كل الناس تعرف عن البرت اينشتاين انه العالم الفيزيائي الشهير ذو الشعر المنكوش صاحب النظرية النسبية و الحاصل على جائزة نوبل. ولكن تظل هناك العديد من الجوانب المجهولة في حياة اينشتاين بالنسبة للكثيرين. فربما قد لا يعرف البعض ان اينشتاين بجانب كونه عالما فيزيائيا مرموقا كان ايضا فيلسوفا و سياسيا. وربما لا يعرف البعض بانه كان مجنونا بالعزف على الة الكمان. وربما كان من غير المعروف عن حياته الخاصة انه كانت له ابنة غير شرعية.
لكن مايعنينا اليوم هو اينشتاين السياسي. فكما كان اينشتاين يقول عن نفسه انه ممزق بين العلم و السياسة. وبسبب نشاط اينشتاين السياسي و ترحاله الكثير فقد حمل اينشتاين اكثر من جنسية. وفي بعض الاوقات حمل اكثر من جنسية في نفس الوقت. وفي بعض الاوقات كان بدون جنسية على الاطلاق مثلما كان الحال في الاعوام بين 1896 و 1901 حين تخلى عن جنسيته من مملكة فورتمبرج الالمانية ليتهرب من اداء الخدمة العسكرية.
اينشتاين حمل جنسيات كل من مملكة فورتمبرج الالمانية وجمهورية بروسيا الالمانية وكان هذا في عهد القيصرية قبل ظهور جمهورية المانيا وحمل اينشتاين جنسية الجمهورية الالمانية بعد ذلك كما حمل جنسية سويسرا وجنسية النمسا حينما اقام في براج وكانت تشيكوسلوفاكيا في هذا الوقت تابعة للنمسا. كما انه حمل جنسية الولايات المتحدة الامريكية.
وكان اينشتاين يؤمن بالحرية السياسية ويرى ان اسوأ نظم الحكم هي النظم الفاشية و الدكتاتورية وكان يؤمن ان النظم الديموقراطية هي افضل نظم الحكم. وله ملاحظة مفادها انه ربما قد يبدو أن نظام حكم ديكتاتور قوي هو نظام ناجح.و لكن كل خلفاء الدكتاتور يكونون ضعافا ويضيعون النجاحات اللتى صنعها الدكتاتوريون السابقون. و السبب في هذا من وجهة نظر اينشتاين ان نظام الحكم الدكتاتوري يجذب دائما الضعفاء و المنافقين ويطرد الاحرار.
وفي فترة الحرب العالمية الاولي كان اينشتاين مقيما في برلين ولكنه كان ضد الحرب وشارك في كل المظاهرات اللتى كانت تعارض الحرب وكان يدعو مع الداعين الى العصيان المدني لايقاف الحرب القائمة. وتسببت هذه المواقف في سخط الكثيرين عليه. وبعد انقضاء الحرب شارك اينشتاين في فعاليات تهدف الي زيادة التقارب بين الشعوب المختلفة وتنشر ثقافة السلام. وكانت هذه المواقف تسبب له المشاكل من كل الجهات حتى من طرف الولايات المتحدة الامريكية نفسها. وكان يعاني الامرين حين يطلب تأشيرة سفر للذهاب الى الولايات المتحدة الامريكية من اجل القاء محاضرات هناك.
وحينما صعد هتلر الى قمة السلطة في المانيا كان اينشتاين وقتها في زيارة عمل في الولايات المتحدة الامريكية فاعلن عن معارضته للنظام النازي في المانيا وانه لن يعود الى المانيا طالما كان هذا النظام على قمة السلطة. فقام النظام الالماني بنهب بيته في برلين و الاستيلاء على ايداعاته في البنوك الالمانية.
وارسل اينشتانن ذات مرة خطابا الى الوزير الايطالي روكو يطلب منه باسم العلماء الايطاليين ان تتراجع الحكومة الايطالية عن قرارها واللتى كانت تطلب من العلماء الايطاليين ان يقسموا بالولاء للنظام الفاشي بقيادة موسوليني. وقال في خطابه ان العلم شئ نبيل وهو شئ فوق دولي و لايجب ان يقيد بالولاء لسياسات بائدة في زمن معين او في مكان ما.
وكان اينشتاين دائم الهجوم على الجيوش العسكرية. ولا يستطيع ان يفهم كيف يصبح الانسان جنديا لاي سبب ما. ولكننا مع ذلك نلمس التناقض حينما كتب اينشتاين رسائله الشهيرة الى الرئيس الامريكي روزفلت ويطلب منه ان تكون امريكا سباقة في امتلاك السلاح النووي وحذره اكثر من مرة من خطورة سبق المانيا النازية اذا حصل و امتلكت هذا السلاح. ولكنه ندم بعد ذلك على خطابه هذا وشارك في كثير من الفعاليات اللتى كانت تحذر من السلاح النووي وتدعو الى نزع السلاح النووي من العالم ووقف سباق التسلح.
وكان اينشتاين لا يسبح مع التيار وكثيرا ما كان يثير الرأي العام ضده حتى انه ظهرت أكثر من جمعية هدفها الاساسي هو معاداة افكار اينشتاين. كما ان هناك حكم قضائي صدر ضد شخص دعا الي قتل اينشتاين. وصدرت كثير من المؤلفات والكتب لتعارضه وتدحض ما يقوله وكان من ضمن الكتب اللتى ظهرت كتاب اسمه 100 كاتب يدحضون افكار اينشتاين. فكان رد فعل اينشتاين انه قال بمنتهى الهدوء لوكنت على خطأ لما احتاج الامر لمائة كاتب و كان كاتب واحد يكفي.
واشهر مواقفه السياسية اتخذها اينشتاين لمناصرة الصهيونية. صحيح ان اينشتاين خرج من الدين اليهودي ولكنه بقي يؤمن بالله على طريقته الخاصة. وكان يؤمن بان الفنون والعلوم هي الديانة الحقيقية الارقى وكان لايؤمن باليوم الاخر ولكنه يؤمن بان الجنة هي في ادراك روعة الكون وادراك خفاياه وقوانينه. ولكنه بقى مع ذلك نصيرا قويا للصهيونية وكان يدافع عن حق اليهود في دولة تجمعهم. وربما قد لايعرف البعض ان اينشتاين قد تم ترشيحه عام 1952 لكي يصبح رئيسا لدولة اسرائيل. لكنه رفض وقال بانه ساذج لهذه المهمة كما انه لا يستطيع ان يقضي عمره بعيدا عن المعادلات الرياضية لان السياسة هي الحاضر اما المعادلات فهي الخلود.