معضلة التوأم و السفر الى المستقبل

توأمان عمرهما ثلاثون عاما. يقرر احدهما السفر الي الفضاء  بينما يقرر اخوه الاخر البقاء على الارض. فيركب الاخ اللذي قرر السفر صاروخا ويسافر به لمدة عام كامل بسرعة هائلة تقارب سرعة الضوء. وبعد انقضاء العام يقرر الاخ العودة فيدير صاروخه ثم يطير عائدا لمدة عام كامل حتى يعود الى النقطة اللتى انطلق منها. فكم يكون عمره اذن؟ انه سؤال سهل. حيث انه عندما بدأ الرحلة كان عمره 30 عام واستغرقت الرحلة عامين اذن فعندما سيعود سيكون عمره 32 عام. حسنا وماذا عن عمر اخيه اللذي بقى على الارض؟

من وجهة نظر الاخ اللذي بقى على الأرض فانه يرى ان الزمن يتباطأ لدي اخيه المسافر. ومقدار هذا التباطؤ يعتمد على السرعة اللتى يتحرك بها الاخ المسافر. فكلما زادت سرعته كلما زاد التباطؤ. ولنفرض ان السرعة اللتى تحرك بها الاخ المسافر تعني ان كل سنة بالنسبة للاخ المسافر تكافئ 10 سنوات بالنسبة للاخ الباقى على الارض. اذن فعندما سيعود التوأم المسافر مرة اخري سيجد ان اخاه قد اصبح عمره خمسين عاما!! وان لم يكن الأخ الغير مسافر متزوجا فربما يتزوج في هذه الفترة وينجب اولادا وعندما يعود الاخ المسافر سيكتشف انه صار عما لشاب عمره 19 سنة.

واذا افترضنا بعد ذلك ان الاخوين اثناء تنزههما سويا في احد المرات استوقفتهم الشرطة وطلبت رؤية هوياتهم. فسيجد رجال الشرطة ان الشخصين يشتركان في نفس تاريخ الميلاد ولكن احدهم شابا و الاخر تخطي مرحلة الشباب. ومن المعلوم ان التوائم متساوون في العمر. فهل مازلنا نستطيع الان ان نطلق صفة التوأم علي هذين الاخين؟

في الحقيقة أن هذه هي مفارقة او معضلة بسيطة.صحيح انها تختلف عما نألفه ولكن لا يستطيع احد ان يزعم ان كل مانألفه هو الحقيقي وكل مالانألفه غير موجود. فانسان يعيش في منطقة ما لم يري في حياته سوى كلاب سوداء. لا يعني هذا ان الكلاب البيضاء مستحيل وجودها. وبعض ما نألفه قد يكون مجرد استثناء او  سراب او خداع نظر. و نحن جميعنا ندرك هذا الشئ . ونحن نري نجوما في السماء ولكنها قد تكون غير موجودة في الواقع.

ولكن فان هناك مفارقة اخري اهم في هذا المثال.  فاننا نعلم من فلسفة وروح النظرية النسبية الخاصة ان الحركة في خط مستقيم بسرعة منتظمة هي حركة نسبية. بمعنى ان الاخ اللذي سافر يمكنه ان يعتقد في قرارة نفسه انه هو الثابت و ان اخوه و الكرة الارضية باسرها هما  اللذان يتحركان بسرعة عالية تقارب سرعة الضوء. وعليه فان الزمن يتباطأ بالنسبة للاخ الغير مسافر وبعد عامين من السفر يصبح عمر الاخ الباقي على الارض 32 عاما!! فكل انسان يري نفسه كهلا بينما توأمه عمره 32 عاما!! يالها من مشكلة؟ّّ! من منهم على حق؟ من منهم عمره 32 عاما و من منهم صار كهلا؟ يالها من مفارقة ويالها من معضلة!

لكن في الواقع لا توجد مفارقة او معضلة. فالاخ اللذي سافر يصبح عمره 32 عاما بينما التوأم الاخر يصبح عمره 50 عاما. ولكن كيف يمكن التوفيق بين هذا و بين روح النظرية النسبية في ان الحركة نسبية. فان كان الامر هكذا فان الحركة ليست نسبية.

كلا. في الحقيقة اننا اغفلنا شيئا هاما في المثال السابق  و افرطنا في افتراض التماهي و التماثل بين الاخ المسافر و الاخ الباقي على الارض.  لكن هذا الامر غير سليم. فهناك لحظة فارقة لا يشترك فيها الاثنان وهذه اللحظة هي اللحظة اللتى يستدير فيها الاخ المسافر بصاروخه ويعود ادراجه. فالحركة لم تكن في خط مستقيم بسرعة منتظمة طوال الوقت. بل تحديدا في تلك اللحظة المروعة اللتي يستدير فيها المسافر بصاروخه فانه يتعرض لقوى خرافية لا يتحملها بشر. ولكن هذه القوى لا يشعر بها الاخ الموجود على الارض. اذن فالامر ليس سيان بالنسبة للاخ المسافر و الاخ الغير مسافر.

