مفارقة زينون

ولد زينون في القرن الخامس قبل الميلاد. وهو كان ينتمى الى تلك الفئة من الفلاسفة الاغريق المشهورين  ولكنهم في نفس الوقت المنفور منهم والمغضوب عليهم. فقد كانت فلسفته تشكل خطرا كبيرا على التيار الفكرى والفلسفى السائد لدى الاغريق. و يمكننا القول ان فلسفة زينون كانت تزدري الفلسفات الاخرى وتضربها في مقتل.

وكان زينون ينتمى الى مدرسة الفيلسوف بارمينيدس اللذي كان يؤمن بوحدة الكون والوجود ويرفض فكرة التعددية ولذلك فقد انكر بارمينيدس التغير والحركة وقال ان كل ما نلحظه من هذا الشأن ماهو الا مجرد خداع حواس و لاشئ اكثر من ذلك. وقد سخر معظم فلاسفة الاغريق من فلسفة بارمينيدس وقالوا انها تناقض الواقع القائم ووجدوا العديد من المفارقات اللتى تضرب افكار بارمينيدس في مقتل. وهنا قرر زينون ان يدافع عن افكار استاذه وقال بل ان فلسفة الاخرين ضعيفة وتحتوى على متناقضات ومفارقات قاتلة. ومن اجل هذا وضع زينون مفارقة اليوم. ولم يكن الهدف بالنسبة لزينون من مفارقة اليوم ان يجد حلا لها. بل كان هدفه ان يصيب الفلاسفة الاخرين بالربكة وان يضربهم في مقتل وان يزعزع ثقتهم المغرورة في انفسهم وفي فلسفتهم ويوضح لهم ان منهج بارميندس ليس سخيفا او اقل حكمة من افكارهم   بل افضل منها جميعا. ويعتبر زينون استاذا المجادلة الاول اللذي طور هذا الفن في المحاججة. و تعرف تلك النوعية من البراهين اللتى يبدأ الانسان فيها بفرض صحة ما يريد ان ينفيه  ثم يصل في النهاية الى نتائج مستحيلة ومتناقضة بالبرهان الغير مباشر او البرهان المعكوس.

ومفارقة زينون ليست مفارقة واحدة ولكنها على الاقل 9 مفارقات مختلفة منها مقارنة اخيل والسلحفاة و مفارقة السهم المنطلق و مفارقة العداء. ولكن جميع هذه المفارقات تشترك فى نقطة اساسية وهي تعتبر محور تلك المفارقات جميعا وهى تقسيم المكان او الزمان الى عدد لانهائى من الاقسام الصغيرة او اللحظات او النقاط . ثم اجراء عملية جمع عبر هذه النقاط اللا نهائية. وسنقوم اليوم بالتعرف على احدي هذه المفارقات وهي مفارقة اخيل والسلحفاة.

تقول المفارقة ان اخيل اشترك مع السلحفاة في مسابقة للعدو. وكانت سرعة اخيل 1متر في الثانية بينما سرعة السلحفاة هي 0.5 متر في الثانية. وفى بداية السباق كانت السلحفاة تسبق اخيل بمتر كامل. وابتدأ اخيل والسلحفاة العدو في نفس اللحظة. وهنا يطرح زينون سؤالا هل سيتخطى اخيل السلحفاة؟ والاجابة اللتى يعرفها كل انسان هى طبعا نعم.فاخيل اسرع من السلحفاة. صحيح انه ابتدأ من نقطة تتأخر عن السلحفاة بمتر كامل  لكن فارق السرعة لصالحه سوف يعوض هذا التأخر لاحقا. لكن زينون اثبت انه على الجانب الااخر فانه من المستحيل ان يلحق اخيل بالسلحفاة ناهيك على ان يتخطاها.!!

وهكذا  كانت حجة زينون: اذا كانت المسافة بين اخيل والسلحفاة هي 1 متر في البداية . فكم من الوقت يحتاج اخيل حتى يصل الى موضع السلحفاة اللتى يراها فيه في بداية السباق؟ الاجابة سهلة: حيث ان اخيل يعدو بسرعة 1 متر في الثانية فهو سوف يحتاج الى ثانية كاملة. لكن في خلال هذه الثانية فان السلحفاة لن تبقى ثابتة ولكنها سوف تكون قد تحركت مسافة نصف متر الى الامام. اذن الان وبعد ثانية من بداية السباق فسوف يجد اخيل ان السلحفاة مازالت تسبقه بمسافة نصف متر.صحيح ان المسافة قلت عن البداية ولكنها مازالت تسبقه. الان كم من الزمن يحتاج اخيل حتى يصل الى موضع السلحفاة حيث يراها؟ الاجابة سهلة انه سوف يحتاج الىى نصف ثانية. لكن كما سبق بعد مرور النصف ثانية هذه سوف يجد ان السلحفاة مازالت تسبقه بربع متر. الان  سيقطع اخيل هذه المسافة  فى ربع ثانية ليجد السلحفاة تسبقه بثمن متر. وهكذا فسوف تستمر هذه العملية الى مالانهاية. اذن لكي يلحق اخيل بالسلحفاة يجب ان تمضى ثانية ثم نصف ثانية ثم ربع ثانية ثم ثمن ثانية وهكذا الى مالانهاية. وهنا سأل زينون ما هو نتيجة جمع عدد لانهائى من القيم الصغيرة؟ وكانت الاجابة عند الاغريق انه ولاشك عدد كبير جدا فكما ان المحيط الهائل يتكون من تراكم قطرات ماء تافهة وكما ان طريق الالف ميل يبدأ بخطوة. اذن فان اخيل سوف  يحتاج الى مالانهاية من الزمن حتى يلحق بالسلحفاة ناهيك على ان يتخطاها!

