ايطاليا فى الحرب العالمية الثانية

نصل اليوم الى محطتنا الثالثة: أيطاليا. وفى البداية لابد من الأعتراف انه عند بدء الكتابة عن ايطاليا لابد ان يغالب الأنسان شعورا بعدم الكتابة عنها وذلك عندما يطرح على نفسه سؤال: لماذا ينبغي عليه أن يكتب عن أيطاليا؟ فهى لم تلعب أي  دور عسكرى مؤثر فى تلك الحرب. بل انها كانت أسوأ الدول عسكريا نتائجا على الأطلاق. فكانت تنتقل من فشل الى فشل. ولم تكن تلمس تبرا الا وتحول ترابا. مع ذلك فهناك ما يدفعنا الى الكتابة حول ايطاليا. وهناك علي الأقل سببان لذلك: أولهما أن الحديث سيسلط الضوء على مرحلة هامة فى تاريخ بعض البلاد العربية. أما الامر الثانى فهو بسبب موسولينى ذلك الديكتاتور الأيطالي. فهو كان استاذ الديكتاتوريين اللاحقين وكبيرهم اللذي علمهم الوصول الى السلطة عن طريق أستخدام جماعات العنف. وهو كان القدوة والمثل الأعلى لأدولف هتلر مثلا. ولذلك دعونا نبدأ موضوعنا بالحديث عن سيرته.

ولد موسولينى لأسرة متوسطة الحال في عام 1883. كانت امه معلمة وكان أبوه حدادا يقل عنها في الوسط الأجتماعي. لكنها اصرت على الزواج منه وتحدت أسرتها. ورغم ان دخل الأسرة فى ذلك الوقت كان متوسطا الا أنه كان يعتبر ممتازا بالنسبة لكثير من الأيطاليين في ذلك الزمن حيث كانت الحالة الأقتصادية صعبة. وما ميز تلك الأسرة عن محيط جيرانها انها كانت مثقفة جدا. وكان للأب نشاط سياسى حيث كان اشتراكيا معروفا فى منطقته.

ورث موسولينى عن امه تحديها للمجتمع. فكان موسولينى متحديا لأى سلطة قائمة يرفض الأنصياع الا الى ما توافق مع ارادته. وكانت سيرة موسولينى كالبندول فقد نجده فى أقصى اليمين ثم نجده بعد ذلك فى أقصى اليسار. ولذلك قد يحار المرء فى كثير من افعال موسولينى فقد اختلط فيها الصالح مع الطالح.

أمثلة تحولاته كثيرة نلمحها منذ طفولته حينما أرسلته أمه الى مدرسة داخلية. لكن يبدو ان الأطفال هناك لم يتقبلوه لسبب ما. وربما بسبب انتمائه لمنطقة أخرى. فكان دائم الشجار بالأيدي مع باقى التلاميذ. ثم تم فصله نهائيا من المدرسة عندما أستل سكينا فى احد المشاجرات. والتحق موسولينى بمدرسة اخرى ولكنه تحول تحولا كاملا. فأصبح تلميذا مثاليا يحصل على أعلى العلامات. وعندما أنهى دراسته فى تلك المدرسة كان مؤهلا لأن يصبح مدرسا للمرحلة الأبتدائية. وبالفعل أصبح موسولينى مدرسا لكن تم فصله من العمل لأسباب تتراوح من عدم احترامه لنظام المدرسة الى كونه كان على علاقة بامرأة متزوجة.

وهاجر موسولينى أبن التاسعة عشر عاما  -كما كان يفعل الكثير من الأيطاليين فى ذلك الوقت- الى سويسرا. والغريب ان ايطاليا الدولة المشهورة اليوم باستقبالها للمهاجرين كانت فى زمن قريب من أكثر الدول تصديرا لهم. وعمل موسولينى فى سويسرا فى وظائف متعددة: من عامل بناء الى بائع فى متجرالى اخره. فلم تكن له وظيفة ثابتة. وفي يوم قبضت عليه الشرطة السويسرية واحتجزته لليلة بتهمة التشرد. وفى سويسرا ابتدأ نشاط موسولينى السياسى حيث انضم الى جمعية سياسية تضم الأيطاليين فى الخارج. وكانت بداية موسولينى أشتركية كما كان أبوه. كذلك بدأ موسولينى فى سويسرا نشاطه الصحفى فأظهر موهبة ممتازة.  ليس فقط من ناحية أسلوب الكتابة بل لأنه كان أيضا ماهرا فى ادارة الصحف وكان بامكانه قيادة صحيفة فاشلة الى النجاح. وما يميز تلك الحقبة أيضا ان موسولينى تهرب من اداء الخدمة العسكرية عندما تم استدعاؤه اليها – تماما كما فعل هتلر بعد ذلك – وصدر حكم ضده بهذا الصدد.

