس ايزنهاور اللذى كان ايضا قائد القوات الامريكية في الحرب العالمية الثانية. ومن العلماء المشهورين البرت اينشاتين ومن الفنانين الفيس بريسلى وليوناردو دي كابريو وبروس ويليس وانجيلينا جولى والعديدون جدا. وربما تبلغ نسبة الألمان فى بعض الولايات كداكوتا الشمالية حوالى 50%. وكان كذلك الوضع وقت اندلاع الحرب الحرب العالمية الثانية.اما ايطاليا العدو الثانى لأمريكا فى الحرب العالمية الثانية فكانت ايضا نسبة المهاجرين منها عالية جدا. وربما شكل ألأمريكيون من اصلين الماني وايطالي فى اماكن كثيرة اكثر من 50% من عدد السكان. ولذلك يمكننا ان نتوقع ان تكون نسبة كبيرة منهم لاتود ان تخوض الولايات المتحدة الأمريكية حربا ضد بلدهم الأصلى. بل وكانت هناك نسبة ذات توجه نازي كانت ترى أن على الولايات المتحدة الأمريكية ان تدخل الحرب لكن بجانب المانيا وليس بجانب المملكة المتحدة. اما العدو الثالت اليابان فكانت ايضا توجد نسبة من الأمريكيين ذوي الاصول اليابانية ولكنها كانت نسبة قليلة. وفى اثناء الحرب العالمية الثانية حدث تمييز عرقى ضد هؤلاء الأمريكيين من ذوي الاصول اليابانية حيث تم ترحيلهم وعزلهم ووضعهم جميعا تحت الأقامة الجبرية. وكان هذا الأمر لا يمكن صنعه بصورة ممنهجة ضد المواطنين الاخرين من أصول ألمانية وايطالية. لأن ذلك كان معناه عمليا وضع نصف سكان الدولة تحت الأقامة الجبرية. وقد قامت الحكومة الأمريكية بعد انتهاء الحرب بالأعتذار للأمريكيين من أصول يابانية. ولا شك ان هذا يتعارض مع النقطة الأولى وكون أمريكا دولة ديموقراطية. ولكن الديموقراطية ليست حالة متطرفة فاما يحصل فيها المرء على العلامة الكاملة اوصفرا. بل ان مستوي الديموقراطية فى البلد الواحد يتغير مداه عبر الزمن صعودا وهبوطا.
النقطة الثالثة: هى الموقف الداخلى للأمريكيين من الدخول فى الحرب العالمية الثانية. فقد كانت الجماهير الأمريكية رافضة تماما الدخول فى الحرب العالمية الثانية. وكانت ترى انه تم توريطها فى الحرب العالمية الأولى توريطا وأنهم قد أدخلوا فى حرب لاناقة لهم فيها ولا جمل. وفى الحقيقة ان هذا الامر غريب حقا. لأن الفائز الحقيقى من الحرب العالمية الأولى كانت الولايات المتحدة الامريكية. فلم تخرج اى دولة فائزة اقتصاديا من تلك الحرب سوى الولايات المتحدة الأمريكية واليابان. اما باقى الدول حتى الفائزة فيها عسكريا كبريطانيا وفرنسا كانت خسارتهما الأقتصادية رهيبة. اما الولايات المتحدة الأمريكية فقد حولتها الحرب العالمية الأولى الى احد أغني الدول فى العالم. لكن بأخذ هذه النقطة فى الأعتبار نرى انه كان من الصعب على الرئيس الأمريكى روزفلت الدخول فى الحرب العالمية الثانية.
النقطة الرابعة: هى القوة العسكرية الامريكية وقت الحرب العالمية الثانية. وهنا قد تفاجئنا معلومة ان امريكا كانت فى هذا الوقت مجرد قوة عسكرية من الدرجة الثانية! صحيح انها كانت من اكبر الدول الصناعية ولكن لم يكن لها شأن فى المسائل العسكرية والحربية . وبالرغم من ان الولايات المتحدة هى من تسببت في نصر الحلفاء في الحرب العالمية الأولى. ألا انها لم تكن سوى القشة اللتى قسمت ظهر البعير.
بعد ان تعرفنا الى تلك الخلفيات الأربع دعونا الان نرى قصة دخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب العالمية الثانية في خمسة فصول.
