نتعرض اليوم الى 3 مفاهيم فد تبدو للوهلة الاولى غريبة على السمع. وقد يظهر انه لا توجد علاقة جامعة تجمع بين هذه المفاهيم الثلاثة. ولكننا سنرى عما قليل كيف ان هذه المفاهيم متداخلة ومرتبطة مع بعضها.
اذا بدأنا اولا بالمالانهاية الصغرى فقد يبدو هذا المصطح مفاجئا وذو صياغة غريبة. وقد يظهر سؤال: هل هناك مالانهاية صغرى ومالانهاية كبرى؟ وماهو الفارق بين الاثنين؟
في الحقيقة ان موضوع المالانهاية الصغرى كان من اهم واشهر المواضيع الرياضية في الماضي. وقد كان هذا الموضوع في غاية الصعوبة وكان يشكل صخرة عنيدة اصطدمت بها رئوس الدارسين. والفارق بين المالانهاية الكبرى والصغرى كبير. فالمالانهاية الكبرى هى المالانهاية اللتى يعرفها اليوم تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات فهى تمثل الحد الاعلى للاعداد. واى رقم كبير يمكن للانسان ان يتخيله او يفكر فيه فان المالانهاية الكبرى اكبر منه وتتخطاه. فمثلا العدد مليار مليار تريليون قد يبدو كبيرا ولكنه لايقارن بالمالانهاية الكبرى فهى مازالت اكبر منه بكثير.
واذا تخيلنا ان هناك حصان يركبه فارس يحمل فى يده عصا طويلة وتتدلى من تلك العصا جزرة. ويتحرك الحصان على طول خط الاعداد في اتجاه اليمين محاولا الوصول الى تلك الجزرة. فاننا نعلم ان الحصان لن يمكنه ابدا الوصول الى الجزرة مهما سار ومهما كانت سرعته. وتمثل الجزرة هنا المالانهاية الكبري. واذا تحرك الحصان باتجاه اليسار فانه لن يحصل على الجزرة وتمثل الجزرة في هذه الحالب سالب مالانهاية. لكن الان ما هى المالانهاية الصغرى؟
اذا عدلنا في المثال السابق فكانت الجزرة معلقة فى حبل . والجزرة تعلو رأس الحصان بمسافة ما. بحيث لايستطيع فم الحصان ان يصل اليها. اما الحصان نفسه فهو مربوط في ساقية او ناعورة ويمكنه فقط الدوران حول نفسه. وكلما دار الحصان دورة كاملة كلما قلت المسافة بين الحصان والجزرة بمقدارالنصف. اذن فالمسافة تقل دائما باستمرار ولكنها لن تصبح ابدا صفرا. ومرة اخرى فلن يستطيع الحصان التهام الجزرة. وتمثل الجزرة في هذه الحالة المالانهاية الصغرى. وفي الحقيقة فان تعبير المالانهاية فى غاية الدقة. فهو يوضح ان خط الاعداد الحقيقية الموجبة لا حد له. فليست له بداية و لا نهاية. ويجب ان نلاحظ ان الصفر عدد غير موجب. فما هوأول او أصغر عدد حقيفى موجب اذن؟ لايوجد! انه المالانهاية الصغرى. وماهو اكبر عدد حقيقي موجب؟ مرة اخرى لايوجد فهو المالانهاية الكبرى.
ومما سبق ندرك ان المتوالية 1 و 1/2 و 1/4 و 1/8 و 1/16 الى اخره ليس لها نهاية وانها تتجه باتجاه المالانهاية الصغرى اللتى تلاصق الصفر تماما. وعمليا يمكننا القول ان المالانهاية الصغرى تئول الى الصفر وان المتوالية السابقة تئول الى الصفر.
ومن السهولة ان ندرك اهمية الدور اللذى لعبه تصور المالانهاية الصغرى في حساب التفاضل. وكان اول من فطن الى هذا الالمانى لايبنتس. وقال من ضمن ما قال اننا اذا تخيلنا قوسا ما فاننا يمكننا تخيله على انه سلسلة من الاقواس الصغيرة المتلاصقة . واذا حاولنا ان نصغر هذه الاقواس الى مالانهاية فان القوس الصغير سيئول الى خط مستقيم وتحديد الى مماس للقوس. وهذا التصور هو تطوير لاقكار ارشميدس اللذى قال ان الدائرة يمكن تخيلها على انها مضلع لانهائى الاضلاع!! طول الضلع فيه المالانهاية الصغرى !!
ولكن المانيا اخر عاش فى القرن التاسع عشر وهو فايرشتراس كان المسئول عن اختفاء اسم المالانهاية الصغرى من عالم الرياضيات المعاصرة اليوم. وفايرشتراس له فضل كبير فى الوصول الى الصورة الرياضية النهائية اللتى نستخدمها اليوم في ميادين الجبر وحساب التفاضل. فقد اختفى هذا التعبير من الرياضيات لحسن حظ التلاميذ. ولكنه بقى متداولا لدي المهتمين بداراسة تاريخ الرياضيات و الفلسفة.
ويمكننا الان ان ندرك بسهولة مدى ارتباط النقطة الثانية في عنوان اليوم بالنقطة الاولى. او مدي ارتباط مفارقة زينون بالمالانهاية الصغرى. واعتقد ان العلاقة الان واضحة: فالمتوالية اللتى تعبر عن المسافة اللتى تفصل السلحفاة عن اخيل كانت: 1و 1/2 و 1/4 و 1/8 الى اخره و هى نفس المتوالية اللتى ظهرت فى موضوع المالانهاية الصغرى.
