فيبوناتشى ودخول الاعداد العربية الى اوروبا

كانت عملية دخول الاعداد العربية الى اوروبا عملية صعبة ومعقدة. فالاعداد العربية كانت ومازالت تحتوي على الصفر وكان الصفر مرفوضا عند الاوربيين فى العصور الوسطى وماقبلها رفضا عقائديا وفلسفيا حازما. ولكن مع ذلك فان الاعداد العربية استطاعت ان تجد طريقها الى اوروبا وقد ساهم فى صنع هذا الاختراق طوائف عديدة شملت المحاربين ورجال الدين والعلماء والتجار!!

ولتسهيل تصور كيفية مساهمة المحاربين في وصول الاعداد العربية الى اوروبا  علينا ان نتذكر ان فترة العصور الوسطى كانت فترة الحروب الصليبية وخلالها ادرك الاوربيون كم ان المسلمين متقدمون حضاريا وعلميا وفكريا وتم التعرف على الاعداد العربية ومن ضمنها الصفر. كما ان هناك مواجهات حربية اخرى اندلعت ايضا بين المسلمين والاوروبيين فى اسبانيا وعلى الحدود مع فرنسا خصوصا فى فترة حكم كارل العظيم. وهنا لمس الاوربيون ايضا تفوق خصومهم المسلمين فى ميادين الحضارة والعلم المختلفة.

وكان للمسلمين اختراع مذهل فى ذلك الوقت وهو جهاز الاسطرلاب. وبواسطة جهاز الاسطرلاب كان من الممكن تحديد الوقت حتى فى جنح الظلام. فوجد رجال الكنيسة فوائد عملية  ضخمة لهذا الجهاز حيث يسهل عليهم تحديد الوقت لتأدية صلاواتهم فى الليل. وبالطبع كانت الاعداد المستخدمة فى جهاز الاسطرلاب هى الاعداد العربية وان كانت فى اغلب الاحوال ذات نسخة لا تحتوى على الصفر مما سهل قبولها اكثر لدى الغربيين. ثم ان البابا سلفستر الثانى نفسه تعرف على الاعداد العربية اثناء زيارة له الى اسبانيا واعجب بها جدا واثنى عليها في رسائله.  لكن تعميم استخدام الاعداد العربية فى ذلك الوقت لم يكن ممكنا ابدا لاحتوائها على الصفر. فقد كانت افكار ارسطو مستحوذة على الغربيين بالكامل.

ثم يأتى بعد ذلك دور الرياضيين الاوروبيين وبخاصة الايطالى ليوناردو فيبوناتشى وهو رياضى ولد فى مدينة بيزا الايطالية ويعد ابرز رياضى اوروبى ظهر في مرحلة العصور الوسطى. وقد تلقى فيبوناتشى تعليمه فى مدينة بجاية الجزائرية حيث كان ابوه يعمل ملحقا تجاريا هناك. و قد ارسل ابوه فى طلبه وهو طفل صغير حتى يتلقى تعليمه فى بلاد المسلمين. فاستفاد فيبوناتشى من تعليمه هناك اشد استفادة وتعلم الاعداد العربية وحذق فى استخدامها. ثم رحل فيبوناتشى بعد ذلك الى مصر وسوريا وتركيا وتعلم هناك المزيد. لكن فيبوناتشى كتب ان اهم تعليم تلقاه فى حياته كان ذلك اللذى تلقاه فى بجاية. وقد كتب فيبوناتشى كتابا فى الرياضيات فى غاية الاهمية. وهذا الكتاب يعد احد اهم اسباب انتشار الاعداد العربية فى ايطاليا وفي اوروبا كلها. واللذى ساعد انتشار كتاب فيبوناتشى انه ظهر  فى الفترة اللتى فتر فيها تعصب الكنيسة لافكار ارسطو وصار من الممكن تبنى افكار مغايرة ورفض افكار ارسطو اللتى تعارض الكتاب المقدس.