ثم عاد البندول بموسولينى فقررالعودة مرة اخرى الى ايطاليا. وكان ذلك بعد رفع عقوبة المتخلفين عن التجنيد. فأدي موسولينى خدمته العسكرية وعمل مدرسا مرة اخرى وواصل دراسته الجامعية العليا حتى اصبح مدرسا للغة الفرنسية ونال لقب “أستاذ” وكان موسولوينى يفتخر جدا بهذا اللقب ويستخدمه  فى عمله الحزبى بعد ذلك. لكن بقت صفة ثابتة فى موسولينى: وهي تحديه للسلطات الأعلى منه وكسره للتعليمات وتنفيذه لما يدور برأسه فقط. مع ذلك كان يريد فرض ارادته على الأخرين حتى ولو بالقوة. فتم فصله من عمله كمدرس وكانت هذه نهاية عمل موسولينى كمدرس نهائيا ولكنه بقى يعمل فى ميدان الصحافة السياسية.

وأصبح موسولينى مسئولا عن صحفية أشتراكية تصدر فى مدينة سكانها أيطاليون ولكنها كانت تابعة لمملكة النمسا-المجر. وفى يوم زار القيصر النمساوي هذه المدينة فاوقفت الشرطة موسولينى واحتجزته لأسابيع قبل ان تقوم بترحيله الى أيطاليا. وأثار هذا الفعل أمواجا عالية فى أيطاليا وأصبح أسم موسولينى مشهورا لدي كثير من الأيطاليين.

وواصل موسولينى عمله السياسى فى الصحافة الايطالية حتى أتى عام 1911 حيث خاضت ايطاليا حربا ضد الدولة العثمانية وكان الأشتراكيون يعارضون تلك الحرب. وكذلك كان موسولينى. وكان يقود التظاهرات ضد تلك الحرب. بل أنه وضع عراقيل على خطوط السكك الحديدية المستخدمة فى نقل الجنود. فتم القبض عليه وحكم عليه بالحبس. ولكن تم الأفراج عنه بعد فترة قصيرة. لكن هذه الأفعال جعلت أسم موسولينى معروفا فى الشارع الأيطالي.

ثم رجع البندول وابتعد موسولينى عن الأشتركية باتجاه اليمين. فقد كانت الحرب العالمية الأولى على الأبواب. وكان الأشتراكيون ومعظم الشعب الأيطالى ضد هذه الحرب اللتى لاناقة لايطاليا فيها ولا جمل. لكن موسولينى اللذى كان من قبل معارضا لحرب الدولة العثمانية أصبح الأن مؤيدا لخوض الحرب العالمية الأولى الى جانب الحلفاء. وكتب فى احد مقالاته ان طلب السلام دوما ليس أمرا جيدا في حد ذاته. فالحروب تصنع التاريخ ويجب على الأشتراكيين ان يشاركوا فى صنع تاريخ العالم ولا يعتزلوا معترك الحياة. فاثار هذه المقال سخط حزبه عليه. فتم طرده من الحزب والصحيفة.

وعمل موسولينى فى صحيفة اخرى وكان يتلقى دعما ماديا سخيا من الحكومة الأيطالية والسفارة الفرنسية لكى يكتب مثل هذه المقالات. ومكنه ذلك من عيش حياة مرفهة. وظهرت فى تلك الفترة الجماعات المعروفة  بالفاشية اللتى كانت مؤيدة لخوض ايطاليا الحرب العالمية الأولى.

الجماعات الفاشية كانت جماعات معظم افرادها شباب من شمال ايطاليا. وكانوا ذوي تعليم جيد نسبيا وينتمون الى الطبقة الغنية. لكنهم كانوا يميلون الى العنف وفرض ارائهم بالقوة. وتميزهم الشوفينية الوطنية والرغبة دائما فى الفعل حتى بدون تروي. فهناك حكمة تقول أنه من الأفضل ان يفكر الأنسان عشر ساعات ويعمل ساعة واحدة على أن يفكر ساعة واحدة ويعمل عشر ساعات. لكن الفاشيين كانوا يفضلون العكس.

