الحرب العالمية الثانية – تمهيد

تناولنا في ثلاثية قبل عامين احداثا حدثت قبل مائة عام تتعلق بالحرب العالمية الأولي. وفى وقتها طلب منى البعض مواصلة الكتابة حول الحرب العالمية الثانية. وقد كان هذا فى نيتى من الاساس. فقد كان اهتمامى من بداية الأمر بالحرب العالمية الثانية فهى الايقونة الكبيرة جاذبة الأنظار ولكنني مع ذلك قررت البدء بالحرب العالمية الاولى. وقد يبدو هذا الأمر منطقيا. فالترتيب الزمنى وحده حجة كافية. لكن الدافع بالبدء بالحرب العالمية الاولى كان اكثر من مجرد الترتيب الزمني.

فالكثير من المراجع حول الحرب العالمية الثانية تحيلنا الى مراجع اخرى خاصة بالحرب العالمية الأولى. ولذا بعدما ينتهى المرء من قرائته سيشعر بشئ ما من عدم الأرتياح! فهناك بعض الأمور مازالت عالقة لأنها تتعلق بالحرب العالمية الأولى وياحبذا لو طالعها. بل أن بعض المتخصصين لا يفرقون بين الحربين العالميتين الأولى والثانية ويعتبرونهما حربا واحدة استمرت 31 عاما وتخللتها هدنة دامت حوالي  20 عاما توقفت فيها بشكل ما العمليات العسكرية.

ولذا فاننى اوصى بقراءة او باعادة قراءة المقالات السابقة بشأن الحرب العالمية الأولى فهى فى أقل تقدير تعيننا على تقدير الموقف النفسى للدول المختلفة المشاركة فى الحرب العالمية الثانية.

لكن بالأضافة للأسباب الموضوعية السابقة كانت هناك أسباب اخرى غير موضوعية وان شئنا فلنقل انه تقدير شخصي وانطباع موجود عندي  بأن الحرب العالمية الأولى هى الأكثر حضورا وتأثيرا فى واقعنا العربي المعاصر بينما نتائج الحرب العالمية الثانية لم تصل الينا حتى الأن بشكل واسع. فلقد رأينا وهج البرق ولكن تأخر لسبب ما صوت الرعد وسيل المطر.

فاتفاقية سايكس بيكو اللتى تم توقيعها اثناء الحرب العالمية الأولي هي سبب الحدود العربية الحالية. كما أن أعطاء وعد بلفور الخاص بقيام دولة أسرائيل حدث ايضا أبان تلك الفترة. وقد تحدثنا عن ذلك بالتفصيل فى وقته. وهذه وحدها خطوط عريضة أساسية تشكل واقعنا اليوم.

بل ان تأثير الحرب العالمية الأولى على واقعنا أكثر من ذلك فقد تخطى الأمور المادية المحسوسة الى أمور غير مادية.  فشكلت الكثير من الأفكار والتصورات اللتى نحن قابعون فى أسرها الى اليوم. فتصورات عدد غير قليل منا اليوم حول الوطن والوطنية والمواطنة لا تشبه البتة التصورات الغربية حول نفس المواضيع اليوم. لكنها تكاد تتطابق مع ما عرفته اوروبا قبل سبعين أو مائة عاما.

فالأحزاب اللتى تتبنى الأشتراكية الوطنية كالحركة الناصرية وحزب البعث في صوره القطرية المختلفة هى أنعكاس جلي لبعض الأفكار الاوروبية اللتى كانت سائدة فى الفترة بين الحربين العالميتين. كما ان نشأة جماعة الأخوان المسلمين كان النتيجة المباشرة لسقوط دولة الخلافة العثمانية فى الحرب العالمية الأولي. بل ونستطيع ان نرى فى بعض الدول العربية تأثرا بالتجربة التركية الأتاتوركية. وهى تلك الدولة اللائكية. اللتى لا تكتفى بفصل الدين عن الدولة كما تنادي الدولة العلمانية. لكنها تضع المؤسسات الدينية برمتها تحت سلطان مؤسسة الدولة. وغنى عن الذكر ان  الأحزاب الشيوعية فى العالم العربى كانت متأثرة ومرتبطة بالحركة الشيوعية العالمية اللتى ظهرت للحياة أثناء الحرب العالمية الأولي في دولة الأتحاد السوفيتي

