يشعر الناس بالفارق عندما يتحركون بسرعة منتظمة وعندما يتحركون بسرعة غير منتظمة. فالحركة بسرعة منتظمة تحدث برتابة شديدة حتى اننا عندما نتحرك بسرعة منتظمة لا نشعر باننا نتحرك اساسا. ومثال لذلك عندما نستقل طائرة في الظروف العادية ونطير بها بسرعة تقارب ال 1000 كيلومتر في الساعة فاننا لا نشعر بهذه السرعة وتبدو لنا الطائرة كما لوانها كانت ثابتة في مكانها طوال الوقت. فقط اذا تعرضت الطائرة لمطبات هوائية نشعر بالانزعاج ونشعر بان الطائرة كانت تتحرك طوال الوقت.
مثال اخر اذا ركبنا قطارا سريعا يتحرك بسرعة تبلغ 200 كيلومتر في الساعة فاننا لانشعرايضا بهذه الحركة لانها تحدث بسرعة منتظمة. واذا لم ننظر خلال سفرنا من نافذه القطار فاننا نتخيل انفسنا ثابتين في مكاننا طوال الوقت ونستطيع ان نشرب قهوتنا و نتصفح الجرائد بمنتهى الهدوء. فقط عندما يفرمل القطار نشعر بالحركة ونشعر بأننا كنا متحركين طوال الوقت.
اذن فالحركة بسرعة منتظمة هي امر نسبي. فبالنسبة لراصد خارج القطار فهو يشاهد المسافرين يتحركون بسرعة عالية اما بالنسبة لراصد بداخل القطار فهو لا يشعر بالحركة بتاتا. ولكن عندما يفرمل القطار و يبدأ في التحرك بعجلة تناقصية هنا يبدأ المسافر بالشعور بحركته. اذن وكما يبدو للوهلة الاولى فان التسارع امر مطلق اما التحرك بسرعة منتظمة فهو امر نسبي. وكان هذا اللامر يزعج اينشتاين كثيرا. فهو كان يتبنى فلسفة مفادها ان الحركات كلها نسبية ولكنه هاهو يعجز عن تفسير خصوصية الحركة التسارعية كما لو كانت هذه الحركة كالبقرة المقدسة عند الهندوس لا يستطيع احد المساس بها. وكان اينشتاين يريد ان يذبح هذه البقرة. فهل تكمن من ذلك؟ بالفعل هو تمكن من ذلك وموضوع اليوم يوضح هذه المسألة. وموضوع اليوم لمن لا يعرفه غاية في المتعة. ومن يفهمه فقد فهم 80% من النظرية النسبية العامة.
كما كتبت في مرة سابقة ان فهم النظريات العلمية امر سهل كمشاهدة مباريات كرة القدم. فمشاهدة كرة القدم غير ممارسة كرة القدم. فهناك المليارات من البشر يشاهدون كرة القدم ويفهمون قواعدها ويتحدثون بشأنها كالخبراء ولكنهم انفسهم لا يستطيعون ان يمارسوها. كذلك فهم النظريات العلمية هو امر ممتع و متيسر لكل انسان. ولكن ممارسة العلم بالنفس ليس بالامر السهل دائما. فلممارسة النظرية النسبية الخاصة يحتاج الانسان لمعلومات ومهارات المرحلة الثانوية اما لممارسة النظرية النسبية العامة فيحتاج الانسان لمهارات ومعلومات انسان جامعي متخصص في الرياضيات او الفيزياء.