أما معنى كلمة فاشية فهى كلمة أيطالية معناها العصبة أو الحزمة. فهى تعود الى حزمة الصولجانات اللتى كانت تستخدم فى زمن الأمبراطورية الرومانية رمزا للقوة. اذن هى كانت عصبة ولكنها كانت تتصرف كالعصابات. تمارس العنف وتنشر الرعب والفزع لدي من يعارضها.

وتم استدعاء موسولينى لخوض الحرب العالمية الأولى وشارك فيها وأصيب باصابة كبيرة. وبعد انتهاء الحرب بانتصار أيطاليا وشفائه من اصابته واصل موسولينى نشاطه السياسى واستطاع الجمع بين الجماعات الفاشية المتناثرة اللتى لم يكن هناك رابط ولا تنسيق بينها وأصبح زعيم تلك الجماعات اللتى كان أفرادها يرتدون قمصان سوداء.

كانت الأوضاع العامة فى أيطاليا بعد الحرب العالمية الأولى سيئة. كان الناس مستائين وكان موسولينى يرى ان أيطاليا الدولة المنتصرة فى الحرب العالمية الأولى تم خداعها وانها لم تنل ما تستحق وان فرنسا أخذت أكثر مما تستحق. واصبح موسولينى العدو الأول للأشتراكيين والشيوعيين. وكان يرفض الديموقراطية عموما. ثم تفتق ذهنه عن حيلة ماكرة.

قرر موسولينى أن يؤسس حزبا سياسىا فتصبح له يدان: حزب سياسى يمارس النشاط السياسي ويهدف الوصول الى السلطة وجماعة عنف تدعمه فى الشارع. وهذه الحيلة أخذها الكثيرون عنه بعد ذلك. وهى لا تزال موجودة اليوم فى كثيرمن  البلاد حول العالم: حزب سياسى تدعمه وقت الحاجة جماعات البلطجة

فأسس موسولينى فى عام 1919 حزب الثوريين الفاشيين. وذلك أسم يشي برغبة موسولينى فى الثورة والفعل والحركة. لكنه لم يلق نجاح كبير فى اول انتخابات فغير أسمه الى الفاشيين القوميين. ونجحت خطة موسولينى. فكان كجهاز شرطة ثان أو دولة بداخل الدولة. فقد كانت له فى احيان كثيرة القدرة على انهاء كثير من الاعتصمات والأضرابات والأحتجاجات. وابتدأ موسولينى يطالب بالسلطة.

كانت الأزمات فى أيطاليا لاتنتهى وكان نظام الحكم فى ذلك الوقت ملكيا دستوريا. فلم يجد الملك الأيطالي ايمانويل الثالث مناصا عن تسليم موسولينى السلطة. فهو كان الوحيد القادر على مسك زمام الأمور. وذلك خصوصا بعد ان قام اصحاب القمصان السوداء بمظاهرات حاشدة احتلوا فيها قلب روما. وتولى موسولينى الحكم فى عام 1922

لكن كاد موسولينى ان يفقد السلطة سريعا فى عام 1924 حين قام اصحاب القمصان السوداء باغتيال برلماني ايطالى معارض وتم القبض على الجناة والكشف عن هويتهم واحتج البرلمان على جرائم الحزب الفاشى وتقدم موسولينى باعتذاره وأعلن مسئوليته السياسية والأدبية عن ذلك الفعل وطلب فرصة ثانية ونجا من اسقاط حكومته بفارق بسيط.

بعد هذه الحادثة شعر موسوليني بالخطرفعمل على احتكار السلطة وابعاد المنافسين بكل السبل. فكانت حملات أعتقالات وأغتيالات وتغييرللقوانين . فألغى موسوليني جميع الأحزاب بخلاف الحزب الفاشى. وكان موسولينى بخلافة كونه رئيسا للوزراء يتحمل مسئولية عدد كبير من الوازارت ربما بلغ عددها ثمانية في بعض الأحيان بشكل مباشر.