الفصل الأول يعود بنا الى عام 1940 حيث المنافسة فى الانتخابات الامريكية القادمة محتدمة. وكانت المنافسة محصورة بين الرئيس الحالى فرانكلين روزفلت ومنافسه ويندل ويلكي. وكانت هذه ستكون الدورة الثالثة بالنسبة لروزفلت. فروزفلت هو الرئيس الأمريكي الوحيد اللذي حكم اكثر من دورتين . حيث دامت فترة حكمه من عام 1933 حتى عام 1945. وكان تقييد فترة حكم الرئيس الأمريكي بدورتين فقط مجرد عرف وتوصية اوصى بها الرئيس الأمريكي الأول جورج واشنطون. الا انها لم تصبح فقرة دستورية ملزمة الا فى عام 1952 . وكان موضوع الساعة هو الحرب الدائرة فى اوروبا ومدي امكانية مشاركة الولايات المتحدة فيها. وكان ويلكى من اكبر المعارضين للمشاركة فى تلك الحرب. بينما كان روزفلت يريد ان تشارك الولايات المتحدة بجانب بريطانيا. ولكن كان الرأي العام كما رأينا سابقا ضد المشاركة في الحرب وبأغلبية ساحقة. ورأي روزفلت انه لن يكون له أمل فى الفوز ان اصر على موقفه. فوعد بأنه في حالة اعادة انتخابه فانه سيجنب الولايات المتحدة الدخول في تلك الحرب. الا ان منافسه سخر من وعده هذا. وقال فيما معناه ان وعده لا قيمة له وانه كالقط يعد بأن يحافظ على عصافير الزينة. وقال ان الشعب الأمريكى ان انتخب روزفلت فلا يلومن الا نفسه لأنه راسل ابنائهم الي اتون الحرب العالمية الثانية لا محالة. لكن كانت انجازات روزفلت شافعة له. فهو كان الرئيس اللذى حارب الأزمة الاقتصادية الحادة اللتى كانت قائمة في الثلاثينيات وقضى علي حالة الكساد اللتى كانت سائدة ثم انه تعهد بعدم دخول الولايات المتحدة الامريكية الحرب. فتم انتخابه رئيسا لفترة رئاسية ثالثة.
الفصل الثانى من انتخاب روزفلت حتى ضرب ميناء بيرل هاربور في 7 ديسمبر عام 1941. بعدما تولى روزفلت الرئاسة للفترة الثالثة كان يرى أن مصلحة امريكا فى ان تخوض الحرب بجوار انجلترا. ولا غرابة فى ذلك اذا علمنا ان روزفلت قد حارب كساد الثلاثينيات وما ادراك باكبر نكبة ضربت النظام الرأسمالى العالمي منذ قيامه حتى اليوم بان زاد فى النفقات العسكرية تحسبا للمشاركة فى الحرب العالمية الثانية. بل أنه فى عام واحد رفع الميزانية العسكرية من 2 مليار الى 20 مليار دولار امريكى. أى عشرة اضعاف. كما ان الأقتصاد الأمريكى قد انتعش بفضل بيع الأسلحة الى أنجلترا والأتحاد االسوفيتى والدول المشاركة فى الحرب العالمية الثانية ضد المانيا. كما كان هناك سبب استراتيجى اخر فهو كان يرى انه ليس من مصلحة امريكا ان يحدث حدث عالمى كهذا وتبقى الولايات المتحدة فيه مجرد متفرج.