مازلت غير مقتنع؟ حسنا. ساحاول ان اعرض الامر من وجهة نظر اخرى. من وجهة نظر خطوط الحياة في فضاء مينكوفسكي. فكيف يبدو خط حياة الأخ المسافر وكيف يبدو خط حياة الاخ الاخر؟ هنا يحتاج الانسان الى ان يفهم المفاهيم اللتي طرحها مينكوفسكي وقد عالجنا هذا الامر في اكثر من مدونة ولذلك فانا لن اعيدها هنا. ومن فاتته  ويرغب في مطالعتها فهذه هي الروابط:

http://eltawil.org/sciencewonders/?p=953

http://eltawil.org/sciencewonders/?p=995

http://eltawil.org/sciencewonders/?p=908

 

خطي الحياة للتوأمين

للتبسيط نتخيل ان الاخ  الغير مسافر لم يبارح نقطة الاصل  بتاتا حتى عاد اخوه مرة اخرى. فخط حياته هو المحور الرأسي او محور الزمن نفسه. اما الاخ المسافر فهو يتحرك في اتجاه المحور x لفترة ثم يعود. اذن فخط حياته هو ضلعى المثلت في الصورة. وصحيح ان خطا الحياة يشتركان في نقطتى البداية و النهاية ولكنهما يأخذان مسارين مختلفين. اي ان طولهما الزمكاني يختلف. والمثال اشبه بانسان يذهب بالسيارة من بيته الى مكان عمله ولكنه قد يأخذ طريقا مباشرا او طريق اخر ذو مسار مختلف وبالتالي طول اخر. اذن فاشتراكهم في نقطتى البداية و النهاية لا يعني تساويهما في الطول و لا في الوقت اللازم للذهاب الى العمل.

وكذلك هنا فخطي الحياة لهما طول مختلف ونعلم انه بقسمة هذا الطول على سرعة الضوء نحصل علي الزمن المحسوس او ما يعرف بالعمر او زمن الهرم و التعجيز. و المساران كما يبدو واضحا من الصورة ان لهما اطوال مختلفة. وبالفعل فالزمن يمضى بالنسبة للاخ المسافر بسرعة غير اللى يمضي بها بالنسبة للأخ الاخر.

ولكن هناك اعتراض اخير. وهو من الواضح في الرسم ان الاخ المسافر هو اللذي يأخذ المسار الأطول وبالتالي يستغرق الزمن الاطول. ولكني الان ازعم عكس ذلك واقول ان المسافر يمر عليه عامان فقط بينما الاخ الباقي يمر عليه 20 عاما. فكيف استطيع ان ابرر هذا التناقض؟ انها الاعداد التخيلية !! صحيح ان مجموع ضلعي المثلت يبدوان في الرسم اطول من الخط المستقيم لكن عند عمل الحسابات الرياضية يظهر ان العكس هو الصحيح و ان محموع ضلعي المثلث اقصر من الخط المستقيم المباشر. ولكي تطئن أكثر لما اقول احسب مثال بالارقام:
في الرسم طول الخط المباشر 10 بينما طول احد الضلعين المائلين  هو الجزر التربيعي ل

-25 + 16 = -9
اي ان طول الضلع الواحد 3  و مجموع الضلعين 6 بينما المسافة المباشرة 10 . ومن هنا نري ان الزمن يمر بالنسبة للمسافر بصورة تختلف عنها عن المسافر المتبقي على الارض.

وليس هذه المفارقة الوحيدة المعروفة في النظرية النسبية الخاصة. بل هناك مفارقات اخري لن اتعرض لها هنا بالتفصيل فهناك مفارقة متعلقة بالشكل الكروي وهناك متناقضات تتعلق بالحركة بسرعة اعلى من سرعة الضوء.

فالنظرية النسبية تقول ان الجسم المتحرك يعاني انكماشا ظاهريا في اتجاه حركته. وتقول نتائج النظرية النسبية وحسابات مينكوفسكي اننا يمكننا ان نتصور هذا الانكماش بصورة اخري.وهي ان الطول يبقى في الحقيقة ثابتا ولكن الجسم يبدو وكأنه قد دار بزاوية ما عن وضعه الاصلى. وحيث ان الانسان ينظر للأجسام المائلة بشكل غير متعامد فانه يراها اقصر من حقيقتها. واذا اردنا تطبيق هذا الكلام على كرة تتحرك بسرع عالية لوجدنا انها من ناحية عليها ان تنكمش طبقا لتحويلات لورنتر وهذا الامر واضح. ولكن التفسير الاخر يفشل. لان عند دوران الكرة لا يحدث اي تغيير. فالكرة هي الشكل الهندسى اللذي بعد دورانه يشغل نفس الحيز اللذي كان يشغله قبل دورانه. ويمكن حل هذا التناقض بالاشارة الى ان هناك فارق بين حقيقة الشئ وبين ما يراه الانسان. فالكرة ينقص طولها بالفعل في اتجاه حركتها ولكن الانسان يظل يراها مع ذلك كاملة الاستدارة. وعلى المهتمين بهذا الموضوع البحث اكثر في الشبكة العنكبوتية.

اما التحرك بسرعة اكير من سرعة الضوء فهو يخل بمبدأ السببية ويعني ان المستقبل ممكن ان يسبق الماضي. صحيح ان نظرية الكم تقول بان هذا ممكن وهي تقوم على حساب الاحتمالات و الصدفة. ولكن اينشتاين له رؤية و فلسفة اخري للفيزياء.

نقطة اخيرة وهي ان معضلة التوأم تعني ان نظريا بامكان شخص لا يرغب في العيش العشرين عاما القادمة على سطح الارض ويريد ان يتخطاها الى المرحلة الزمنية التالية ان يستقل صاروخا ويتحرك به بسرعة مناسبة ولفترة زمنية مناسبة وسوف يعود في المستقبل مرة اخري بعد 20 سنة. ولكن علينا ان ندرك ان عمليا هذا امر غاية في الصعوبة لانه يتطلب طاقة هائلة. لاننا كما نعلم عند ازدياد السرعة تزداد الكتلة بصورة رهيبة مما يعني زيادة الطاقة المطلوبة مما قد يعنى عمليا استحالة الرحلة  وان كانت ممكنة نظريا!!