نتعرف اليوم على النظرية اللتى احتلت المركز التاسع في مسابقة اجمل النظريات الرياضية على مدي التاريخ. ومنطوق هذه النظرية يقول اننا باستخدام 4 الوان كحد اقصى نستطيع ان نلون اي خريطة حقيقية كانت ام افتراضية بحيث تأخذ كل منطقة لون يخالف اللون اللذي تأخذه منطقة مجاورة لها حدود مشتركة معها. ومبدئيا فان هذه النظرية من النظريات الرياضيات القليلة اللتى يمكن للقارئ ان يتخلها في وعيه في شكل صورة بصرية واضحة. ومع ذلك فان اثباتها رياضيا عسير جدا.
وقصة هذه النظرية ترجع الى الفرنسي جوتري Francis Guthrie وهو كان رياضى فرنسي شاب انهى دراسته الجامعية. وفي عام 1852 طلب منه ان يلون خريطة خاصة بالاراضى الاقطاعية الانجليزية بحيث تحصل كل قطعة ارض على لون مخالف لجارتها اللتى تمتلك معها حدود مشتركة. واكتشف جوتري ان 4 الوان كافية لتحقيق هذه المهمة ولكنه عجز عن تفسير هذا رياضيا فارسل خطابا الى اخيه الاصغر اللذي كان ما زال يدرس بالجامعة تحت اشراف الاستاذ المشهور في ذلك الوقت دي مورجان Augustus de Morgan اللذي حار بدوره في هذه المسألة ومن هنا اكتسبت هذه المسألة شهرة كبيرة وحاول كثيرون من هواة و محترفين حل هذه المسألة ولكن دون جدوي. و بعد مرور 124 سنة في عام 1976 تمكن فريق رياضي امريكي من برهنة هذه النظرية.
وبرهان هذه النظرية مر بالعديد من المراحل وربما يكون من المفيد التعرض الى ذكرها. اولا استطاع جوتري ودي مورجان من اثبات اننا لا يمكننا ان نضع اي 5 مناطق بجوار بعضها على لوحة او خريطة بحيث تصبح لكل منطقة حدود مشتركة مع باقى القطع الاخري. وفي عام 1890 برهن الامريكي هيوود Percy John Heawood اننا باستخدام 5 الوان نستطيع ان نلون أي خريطة بهذه الطريقة المطلوبة. لكن برهان ان هذا ممكن ايضا باستخدام 4 الوان بقى امرا عصيا. وفي عام 1922 تم اثبات انه اذا كانت عدد قطع الارض في الخريطة 25 او اقل فان بالفعل 4 الوان تكون كافية للتلوين. وفي عام 1926 تم اثبات هذا بالنسبة ل 27 قطعة. ثم في عام 1938 تم اثبات هذا بالنسبة ل 31 قطعة وفي عام 1940 تم اثبات هذا بالنسبة ل 35 قطعة . ثم في عام 1970 تم اثبات هذا بالنسبة ل 40 قطعة . ثم ارتفع هذا العدد الى 96 قطعة قبيل اكتشاف البرهان النهائى عام 1976.
و لاترجع اهمية هذه النظرية الى مضمونها المباشر. بل ان اهميتها ترجع بصفة اساسية الي انه في الطريق الى برهنة هذه النظرية وعبر اكثر من مائة وعشرين سنة تم اكتشاف العديد من النظريات الرياضية اللتى تلعب دورا كبيرا في حياتنا اليوم. فنظرية الشبكات network theory ونظرية المخططات graph theory هي امثلة لتلك النظريات اللتى تم اكتشافها في الطريق الى برهان نظرية اليوم.
ولكن برهان هذه النظرية كان يحمل في طياته صدمة مروعة. ولايزال البعض يرفض هذا البرهان الى اليوم. لماذا؟ لان البرهان اللذي وجده الفريق الامريكى المكون من باحثين هما ابل Kenneth Appel الامريكي و هاكن Wolfgang Haken ذي الاصول الالمانية كان يعتمد في الجزء الاهم منه على الكمبيوتر وليس على الورقة و القلم . فمن اجل هذا البرهان قام الرياضيان بكتابة برنامج كمبيوتر وظل هذا البرنامج يعمل لمدة 1200 ساعة متصلة حتى وصل الى هذا البرهان. وهذا شئ مروع في نظر فريق من الرياضيين. فكيف يتسنى لنا ان نتحقق من ان الكمبيوتر كان يعمل طوال الوقت بالطريقة اللتى ينبغى عليه ان يعمل بها؟ ففي الواقع لا يوجد اي ضمان لذلك. بل الادهي ان هذا البرنامج اعتمد على معطيات رقمية كانت هي من انتاج البرنامج نفسه.
وهذة الطريقة في البراهين تعتبر في نظر البعض فيلم رعب. فهل هذه بداية لأن يحل الكمبيوتر محل الانسان في ميدان الرياضيات؟ ثم ما هو الضامن ان هذا البرهان صحيحا اذا لم يكن بمقدور اي بشري ان يتحقق بنفسه من سلامة البرهان؟
لكن على الجانب الاخر يقول المؤيدون لهذه الطريقة ان الباحثين قد سلموا خوارزميات برنامجهم وهنا يستطيع فريق بحثى اخر ان يصنع برنامج اخر بلغة برمجة اخري بناء على هذه الخوارزميات ويختبر ان كان سيصل لنفس النتيجة ام لا. وهذا في حد ذاته يعتبر برهان رياضي.
وبعد مرور 20 سنة من اكتشاف هذا البرهان تمكن فريق امريكي اخر من اكتشفاف برهان جديد لهذه النظرية. ولكن كان هذا البرهان الجديد بدوره يعتمد على الكمبيوتر وان كانت عدد ساعات الحساب اقل بكثير. فالبرهان الجديد أحتاج الى 12 ساعة حساب من الكمبيوتر فقط. ويتنبأ البعض انه بعد مرور 50 الى مائة سنة من اليوم سوف تصبح البراهين عن طريق استخدام الكمبيوتر شيئا عاديا. بل قد تصبح هى القاعدة وماعدا ذلك هو الاستثناء.