سنحاول اليوم ان نتعرف على نبذة من حياة احد اهم الفلاسفة وهو الالمانى ايمانويل كانت. وقد كان لايمانويل كانت كما كان للفلاسفة والمفكرين العظام على مر التاريخ تأثير كبير على تطور العلم وعلى مسار حياتنا المعاصرة اليوم. بل الغريب انهم يؤثرون حتى في حياة اللذين لم يقرأوا لهم يوما او حتى سمعوا باسمائهم فى يوم من الايام. فهم يؤثرون فى وعى الملوك و اصحاب القرار و العلماء والنخبة و الجماهير وهذا كله يوجة دفة التاريخ حتى يصل التأثير الينا شئنا ام ابينا.
فارسطو كان معلم الاسكندر الاكبر. واينشتاين فى طريقه للنظرية النسبية تأثر بفلسفة النمساوى ماخ. ولفسفات فاير ابند و كارل بوبر تأثيرها البالغ على مفهوم العلم اليوم. وليس صحيحا ان العلوم الطبيعية و الفلسفة هى ميادين لا تربطها ببعض علاقة. بل ان كل منها يؤثر فى الاخر. وبعض كبار العلماء الطبيعيين كانوا ايضا فلاسفة هامين. على سبيل المثال ارسطو اللذي كان اهم عالم فى عصره. وكذلك كان الحال مع ابن سينا وديكارت و جاليليو و لايبنتز وماخ وبيركلى واينشتاين وفيتجنشتاين
عاش كانت فى الفترة مابين 1724 حتى 1804 ميلادية ولكنه كان سابقا لعصره بسنوات طويلة. فأراؤه فى الكرامة الانسانية ورفضه للحروب ودعوته لاحلال السلام ولان تحترم الدول سيادة بعضها البعض ونداءه بانشاء الامم المتحدة وذلك فى القرن الثامن عشر وقبل نشوب الحربين العالميتين بزمن طويل فكل هذه الاشياء تشهد له بذلك!.
ولكن على الرغم من افكار كانت المتطورة فان حياته الخاصة كانت على عكس ذلك. بل يمكننا ان نصفها بالصرامة والملل. فهو لم يتزوج ولم يغادر محل ولادته تقريبا طوال عمره. ولا اقول انه لم يزر اى دولة اخرى. بل انه لم يذهب الى اي مدينة اخرى بخلاف كونيحزبيرج Königsberg اللتى كانت محل اقامته. والطريف انه قد عمل فى فترة من حياته مدرسا للجغرافيا وكان يعطى دروسا بمنتهى الحماسة عن الدول المختلفة حتى يخاله المرء قد جاب كل اركان الارض.
فى عام 1740 التحق كانت بجامعة كونيجزبيرج ليدرس الفيزياء والرياضيات والفلسفة. ودرس ميكانيكا نيوتن وتأثر بها جدا. وكان يراها بعد ذلك هي المثال المحتذى اللذي يجب ان تكون عليه اى نظرية علمية. ولكنه نظرا لوفاة والده اضطر الى ان يقطع دراسته ويعمل مدرسا خصوصيا فى اماكن مختلفة. وكانت تلك هى الفترة الوحيدة فى حياته اللتى غادر فيها كانت كونيجزبيرج ولكنه بقى فى محيط 150 كم منها. ثم عاد كانت مرة اخرى بعد ذلك الى كونيجزبرج ليكمل دراسته ويحصل على درجة الدكتوراة. وكانت لكانت ابحاثه فى مجالات الفيزياء و الفلك وكانت هناك نظرية تحمل اسمه فى نشأة الكواكب. وكانت هذه النظرية معترفا ومعمولا بها لدى الفلكيين فى زمانه. وعمل كانت محاضرا خاصا فى جامعة كونيجزبيرج. ثم تقدم للحصول على وظيفة الاستاذية فى نفس الجامعة. ولكن طلبه الاول رفض بينما حصل على عروض من جامعات اخرى. فقرر كانت رفض العروض الاخرى لانه كان لا يريد ان يغادر مدينته وكان فقط مهتما بموافقة جامعة كونيجزبيرج.
