قصة حياة صاحب موضوع اليوم مليئة بالدراما الانسانية. وقد تصلح لأن تكون فيلما سينمائيا فهي تبدو وكأنها احدي رويات شكسبير اللتى تصف معاناة انسان كهاملت او اوديب لما جناه عليه والداه . وتبدأ خيوط الحكاية من عند كلودين دي تنسان وهى اديبة فرنسية موهوبة وتنتمى الى عائلة فرنسية راقية. فقد كان ابوها رئيسا للبرلمان الفرنسى. وعند ولادة كلودين قرر والداها ان يهباها للرهبنة. وبالفعل تنشأ كالودين فى داخل الدير كراهبة. ولكن عندما كبرت كلودين لم تعد حياة الرهبنة تستهويها. وطلبت رسميا الخروج من الدير الى الحياة العامة. وكانت تطلعات كلودين لا تتماشي مع حياة الرهبنة وقد كانت لها علاقات غرامية حتى وهى فى داخل الدير
وبالفعل فى عام 1712 سمح لكلودين بمغادرة الدير وخرجت كلودين لتعيش حياة صاخبة خارج الدير. فقد كانت لها علاقت غرامية وجنسية عديدة. و لم تكن نتائج هذه العلاقات سعيدة دائما. ففى احد المرات انتحر احد عشاقها وهو موجود عندها بداخل بيتها. وتم القبض على كلودين وايداعها السجن لفترة ولكن تم الافراج عنها بعد ذلك لعدم ثبوت ايى تهمة عليها.
وبعد خروج كلودين من السجن اتجهت للمجال السياسى واخذت تحيك المؤامرات السياسية بهدف نصرة اخيها ودفعه الامام. وكانت فى سبيل هذا تستخدم الغرام والحب لتصل الى اهدافها. و يشير البعض حتى الى ان علاقتها مع اخيها لم تكن اخوية خالصة. وفى خلال هذه الفترة اقامت علاقة مع ظابط فرنسى وكانت ثمرة هذه العلاقة الغير شرعية بطل موضوع اليوم: دالمبير.
ولكن كلودين قررت التخلص من طفلها فور ولادته فوضعته على سلالم كنيسة القديس جان لو رون فى باريس. وتم التقاط الطفل الرضيع من على سلالم الكنيسة وأودع عند دار للايتام حتى يعيش هناك. واطلق عليه فى البداية اسم لو رون نسبة الى اسم الكنيسة اللتى وجد عندها. وفى هذه الفترة كان ابو دالمبير مسافرا خارج البلاد. ولكنه عندما عاد وعلم بالموضوع أسرع باخراج ابنه من دار الايتام ولكنه لم يأخذه ليعيش معه. فهو لم يرد ان يعترف به رسميا كما لم يقبل ابو عنترة بن شداد الاعتراف بابنه بسبب اصله ولونه. ووضعه ابوه فى عهدة امرأة فقيرة تدعى مدام روسو. وهى كانت زوجة عامل فقير. وعاش دالمبير مع مدام روسو ولم يعرف اما غيرها ولم يغادر بيتها الا وهو فى الثامنة والاربعين من عمره. اما كلودين فان دورها قد انتهى فى حياة ابنها عندما وضعته على سلالم كنيسة لو روند ولم تحاول ان تراه او تتصل به اى مرة بعد ذلك.
وتعهد ابو دالمبير بمصاريف ابنه واراد له ان يكمل تعليمه. ولكنه رحل عن الدنيا عندما كان دالمبير فى التاسعة من عمره بعد ان ترك له مبلغا من المال يكفل له حياة كريمة. ودرس اولا دالمبير الدين لكى يصبح رجل دين. وغير دالمبير اسمه وحمل اسم دالمبير وهو الاسم للذى اشتهر به بعد ذلك. ولكن دراسة الدين لم ترق لدالمبير فتركها. ثم درس دالمبير الحقوق ولكنه ترك الدراسة بعد فترة ثم اتجه الى دراسة الطب ولكنه ايضا تركه بعد فترة. وايقن دالمبير ان عشقه الوحيد هو للرياضيات والفيزياء. فعلم دالمبير نفسه بنفسه ليصبح من اهم الرياضيين فى القرن الثامن والتاسع عشر.
وكانت شخصية دالمبير فى العمل صعبة. ربما يرجع هذه الى تنشئته الاولى. فقد كان دائما محط الانظار وكثيرا ما كان يواجه بالنقد. لكن دالمبير كان من نوعية الناس اللتى لا تعترف بخطئها ابدا ان كانت مخطئة. وكان يصر دائما على اى رأى اعلنه على الملأ من قبل. وترجع سبب شهرة دالمبير الاساسية الى اشتراكه فى تحرير الموسوعة الفرنسية. وقد ساهمت هذه الموسوعة اسهاما كبيرا فى عملية تنوير الفرنسيين. وقد صاغ دالمبير معظم المواضيع الرياضية فى الموسوعة بنفسه. كما ان الموسوعة اكسبته معرفة وصداقة شخيات مشهورة كفولتير. كما ان ارتياد دالمبير للصالونات الفرنسية جعل النخبة الفرنسية تتعرف عليه. فبجانب كون دالمبير فيزيائيا ورياضيا كان ايضا فيلسوفا.
