رأينا فى المرات السابقة الجوانب المختلفة لقصة الصفر:. جوانب تاريخية وفلسفية ودينية وفنية. لكن لا يجب ان ننسى ان موضوع الصفر فى الاساس هو رياضى . ولذلك فان التداعيات الرياضية اللتى احدثها الصفر بعد اكتشافه واستقرار امره كانت فى غاية الاهمية. وقد كانت هذه التداعيات فى حقيقة الامر فتوحات رياضية عظيمة.
ولكن فى الحقيقة فان هذه الفتوحات كانت فى بداية الامر مشاكل تسبب فيها الصفر. فخواص الصفر تختلف عن خواص باقى الاعداد ومجرد وجوده يبدو وكأنه ينقض الرياضيات من اساسها. وكان من ابرز المشكلات اللتى عاودت الظهور مشكلة جديدة قديمة وهى مفارقة زينون. فقد كان حل ارسطو لمشكلة زينون هو انه كان انكر وجود الصفر والمالانهاية. وقال انها اشياء موجودة فى المخيلة البشرية فقط ولكن لا وجود لها فى الواقع. ولكن بعد ان اضطر الرياضيون الى قبول الصفر كان لابد من ايجاد حل رياضى مقنع لمفارقة زينون.
ولم تكن مفارقة زينون هى المشكلة الوحيدة بل ان وجود الصفر والمالانهاية تسبب فى ظهور مشكلات اخرى تعرف بالعمليات او الكميات الغير معرفة. وهى كلها عمليات تتعلق بالتعامل مع الصفر او المالانهاية او كليهما معا. وتشمل هذه الكميات الكميات التالية:
1 قسمة صفر على صفر
2 ضرب صفر فى مالانهاية
3 قسمة مالانهاية على مالانهاية
4 طرح مالانهاية من مالانهاية
5 مالانهاية مرفوعة للاس صفر
6 صفر مرفوع للاس صفر
7 واحد مرفوع للاس مالانهاية
8 قسمة عدد بخلاف الصفر على الصفر
وسنهتم اليوم بالحالتين الاوليتين. وفى حقيقة الامر يمكننا ان نقول ان اول حالة هى اهم حالة لان باقى الحالات مشتقة منها!!
اذن قسمة صفر على صفر هى كمية غير معينة. لكن لماذا؟ يمكننا ان نري ذلك عن طريق صنع مقاربات استقرائية منطقية او بطريقة رياضية حسابية. دعونا نبدأ اولا بالمقاربات المنطقية وبالمثال التالى. لو تخيلنا انه امامنا اربعة لاعبين لكرة السلة لانعرف مستواهم ونريد ان نحدد ايهم هو الامهر فى التصويب على السلة. فنسمح لكل لاعب بان يرمى ثلاثة رميات. ودعونا نفترض ان اللاعب الاول استطاع ان يسجل 3 رميات موفقة من ثلاث محاولات بينما سجل الثانى مرتين فقط والثالث مرة واحدة والرابع ولا مرة. اننا بلا شك سوف نقرر بان اللاعب الاول هو امهر المصوبين والرابع اسوأهم ويمكننا ان نبرهن ذلك بقسمة عدد الرميات الموفقة على عدد المحاولات الكلية ثم نضرب النتيجة فى مائة لنحصل على النسبة المئوية. وبذلك تكون نسبة اللاعب الاول 100% بينما نسبة اللاعب الرابع صفر فى المائة لان نتيجة قسمة صفر على مائة هى صفر. والان نتخيل لاعب خامس اخر هو ايضا مجهول بالنسبة لنا ونريد ان نحكم على مستواه. اللاعب الخامس لم يصوب بعد وبالتالى لم يسجل اى رمية موفقة. فماذا تكون نتيجته؟ انها كما نري قسة صفر على صفر فكما نرى عدد الرميات الموفقة هو صفر وعدد المحاولات الكلية هو صفر و اللاعب مستواه يمكن ان يكون أي شئ: 100% كالاعب الاول او صفر فى المائة كاللاعب الرابع او اي قيمة بين ذلك. وهكذا فاننا كما نرى ان صفر على صفر هو كمية غير معينة!! ولنستكمل مثالنا ولنتخيل لاعب خامس لم يرمى اى رمية ولكنه سجل رمية موفقة. فماذا يكون مستواه؟ اننا ينبغى ان نقسم 1 على صفر. ان هذا اللاعب مستواه مذهل مستواه هو المالانهاية. فعند محاولة قسمة اى عدد بخلاف الصفر على الصفر سنجد اننا نقترب منا المالانهاية الموجبة او السالبة!