وما يميز فيبوناتشى عن سواه هو فهمه العميق للرياضيات وللجوانب النظرية. وقد اراد بكتابه ان يوضح للقارئ الافكار الرياضية على حقيقتها وان يحول القارئ الى فاهم حقيقى للموضوع وليس مجرد مستخدم حافظ لطرق الحساب بدون فهم صحيح لها. ولكن مع ذلك فان كتاب فيبوناشى لم يشتهر بسبب عمقه النظري بل بسبب الجانب العملي فيه. فقد وضع فيبوناتشى مسائل مخصوصة موجهة للتجار ووضح سهولة الحساب بالارقام العربية وكيفية تحويل القيم بين العملات المختلفة  و حساب الاسعار لكميات البيع المختلفة. الى اخر المسائل التجارية والبنكية المهمة فى ذلك الوقت.

كما ان اسم فيبوناشى معروف اليوم لدى تلاميذ المدارس وسبب شهرته يرجع الى متوالية فيبوناتشى. وهذه المتوالية هى اجابة على مسألة رياضية طريفة طرحها فيبوناتىشى في كتابه. وهذه المسألة كانت كالتالى. اخذ فلاح زوج من الارانب ولد لتوه ووضعه فى مزرعته. فاذا علمنا ان الارانب تتكاثر بسرعة وان زوج الارانب ينتج كل شهر زوجا جديدا من الارانب. ولكن فى نفس الوقت فان الارانب تصبح جاهزة للانجاب لاول مرة في حياتها بعد شهرين من  ولادتها فكم تكون عدد الارانب فى مزرعة ذلك الفلاح؟

وكانت اجابة فيبوناشى فى اول شهر سيكون عندنا زوج واحد من الارانب وفى الشهر الثانى سيظل هذا الزوج ايضا بدون تغيير لانه مازال غير قادرا على الانجاب. لكن بعد مرور شهرين  سينتج زوجا جديدا ويصبح عندنا زوجان من الارانب. ثم بعد مرور شهر اخر سينتج الزوج القديم زوجا جديدا من الارانب بينما يكون الزوج الجديد مازال غير قابلا للانجاب ليصبح لدينا  ثلاث ازواج. باختصار فان عدد الارانب فى المزرعة تعبر عنه هذه المتوالية:

1,1,2,3,5,8,13
الى اخره. وهذه المتوالية تتسم بخاصية ان كل عنصر فيها يساوي مجموع العنصرين السابقين له. فالثلاثة هى حاصل جمع اثنين وواحد و الثمانية هى حاصل جمع الخمسة والثلاثة وهكذا.

وتتمتع هذه المتوالية بخاصية اكثر اثارة وهى اننا اذا قسمنا اي عددين متتالين على بعضهما حصلنا على قيمة تقريبية لنسبة المقطع الذهبى : هذه القيمة اللتى لعبت دورا هاما فى الفلسفة الغربية ومازال لهذا الرقم سحره حتى اليوم. وتزداد نتيجة عملية القسمة اقترابا من قيمة المقطع الذهبى كلما توغلنا فى هذه المتوالية اكثر وهى تساوي تقريبا 1.62:

5/3 = 1.66
8/5 = 1.6
13/8 = 1.625

في نهاية الامر  اعجب التجار الايطاليون بالاعداد العربية جدا فقد كانت سهلة وتخلصهم من عناء استخدام العدادات البدائية اللتى كانت شائعة الاستخدام وااللتى كانت تمثل حاسوبات ذلك الزمن. لكن مع ذلك فان الحكام والسياسيين لم يقبلوا هذه الاعداد في البداية واصدروا قرارات بتحريم استخدامها فى كافة الجمهوريات الايطالية بدعوى ان هذه الارقام من السهولة تزويرها فباضافة شرطة صغيرة يمكن تحويل ال 0 الى 6.  ولكن هذه الحجج لم تكن لتقوى على الوقوف امام انتشار الاعداد العربية ذات الفوائد العملية الهائلة فانتشرت بشكل سريع فى كافة انحاء ايطاليا ثم من بعدها فى كافة انحاء اوروبا وهى مازالت مستخدمة حتى زماننا الحالى.