ولم تكن صحة كانت العامة جيدة ولذلك فعندما بلغ الاربعين من عمره قرر ان يوفر طاقته وينظمها فاتبع برنامجا روتينا يوميا صارما لم يشذ عنه يوما ما. فكان يستيقظ فى الخامسة صباحا ويعمل حتى تحين ميعاد محاضرته. وبعد المحاضرة يعود الى غرفة المعلمين. ثم فى الواحدة بعد الظهر يذهب الى الغذاء برفقة اصدقاءه وفى تمام الساعة الثالثة والنصف يقوم برياضة التريض فى شارع ليندن الصغير اللذي تغير اسمه الان الى طريق الفلاسفة. وكان اهالى مدينة كونيحزبيرج يضبطون ساعاتهم عندما يرون الفيلسوف الشهير فى نفس الوقت بغض النظر عن حالة الجو وان كانت الشمس ساطعة فى الصيف او ان الثلوج تنهمر فى الشتاء. وفى العاشرة مساء يخلد الى النوم. وقد اكتسب كانت عادة احترام الوقت من صديقه التاجر الانجليزى الثري جوزيف جرين. ففى احد المرات اتفقا على ان يمر كانت علي جرين ثم يخرجان سويا بعربة الحنطور الخاصة بجرين. وتأخر كانت دقائق قليلة ولكن طبعا الصديق الانجليزى لم ينتظر وخرج فى اللحظة المحددة تماما وعندما رأى كانت قادما فى الطريق لم يتوقف ليلتقطه لانه لم يحترم موعده وتأخر عنه!!
وكانت محاضرات كانت ممتعة جدا وكانت قاعة المحاضرات تكون ممتلئة عن اخرها فى وقت محاضرته. ويقول يوهان هردر وهو شاعر و فيلسوف المانى عن محاضرات كانت وقد كان احد طلابه: “كلما اتذكر محاضرات كانت ادرك اننى لم اسمع فى حياتى ارقى او اكثر تأثيرا من هذه المحاضرات” ولكن العكس من ذلك كانت كتاباته جافة وصعبة ويحار الكانتيون المتخصصون انفسهم احيانا فى فهم ماذا يقصد ويرون ما يكتبه الغازا وطلاسما.
ويعد كانت فيلسوف الاخلاق. فهو كان فيلسوفا تنويريا وفى حياته تفجرت الثورة الصناعية واتخذت الحياة منحا ماديا صعبا. وكان السؤال المطروح وقتها هل للانسان ارادة حرة؟ وهل الانسان مخير او مسير؟ . والجبر هنا يأتى من حتمية القوانين المادية. حيث شكلت الاكتشافات العلمية المختلفة كل نواحى الحياة. وابتدأت اسألة محيرة تظهر حول الانسان والعالم والله. وهذه المواضيع كانت تتناولها الميتافيزيقا. ولكن كانت الميتافيزيقا فى زمان كانت تتمتع بسمعة سيئة. فهى ظنون واحلام وخوض فى المجهول بدون تقديم دليل او برهان. وهنا حاول كانت كمفكر اصلاحى تنويري ان يدلو بدلوه فى هذا الموضوع. فهذه المواضيع الاساسية للميتافيزيقا: الانسان والعالم والله لا تهم الفلاسفة الميتافزيقيين وحدهم. ولكنها اسألة تهم كل انسان. ولذلك قرر ان يكتب اول كتاب فى التاريخ من وجهة نظره عن الميتافزيقا. وهذا الكتاب هو “نقد العقل الخالص”. وفى هذا الكتاب سينقى كانت الميتافيزيقا من امراضها. فهو لن ينطلق فى فى تخمينات عن امور غيبية هكذا. بل سيقدم أولا طريقة او منهجية علمية سليمة لبحث قضايا المعرفة عموما. وبعد ان يصل الى هذه المنهجية سيقوم بتطبيقها على الميتافيزيقا بدون ان يعلم النتيجة مسبقا. ثم يحاول ان يجيب على سؤال اساسى: هل الميتافزيقا علم؟ واذا لم تكن كذلك فما اللذى يمكن ان يصنعه الانسان للوصول الى اجابات مطمئنة للاسئلة اللتى تجول فى خاطره؟ واذا توصل الانسان الى نتيجة مرضية فسوف فيمكنه ان يتعامل مع باقى الاسئلة المفتوحة بنفس الروح وبنفس المنهجية. ومن ضمن هذه المشاكل الهامة طبعا مشكلة الاخلاق.
وقد كتب كانت 3 كتب عنوانها يبدأ بكلمة نقد. واهم هذه الكتب هو الكتاب اللذى اشرنا له سابقا وهو “نقد العقل الخالص” اللذى يعد مفتاح فلسفة كانت ولكنه يعتبر ايضا من اصعب اعمالها واعسرها على الفهم. ونظرا لضيق المكان سنشير اليه فى مرة قادمة.