لكن كما رأينا كان الرأي العام الأمريكى ضد خوض الحرب العالمية الثانية. وكان روزفلت لا يستطيع ان يقول انا أعلم مالا تعلمون ويخوض الحرب رغم الأجماع العام. لكنه ايضا كونه سياسيا بارعا فليس معنى ذلك ان يتخلى عن رؤيته فالرأى العام يتغير. وهنا قام روزفلت بمناورة سياسية فى غاية البراعة حيث قال للأمريكيين ان الأنجليز والفرنسيين هم أصدقاؤنا وهم على نفس مذهبنا فى الأيمان بالحرية وبممارسة النظام الديموقراطي. واليوم اصدقاؤنا هؤلاء يمرون بمحنة عصيبة وبيتهم يحترق فوق رؤوسهم. وهم لا يطلبون مساعدتنا فهم قادرون على اطفاء حريقهم بأنفسهم. لكن اقل مستدعيات الشهامة هي انك عندما تجد بيت جارك يحترق أن تمد له بخرطوم المياه! وبهذا التمثيل البسيط قبل الأمريكيون بانه طالما لم يرسل روزفلت الجنود الأمريكيين الى الحرب العالمية الثانية فله مادون ذلك له ان يفعل مايشاء. سعد روزفلت بهذا جدا فكان كما رأينا يمد الحلفاء بالأسلحة وأطلق على الولايات المتحدة وصف ترسانة الديموقراطية. وكانت لمشاركة روزفلت الغير مباشرة فى الحرب العالمية الثانية صور شتى دعونا نتعرف على بعضها:
كانت انجلترا تعانى من الحصار الألمانى البحري لها. فكانت الغواصات الألمانية تربض تحت سطح الماء بالأيام لا تصدر عنها أية اشارة وبمجرد ان تقترب سفينة متجهة الى انجلترا فتظهر فوق سطح الماء ووتتعامل معها وتغرقها. وكانت بريطانيا فى غاية الأنهاك ولا تستطيع ان تراقب جميع البحار والمحيطات فى العالم. وهنا اصدر روزفلت قرارا ظاهره حماية التجارة الدولية وهو ان السفن الحربية الأمريكية سوف تؤمن اي سفينة تدخل فى عملية تجارية معها أو اى سفينة تعبر الأطلسى بغض النظر عن العلم اللذى ترفعه تلك السفينة. صحيح ان هذا القرار يبدو محايدا فى ظاهره لكن الهدف الحقيقى كان تأمين السفن اللتى تحمل المؤن الى انجلترا. فكان كمن يضع البنزين بجوار النار. فارسلت الولايات المتحدة سفنها الحربية حيث تربض الغواصات الألمانية اللتى قامت بقصد أو بغير قصد بأغراق تلك السفن الحربية. وسقط البحارة الأمريكيون بالأحاد والعشرات والمئات. وكانت كل كل مرة يسقط فيها بحارة امريكيون تزداد امريكا غضبا وندبا وشجبا. مع ذلك لم يكن روزفلت ليجرؤ ويعلن الحرب على المانيا لأنه كان يعلم بمدى رفض الشعب لدخول الحرب. لكن توغل امريكا كان يزداد الى ابعد مدي.
مثال اخر خطير لتورط امريكا غير القتالي في الحرب يلي حادثة درامية أغرقت فيها الغواصات الألمانية بارجة امريكية كبيرة. فقررت الولايات المتحدة الأنتقام والرد بان تدير مستعمرة ايسلندا بدلا عن انجلترا وكان ذلك فى يوليو عام 1941. وبالتالى ستتمكن انجلترا المنهكة واللتى هى بحاجة الى كل جندي من سحب جنودها المرابضين فى ايسلندا والدفع بهم فى الحرب العالمية الثانية لمقاتلة الألمان.
ويعتبر قانون الأقراض والتأجير في مارس من عام 1941 هو اكبر صور تدخل أمريكا فى الحرب العالمية الثانية بصورة غير مباشرة. فعندما افلست انجلترا تقريبا أصدر روزفلت قرارا مقتضاه ان على جميع الشركات الأمريكية ان تلبى جميع طلبات بريطانيا سواء من المؤن او الأسلحة وان من سيدفع الفاتورة هى الولايات المتحدة الأمريكية. وفى مقابل ذلك فستحصل الولايات المتحدة على بعض الأمتيازات العسكرية فى بريطانيا. وقد عمم روزفلت هذا القرار بعد ذلك ليشمل الأتحاد السوفيتى والصين وجميع دول المحور.
اذن كان البنزين يزداد اقترابا من النار. لكن الغريب ان النار لم تشتعل من هذا الجانب ولكن من الجانب الأخر على الجهة الأخري من الباسيفيكي . حيث اتت النار من جانب اليابان.
لم تكن دول التحالف دولا لطيفة بل كانت دول أستعمارية كبرى تستخدم سياسة العصا والجزرة. أما دول المحور فلم تكن أفضل منها. بل انها كانت أكثر قسوة ولم تكن لديها اية جزرة لكن فقط عصا غليطة. أما اليابان فكانت أكثر دول المحور شراسة. ولم تكن حتى تستخدم عصا غليطة لكن سيف ساموراي تقطع به الرقاب وتمثل به بالجثث. وكانت اليابان على خلاف مع جميع جيرانها بلا استثناء. ونحن سوف نتعرف على اليابان فى المرة القادمة.
