موضوعات متقدمة فى ميدان حساب النهايات

قادنا ابحارنا الرياضى فى موضوع الصفر فى المرات الماضية الى شواطئ عالم حساب النهايات. و حساب النهايات ليس موضوعا ثانويا صوريا من صنع رياضيين بيروقراطيين يريدون ان يجعلوا العالم اكثر تعقيدا. بل هو فى حقيقة الامر ضرورة رياضية اكثر منه اكتشاف رياضى. فبدون حساب النهايات ستغوص الرياضيات فى مستنقع من التناقضات ولم يكن بمكانها ان ثصل الى المكانة اللتى وصلتها اليوم.

ولم يكن ممكنا فى المرات الماضية التعرض بشكل مركز لحساب النهايات بسبب ضيق المكان ولان  الموضوع الاساسى اللذى نتحدث حوله هو موضوع الصفر. ولذلك ربما يكون مفيدا اليوم ان نقوم بعمل استراحة قصيرة ننحى خلالها موضوع الصفر جانبا ونقوم بعمل سياحة قصيرة فى بساتين حساب النهايات لنتعرف فيها على ثلاث نقاط هامة.

النقطة الاولى تتعلق بالمكانة العالية التى يشغلها حساب النهايات فى ميدانى الرياضيات والفيزياء اليوم.  فكثير من المفاهيم اللتى نتداولها اليوم هى تطبيقات مباشرة لحساب النهايات ولكننا سريعا ما ننسى هذه المعلومة. فحساب التفاضل هو تطبيق مباشر لحساب النهايات. والسرعة اللحظية هى ايضا تطبيق مباشر لحساب النهايات. فالسرعة المتوسطة هى قسمة التغير فى الازاحة على التغير فى الزمن. اما سرعة اللحظية فهى نهاية عملية القسمة السابقة عندما يئول التغير فى الزمن الى صفر. ومثل هذا الكلام ينتطبق على التسارع وعلى اي كمية فيزيائية لحظية اخرى حتى لو كانت تنتمى الى ميادين فيزيائية مختلفة كشدة التيار الكهربائى مثلا او خلافه!

النقطة الثانية تتعلق باجراء حساب النهايات نفسه. فعملية اجراء حساب النهايات عملية سهلة للغاية عندما نجريها بالنسبة لدالة  تعتمد على متغير واحد. ففى هذه الحالة قد يصل بنا التعويض المباشر الى الحل مباشرة.  اما اذا اعطانا التعويض المباشر  كمية غير معينة فاننا نصل عن طريق اختصار قيمة معينة من البسط والمقام الى الحل السليم فى حالات كثيرة. فان لم يكن هذا ممكنا فان قاعدة لوبيتال غالبا ما تكون الحل الناجع. لكن الامر يختلف تماما عندما تكون الدالة تعتمد على اكثر من متغير. فهنا يكون حساب النهايات امرا فى غاية الصعوبة. ويصاب عدد غير قليل من المتعاملين مع هذه النوعية من المسائل بالحيرة بل قد يشكون فى معنى عملية حساب النهايات من الاساس. وهذا الامر منطقى الى حد بعيد حيث اننا فى حالة الدالة المعتمدة على متغير واحد يكون عندنا على الاكثر مساران حتى نصل الى موضع نقطة ما. اما عن يمين تلك النقطة او اما عن يسارها. اما فى حالة الدوال المعتمدة على اكثر من متغير فيكون هناك عدد لانهائى من المسارات حتى نصل الى موضع اي نقطة. وهذا الامر يتفق الى حد كبير مع تجاربنا الحياتية.

ميدان التحرير

لتوضيح هذا الامر دعونا نستعين بمثال نستخدم فيه مكان معروف بالنسبة لمعظمنا وهو ميدان التحرير فى العاصمة المصرية القاهرة. فالبعض قد زار هذا المكان بالفعل و البعض الاخر لابد انه سمع عنه فى وسائل الاعلام المختلفة. وميدان التحرير لمن لم يره عبارة عن مساحة مستديرة خضراء تمثل صينية الميدان تحيط بها  شوارع واسعة لكى تستوعب حركة مرور القاهرة الكثيفة ثم يحيط بتلك الشوارع المبانى و المنشئات الموجودة فى المكان. ولنتخيل ان مجموعة من الاصدقاء يزورون الميدان لاول مرة وقد اتفقوا على ان يتقابلوا فى منتصف الميدان تماما. اى على تلك المساحة المستديرة الخضراء.  وللعلم فان  الوصول الى تلك البفعة الخضراء غير ممكن فى الايام العادية فقط يتم استعمالها ايام التظاهرات. ولكن لنفترض ان هؤلاء الاصدقاء يأتون من طرق مختلفة. فدعونا نستعرض تجربتهم.

