الرياضيات عند قدماء المصريين

سنقوم اليوم بعمل قفزة 7000 سنة في الزمن الى الوراء لنتعرف على حضارة المصريين القدماء ونري كيف تعاملوا مع الرياضيات وهل عرفوا الصفر ام لا. في الحقيقة ان  حضارة المصريين القدماء كانت مثالا فريدا في التاريخ.  فقد كانت لهذه الحضارة ملامح اخلاقية وانسانية و دينية وعلمية اكثر من رائعة. وجاء اختراع الخط الهيروغليفى ليتوج هذه الحضارة ويخلدها بعد ذلك عبر التاريخ.

وهنا يبرز سؤال هل كتب قدماء المصريين الاعداد ؟ الاجابة هي نعم بكل تأكيد. بل ان واقع الحضارات الانسانية المختلفة يوضح ان الشعوب تكتب الاعداد اولا قبل ان تكتب الكلمات. بل ان بعض الشعوب كشعب الانكا لم يقرأ و لم يكتب. ولكنه مع ذلك قد كتب الاعداد.

فكيف كتب المصريون القدماء اعدادهم اذن؟ لقد  كتب المصريون القدماء اعدادهم باستخدام سبعة رموز فقط. فقد استخدم قدماء المصريين نظاما عشريا. ووضعوا سبعة  رموزا لاول سبعة عناصر من متوالية هندسية اول عدد فيها واحد ثم تتضاعف الاعداد بعد ذلك بالمعامل عشرة. اى تحديدا لقد وضعوا رموزا  للاعداد: 1 و 10 و100و 1000 و 10000 و 100000 و 1000000 كما في الجدول.

 

الاعداد الهيروغلوفية

و بالتالى كتبوا الرقم 305  بدلالة رمز الحلزونة اي رمز المائة  ثلاث مرات وبدلالة الشرطة الرأسية رمز الواحد خمس مرات .كما هو موضح في الشكل التالى.

 

العدد 305 بالهيروغلوفية

كما ان قدماء المصريين عرفوا الكسور وكتبوها على شكل شفاة تحتها قيمة المقام. وكان البسط  عند قدماء المصريين دائما العدد واحد. اي على الشكل 1/3 او 1/4 او 1/100 والاستثناء الوحيد لذلك كان العدد ثلثان.  وليس معنى ذلك ان قدماء المصرين لم يعرفوا كسورا اعتيادية اخرى قيمة بسطها لا تكون الواحد. بل لقد عرفوا تلك الكسور ولكنهم عبروا  عنها كمجموعة من الكسور السابق ذكرها اللتى تحتوي في بسطها على العدد واحد. مثال لذلك:

5/6 = 1/2 + 1/3

الكسور بالهيروغلوفية

واستطاع المصريون القدماء اجراء العمليات الحسابية الاساسية كالجمع والطرح والضرب والقسمة. وان كانوا قد اجرو ذلك بطريقة تختلف كلية عن الطريقة اللتى نجري بها حساباتنا اليوم. فلجمع عددين كرر المصريون القدماء الرموز المشتركة بين هذين العددين بحسب عدد مرات ظهورهما في العددين معا. واذا زاد عدد التكرارات عن عشرة فيتم استبدال 10 من تلك الرموز برمز ذو قيمة اعلى. اما بالنسبة لعملية الضرب فقد اجروها بطريقة معقدة مقارنة بطريقتنا اليوم. فلضرب عددين في بعضهما قام قدماء المصريين بمضاعفة احد العددين باستمرار مع تنصيف العدد الاخر باستمرار. واذا كان النصف يحتوي على كسر فيتم جبر العدد الى الاسفل. وهكذا حتى نصل الى العدد واحد. ثم نقوم باستبعاد الاسطر اللتى تحوي على انصاف زوجية ونبقى فقط الاسطر اللتى تحتوي على انصاف فردية ثم نقوم بجمع الارقام اللتى تمت مضاعفتها فنحصل في النهاية على النتيىجة المطلوبة. مثالا لذلك حاصل ضرب 13 في12 حيث النتيجة هي 156 . والان سنحاول ان نري كيف فعل ذلك قدماء المصريين عن طريق مضاعفة الرقم 12 وتنصيف العدد 13.

12  .   13
24       6  يتم استبعاد هذا الصف حيث 6 عدد زوجي
48       3
96        1
————
156

في الحقيقة ان اهم الانتقادات الموجهة الى قدماء المصريين انهم كانوا شعبا براجماتيا فهم قد اهتموا بالعلوم العملية فقط ولم يهتموا بالفلسفة فلم يظهر من وسطهم فلاسفة مرموقين كما كان الحال بالنسبة للاغريق. صحيح انه كان للمصريين القدماء اهتمام غير عادي بالدين وبالدار الاخرة  الاان التفلسف لم يكن من سيماهم. ومثالا يوضح براجماتية المصريين القدماء هو شغفهم بدراسة النجوم من اجل الاهتداء بها في تحديد الاتجاهات او فى تحديد الزمن. ولكنهم لم يهتموا بماهية هذه النجوم وكيف تشكلت ومن اى مادة تتكون.