أصابت انتصارات المانيا السريعة والمتوالية حلفائها بالدهشة بنفس القدر اللذى اصابت بها أعدائها. واحست اليابان ان عليها ان تسرع باستغلال الموقف قبل أن تضيع الفرصة عليها. وكانتا لدي القادة اليابانيين خطتان. الأولى ان يتجهوا شمالا لينقضوا على الأتحاد السوفيتى اللذى تكاد ألمانيا ان تقضي عليه. أو أن يتجهوا جنوبا لينقضوا على جنوب شرق اسيا وأغلبه مستعمرات غربية لبلاد توشك المانيا ايضا ان تقضى عليها. وكان هناك خلاف داخلى حول المسار اللذى يجب ان تنتهجه اليابان. وفى النهاية تم حسم الأمر بان اليابان سوف تتجه جنوبا لتستفيد من الثراوات الطبيعية اللتى حبى الله به جيرانها وبخاصة البترول فى حين ان اليابان نفسها لاتنعم بأى ثروات طبيعية.
لكن هناك مشكلة يدركها كل من ينظر الى خريطة اليابان. فاليابان عبارة عن جزر فى البحر وسواحل جيرانها تبعد عنها بمئات الكيلومترات. أي ان ماستنهبه اليابان من جيرانها لن تستطيع العودة به نظرا لوجود قواعد عسكرية بحرية انجليزية وامريكية فى المنطقة. ولذلك قررت اليابان عمل عسكرية معقدة جدا تشبه اذرع الأخطبوط. ففى نفس الوقت اللتى ستحتل فيه مغانمها ستضرب القواعد العكسرية الانجليزية والأمريكية الموجودة فى المنطقة. وفى يوم 7 ديسمير من عام 1941 ضربت اليابان الأسطول الأمريكي الموجود فى بيرل هاربور وتكاد تكون حطمته تماما. ولكنها بهذا ادخلت الولايات المتحدة الأمريكية فى الحرب العالمية الثانية!
وهنا توجد نقطة ينبغى ان ننتبه لها. فحتى هذه اللحطة لم يكن روزفلت ليجرؤ عل شن الحرب على المانيا. كل مافعله روزفلت هو انه اعلن الحرب على الأمبراطورية اليابانية فقط. لكنه هتلر هو من تبرع وقام بناء على ذلك باعلان الحرب على امريكا. وبذلك يكون اراح علماء التاريخ من الأجابة على سؤال هل كان روزفلت ليجرؤ على اعلان الحرب على المانيا. ولا احد يعلم لماذا تتطوع هتلر بمثل هذا الأعلان اللذى ازاح الحرج السياسي عن خصمه. فماهى كانت دوافع هتلر لفعل ذلك؟ هل هى متتطلبات الزعامة؟ اللتى تجعله دوما يسعى لاصدار القرارات ذات الشأن. ومن هنا نعود الى بداية حديثنا لنرى الفرق بين الدول الديموقراطية والديكتاتورية. ومدي القيود الموجودة على روزفلت بينما كان هتلر شبه حر يفعل مايشاء.
ومن العجيب ان نعلم أن ضربة بيرل هاربر اصابت المانيا بضرر شديد. ليس فقط لانها ادخلت دولة كبيرة كالولايات المتحدة الأمريكية الحرب. بل لسبب اخر وهو ان دول المحور لم تكن تنسق فيما بينها. ولم يكن هتلر يعلم بنية اليابان الهجوم على الولايات المتحدة. وحتى حينما كانت المانيا تتطلب التنسيق العسكرى رد موسولينى بانه لا داعي لذلك والأمور مقسمة بشكل طبيعي فالمانيا لها أوروبا وأيطاليا لها افريقيا واليابان لها أسيا. لكن جواسيس الأتحاد السوفيتى في اليابان علموا بالخبر وعندما اطمئن الأتحاد السوفيتى على حدوده من جهة اليابان سحب جنوده من عند الحدود اليابانية فى عملية سرية وفاجأ بهم القوات الألمانية الموجودة بالقرب من موسكو. فكانت اول هزيمة عسكرية لألمانيا فى الحرب العالمية الثانية. وكانت هذه الهزيمة مؤثرة جدا في مسار الحرب وكانت المسمار الأول فى نعش النازية.