وكان دالمبير تقريبا هو اول من فطن الى حساب النهايات. ففى حساب الدوال نعطي لكل قيمة للمتغير x قيمة مقابلة للمتغير y . ولكن لم يأبه أحد قبل دالمبير الى ان قيم النقاط الموجودة في المسار حتى نصل الى نقطة ما x او أن محيط النقاط المحيطة بنقطة ما x قد يحتوي على معلومات رياضية هامة. ويمكن ان نشبه ذلك بمسئول يذهب الى زيارة مؤسسة ما فيجدها نظيفة ومرتبة وكل شئ على مايرام ولكنه لا يأبه الى ان اكوام الزبالة كانت على امتداد الطريق حتى وصل الى مكان زيارته. فبلغة الرياضة والدوال نقول على الدالة فى هذه الحالة انها دالة غير مستمرة اما اذا كانت النظافة مستمرة فى مكان المؤسسة وحولها ايضا فاننا نقول انها دالة مستمرة.
ففى حساب النهايات لا نهتم بقيمة الدالة عند نقطة واحدة فقط ولكننا نهتم بقيم الدالة عند نقاط مختلفة حول النقطة اللتى نريد ان نحسب النهاية عندها. وقد نحصل على قيم مختلفة عندما نفترب من النقطة من اتجاهات او مسارات مختلفة. ونقول فى هذه الحالة ان النقطة لا تملك نهاية محددة. فقط اذا كانت كل المسارات نحو النقطة تقترب دائما من نفس القيمة نقول ان للدالة نهاية عند هذه النقطة وتساوي القيمة اللتى نقترب منها. وقد اطلق دالمبير على هذه الفكرة مصطلح نهاية او limes وهى كلمة لاتينية معناها حد او نهاية.
وتبرز اهمية حساب النهايات فى معرفة اذا كانت الدالة مستمرة او لا كما رأينا سابقا. كما ان المعلومات المستقاة من حساب النهايات قد تكون مفيدة جدا ايضا اذا كنا لانستطيع ان نحسب قيمة الدالة بشكل مباشر عند نقطة ما وكانت هناك نهاية معينة لكل المسارات اللتى تؤدي الى هذه النقطة.
وبالرغم من ان دالمبير هو صاحب الفكرة الاساسية لحساب النهايات الا انه لم يعبر عن فكرته بصياغة رياضية سليمة. و الرياضيات ماهى الا صياغة سليمة فعمل على تدقيق صياغته واعادة تشكيلها رياضيون اخرون. هم الفرنسى كوشي والتشيكى بولزانو والالمانى فايرشتراس. وكان لفايرشتراس دورا هاما فى اعادة صياغة الرياضيات حتى وصلت الى صورتها الحالية
وباكتشاف حساب النهايات تم نهائيا طرد اشباح نيوتن من الرياضيات. تلك الاشباح اللتى تحدث عنها بيركلى فى نقده لحساب التفاضل النيوتوني. فهو انتقد القسمة على صفر. وان هناك اعدادا او اشباحا كما سماها قيمتها ليست بالصفر ولكن اذا ضربنا هذه الاعداد فى نفسها فانها تتلاشى وتصبح صفرا. وبحساب النهايات ينتهى هذا الاعتراض. لانه من المهم ان يدرك الانسان انه فى حساب النهايات لانحسب القيمة عند النقطة نفسها ولكننا نفترب منها جدا فقط و لانصل اليها ثم نحاول ان نستقرئ ماتئول اليه قيمة الدالة عندما نفترب بشكل هائل من هذه النقطة
كما ان حساب دالمبير للنهايات لم يطرد اشباح نيوتن وبيركلى فقط من الرياضيات بل طرد ايضا اشباحا قديمة. فحساب النهايات انهى بشكل حاسم مفارقة زينون. فالمتسلسلة:
1+1/2 + 1/4+1/8 الى مالانهاية لها ايضا نهاية ذات قيمة معينة و محدودة. فكلمنا اوغلنا فى عناصر هذه المتسلسلة نجد ان النهاية تفترب دائما من النتيجة 2 . ولذلك فان زينون سوف يلحق بالسلحفاة بعد ثانيتين وعند مسافة 2 متر تماما من بداية السباق!!
كما انه قد صاحب فلسفة حساب النهايات اختفاء كامل للمالانهاية الصغرى من عالم الرياضيات. وهذا كان خبر سعيد بالنسبة لطلاب الرياضيات لانه كان يعنى اختفاء موضوع لم يكن ابدا سهلا و محبوبا من عالم الرياضيات!!