لنعود الان الى موضوعنا كيف استطاع اينشتاين من ذبح البقرة المقدسة. انه اجري التجربة الذهنية التالية: لو تخيلنا ان هناك مختبران فيزيائيان متشابهان تماما من الداخل. واحد هذه المختبرات موجود على سطح الارض بينما المختبر الاخر موجود في الفضاء ويسحبه من اعلى كائن فضائي بتعجيل 10 متر في الثانية المربعة. وتوجد داخل كل مختبر عالم فيزيائى لا يري مايجري من حوله ولكنه مسموح له باخذ كل الاجهزة اللتى يريدها الى داخل المختبر. فهل يستطيع اي منهم من التعرف على حالته ان كان ثابت على الارض او انه يتحرك بعجلة قيمتها 10 متر في الثانية المربعة في الفضاء الكوني؟
دعونا نناقش هذا بشئ من التفصيل. يستطيع العالمان ان يرصدا الظواهر الاتية:
1 العالم الموجود على الارض يشعر بوزنه ويشعر بضغط الارض من اسفله واذا حمل حقيبة فوق ظهره فسوف يشعر بثقلها وسوف يشعر بأن الضغط القادم من الارض قد ازداد. اما العالم في المختبر الفضائى فهو ايضا يشعر بضغط الارض من اسفله لانه يتم تعجيله مع المختبر بعجلة 10 متر في الثانية المربعة الى اعلى. وسوف يشعر كما لو كان له وزن و ان الارض تضغطه من اسفل. بالمثل عندما نركب مصعد ونبدأ بالحركة الى اعلى فسوف نشعر بضغط قادم من اسفل. واذا حمل العالم في المختبر الفضائي حقيبة فوق ظهره فسيزداد الضعط على قدمه. اذن كلا العالمين لن يستطيعا ان يقطعا ايهم على الارض و ايهم في المختبر الفضائي!!
2 عندما يقوم العالم في المختبر الارضي بتعليق جسم ثقيل في سقف المصعد بواسطة خيط فانه سوف يلاحظ ان الخيط يكون مشدود نتيجة ثقل الجسم. وماذا عن العالم في المختبر الفضائي؟ هو ايضا اذا علق جسما ثقيلا في خيط في سقف مختبره فسوف يراه مشدودا لان الخيط يشد الجسم المعلق الى اعلى ويكسبه تسارع ذو قيمة 10 متر في الثانية المربعة. اذن كلا العالمين لن يستطيعا ان يقطعا ايهم على الارض وايهم في المختبر الفضائي!!
3 التجربة الثالثة يقوم العالم في المختبر الارضي يقطع الحبل المشدود فيه الجسم الثقيل فسوف يلاحظ سقوط الجسم نحو الارض بتسارع 10 متر في الثانية المربعة.وماذا عن العالم في المختبر الفضائي؟ اذا قطع الخيط في مختبره فسوف يلاحظ ايضا سقوط الجسم الى اسفل بتسارع 10 متر في الثانية المربعة. وان كانت في الحقيقة هى ارضية المصعد اللتى تصعد الى اعلى بتسارع 10 متر في الثانية المربعة. اذن هنا ايضا لن يستطيع اي عالم ان يتوصل الي اي مختبر بنتمي!!
4 الخ
كانت هذه هي الاختراقة الكبري اللتى استطاع اينشتاين من خلالها توضيح نسبية الحركة التسارعية. فالعالم الموجود في المختبر الفضائي لن يدري انه متحرك وقد يعتقد انه موجود فوق سطح الارض ويخضع لمجال جاذبيتها. اذن الحركة التسارعية هي ايضا نسبية. بالمثل اذا ركبنا قطارا وفرمل هذا القطار فاننا نستطيع ان نتكلف في الافتراض ونتخيل اننا لم نكن نتحرك ولكننا الان نتعرض لتأثير مجال جاذبية متغير يأتي من الامام.
وهنا ايقن اينشتاين ان الجاذبية و التسارع هما وجهان لعملة واحدة ونحن نستطيع ان نحيل كل مسائل الحركة بتسارع الى مسائل للجاذبية. كما اننا نستطيع ان نحيل كل مسائل الجاذبية الى مسائل حركة تسارعية وسنحصل دائما على نفس النتائج!!
كان هذا هو المفتاح السحري للنظرية النسبية العامة وكانت هذه الرؤية هي البوصلة اللتي استخدمها اينشتاين للوصول الي قانون النظرية النسبية العامة. وللحق فانه عن طريق هذه التجربة الذهنية استطاع اينشتاين ان يتوصل الى معظم نتائج النظرية النسبية العامة حتى قبل ان يهتدي الي قانون النظرية النسبية العامة نفسه.