وقبل ان نغلق هذه النقطة هناك معلومة يجب ان نعرفها. وهو ان احد الجنود الامريكيين استطاع رصد الطائرات اليابانية المهاجمة لميناء بيل هاربول قبل وصولها فى الطريق وابلغ بها قيادته. لكن الضابط الموجود فى وحدة القيادة لم يهتم بالامر ولم يبلغه الى الجهة الأعلى منه ظنا منه انها كانت طائرات امريكية. لكن حتى لو وصل الأمر الي القيادات العليا لم يكن ذلك ليغير من حقيقة ان اليابان هى من بدأت بالأعتداء ولم يكن ليغير من دخول الولايات المتحدة الامريكية الحرب. لكنه كان ربما سيغير حجم الخسائر الأمريكية جراء تلك الضربة.
الفصل الثالث يبدأ بعد ضرب قاعدة بيرل هاربور وينتهى قبيل انزال النورماندي في يونيو عام 1944. وما يميز هذه المرحلة ان امريكا دخلت الحرب العالمية الثانية تحت وساطة انجليزية. فقد كان رئيس الوزراء الأنجليزي اسعد انسان بدخول امريكا الحرب العالمية الثانية. واكاد اتخيله عندما اعلن هتلر الحرب على امريكا وكأنه سقط على قفاه من كثرة الضحك او انه جثا على ركبتيه يشكر الله على الحال اللذى وصل اليه. فقد اتته هديتان فى نفس الوقت. ألأولى هو تعثر المانيا لأول مرة فى مستنقع الأتحاد السوفيتى شرقا والثانية هى انضمام الولايات المتحدة الأمريكية بثرواتها الطبيعية اللانهائية وبقدرتها التصنيعية الكبيرة الى قوات الحلفاء غربا. وكان كل من له دراية عسكرية حتى من الألمان أنفسهم يدرك ان المانيا لم يعد بمقدورها ان تكسب الحرب. فقط الزعيم هو من كان يعيش فى اوهامه وأيديولوجياته اللتى لاتسمن او تغنى من جوع على أرض الواقع.
وفى البداية اقنع روزفلت الرأى العام الأمريكى ان التركيز فى المرحلة الأولى ينبغى ان يكون على المانيا وحدها. صحيح ان المعتدى كان اليابان. لكن تم تصوير الامر وفى جانب كبير منه عنصرى ان العدو الأخطر والأهم وعدو الدرجة الأولى هو ألمانيا فهو عدو يفخر الأنسان بأن يحاربه حتى لو أنهزم أمامه. اما اليابانيون فهم مجرد جنس أصفر أساء الأدب وعندما يحين الوقت المناسب سوف يتلقون عقابهم المناسب وزيادة. لذا تم توجيه حوالى 90% من مقدرات الولايات المتحدة باتجاه حرب المانيا وتوجيه 10% فقط باتجاه اليابان!
مع ذلك كان تشرشل مقتنعا ان امريكا فى الوقت الراهن ليست ندا لألمانيا واى مواجهة مباشرة بين الأمريكيين والألمان سوف تنتهى بسحق الأمريكيين وكان يجب اعداد الأمريكيين اولا. فتم البحث عن مسرح عمليات ملائم لأعداد القوات الأمريكية. ووقع الاختيار على شمال أفريقيا. والهدف كان اخراج الفرنسيين من الجزائر والمغرب وأخراج فلول الألمان والأيطاليين من تونس وليبيا. اما لماذا كان ذلك مهمة سهلة. فلأن الفرنسيين كانوا قد خسروا الحرب العالمية الثانية فعلا. راجع ماكتبناه حول موضوع فرنسا. وقام هتلر باحتلال ثلثى فرنسا وترك الثلث الاخير تحت حكم حكومة فرنسية عميلة. اما مستعمرات فرنسا الخارجية فلم يكن هتلر مهتما بها. حيث كان كل أهتمامه موجها نحو اوروبا الشرقية والأتحاد السوفيتى. فابقى على المستعمرات الخارجية تحت سلطة حكومة فيتشى المتعاملة. اما الجنود الفرنسيون فكانت معنوياتهم متدنية. كانوا في معظمهم يرفضون الأستسلام لهتلر وود الكثيرون منهم مواصلة القتال ضد المانيا. ولذلك قام تشرشل بضم ديجول الى التحالف الغربى واعتبره الممثل الشرعى لفرنسا. ولم يكن ضمه لاهداف عسكرية بل لأهداف سياسية ونفسيه بحتة. وجدير بالذكر ان تشرشل كان يحترم ديجول الا ان روزفلت كان يكرهه ولا يرى لماذا يجلس معهم فى المفاوضات ويري فيه طاووسا ارستقراطيا يتصرف وكأنه امبراطور سامي مع انه مجرد عسكرى مهزوم.