الصديق  الاول يأتى الى الميدان عن طريق شارع قصر النيل وكلما اوغل فى السير سيجد انه يقترب من المتحف المصرى اما الصديق الاخر فيأتى من شارع محمد محمود وكلما اقترب فى الطريق سيجد انه يقترب من الجامعة الامريكية وصديق اخر يأتى من طريق اخر سيجد انه يقترب من مجمع المصالح الحكومية واخر سيجد انه يقترب من مسجد عمر مكرم  واخر سيجد انه يقترب من فندق رمسيس هيلتون. وبفرض ان كل هؤلاء الاشخاص يأتون للميدان للمرة الاولى ويتواصلون مع بعضهم عن طريق الهواتف المحمولة فلن يتفق هؤلاء الاصدقاء على ما يرونه وسيظنون انهم ضلوا الطريق . واذا طلبنا من كل منهم ان يعطينا تصور عما يتوقعه لصورة منتصف ميدان التحرير لا عطى كل منهم تصور مختلف بناء على تجربته اللتى عايشها حتى الان. في هذه الحالة نقول انه لاتوجد نهاية موحدة عندما نقترب لنقطة منتصف ميدان التحرير من شوراع مختلفة.

وحيث اننا نفترض مثالا خياليا  فاذا افترضنا ان بامكاننا استنساخ المتحف المصري بحيث يقع على رأس كل الشوارع المؤدية الي ميدان التحرير هنا سوف يعيش كل الاصدقاء نفس التحربة وريما سيكون عندهم جميعا نفس التوقع بالنسبة لشكل ميدان التحرير. ونقول انه فى هذه الحالة هناك نهاية موحدة لتوقع صورة نقطة منتصف الميدان

دعونا الان نشاهد مثالا رياضيا ولنرى دالة فى متغيرين x و y
z= (x^2 +y^2)/2(x+y)     1

والسؤال الان: ماذا ستئول اليه قيمة الدالة عندما نقترب من نقطة الاصل (0,0)؟ . هنا التعويض المباشر يعطينا صفر على صفر وهو كمية غير معينة. و اذا اتبعنا مسارا يتطابق مع محور x اي ان قيمة y هى الصفر دائما. ستتحول الدالة الى دالة فى متغير واحد تحمل الصورة التالية:

z=x^2/2x
او
z=x/2

و سنجد اننا نقترب من القيمة صفر . وكذلك الحال اذا اقتربنا من مسار يتطابق مع المحور y . لكن هل كل المسارات نحو نقطة الاصل تعطى القيمة صفر؟ الاجابة هى لا. فاذا رسمنا خطوط الكونتور لهذه الدالة. وخطوط الكنتور هى عبارة عن خطوط تصل بين كل النقاط اللتى تحمل نفس القيمة  z . سنجد ان خطوط الكوننتور لدالتنا السابقة لها شكل دوائر متداخلة وتتماس عند نقطة  الاصل. اي اننا اذا تتبعنا المسار اللذى تكون لكل نقاطه خاصية ان z تساوي 2 سنجد اننا نمر بنقطة الاصل واذا تتبعنا المسار اللذى تكون عنده z تساوي 3 سنجد اننا نمر ايضا بنقطة الاصل وهكذا بالنسبة لاي قيمة اخرى. اذن فليس لدالتنا نهاية ثابتة عندما نفترب من نقطة الاصل!!

النقطة الثالثة هى ان لحساب النهايات اهمية بالغة فى الرياضيات اليوم وهى تمثل الخيط اللذى تحيك به الرياضيات  ثوبها فى كثير من الاحيان. فحساب النهايات يستخدم فى تعريف مفاهيم اساسية فى الرياضيات كالاعداد الغير نسبية و الاعداد الحقيقية. كما نعلم ان الاعداد الغير نسبية هى تلك الاعداد الغير حكيمة كما سماها الاغريق. وهى الاعداد اللتى لايمكن التعبير عنها فى صورة بسط ومقام من الاعداد الصحيحة. اذن فما هو تعريف الاعداد الحقيقية؟ احد التعريفات الحديثة اصيغه بصورة مبسطة يفيد ما معناه ان الاعداد الحقيقىة هى نهايات لمتواليات  رياضية من نوعية متواليات كوشى وتكون كل عناصرها من الاعداد النسبية. مثال على الذلك العدد الحقيقى 1 فيمكن تخيله على انه نهاية للمتوالية:
0.9 , 0.99 , 0.999 , 0.9999 , ….
او انه نهاية للمتوالية
1.0 , 1.00 , 1.000 , 1.0000 ,….
ومن هنا نصل الى نتيجة قد تبدو غريبة للوهلة الاولى وهى ان:
…..0.99999=1
ويمكن ان نثبت ذلك عبر  اكثر من وسيلة . نكتفى بالطريقة التالية اليوم:
…….0.9999 = x
بضرب 10 فى طرفى المعادلة نحصل على
…..9.9999 = 10x
بطرح المعادلة الاولى من الثانية نحصل على
9=9x
ومنها ان
1 = x
!!