موسولينى

موسولينى

وكان موسولينى القدوة والمثل الأعلى لكثير من الدكتاتوريين المعاصرين. فهتلر كان معجب بموسولينى كثيرا وقلده فى كثير من اعماله. وتولى هتلر السلطة بعد موسولينى باحد عشر عاما. ونجد أن كلاهما أسس حزبا تحول أسمه بعد ذلك الى سبة سواء سبة الفاشية او النازية. وكما كان لموسولينى جماعات عنف ترتدي قمصانا سوداء كان لهتلر ايضا جماعات عنف ترتدي قمصانا بنية. والأثنان استخدما جماعات العنف للوصول الى السطة. وكان الأثنان معاديين للديموقراطية وقاما بالغاء الأحزاب الأخرى. وكلاهما أعطى لنفسه لقب قائد. كان اسم هتلر بالألمانية فوهرر بينما كان لقب موسولينى دوتشه.  فسنة نحل الدكتاتور سواء بنفسه او من خلال منافقيه لقب قائد قد استنها موسولينى ومازالت تلك السنة قائمة الى اليوم

مع ذلك كانت هناك صفات حميدة تنسب لموسولينى منها انه كان موظفا مثاليا. تجده كل يوم فى الثامنة صباحا تماما جالسا على مكتبه يقضى عشر ساعات فى مطالعة الملفات والمقابلات. كما أن موسولينى مع تركزكل السلطة فى يده لم يثري نفسه على خلاف ديكتاتوريين اخرين. كما ان موسولينى يعتبر أكثر مسئول ايطالي قام بمحاربة المافيا فى جنوب ايطاليا.

أما سياسة موسولينى الخارجية فكانت قائمة على رؤيته لأيطاليا كدولة عظمى. وكان نظام الحكم الملكى الدستورى القائم فى ذلك الوقت لايعجبه ولا يرى أنه الأمثل لأيطاليا. وكان يريد أن يعيد أمجاد الأمبراطورية الرومانية القديمة حيث كان البحر الأبيض المتوسط بحيرة رومانية صغيرة. وللعجب مع أن موسولينى كان رئيسا لوزراء أيطاليا فقط فأنه كان يتصرف وكأنه قيصر رومانى. فكانت كثير من تصرفاته تظهر شاذة. فكان يرتدي ملابسا غريبة تبدو وكأنها ذات هيئة عسكرية وكان يحيط نفسه بصورة مبالغ بها بالكثير من الحرس الشخصى من ذوي القمصان السوداء المدججين بالأسلحة. وكانت هذه الهيئة اللتى توحى بالهيبة تثير اعجاب البعض فسعوا الى تقليده سواء كان هتلر او أخرين سواه. فكأن المظهر أهم من الجوهر.

وفى عام 1934 قررت ايطاليا تقوية قبضتها على ليبيا. فكانت حملة عسكرية فى هذا الصدد. وفي هذه الفترة ظهر شيخ المجاهدين عمر المختار. وتعتبر فترة الاحتلال الأيطالي لليبيا فى غاية الأجرام. فقد تم قتل أكثر من ثلث الشعب الليبى وسبق موسولينى هتلر فى اقامة معسكرات العمل الأجبارية اللتي كانت تضم مئات الألاف واللتى كان الداخل اليها مفقود والخارج منها مولود. والغريب أن بعض القبائل العربية الموجودة فى تلك الفترة أهدت موسولينى سيفا كان يعتز به كثيرا ويحمله فى بعض المناسبات وكان يطلق عليه أسم سيف الأسلام واطلق موسولينى على نفسه لقب حامى الأسلام. ذلك مع أن موسولينى نفسه كان ملحدا. وظن ان علاقة جيدة مع القبائل العربية ستمكنه من كسب ولائهم وربما مكنه ذلك من احلال ايطاليا مكان انجلترا فى تلك المنطقة.
ثم فى عام 1935 قرر موسولينى المضى فى مشروعه قدما باقامة امبراطورية رومانية جديدة فقررغزو اثيوبيا. وقد كانت القوات الأيطالية تحتل جزءا من الصومال فى تلك الفترة فقرراستغلال القوات الايطالية الموجودة هناك لهذا الغرض. ونجحت ايطاليا فى غزو اثيوبيا. وطلب موسولينى من الملك الايطالي القبول بالجلوس فوق العرش الأثيوبى ففعل ذلك. لكن غزو اثيوبيا فى ذلك الوقت لم يكن كأحتلال ليبيا وأثارعليه اعتراضات دولية كثيرة. فليبيا لم تكن فى ذلك الوقت دولة مستقلة. ولكن كانت اثيوبيا كذلك. بل أنها كانت عضو مؤسس فى عصبة الأمم المتحدة. فبعد احتلال ايطاليا لأثيوبيا انعقدت عصبة الأمم المتحدة بشكل طارئ. وقررت ان ايطاليا دولة غازية وعليها الأنسحاب فورا من اثيوبيا. وكان موسولينى يتعجب من الموقفين البريطانى والفرنسى خاصة ويستغرب من نفاقهما حيث انهما يحتلان معظم الكرة الأرضية ولكنهما أقاما عليه الدنيا عندما أحتل أثيوبيا.