ونعود مرة اخري الى فرنسا وامريكا فقد كانت هناك علاقة صداقة خاصة تربط الأمريكيين والفرنسيين. ففرنسا هى من ساعدت امريكا فى حرب التحرر وأهدت لها تمثال الحرية وهى من دربت الجيش الامريكي اثناء الحرب العالمية الأولى. ولذلك صدرت الاوامر للقوات الأمريكية بعدم البدء بأطلاق النار قبل دعوة القوات الفرنسية الى القاء السلاح اولا بل والأنضمام اليها ان سمح الحال. وقد حدث هذا بالفعل فى الجزائر. وفى النهاية لم يكن هناك للفرنسيين دافع كبير لقتال الأمريكيين.
اما القوات الالمانية والأيطالية فكانت خسرت بالفعل معركة العلمين. كما أن التفوق العددي والمادي كان منذ بداية الأمر لصالح الأنجليز. اذن انتهت معارك شمال افريقيا بانتصار سريع للقوات الامريكية والأنجليزية. وكانت القوات الأمريكية القت منشورات باللغة العربية تقول فيها انها تحترم المسلمين والعرب وانه ليست لها أهداف استعمارية وانها دولة مسالمة وان الحرب قد فرضت عليه فرضا.
وفى قمة كازبلانكا او الدار البيضاء الشهيرة في يناير عام 1943 اعلن انتصار القوات المتحالفة فى شمال افريقيا وتم وضع هدف المرحلة القادمة حيث فاجأ روزفلت الجميع وقال على طريقة رعاة البقر الأمريكيين انه تعلم اذا خاض حربا فانه يخوضها حتى النهاية وانه لن يرضى سوى باستسلام كامل وغير مشروط من ألمانيا.
اما نتيجة هذا العملية العسكرية فقد غضب هتلر من اداء فرنسا المتخاذل فهي لم تقم بما عليها فى الدفاع عن مستعمراتها فقام باحتلال الثلث المتبقى من فرنسا واصبحت فرنسا بالكامل تحت الأحتلال الفرنسي ولكنه ابقى على المارشال بيتان كرئيس دمية للجمهورية الفرنسية. وبناء على هذا الاحتلال اصبحت هناك حدود مباشرة بين القوات الأنجليزية على السواحل الأنجليزية والقوات الألمانية على السواحل الفرنسية.
اما عن الخطوة القادمة فحين كان الامريكيون يفضلون الاشتباك مباشرة مع القوات الألمانية وتشكيل جبهة قتال غربية تشكل فك كماشة ثانى بالاضافة الى جبهة القتال الشرقية اللتى يقاتل عليها الاتحاد السوفيتى. كانت انجلترا تخاف بأس الألمان وقالت ان الهدف يحب ان يكون الخاصرة الضعيفة ايطاليا أولا. فبعد ان وضع الحلفاء قدمهم فوق افريقيا فانهم يستطيعون الان العبور الي ايطاليا ثم الانضمام مع قوات الأتحاد السوفيتى شركا لتشكيل جبهة قتالية كبيرة وسحق الجيش الألماني. وبالفعل تم اعتماد الخيار الأيطالي . لكن هذه الخطة لم يكتب لها النجاج بالرغم فعلا من ضعف ايطاليا وسقوطها سريعا.
عندما عبرت قوات الحلفاء البحر الى جنوب ايطاليا لاقت كل الترحيب من جماعات المافيا اللتى كانت تكره موسولينى. فاحد حسنات موسولينى القليلة هو انه كان اكثر مسئول ايطالى حارب المافيا على مر التاريخ. كما ان اهالى جنوب ايطاليا رحبوا بالأمريكيين ترحييا عظيما. فلا تكاد تكون هناك اسرة ايطالية من جنوب ايطاليا الا واحد افرادها هاجر الى الولايات المتحدة الأمريكية.
