نشأة القمر

تنتمي عناصر مجموعتنا الشمسية الى تصنيفات فلكية متنوعة. فهناك الشمس وهى العنصر المركزي فى مجموعتنا وهى من صنف النجوم. ثم هناك صنف الكواكب واليه تنتمى الأرض. ثم هناك صنف الاقمار و اللذي يشمل بالاضافة الى القمر الأرضى اقمار المريخ و المشترى وزحل وغير ذلك. ثم هناك تصنيفات فضائية أخرى بخلاف ذلك تضم المذنبات والكويكبات.

ويحاول الفلكيون والفيزيائيون البحث عن كيفية نشأة هذه الصنوف الفلكية بصورة عامة وكيفية نشوء كل عنصر من عناصرها بصورة خاصة. والغريب ان العلماء اكثر اتفاقا حول نشأة الاجرام الأعظم و الاكبر كتلة. فالشمس يوجد  شبه اجماع حول كيفية نشأتها. بينما الامر اكثر صعوبة بالنسبة للكواكب و اكثر جدلية بالنسبة للاقمار. و اليوم سنحاول ان نتعرف على التصورات المختلفة لنشأة القمر!

لكن قبل ان نتعرض للنظريات المختلفة . دعونا نستعرض اولا بعض الحقائق الاساسية  اللتى لا بد لأى نظرية مقبولة ان تتمكن من تفسيرها بعد تفسير نشأة القمر من حيث المبدأ:
1 كثافة القمر فى المتوسط هى 3,3 جم بالنسبة للسنتيمتر المكعب. بينما هى بالنسبة للأرض 5,5 بنفس وحدة القياس
2 القمر يفتقر الى عنصر الحديد بشكل كبير. بينما نواة الأرض تتكون بصورة اساسية من الحديد وهذا هو سبب ارتفاع كثافة الأرض فى المتوسط.
3 خواص مادة القشرة الارضية وسطح القمر تتشابهان بشكل كبير بينما تختلف عنها فى باقى ارجاء المجموعة الشمسية.
4 عزم دوران الارض و القمر كبير جدا. و لا يتكرر هذا الامر بداخل مجموعتنا الشمسية بين كوكب ما وقمر تابع له.

والان دعونا نرى اهم النظريات اللتى تفسر نشأة القمر:

نظرية الأنشطار: هذه النظرية  كانت فى الماضى اهم نظرية تصف نشأة القمر. ويعود اكتشافها الى نهاية القرن التاسع عشر على يد الفلكى جورج دارون وهو أبن عالم الاحياء المعروف تشارلز دارون صاحب نظرية التطور. وتقول هذه النظرية أن الارض كانت تدور فى الماضى حول محورها بسرعة عالية اكبر بكثير منها اليوم. وبسبب قوة الطرد المركزي العالية فأن جزء من الأرض قد انفصل عنها وكون القمر الموجود اليوم. وهذا يفسر تشابه خواص سطح القمر مع القشرة الارضية.  كما أنه يفسر قرب  قيمة كثافة القمر من كثافة القشرة و الغلاف الارضيين.  بل زاد البعض ان القمر عندما انفصل  خلف وراءه المحيط الهادى الموجود حاليا. لكننا نعلم اليوم بخطأ هذا الرأى فالعمليات الجيولوجية المختلفة وحركة القارات لن تسمح ببقاء  الندبة المتخلفة عن انفصال القمر على حالها. كما ان للنظرية نقاط ضعف مهمة. فمستوى دوران القمر حول الارض يميل بشكل كبيرعن مستوى خط الاستواء واللذى لابد  منطقيا ان يحدث الانفصال عنده لأن قوة الطرد المركزي هناك اعلى ما يمكن. كما ان الحسابات توضح ان سرعة دوران الأرض حول محورها فى الماضى البعيد لا تسمح بهذا الأنشطار. حيث ان السرعة الضرورية لهذا الامر هو ان  تدور الأرض حول محورها مرة كل ساعتين ونصف! بينما معلوماتنا تقول ان اليوم الأرضي كان قبل 4 مليارات سنة طوله 6 ساعات فقط!

نظرية الالتقاف: تفول هذه النظرية أن القمر قد تكون فى ما بداخل المجموعة الشمسية وليس بالضرورة بالقرب من الأرض. وهذا مبدئيا يستطيع أن يفسر وجود اختلاف بين نوع المواد اللتى يتكون منها القمر واللتى تتكون منها الأرض. كما انه يستطيع أن يفسر عدم وجود حديد بداخل القمر. ثم  تضيف النظرية أنه عندما اقترب القمر من الارض فانها التقفته بفعل جاذبيتها كما يلتقف لاعب بيسبول الكرة. وهذه النظرية تفسر ايضا بشكل رائع عزم الدوران الكبير الموجود فى نظام الأرض و القمر. ولكن لهذه النظرية نقاط ضعفها. فهى لا تستطيع ان تفسر سبب التشابه بين القشرة الارضية و سطح القمر اذا كانا تشكلا فى مكانين مختلفين تماما. كما ان عملية الالتقاف ينتج عنها قوى هائلة وكانت ستتسبب فى تحطيم القمر بالكامل. كما ان هذه  النظرية تعتمد فى قسم كبير منها على الصدفة. فالاحتمال الاكبر هو ان يصدم القمر بالأرض أوان تقذفه الأرض بعيدا عنها. لكن عملية الالتقاف تتطلب سرعة خاصة  جدا للقمر وزاوية دخول محددة ساعة الأقتراب من الأرض.