لكن صورة اخيل والسلحفاة ليست هى الصورة الوحيدة لمفارقة زينون. بل هناك اكثر من صورة توضح دور المالانهاية الصغرى بشكل مشابه . ومن امثلة هذه الصور المختلفة صورة السهم المنطلق او صورة العداء.
تقول صورة السهم المنطلق: اننا اذا تخيلنا سهما منطلقا في الفضاء فان بامكاننا تخيل لحظات الزمن المتتالية على انها نقاط لانهائية متلاصقة ويكون السهم في كل لحظة من تلك اللحظات ثابتا في مكانه لايتحرك. لانه في كل لحظة يكون الزمن المنصرم صفر او مالانهاية صغرى. وهنا يظهر التساؤل كيف تنشأ الحركة اذن اذا كان السهم ثابتا عبر جميع اللحظات؟
الصورة الاخرى وهي صورة العداء وتقول ان عداء يريد ان يقطع مسافة ما عدوا. لكنه لن يستطيع ذلك لانه لن يجد نقطة البداية. فهو قبل ان يقطع المسافة كاملة عليه ان يقطع نصف المسافة اولا وقبل ان يقطع نصف المسافة عليه ان يقطع ربع المسافة اولا ولكي يقطع ربع المسافة عليه ان يقطع ثمن المسافة اولا. ولكن قبل اى مسافة فهناك مسافة تسبقها. لكن ما هى اول مسافة يجب على العداء قطعها؟ انها المالانهاية الصغرى.ولكننا كما نعلم فان العداء لن يصل ابدا اليها.
الان نصل الى الذريين وهم اتباع الاغريقى ديموقريط اللذى نفى وجود المالانهاية الصغري وقال بوجود نهاية صغرى اسماها الذرة. وكانت فكرة ديموقريط تجيب عن السؤال التالى اذا كان لدينا خيطا وقصصناه الى نصفين . ثم اخذنا احد النصفين وقمنا بقصه الى نصفين. فهل نستطيع ان نكرر هذه العملية الى مالانهاية. وكانت اجابة ديموقريط لا. فاننا يمكنا ان نجرى عملية القص حتى نصل الى ذرة واحدة. وسستنتهى عملية التقسيم لان الذرة غير قابلة للتقسيم. ونلاحظ ان كلمة atom هى مشتقة من الكلمة الاغريقية atomos ومعناها غير قابل للتقسيم.
وكانت فكرة الذريين تشكل حلا لمفارقة زينون فقد نفى الذريون وجود المالانهاية الصغرى. وعليه فان المسافة بين اخيل والسلحفاة ستأخذ في الضيق حتى تصل الى طول ذرة واحدة. وهنا لن يمكننا تقسيم المسافة اكثرمن ذلك. فيقوم اخيل بتخطى تلك المسافة بينما لاتستطيع السلحفاة عمل ذلك لان اخيل اسرع من السلحفاة.
و بالمناسبة فان هناك من العلماء المعاصرين من يقول مثلما ماقاله الذريون. ولا اعنى بذلك ان الذرة غير قابلة للتقسيم. فالكل يعلم اليوم ان الذرة يمكن تقسيمها الى مكونات اصغر منها. فالذرة تحتوى على الكترونات ونواة. والنواة بدورها تحتوى على بروتونات ونيترونات . و البروتونات والينترونات تتكونان من مكونات اصغر. لكن ما يقوله بعض الفيزيائيين ويتوافق مع طرح الذريين القدماء ان هناك طول يسمى طول بلانك وهو اصغر طول ممكن وجوده في الطبيعة ولايمكن ان توجد مسافة اقل من ذلك. وان الصفر ليس له وجود في الفيزياء. ونظرية الاوتار الفائقة تمثل تجسيدا لوجهة النظر هذه.
لكن دعونا من الحاضر ودعونا نبقى في الماضى لنرى كيف تطورت الامور بعد ذلك. فقد استبعد الذريون المالانهاية الصعرى والصفر ولكنهم قالوا بوجود الفراغ. فقالوا ان سبب الحركة هى حركة الذرات المكونة للمادة في الفراغ. وانه لو كان الكون مملوء فقط بالمادة ولم يحتو على الفراغ فان الحركة ستصير مستحيلة لان المادة سوف تضغط فقط على المادة المجاورة لها ولكن لن تحدث نتيجة لذلك اي حركة.
ولكن بقت مشكلة الذريين الكبرى انهم عارضوا افكار ارسطو. وارسطو كان اسما كبيرا وقامة شامخة. ثم اصبحت المشكلة اكبر عندما تبنت الكنيسة افكار ارسطو فاصبحت افكار الذريين هرطقة وكفر تهدف الى انكار وجود الله. واصدرت الكنسية تعليمات بتحريم تدريس افكار الذريين. وتمت عمل مكيدة للذريين فى فرنسا الكاثوليكية وتم القبض عليهم ونفيهم جميعا خارج البلاد وجعل عقوبة تدريس مثل تلك الافكار والنظريات الاعدام. ويعتبر الرياضى الفرنسى ديكارت من اشهر المحسوبين على الذريين ولكن شهرة ديكارت لم تحمه ففد صدر قرار بحرق كتبه ووضعها على لائحة الكتب الممنوعة. لكن ديكارت لم يعش فى فرنسا كثيرا وقضى معظم سنين حياته في هولندا البروتاستينية. ومن هنا نرى ان افكار الذريين كانت في غاية الخطورة وكانت تعرض حياة صاحبها ومعتنقيها للخطر!!