وكانت هذه النتيجة صدمة بالنسبة للاغريق. فقد كان البرهان في حد ذاته صحيحا ومنطقيا حسب علم الاغريق ولكنهم كانوا مع ذلك يعلمون ان هذه النتيجة مستحيلة. اذن اين يكمن الخطأ؟ اتكمن في فلسفتهم كلها اللتى كانوا يعتقدون انها في غاية المنطقية و الحكمة؟!

كانت مفارقة زينون مرعبة ومدمرة.بقت هذه المفارقة قائمة عبر الفى سنة تقريبا ولم يستطع احد حلها بشكل سليم ومرضى.ولكن رياضيات اليوم وجدت حلا لهذه المشكلة. فمشكلة الاغريق كانت تكمن فى انهم لم يعرفوا 3 مفاهيم اساسية نعرفها نحن اليوم. هذه المفاهيم هي العددين صفر ومالانهاية بالاضافة الى حساب النهايات.

تعرف الرياضيات شيئا تسميه المتواليات وتقول ان سلسلة الاعداد 1 ونصف وربع وثمن الى اخره تعبر عن متوالية كل عنصر فيها هو نصف العنصر اللذي يسبقه. وهذه المتوالية تصغر عناصرها وتقل باستمرار. وتقول الرياضيات ان لهذه المتوالية نهاية تسعى اليها. وانه بعد عدد لانهائي من الخطوات ستئول قيمة هذه المتوالية الى صفر.وهنا نري المفاهيم الثلاثة المذكورة اعلاه .ونرى ان المالانهاية والصفر هما شيئان متلازمان دائما. لكن الاغريق وكما نعلم قد رفضوا الصفر تماما وكذلك قد رفضوا ان هناك  عدد يحمل القيمة مالانهاية.

وتستطرد الرياضيات وتقول ان مجموع الاعداد 1 ونصف وربع وثمن الى اخره تعطى في النهاية النتيجة 2 تماما!! ويسمى مجموع عناصر متوالية بمتسلسلة وتقول الرياضيات ان ناتج جمع  متسلسلة لانهائية ليس بالضرورة مالانهاية.بل قد يكون رقما صغير كما فى حالتنا الان حيث ان المجموع يعطى 2.

ويكننا برهان هذه النتيجة باكثر من وسيلة منها طريقة الطرح. وهى تقول باننا سوف نطرح عناصر هذه المتسلسلة من العدد 2 الواحد بعد الاخر.

اذا طرحنا 1 من 2 سيكون الباقى 1
اذا طرحنا نصف من 1 سيكون الباقى نصف
اذا طرحنا ربع من نصف سيكون الباقى ربع
اذا طرحنا ثمن من ربع سيكون الباقى ثمن
……..
وهكذا بعد كل عملية طرح يكون الباقى هو نفس العدد التالى في المتوالية. ونعلم مما سبق ان لهذه المتوالية نهاية تئول اليها وهي الصفر فاذا طرحنا صفر من المتبقى فسيكون الباقى صفر. وبهذا تكون عملية الطرح اننتهت .

وهناك برهان اخر يحمل صورة اكثر رياضية وهو كالتالى. اذا فرضنا ان نتيجة جمع هذه المتسلسلسة هي القيمة s

s=1 +1/2 +1/4+1/8+ 1/16 + …..1/2^n………….1
فاذا قسمنا المعادلة السابقة على 2 نحصل على
s/2= 1/2+ 1/4+ 1/8+ 1/16+1/32+……1/2^n…….2
الان اذا طرحنا المعادلة 1 ناقص المعادلة 2 نحصل على الاتى
s/2= 1
ومنها ان s تساوي 2!

تتشابه نهاية زينون مع نهاية فيثاغورث فى ان كلاهما قد مات مقتولا. فقد كان لزينون نشاطا سياسيا وكان حاكم مدينته ديكتاتورا و طاغية. وكان زينون يهدف الى اسقاطه ويتأمر عليه. وتم القبض على زينون حينما كان يحاول تهريب اسلحة للمعارضين. وتعرض زينون للتعذيب الشديد حتى بيوح باسماء رفاقه في المؤامرة ولكنه رفض. ولكنه اخير وتحت وطأة التعذيب رضخ وقال انه سيبوح باسماء شركاءه. ولكنه لن يبوح بها الا للحاكم نفسه لانه لا يريد ان يعرف احد بهذه الاسماء سوي الحاكم. وبالفعل يأتى الحاكم اليه ويطلب اليه زينون ان يقترب منه حتى يهمس له بالاسماء في اذنه. وماكاد الرجل ان يفعل حتى انقض زينون على اذن الحاكم وعضها ولم يتركها ابدا حتى قتله حراس ليخلصوا سيدهم من فك زينون واسنانه!!

 

من هنا نرى ان غياب الصفر عند الاغريق وعند الاوربيين من بعد ذلك قد سبب لهم مشاكل كثيرة. وقد حاول الاغريق حل مفارقة زينون بوسائل متعددة.ولم تكن هذه  الوسائل صحيحة تماما ولكنها كانت مع ذلك مهمة لانها حملت تأثيرا مهما على تطور الرياضيات عبر الزمن!!

One thought on “مفارقة زينون

Leave a Reply