نظرية التكوين المتوازي: وفى هذه النظرية فان القمر و الأرض تكونا معا فى نفس المكان ومن نفس المادة الموجودة. ولكن الجزء الاكبر من المادة دخل فى تكوين الأرض بينما دخل الجزء الأقل فى تكوين القمر. وبسبب وجود القمر والأرض عمليا فى نفس المكان فمن السهل على الأرض أسر القمر فى مداره الحالى بعد ذلك. ولا يتطلب الامر فى هذه الحالة قوى هائلة قد تتسبب فى تدمير القمر كما فى النموذج السابق. كما تستطيع هذه النظرية كما نرى ان تفسر تشابه مادة القشرة الارضية مع سطح القمر ولكنها لاتستطيع ان تبرر خلو القمر من الحديد. فهذا يشبه اخذ قطعتين من نفس العجين ووضعهما فى فرن فينتج عن القطعة الاولى نوع من الحلويات بينما ينتج عن القطعة الثانية بيتزا مالحة. كما لا تستطيع هذه النظرية ان تفسر عزم الدوران العالى الموجود كما انها لا تستطيع أن تفسر انحراف مدار دوران القمر عن المدار الاستوائى الأرضي.

اصطدام ثيا مع الأرض

نظرية الاصدام الكبير : وهذه النظرية هى اكثر النظريات قبولا فى الوقت الحالى. وتقول هذه النظرية انه فى  المراحل المبكرة لتكوين الكرة الأرضية وعندما كانت تبلغ كتلة الأرض 90% من كتلتها النهائية اصطدم بها جرم سماوى اخر فى حجم كوكب المريخ تقريبا يطلق عليه العلماء اسم ثيا Theia وهو اسم الهة اغريقية قديمة وهى  ام ألهة القمر سيلين. ولم يكن هذا الاصطدام مباشرا بالمواجهة بل بالتماس. فقد حاف جانب ثيا جانب الارض فنتج عن هذا انفجار هائل وتبعثرت اجزاء  هائلة من قشرة الارض وقشرة ثيا فى فضاء الارض. واتحدت هذه الاشلاء المتطايرة بعد فترة زمنية قصير تقدر ب 100 سنة لتكون نواة القمر. وقامت نواة القمر بجذب باقى الاشلاء المتطايرة لتكون القمر بحجمه الحالى فى فترة زمنية  تقدر ب 10 ألاف سنة. ولكن فى البداية عندما تطايرت الاشلاء كانت قريبة جدا من الارض ولذلك تكون القمر على بعد 60 الف كيلومتر من الأرض فقط. وكانت الارض تدور بسرعة عالية جدا. وقد ساهم الاصطدام مع ثيا فى ذلك. لكن حيث ان القمر كان قريبا جدا من الأرض. فقد كان تأثير المد والجزر هائلا على كلا من الأرض و القمر. وساهم الاحتكاك الناتج عن حركة البحار والمحيطات السريعة بسبب المد والجزر مع قاع البحر فى تقليل سرعة دوران الأرض حول محورها. وبسبب قوانين الميكانيكا انتقل عزم دوران الحركة المفقود من الارض الى القمر مما جعل سرعة دورانه تزيد واخذ فى الأبتعاد عن الأرض حتى اخذ وضعه الحالى! وتستطيع هذه النظرية ان تفسر بشكل رائع عزم الدوران العالى الموجود فى المنظومة الأرضية القمرية كما انها تفسر تشابه قشرة الأرض مع القمر وتوضح لماذا لا يحتوى القمر على عنصر الحديد. ولكنها ما يعيب هذه النظرية أنها  تعتمد فى جزء كبير منها على المصادفة فهى تفترض وجود جرم سماوى مناسب فى المكان المناسب فى الزمان المناسب ليصطدم مع الأرض بطريقة مناسبة لينتج القمر. كما ان دراسات علمية حديثة اجريت عام 2013 اظهرت ان خواص سطح القمر تختلف عما تتوقعه نظرية الأصطدام.

الأصطدام الكبير

نظريات اخرى: النظريات السابقة لا تمثل كل النظريات الموجودة ولكنها تعتبر أهمها .وتوجد بالأضافة لتلك النظريات نظريات اخرى كنظرية القمرين و نظرية الأقمار المتعددة و نظرية اوبيك و نظرية انفجار المفاعل الأرضى.

ومن الغريب انه بعد ان تمكن الأنسان من الوصول الى سطح القمر فان السؤال حول نشأة القمر مازال قائما ولم يتم حسمه حتى الأن . ويقول الفلكى بيتر جولدرايش Peter Golreich : انه لا يستبعد ان بعد مرور قرن من الأن سيظل الفلكيون يتجادلون حول اجابة  سؤال: كيف نشأ القمر؟!