لنضرب مثالا اخر. نتخيل ان هناك محلا عجيبا لبيع الفاكهة ولكن اسعاره فى غاية الغرابة ولا تحمل اى منطق . فالاسعار تتغير كل يوم وهناك فواكه نتوقعها رخيصة ولكن صاحب المحل بيبعها باسعار عالية والعكس صحيح. ولنتخيل ان هناك 3 اشخاص يريدون ان يعرفوا اسعار البضاعة الموجودة فى المحل ولا توجد لائحة اسعار. ويخبرهم صاحب المحل انه لن يعطيهم اى اسعار وانه يجب عليهم ان يشتروا البضاعة منه ليعرفوا ثمنها. وبالفعل يدخل اول شخص ويشترى 5 كجم من الموز بسعر 15 دولارات. فكم يكون سعر كيلو الموز؟ بعملية حسابية بسيطة نعلم انه 3 دولارات للكيلو الواحد. ثم اراد الاصدقاء معرفة سعر التفاح فدخل ثانى الاصدقاء واشترى 2 كيلومن التفاح بسعر 100 دولار فكم يكون سعر التفاح؟ بسهولة انه 50 دولار للكيلو. ثم اراد الاصدقاء معرفة سعر الخوخ فدخل الثالث ولكنه لم يشترى شيئا ولم يدفع شيئا . فكم يكون سعر كيلو الخوخ. مرة اخرى انه قسمة صفر على صفر وقد يساوى اى قيمة!!
كما اننا نستطيع ان نوضح ان قسمة صفر على صفرى هى كمية غير معينة بطريقة رياضية. فتعريف عملية القسمة هى عكس عملية الضرب. مثلا ضرب 3 فى 2 يعطى 6 وبالتالى قسمة 6 على 3 تعطى 2 كما ان قسمة 6 على 2 تعطى 3. الان دعونا ان نكرر نفس العملية مع الصفر. نعلم ان ضرب صفر فى 6 يعطى صفر. وبالتالى فان قسمة صفر على 6 لابد وان تعطى صفر وقسمة صفر على صفر لابد ان تعطى 6 . والان نكرر نفس العملية السابقة مع رقم اخر. ضرب صفر فى خمسة يعطى صفر وبالتالى قسمة صفر على خمسة تعطى صفر وهنا لاتوجد مشكلة . ولكن ينبغى ان تكون ايضا قسمة صفر على صفى تعطى خمسة. ولكن كيف يكون هذا وقد رأينا تو ان ان قسمة صفر على صفر تعطى 6! وبنفس الطريقة فان قسمة صفر على صفر قد تعطى اي رقم اخر!!
وهذه احد الغرائب المتعلقة بالتعامل مع الصفر. وادت الرغبة فى معرفة القيمة الحقيقية المختبئة خلف قسمة صفر على صفر فى ظهور علم التفاضل.
اما الحالة الثانية وهى ضرب صفر فى مالانهاية فهى ايضا كمية غير معينة. ويمكننا ان نرى ذلك باكثر من طريقة. ففى واقع الامر فان خلف ضرب صفر فى مالانهاية تختبئ مرة اخرى قسمة صفر على صفر! كيف هذا؟
infinity * 0
نستطيع ان نتخيل المالانهاية على انها قسمة 6 على صفر مثلا. ففعلا قمسة 6 على صفر كما نعلم تعطى مالانهاية
infinity *0 = 0 *6/0 = 6*0/0
اذن ضرب صفر فى مالانهاية يكافئ ضرب صفر فى ستة على صفر. اوضرب ستة فى صف على صفر. وصفر على صفر هو كمية غير معينة وضرب 6 فى كمية غير معينة هو ايضا كمية غير معنية.
كما اننا نعلم ايضا ان الضرب هوب عملية جمع متكررة ف:
2*3 = 2 + 2 + 2=6
ونعلم ان عملية الجمع التالية:
1 + 1/2 + 1/4 + 1/8 + 1/16 + …+etc
هى مسلسلة مفارقة زينون وعناصر المتسلسلة تتضأل وتتلاشى اى انها تئول الى الصفر. اذن فجمع مالانهاية من الاصفار فى حالة مفارقة زينون يعطى النتيجة 2!
ولكن من ناحية اخرى دعونا نرى هذه المتسلسة:
1 + 1/2 + 1/3 + 1/4 + 1/5 + 1/6 +…+ etc
هى ايضا متسلسلة عناصرها تتضائل وتتلاشى وتئول الى الصف . وهى تساوي ايضا مجموع لا نهاية من الاصفار. ولكن قيمة المتسلسلة فى هذه المرة كبيرة جدا وتساوى مالانهاية. ونستطي ان نبرهىن ذلك رياضيا بتجميع عناصر المتسلسلة على الشكل التالي
1+ 1/2 + (1/3 + 1/4) + (1/5 + 1/6 + 1/7+ 1/8)+ (1/9 + …+1/16)+ …
ونتيجة الجمع هى على كل حال اكبر من
1 + 1/2 + 1/2+1/2 +….الى مالانهاية.=
1+ 1/2*infinity = infinity
ومن هنا نرى ان جمع ما لانهاية من الاصفار ليست كمية معينة وليست نتيجة محددة ولكنها تختلف من حالة الى اخرى. وهذه الطريقة هى اللتى استخدمها ارشميدس فى حساب المساحات وهى تشبه الطريقة اللتى استخدمها كبلر لحساب الحجوم. والتعامل مع ضرب الصفر فى المالانهاية تسبب فى ظهور علم رياضى جديد وهو علم التكامل!!