كما ان الحال فى باقى ايطاليا لم يكن صعبا فبمجرد ان سقطت اول قنبلة فوق روما حتى قام الشعب بثورة ضد موسولينى وتم عزله والقبض عليه. لكن هتلر لم يعجبه هذا الوضع الجديد ولم يقبل به فاجتاح ايطاليا بالكامل واحتلها. واعاد وضع موسولينى مرة اخري على قمة السلطة ولكن كمجرد رئيس دمية كبيتان وعهد بالدفاع عن ايطاليا الى قوات المانية متمرسة فى العمليات الدفاعية. فاصبح تقدم الحلفاء فى ايطاليا مريرا صعبا بدون اى جدوي. فتم ايقاف العمليات العسكرية فى ايطاليا الى أجل غير مسمى.
اما فى المحيط الهادي فكان الوضع ممتازا بالنسبة لليابانيين فى الستة الأشهر الاولى فكانوا يتنقلون من انتصار الى انتصار بدون ان يواجهوا اى مقاومة. فاحتلوا جنوب شرق اسيا بالكامل. حتى ان اليابانيين فكروا باحتلال استراليا. مع ذلك فقد حدث تغير نوعى كبير فقد استطاع الامريكيون كسر الشفرة اليابانية. ولم يعلم اليابانيون بذلك فاصبحت كل تحركاتهم مكشوفة امام الامريكيين. وفى عملية ميدواى اللتى كان اليابانيون يهدفون من خلالها حسم الحرب فى الباسيفيك بصورة نهائية تلقى اليابانيون هزيمة قاسية وتحطمت قوتهم الهجومية بالكامل. واصبحت اقصى امانى اليابانيين هى الدفاع عن انفسهم وعما كسبوا فقط.
الفصل الرابع يبدأ من انزال النورماندي في يونيو عام 1944 حتى قبل القاء قنبلتين هيروشيما ونجازاكي في اغسطس عام 1945. اذن لم يعد هناك بد من القتال المباشر بين التحالف الغربي والألمان بعد ان فشل الخيار الأيطالي. اما بالنسبة للانزال البحرى على سواحل فرنسا فكان هناك احتمالان فقط: اما الانزال عند شواطئ كاليه او عند سواحل النورماندي. وكان لكل خيار ما يميزه. كان يميز كاليه قرب الساحل وما يميز النورماندي هو سهولة التضاريس للعمليات العسكرية. ووقع الاختيار على النورماندي. لكن ابقى هذا الاختيار سرا. وكثيرا ما تم العديد من عمليات الانزال الكاذبة لتشتيت الألمان.
ربما اكون مبالغا ولكنى اعتقد ان انزال النورماندي هى المعركة الوحيدة اللتى قاتل فيها الأمريكيون فهى كانت معركة متكافئة. فلخصمك موقف دفاعى افضل. بينما انت تفوقه فى العدد والعدة وتملك عنصر المفاجأءة. ولكي تتم عملية الأنزال فالامر يتطلب منك شجاعة وتضحية. وبالفعل كان انزال النورمانى مقتلة حقيقية. لم يكن يتوقع الألمان نزول الحلفاء عند النورماندي وكانوا يظنون انه مجرد انزال كاذب جديد. فهم كانوا يتوقعون ان الحلفاء سيقومون بالأنزال فعلا على شواطئ كاليه. وقاتل الألمان بمنتهى البسالة حتى نفذت ذخيرتهم واضطروا الي التراجع وقاتل الحلفاء بشجاعة واستطاعوا العبور. والغريب ان الجنرال ديجول تم تجاهله تماما فى موضوع الانزال ولم يطلعوه على ايه تفاصيل سوي في اللحظات الأخيرة.
وما يميز هذه المرحلة هو نضوج المقاتل الأمريكي حيث شبت امريكا عن الوصاية الأنجليزية وتطورت التكنولوجيا الأمركية وتفوقت على نظيرتها الأنجليزية ففى حين كانت الطائرات الانجليزية تخشى من الطيران نهارا والا اسقطتها المدافع الالمانية امتلك الطيران الامريكى السيطرة الجوية المطلقة وكانت الطائرات الامريكية تقوم بعملياتها نهارا وليلا بلا استثناء. وازدادت كفاءة الرادارات الامريكية بشكل كبيربعد ان كانت من قبل متخلفة جدا .