وكان قدماء المصريين في معظمهم امييين وكانت الطبقة المتعلمة منهم قلية. وكان عامة المصريين ينظرون الى هذه الطبقة باحترام بالغ وكانت غاية الفلاح المصري ان يعلم ابنه اصول القراءة والكتابة حتى يمكنه من العمل كاتبا لدي الدولة. وكانت الاعداد بمثابة اشياء سحرية فلم يكن يتم التعامل معها كما نتعامل معها نحن اليوم. بل اعتقد المصريون القدماء ان خلف هذه الاعداد شيئا مقدسا. وفي فترة من الفترات اعتقد قدماء المصريين ان الدار الاخرة موجودة في مكان بعيد في السماء يفصلنا عنها بحر هائل. فعندما يموت الميت تاتى اليه  عبارة الموتى لتنقله الى الدار الاخرة. ولكن قبل ان يقله ربان العبارة   كان يطلب منه ان يتلو الاعداد من واحد الى خمسة فان عجز فانه لن يأخذه معه وستضيع روح المتوفى و يتنتهى نهاية مؤسفة. ولذلك كان المصريون القدماء حريصين على تلقين المحتضر هذه الاعداد. وكان للاغريق اعتقاد مشابه. لكن ربان العبارة في حالة الاغريق  كان يطلب مالا من الميت. ولذلك كان يحرص اهالى الميت الاغريقي على وضع قطعة من النقود تحت لسانه حتى يقدمها الى ربان عبارة نقل الموتى !.

واهتم المصريون القدماء بدراسة الفلك ودرسوا بعناية الشمس فهي كانت اهم معبوداتهم واقاموا المعابد خصيصا لها. كما انهم استخدمو الشمس في صناعة تقويم شمسي هو اساس تقويمنا اللذي نستخدمه اليوم. فقد كان المصريون القدماء مثلهم مثل سائر شعوب المنطقة يستخدمون تقويما قمريا. ولكن التقويم القمري لم يكن يناسب احتياجاتهم تماما. فالشهر القمري يتكون من 29 او 30 يوم. ولذلك فان السنة القمرية المكونة من 12 شهر هي اقصر من مثيلتها الشمسية ب 11 يوم. وينتج عن ذلك ان الشهور القمرية تتحرك عبر الفصول المختلفة على مر السنيين. فيأتى الشهر مرة في الصيف ثم يأتى نفس الشهر بعد مرور عدد من السنوات في الشتاء. وكان المصريون القدماء شعبا زراعيا ولذلك فهم احتاجوا الى مواقيت ثابتة  لكي يحددوا عن طريقها مواعيد زرعهم وحصدهم وحرثهم. وتوصل المصريون القدماء ان السنة الشمسية تتكون من 365 يوم. فقسموا السنة الى 12 شهر كل شهر يحتوي على 30 يوم تماما. ثم في نهاية السنة اضافوا 5 ايام مقدسة لاقامة الاعياد والاحتفالات.

ولم يعرف المصريون القدماء ان السنة الشمسية هي اكثر من 365 يوما وتحديدا فهي 365 يوم و 6 ساعات تقريبا. لذلك لم يعرف المصريون القدماء السنة الكبيسة اللتى كان اول من ادخلها يوليوس قيصر ولذلك يطلق على هذا التقويم التقويم اليولياني. وكان الشهر عند المصريين القدماء مقسم الى 3 اسابيع. كل اسبوع  مكون من 10 ايام. وهذا بالطبع منطقى لان المصريون القدماء استخدموا نظاما عشريا للاعداد. والطريف ان الفرنسيين ابان الثورة  الفرنسية عام 1789 اعادوا استخدام هذا التقويم مرة اخرى. فقد قامت الثورة الفرنسية ضد الملكية وضد الكنيسة في نفس الوقت واراد الثوار محو الاثار المسيحية من مظاهر الحياة في فرنسا فجعلوا الاسبوع 10 ايام حتى ينسى الناس مع الزمن يوم الاحد ولكن هذه التجربة لم يكتب لها النجاح.

كما برع المصريون القدماء في المساحة والهندسة. وهذا كان يرجع الى ضرورة فرضها عليهم فيضان نهر النيل كل عام. فالنيل كان يفيض كل عام على ارض مصر فيكسب تربتها خصوبة هائلة  عن طريق الطمى اللذي يجرفه معه عبر مساره عبر الاراضي المختلفة. فجعل النيل ارض الدلتا في مصر اكثر الاراضي خصوبة في العالم. ولكن من ناحية اخرى كان النيل يغرق الارض ويطمس ملامحها فكانت كل عام تظهر مشكلة ضخمة وهي كيف يحدد الفلاحون حدود اراضيهم مرة اخرى بعد ان ضاعت الحدود وتاهت المعالم. وهنا ظهر المساحون اللذين كانت مهمتهم اعادة ترسيم الحدود مرة اخرى على الوضع اللذي كانت عليه قبل حدوث الفيضان.

كما ان بناء الاهرام اكسب المصريون القدماء مهارات في حساب المساحات والحجوم وخصوصا حجم الهرم الكامل والناقص وتحديد كمية الاحجار الللازمة لبناء الهرم.

ولكن هل عرف المصريون القدماء الصفر؟ الاجابة هي لا. ففى كل المشاكل السابقة اللتى تعامل معها قدماء المصريون بكفاءة واقتدار لم تكن هناك حاجة الى الصفر. ولكن الصفر ظهرمن مكان اخر في بلد يقع ناحية الشرق اكثر. انها ارض الهلال الخصيب! انها بلاد بابل!!