قصة الصفر موضوع له محاور كثيرة. ومن ضمن المحاور الهامة المتعلقة بهذا الموضوع المحور الدينى. ورأينا فى مرات سابقة امثلة متعددة لتقاطع موضوع الصفر مع تعاليم الكنيسة الغربية. و كانت معظم الامثلة اللتى رأيناها سلبية. حيث ان الكنيسة الغربية لم ترحب بالصفر واعتبرته عملا من اعمال الهرطقة. واليوم سوف نتعرف على مثال طريف بطله العالم الفرنسي باسكال. ولكن تقاطع الصفر والدين في هذه المرة كان تقاطعا ايجابيا. فباسكال حاول باستخدام الصفر ان يثبت افضلية الايمان على الالحاد.
في البداية ينبغى ان نشير الى بعض الجماعات الدينية اللتى ظهرت فى العصور الوسطى بهدف نصرة المذهب الكاثوليكى. ومن ضمن هذه الجماعات جماعة اليسوعيين. وهذه الجماعة ظهرت بقوة فى الفترة اللتى كانت تعتبر فترة اضطرابات فى عمر الكنيسة الكاثوليكية حيث نشأ المذهب البروتستانتى والكنيسة الانجليزية. وحاولت جماعة اليسوعيين التجديد في فكر الكنييسة الكاثولكية والانتصار لها بكل الطرق الممكنة. وتعلق اعضاء جماعة اليسوعيين بالعلوم والمعرفة وحاولوا باستخدام العلم الانتصار للمذهب الكاثوليكي على ماسواه من الاديان والمذاهب. ومن ابرز العلماء المنتمين لهذه الجماعة الفرنسى ديكارت. اللذى كان فيلسوفا ورياضيا وفيزيائيا هاما. وهو صاحب فكرة الاحداثيات الكارتيزية اللتى لاغنى عنها فى الرياضيات والفيزياء على حد سواء. ووضع ديكارت الصفر فى منتصف محاور الاحداثيات وبهذا فقد جعل للصفر مكانته الهائلة. ومن يومها لم يعد هناك من سبيل للتخلى عن الصفر. ولكن مع ذلك فان الكثيرين من اعضاء جماعة اليسوعيين لم يسلموا من التكفير من جانب الكنيسة ومن ضمن هؤلاء ديكارت نفسه اللذى تم وضع كتبه على لائحة الكتب الممنوعة.
اما الجماعة الكاثوليكية الاخرى فهى جماعة الجانسينية نسبة الى كاهن هولندي يحمل سم جانسون. ومن ابرز اعضاء هذه الجماعة فرنسى اخري هو باسكال. وكان باسكال قبل ان ينتمى لهذه الجماعة الدينية شابا ذكيا محبا للعلم. لمع اسمه فى ميدان الاختراعات. فهو اول من اخترع الة حاسبة سميت باسمه وحصل على براءة اختراع لهذه الالة وحاول تسويقها تجاريا لكنها لم تجلب له ربحا كبيرا بسبب غلو ثمنها وعدم اقبال الجمهور على شراءها. وهو كان قد اجرى العديد من التجارب لقياس الضغط الجوي ومثبتا وجود الفراغ مفندا بذلك كل فلسفات ارسطو اللتى كانت تقول باستحالة وجود فراغ فى عالمنا. ثم مرض والد باسكال مرضا شديدا وقام على تمريضه حتى شفاءه اعضاء من جماعة الجانسينية فانتمى الاب وكل عائلته ومن ضمنهم باسكال الابن بعد ذلك الى هذه الطائفة. وكانت طائفة الجانسينين تعادي طائفة اليسوعيين عداءا شديدا وترى بحرمانية الانشغال بالعلوم الدنيوية. وتري ان العلم الشرعى الوحيد اللذي ينبغى اكتسابه هى علوم الدينية وماعدا ذلك فهى بدع يجب الابتعاد عنها.
وكان باسكال يعانى صراعا نفسيا شديدا فهو كان عاشقا للعلوم والرياضيات من ناحية ولكنه كان من الناحية الاخرى انسانا متدينا جدا ويؤمن بتعاليم جماعة الجانسينين وفى النهاية انتصر حب الدين على حب العلم لدى باسكال فهجر باسكال العلم والرياضيات وعمل كاهنا كاثوليكيا حتى مماته. وكانت جماعة الجانسينيين دائما على النقيض من جماعة اليسوعيين. وكان باسكال ينتقد ديكارت كثيرا ويقول انه لا يمكن له ان يغفر له ما صنعه. وقال باسكال ان افكار ديكارت مؤداها انه بعد ان خلق الله العالم تركه للقوانين و لم يعد له دور فيه
ولكن مع ذلك فيبدو ان باسكال لم ينسى اصله الرياضى فوضع وهو كاهن برهانا يثبث فيه افضلية الايمان على الالحاد. وهذا البرهان يعتمد فيه على نظرية الاحتمالات والصفر والمالانهاية.