لكن هذه المرحلة ايضا تلطخت فيها امريكا بجرائم قام بها طيرانها ضد مدن المانية عازلة من السلاح . فكانت قصف مدينة دريسدن الشهير اللذي شارك فيه الطيران الأمريكى بجوار نظيره الأنجليزي فى هذه العملية العسكرية المنكرة. وازدات الريادة التكنولوجيا العسكرية فى هذه الفترة حتى نجحت فى تصنيع القنبلة النووية ونحن سوف نتحدث عن القنبلة النووية فى موضوع منفصل.
وفى هذه الاثناء كان روزفلت نجح ايضا فى دورة رئاسية رابعة ولكن وافته المنية بصورة مفاجئة وتولى الحكم نائبه ترومان. اللذي اصبح ايضا رئيسا منتخبا فيما بعد.
وبوفاة روزفلت ظن هتلر ان حظه قد تغير فقام بفعلة مجنونة. كانت كل التحذيرات اللتى تلقاها وضرب بها عرض الحقائق اصبحت حقائق اليوم. وادرك انه لن يصمد طويلا وهو يخوض حربا على جبهتين واسعتين. وكانت جبهة الأتحاد السوفيتى هى الاصعب. فقرر ان يتخلص من الجبهة الغربية مرة والى الابد. ففى مناورة سرية سحب جنوده من جهة الشرق وقرر ان يضرب بهم الحلفاء فى الغرب ويفاجائهم و يقضى عليهم.
لكن في غياب سلاح جوى واللذى كان قد تم تدميره بالكامل كانت هذه المناورة عملية انتحار كاملة الأركان. فتم تدمير الجيش الألمانى بالكامل ولم تعد هناك قوات موجودة لا فى الشرق ولا في الغرب. وتسابقت جيوش الدول المختلفة الى احتلال المانيا. وتم تقسيم المانيا بين 4 دول هى الاتحاد السوفيتى وامريكا وأنجلترا وفرنسا. وكان نصيب امريكا من المانيا هو الجزء الجنوبى الشرقى حيث تقع جمهورية بافاريا.
الفصل الخامس منذ القاء قنبليتى هيروشيما ونجازاكى حتى اليوم. انتهت الحرب فى اوروبا فى 8 مايو عام 1945 لكن تبقت اليابان. وأتت لحظة الانتقام والحساب. كان اليابانيون يقولوان انهم شعب لايعرف الاستسلام وانهم يقاتلون حتى الموت ولم تكن لامريكا مشكلة فى هذا ولسان حالهم كان يقول اذن سنقتلكم جميعا. وفى 6 اغسطس من عام 1945 حدث امر تاريخى غير عادي. حيث القت الولايات المتحدة بقنبلتها النووية الأولى فوق مدينة هيروشيما وكان الأسم الحركى لهذه القنبلة الولد الصغير وبعد 3 ايام اتبعتها بقنبلة نووية ثانية فوق مدينة نجازاكى وكان الأسم الحركى هذه المرة الولد السمين. ولم تجد اليابان بد واستسلمت.
ومن هذه اللحظة ابتدا عهد السيطرة الأمريكية على مقدرات العالم فى البزوغ. وقامت الولايات المتحدة باخذ المارشال هالدر القائد العام للقوات الألمانية معها الى امريكا لكى يبنى لها الجيش الأمريكى على غرار الجيش الألمانى ونجى هالدر بهذا من حكم الاعدام فى محكمة نورنبرج مع ان اقل منه دورا قد تم اعدامهم
مايميز هذه الحقبة ايضا بدء الحرب الباردة . فحتى قبل انتهاء الحرب العالمية الاولى وقبيل اجتياح برلين بدا الخلاف يدب بين الاتحاد السوفيتى والدول الغربية. وخافت امريكا من الدول العدوة كالمانيا واليابان بل وحتى من الدول الصديقة كايطاليا وفرنسا وبريطانيا ان سقطت فى مستنقع الفقر والأزمات الاقتصادية اللتى تلى الحروب العسكرية فانها سوف تتحول الى الشيوعية. ولذلك قامت الولايات المتحدة بعمل مشروع مارشال اللذى قدمت فيه مساعدات اقتصادية هائلة حتى الى اعدائها المانيا واليابان وبذلك تم تحويلهم الى دول صناعية راسمالية كبرى ولكنها دول صديقة وليست دولا عدوة!!