لكن فى وسط هذه الازمة قامت حكومة المانيا اللتى كان يرأسها هتلر بالوقوف الى جانب ايطاليا. فقوى هذا الأمر العلاقات الايطالية الألمانية. وقارب بينهما. ذلك بعد ان كان موسولينى فى بادئ الأمر متخوف من القوة الألمانية الأخذة فى التنامى والأزدياد.

لكن حتى من ناحية براجماتية بحتة كانت السياسة الاستعمارية الايطالية اقتصاديا سيئة. فيبدو ان موسولينى كان يهمه فقط المنظر وأن تكون له أمبراطورية واسعة. لكن كيفية استغلال هذه الامبراطورية لم يفكر فيه بشكل جيد. فعلى خلاف انجلترا وفرنسا التى كان أقتصاد مستعمراتهما من أهم جوانب الدخل لديهما لم تنجح ايطاليا فى ذلك. بل انه أهملت مثلا ليبيا كثيرا ولم تعمل على تطويرها. على الرغم من العلم بأن ليبيا غنية بحقول النفظ فأنها لم تسعى الى التنقيب عنها واستغلالها وحاولت استغلال ليبيا فقط فى مناحى زراعية لم تجنى لايطاليا وراءها الشئ الكثير.

وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية فى عام 1939 لم تدخل أيطاليا فيها اولا. لكن سرعة الألمان فى الحركة وهزيمتهم لفرنسا بشكل سريع اقلقت موسولينى. حيث كان يخاف ان تنتهى الحرب ولاتجنى ايطاليا من ورائها شيئا. وأراد أن يضمن لايطاليا مكانا على موائد المفاوضات بعد انتهاء الحرب. فقامت ايطاليا بأعلان الحرب على فرنسا وانجلترا فى نفس اليوم اللذى سقطت فيه باريس. والقى موسلينى عبر جهاز الراديو خطبة عصماء دعى فيها الايطاليين الى الحرب. وقال أن الحرب تظهر معدن الأمم ودعى الأيطاليين أن يظهروا للعالم معدنهم الحقيقي. وقام موسولينى باحتلال جزء من جنوب فرنسا. لكنه لم يستطع التوغل كثيرا فقد تأخر فى دخول الحرب وقامت فرنسا بالأتفاق مع المانيا على انهاء الحرب ووقعت معها وثيقة هزيمتها.

وطلب هتلر التنسيق مع موسولينى لكن الأخيررفض بغرور وقال ان ايطاليا دولة عظمى لاتنسق مع أحد. وقال باستراتيجية الحروب المتوازية. فكل دولة تحارب بمفردها دون التنسيق مع الاخرين. فقد رأى ان المصالح مقسمة بشكل طبيعي وواضح. فالمانيا لها شرق اوروبا وايطاليا لها البحرالأبيض المتوسط وأفريقيا واليابان لها شرق اسيا. هكذا تم تقسيم العالم بين الدول الثلاثة وكل دولة عليها ان تلتزم بمنطقتها وهكذا يكون التعاون بين الدول الثلاثة. وقامت ايطاليا بدون التشاور مع المانيا بارسال قواتها لاحتلال اليونان ومصر.

لكن بمجرد دخول ايطاليا الحرب العالمية الثانية ابتدأت قصة فشل عجيبة. كانت البداية بحرية مع بريطانيا اللتى قررت انها ينبغى أن تبقى سيدة البحرالأبيض المتوسط الوحيدة فقامت بتدمير الأسطول الأيطالى بصورة مخزية ثم قامت غدرا بتدمير الأسطول الفرنسى الموجود فى الجزائرحتى لا يحصل عليه الألمان. وبذلك بقت بريطانيا مسيطرة على مياه البحر الأبيض المتوسط بشكل كامل.

كانت القوات الايطالية تحارب على ثلاث جبهات فى نفس الوقت: فى اثيويبا واليونان ومصر وكان الفشل فيهم كاملا!