اما دروس الحرب العالمية الثانية فهى من وجهة نظري كما قلت سابقا لم تصل الينا. فهى دروس تتعلق بمشاكل الدول الصناعية الكبري اللتى عندها وفرة فى الأنتاج  وتبحث عن أسواق ومصادر للمواد الخام. ولا يوجد فى الدول العربية دولة صناعية واحدة او حتى دولة عندها اكتفاء ذاتى بشكل عام. أما الدرس الثانى فهو تبني النظام الديموقراطى فى الحكم. فقد تأكدت الدول الرئيسة المشاركة فى الحرب العالمية الثانية انه لا يوجد سبيل للتقدم وضمان السلمى الدولى الا عن طريق الحكم الديموقراطي. فالديموقراطية ليست الثمرة اللتى جنتها الدول الغربية بسبب تفوقها.  بل انها كانت البذرة اللتى زرعتها فى الأرض فجنت تفوقها. فأنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية كانت دولا ديموقراطية عندما دخلت الحرب العالمية الثانية. صحيح ان ديموقراطيتها في ذلك الوقت تختلف عما نعرفه اليوم من تعريف الديموقراطية . فقد كانت هناك مشاكل عنصرية فى الولايات المتحدة الأمريكية ولم يكن السود يتمتعون بكافة حقوقهم  الموجودة لديهم اليوم. لكن كان على الأقل القسم الأعظم من الأمريكيين يتمتع بكامل حرياته السياسية والاقتصادية. اما المانيا وأيطاليا واليابان فقد كانت دولا فاشية. وبعد الحرب العالمية الثانية تم التخلص من تلك النظم بالكامل وأبدالها بنظم ديموقراطية حديثة فتفوقت فى النهاية على الدول المنتصرة عليها. اما الأتحاد السوفيتى فقد كان من الفائزين فى الحرب ولكنه لم يكن دولة ديموقراطية. والغريب ان هذه الدولة أختفت اليوم بالكامل من فوق الكرة الارضية وماتت. وحتى وريثتها الرسمية وهى روسيا قد تخلت عن العقيدة الشيوعية للدولة السوفيتية الأم. ولسبب ما فان الدول العربية تخطت دروس تلك المرحة  ودخلت مباشرة فى مرحلة الحرب الباردة اللتى تلت الحرب العالمية الثانية واللتى كان فيها القطبان الكبيران يستميلان الدول المختلفة كل الى معسكره.

وسنحاول في المرات القادمة سرد احداث الحرب العالمية الثانية. لكن يجب ان نلاحظ ان التاريخ ليس مجرد سرد احداث. فالتاريخ هو علم نقدي يتم فيها تقييم مصادر المعلومات ومصداقيتها بطرق موضوعية ممنهجة. وطبعا المرء يرى فى شبكة الويب اخبارا تاريخية كثيرة بدون ادنى مصداقية. وانا للاسف بسبب ضيق المجال وكثرة التفاصيل فلن اتعامل مع الموضوع بصورة أكاديمية علمية. لكننى أيضا سأستخدم اسلوب السرد. لكنى سأتحرى ما أستطعت الأمانة ودقة المعلومة. ومصادري فى الأساس تنبعان من جهتين مختلفين وهما اساتذة تاريخ المان وأنجليز. وهما جبهتان كانتا تقفان على جبهتين متصارعتين اثناء الحرب العالمية الثانية.

اما منهجنا فى تناول موضوع الحرب العالمية الثانية فقد قررت ان اتبع طريقة مختلفة الى حد ما نظرا لكبر الموضوع ورغبتى الشديدة فى الأختصار والتلخيص وجعل القاري يستفيد باكبر قدر من المعلومات. فانا لن أتبع التسلسل الزمنى للأحداث ولا حتى سأتناول مواضيعا مخصوصة فى كل مرة. بل أننى سأحاول ان أحكي قصة الحرب العالمية الثانية من وجهة نظر الدول الرئيسة المشاركة فيها. فسأحكي قصة الحرب من البداية الى النهاية  كل مرة من وجهة نظر بلد مختلفة. فسنري القصة من وجهة نظر  المانيا فأنجلترا ففرنسا فأيطاليا فالأتحاد السوفيتي فالولايات المتحدة الأمريكية ثم اليابان. وحيث ان هناك اكتشافات علمية هامة جدا تحققت اثناء الحرب العالمية الثانية مثل تطور اجهزة الرادارد والصورايخ والطائرات النفاثة وظهور جهاز الكمبيوتر فسأضيف فى النهاية موضوعا يتعلق بتاريخ صناعة القنبلة النووية.

اما البداية فلا يمكن طبعا ان تكون لغير المانيا اللتى سنبدا بها فى المرة القادمة ان شاء الله. بل وحتى فى المواضيع اللاحقة بأستثناء اليابان سنجد دائما ان المانيا ستظل الطرف الثانى وموجودة بشكل ما أو بأخر