قصة الصفر

الطراد يورك تاون

لعب و يلعب العلم الدور الرئيس في تطور حضارتنا المعاصرة. فلولا العلم لما تحققت الرفاهية اللتى نتمتع بها اليوم مقارنة بالازمان السالفة ولولا العلم لما تطور الطب هذا التطور المذهل مما نتج عنه تحسن صحة الانسان وبالتالي زيادة رفاهيته مرة اخرى. فالصحة هي تاج على رؤوس الاصحاء  والشئ المؤكد ان العلم لم يكن ليتطور بهذه الدرجة بدون اكتشاف الاعداد وبدون تقدم علم الرياضيات اللذي يتعامل مع الاعداد ويصنع منها المعجزات ان جاز لنا التعبير.

ومن وسط كل هذه الاعداد و الارقام يبرز عدد غريب بخواصه وهو الصفر. ولم يكن اكتشاف الصفر حاصلا منذ البداية بل ولم تكن عملية ولادته متيسرة بل كانت متعسرة وقاسية للغاية. وسنحاول في المرات القادمة ان  شاء الله ان نتعرف على قصة هذا الميلاد. فميلاد الصفر ليس موضوعا رياضيا فحسب بل هو موضوع انسانى و تاريخى واجتماعى وفلسفى ودينى في نفس الوقت.

فميدان الصفر كان ساحة مواجهة ساخنة تواجهت فيه عناصر مختلفة متنافسة ومتناحرة. فاكتشاف الصفر كان ساحة تواجه فيها الشرق والغرب. فالصفر هو اختراع شرقى يحمل نكهة الشرق ولذلك تم رفضه بقوة من العالم الغربى اللذي كان يمثل له الصفر نبتا شيطانيا. وكان نشوء الصفر ساحة تواجهت فيها الفلسفة الاغريقية ضد الفلسفة الاسلامية والهندية. بل ان الصفر كان ساحة مواجهة تواجهت فيها الفلسفه ضد الدين و الرياضيات ضد الفيزياء.

وبعد انتصار الصفر الساحق لاحقا الا انه مازال يشكل ساحة مواجهة في القرن الواحد والعشرين. فالصفر مازال يسبب المشاكل في ميدان الفيزياء. والبعض يربط بين تعثر الفيزياء اليوم وعدم قدرتها على السير قدما بوجود الصفر. فالصفر من وجهة نظر هؤلاء ليس له وجود حقيقي وانما هو مجرد فكرة  او وسيلة مساعدة تعيش في المخ فقط. فاين يوجد الصفر في الطبيعة؟ وهنا تتقدم في ساحة الفيزياء نظرية الاوتار الفائقة اللتى لاتحتوى على الصفر اللذي يسبب مشاكل لاحل لها خصوصا عند دراسة الثقوب السوداء او لحظة الانفجار العظيم.

ومشكلة الصفر انه كان يمثل دائما الرعب والفزع في تصورات الحضارات المختلفة فهو يمثل العدمية. فهو كان دائما فكرة مخيفة ومدمرة. وهناك واقعة من الماضى القريب توضح جبروت هذا الرقم اللذى لايتأتى لعدد سواه. في 21 سبتمبر سنة 1997 كان الطراد الاميركي يورك تاون واللذي يملك قوة 80 الف حصان في مهمة بحرية. وقيمة هذا الطراد هو مليار دولار امريكى وتم تصميمه بحيت يستطيع ان يتحمل اصابة مباشرة لطوربيد مائى بدون مشاكل. لكن هذا الطراد ليس محصنا ضد جبروت الصفر. فقد ادخل احد ملاحي الطراد عن طريق الخطأ  صفر في قاعدة بيانات الطراد بشكل يدوي مباشر. فنتج عن ذلك انه في مكان ما في برنامج تشغيل الطراد حدث شئ محظور في الرياضيات واللذي ينبغى تجنبه بأي ثمن وهو القسمة على صفر. فقد حاول البرنامج ان يقسم على صفر فسقط نظام عمل الطراد فورا وتوقف الطراد في الحال واصيب بالشلل التام. وجرت محاولات عديدة لانقاذه و اصلاحه استغرقت ساعات واياما. وتم سحب الطراد لاقرب ميناء بحرى من اجل اجراء الاصلاحات اللازمة عليه.

ولكن الصفر لايحمل بالضرورة اخبارا سيئة او كما يقول المثل مصائب قوم عند قوم فوائد. فقد شكلت مشكلة اخرى متعلقة بالصفر  نعمة كبيرة بالنسبة لقطاع واسع من مبرمجى الكمبيوتر فى التسعينيات. ففى تسعينيات القرن الماضى ظهرت مشكلة مرتبطة بقدوم العام 2000. فقد كان من المتوقع انه بحلول هذا العام سوف تحدث مشاكل هائلة في كل اجهزة الكمبيوتر فى العالم. والسبب في ذلك هو خطأ اولي وساذج وقع فيه مصممو الاجيال الاولى من اجهزة الكمبيوتر. وكان نتيجة لذلك انه بعد العام 1999 سوف يأتى العام 00 . اي ان الصفر سوف يظهرمرة اخرى وسوف تصاب كل الاجهزة المرتبطة طريقة عملها بالكميبوتر بعطب بالغ وخصوصا الاقمار الصناعية في الفضاء. ونتيجة لهذه المخاوف و المخاطر تم خلق فرص عمل عديدة للمبرمجين اللذين مازال سوق عملهم رائجا الى هذه الايام مع ان واقع الحال انه قبل تسعينيات القرن الماضى كان المبرمجون يشكلون اكبر شرائح الاكاديميين العاطلين عن العمل!