شكلت مفارقة زينون صداعا هائلا للاغريق. فهى شككت في سلامة وصلابة القواعد الرياضية اللتى طالما كان الاغريق يفتخرون بها. وحاول الاغريق بكل طاقتهم وبأقصى سرعة ان يجدوا حلا لهذه المفارقة. ونظر الاغريق اولا الى حيث اشار زينون نفسه. وادركوا ان المشكلة تكمن في التقسيم اللانهائى للاشياء. وادركوا ان المشكلة تنبع من العددين : صفر ومالانهاية ومن خصائصهم الغريبة.
وهنا تقدم ارسطو بحل لمشكلة زينون. ولاقى هذا الحل قبولا واسعا لدى الاغريق بالرغم من ان هذا الحل لم يكن صحيحا. وكان حل ارسطو يتلخص في انكار الصفر والمالانهاية انكارا قاطعا. وقال ارسطو ان المالانهاية موجودة فقط في عقول الرياضيين وفي تخيلاتهم. ولكنها لاتوجد في الواقع. وكان بهذا يخالف افكار استاذه افلاطون صاحب نظرية عالم الافكار واللذى كان يدعو الى ان الحقيقة الاصيلة تكمن في العقل بغض النظر ان ايدت التجربة والواقع هذه الرؤية ام لا. وقال ارسطو ان المالانهاية موجودة بالقدرة فقط ولكن ليس بالواقع. بمعنى انها موجودة فقط في قريحة الانسان ولكنها غير موجودة حقيقة. وان الله لو اراد ان يخلقها لخلقها ولكنه لم يخلقها. ولكن خلق صورتها فقط في عقول الرياضيين والمتأملين. ولذلك فان اخيل في مفارقة زينون سوف يسبق السلحفاة لان هذا التقسيم اللانهائى اللذى تحدث زينون عنه ليس موجودا في الواقع.
ثم استطرد ارسطو وقدم تصورا لشكل الكون خالى من الصفر والمالانهاية. فقال ارسطو ان الكون محدود ونهائى. و الارض عبارة عن كرة ثابتة تقع في مركز الكون تدور حولها 7 كريات سماوية هائلة. يقع القمر في الكرة الاولى والشمس في الثانية ثم الكواكب الاربعة المعرفة في ذلك الوقت فى الاربع كريات التالية. ثم توجد النجوم الثابتة في الكرة السابعة و الاخيرة.
ومن هنا نرى حرص ارسطو على تصوير الكون على انه محدود. فالكرات السماوية اللتى تدور حول الارض عددها 7 فقط. وقد طور بطليموس الاسكندري تصور ارسطو. فاصبح تصور ارسطو- بطليموس هو التصورالعلمى الرسمى لشكل الكون. واستمر هذا التصور قرابة الفى سنة حتى مجيئ كوبرنيكوس.
وقال ارسطو ان الكون ليس فارغا ولكنه مملوء بالمادة. وانكر ارسطو وجود الفراغ و العدم بالمرة. كما انه انكر وجود العدد صفر اللذي يعبر عن الفراغ و العدم. لكن لماذا رفض ارسطو الفراغ؟
في الحقيقة ان وجود الفراغ يثبت وجود المالانهاية! لاننا اذا افترضنا وجود فراغ فى هذا الكون فان هناك احتمالان لهذا الفراغ. الاول ان يكون الفراغ لانهائى وبهذا نكون قد اثبتنا وجود المالانهاية او يكون الفراغ محدود. لكن ان معنى الفراغ اساسا هو الخلو من المادة. فاذا كان الفراغ محدودا لكانت المادة لانهائية!! ولذلك انكر ارسطو وجود الفراغ وقال انه كالمالانهاية شئ من انتاج عقل الانسان وتخيله ولكنه غير موجود حقيقة في الطبيعة!!
ولكن مع ذلك كان تصور ارسطو يشوبه تناقض اخر. وهو يتعلق بالسؤال: هل لهذا الكون بداية في الزمان؟ بمعنى هل كانت هناك لحظة خلق لهذا الكون؟ فاذا كانت الاجابة بنعم فهنا سوف يظهر السؤال: وماذا كان موجودا قبل خلق الكون؟اليس هو العدم والخواء؟! اذن فان العدم و الخواء اشياء حقيقية ولانهائية!! والاحتمال الاخر انه لا توجد لحظة لخلق هذا الكون بل ان الكون كان موجودا دائما وبالتالى فانه سيبقى ايضا في المستقبل موجودا ابدا. اذن فالكون ازلي ابدي. وهنا تظهر المالانهاية مرة اخرى!
ولم يكن هناك حل لهذه المعضلة فاختار ارسطو الاختيار الثاني. وهو ان الكون كان دائما موجودا وسيبقى كذلك. فالكون ازلي سرمدي. ورفض ارسطو تصور الخواء والعدم وبالتبعية العدد صفر فكانت كل هذه الاشياء تثير الاشمئزاز فى نفسه. ولكن ارسطو استطرد قائلا: صحيح ان الكون يبدو لانهائيا ازليا سرمديا. لكن مرة اخرى فان هذا التصور من بنات عقل الانسان. اما في الحقيقة فان الكون محدود في عمره! وحجج ارسطو هي كما نرى دجل علمي . فعند ظهور اي مفارقة او شئ يناقض ما يدعيه كانت اجابته دائما ان هذه مجرد تصورات وارهاصات العقل ولكن الحقيقة شئ اخر. لكن معاصري ارسطو وعلماء زمانه و الازمنة اللاحقة تقبلوا كلامه. بل يمكننا ان نقول انهم قدسوا كلامه وجعلوه قاعدة لايمكن كسرها.
ولم يكن السبب العلمى هو الدافع الوحيد لتقبل تصورات ارسطو. بل كان هناك عامل اخر اكثر اهمية. وهو العامل الدينى. فتصور ارسطو كان يعتبر برهانا على وجود الله. ففى نموذج الكرات السماوية اللتى تدور حول الارض ظهر سؤال: ماهو سبب دوران هذا الكرات السماوية؟ فالارض نفسها لايمكن ان تكون سبب حركة تلك الكرات لان الارض نفسها ثابتة لاتتحرك. ولكن ارسطو فسر سبب دوان الكرة الداخلية الاولى على انه يعود الى دوران الكرة الداخلية الثانية. وبالمثل فان دوران الكرة الداخيلة الثانية يعود الى دوران الكرة الداخلية الثالثة. وهكذا حتى نصل الى الكرة الخارجية الاخيرة فماهو سبب دورانها؟ كانت اجابة الارسطويين انه الله مسبب حركة الكرة السابعة اللتى تحتوي على النجوم الثابتة وبالتبعية حركة باقى الكرات السماوية.
وتبنى الاغريق تصور ارسطو. ومن بعد الاغريق تبناه الاوروبيون والكنيسة الغربية. واعتبروا ان هذه النظرية جزء من الدين. واى تصور اخر للكون او حتى اى حل اخر لمفارقة زينون هو انكار لوجود الله! وانه حق يراد به باطل. وان التصورات العلمية المخالفة لرأى ارسطو هى كفر صريح أو هرطقات في احسن الاحوال. وكان هذا امرا خطيرا. فربط العلم بتصور معين للدين كان ثمنه غاليا جدا. فقد جعل الاوروبيون يتوقفون عن التقدم وتجمدت حضارتهم في مكانها و تراجعت. و انتقلت شعلة العلم الى مكان اخر. الى الشرق حيث يعيش الهنود وفى البلاد اللتى ظهرت فيها الحضارة الاسلامية بعد ذلك. لكن كانت هذه قصة اخرى.