ولتوضيح فكرة باسكال دعونا نضرب المثال التالى لنتعرف فيه على مفهوم القيمة المتوقعة: هب ان هناك مظروفان مغلقان لانعلم محتواهما. ثم اقول لك ان المظروف الاول قد يكون فارغا او قد يحتوي على مائة دولار. اما المظروف الثانى فقد يكون ايضا خاليا او قد يحتوى على الف دولار. ثم اخبرك بان بامكانك ان تختار احد الظرفين فقط. فاى المظروفين سوف تختار؟ لاشك انه المظروف الثانى لان القيمة المتوقعة له اعلى.
والقيمة المتوقعة هى مصطلح ينتمى الى ميدان الاحصاء والاحتمالات. ويمكن حسابه لكلا المظروفين كالتالى. بالنسبة للمظروف الاول فان احتمال ان يكون الظرف خاليا هو 50% كما ان احتمال ان يكون الظرف محتويا على مائة دولار هو ايضا 50%. ولذلك فالقيمة المتوقعة للمظروف الاول هى نتيجة ضرب خمسين فى المائة فى صفر زائد ضرب خمسين فى المائة فى مائة دولار وتكون النتيجة النهائية 50 دولار. ويمكن حساب هذه القيمة كالتالى:
0*0.5 + 100*0.5 = 50
اما القيمة المتوقعة للظرف الثانى فهى 500 دولار ويمكن حساب ذلك بنفس الطريقة كالتالى:
0*0.5 + 1000*0.5 = 500
اذن فالقيمة المتوقعة للمظروف الثانى اعلى من القيمة المتوقعة للمظروف الاول. ولذلك فالقرار الاصوب بلا شك هو اختيار المظروف الثانى.
اذن كيف نطبق هذا على موضوع الايمان والالحاد؟ قال باسكال التالى: هب ان احتمال وجود الله هو 50% و احتمال عدم وجوده هو 50%. فهل من الاحكم ان يؤمن الانسان ام يلحد؟ استطرد باسكال فى فكرته وقال دعونا نحسب القيمة المتوقعة للايمان. فاذا كان الله موجود وامن الانسان به فسيدخل الانسان الجنة ويكون مكسبه لانهائيا . اما اذا امن الانسان ولم يكن الله موجودا فسيكون مكسبه صفرا. فاذا حسبنا القيمة المتوقعة للايمان سنجدها اللانهاية ويمكننا حساب ذلك كالتالى. هى حاصل ضرب مالانهاية فى خمسين في المائة زائد حاصل ضرب صفر فى خمسين فى المائة:
infinty *0.5 + 0 *0.5 = infinity
اما القيمة المتوقعة للالحاد فهى سالب مالانهاية وقام بحساب ذلك كالتالى. اذا كان الله موجودا ولم يؤمن الانسان به فسيذهب الانسان الى الجحيم وقيمة الجحيم فى هذه الحالة هى سالب مالانهاية. اما اذا كان الله غير موجود ولم يؤمن به الانسان فسيكون مكسبه صفر. وبهذا تكون القيمة المتوفعة للالحاد:
minus infinty * 0.5 + 0*0.5 = minus infinity
وبهذا نرى ان عاقبة الايمان افضل دائما من عاقبة الالحاد. ولذلك فاختيار الايمان افضل دائما من اختيار الالحاد. واستغل باسكال فى برهانه هذا خواص الصفر والمالانهاية الفريدة. حيث ان حاصل ضرب الصفر فى اي عدد اخر مهما كان كبيرا يعطى النتيجة صفر وحاصل ضرب المالانهاية فى اى رقم اخر مهما كان صغيرا يعطى مالانهاية.
بل يذهب برهان باسكال ابعد من ذلك. فحتى لو كان احتمال وجود الله 1% فقط واحتمال عدم وجوده هو 99% فان اختيار الايمان افضل من اختيار الالحاد حيث ان القيمة المتوقعة لللايمان لاتزال موجب مالانهاية والوقيمة المتوقعة للالحاد لاتزال سالب مالانهاية. ونرى ذلك فى الحساب التالى:
بالنسبة للايمان:
infinity *0.01 + 0 * 0.99 = infinity
بالنسبة للالحاد:
minus infinity *0.01 + 0 *0.99 = minus infinity