كانت البداية فى أثيوبيا حيث قررت انجلترا الموجودة ايضا فى شرق افريقيا أخراج ايطاليا من اثيوبيا ومعاونة اثيوبيا على استعادة استقلالها. فكانت هزيمة ايطاليا فى اثيوبيا فى عام 1940 . وبقت القوات الايطالية عالقة هناك في حرب عصابات حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية. وتعتبر أثيوبيا أول دولة أفريقية استطاعت هزيمة دولة أستعمارية أوروبية.

أما حرب اليونان فقد كانت ايضا النتائج فيها كارثية بالنسبة لأيطاليا. فقد انضمت انجلترا للدفاع عن اليونان وكاد الجيش الأيطالي أن يتحطم تماما. وهنا سارع موسولينى وتخلى عن عليائه وطلب النجدة من ألمانيا. وكانت القوات الألمانية موجودة فى ذلك الوقت فى يوغوسلافيا للقضاء على أنقلاب عسكري قام  هناك ضد حكومة موالية لهتلر ورأت المانيا انه من الخطورة الشديدة ان تبقى قواتها هناك بجوارالقوات الانجليزية في اليونان فشاركت ايطاليا فى حربها ضد اليونان واستطاعت تغيير دفة المعركة وانتصرت على انجلترا وأحتلت اليونان. ثم قامت المانيا بعد ذلك باحتلال جزيرة كريتا فى حرب شديدة الدموية.

خريطة المستعمرات

خريطة المستعمرات

أما مصر فكانت الثمرة اللتى كان يريد موسولينى ان يقطفها. فكان يريد ان يحتل مصر ويسيطر على قناة السويس ويسيطر على المجاري البحرية العالمية. ولذلك يمكن فهم خطواته الأستراتيجية بحصار مصر من جهة الغرب عن طريق ليبيا وحصارها عن طريق الشرق عن طريق اثيوبيا. وينبغى ان نراعى ان حدود مصر فى تلك الفترة كانت تضم ثلاث حدود دول حالية وهي مصر والسودان وجنوب السودان. وكانت مصر فى ذلك الوقت دولة لها نظام حكم ملكى. وكانت نظريا دولة مستقلة ولكنها كانت فعليا احد المستعمرات البريطانية الهامة.

فقام موسولينى بارسال حملة عسكرية ضخمة باتجاه مصر ضمت 250 ألف جندي عبر الحدود الليبية . وصلت حتى مدينة سيدى برانى بداخل الدولة المصرية. وكانت القوات الأنجليزية الموجودة فى مصر أقل من ذلك بكثير. لكن الحملة الأيطالية كانت رديئة من حيث الكفاءة والتسليح. وقام قادتها بارتكاب العديد من الأخطاء العسكرية. فقاموا ببناء معسكراتهم متباعدة عن بعضها. فقامت القوات الأنجليزية بالقضاء على تلك المعسكرات الواحدة بعد الأخرى. حتى وصلت القوات الأنجليزية الى طرابلس وقامت بأسر 200 ألف جندي أيطاليا. وهنا طلب موسولينى مرة أخرى النجدة من هتلر.

شعرت القوات الأنجليزية بأن النصر قريب وكانت قواتها فى اليونان فى وضع سئ فقامت بسحب جزء من قواتها الموجودة في ليبيا وارسلتها الى اليونان. فى نفس الوقت اللذى أرسل هتلر فيها الى موسولينى قائدا عسكريا عبقريا هو رومل. لم يكن لرومل أى خبرة فى معارك الصحراء. وكان أسمه قد برز بقوة أثناء غزو فرنسا. وكان مايميز رومل هو سرعته الشديدة فى الحركة. فيمكننا تشبيهه بالملاكم اللذى ما أن يقرع جرس المباراة حتى يضرب خصمه فورا الضربة القاضية. وكذلك فعل رومل فبمجرد وصوله الى طرابلس وقبل أكتمال وصول قواته قام بتنفيذ هجوم مضاد ضد الأنجليز فاصابهم فى مقتل وقتل وأسر منهم الكثيرين حتى وصل مرة اخري الى الحدود المصرية.

رومل

رومل

لكن كانت هناك مدينة لم يستطع رومل ان يسيطر عليها وهى مدينة طبرق الساحلية فكانت كالشوكة فى ظهره. فقام بالتراجع مرة اخرى الى طرابلس.

وهناك أمر ينبغى ان ندركه وهو انه فى حين كانت مصر تشكل هدفا أساسيا لدي موسولينى. لم يكن للألمان أى هدف استراتيجى فى مصر ولم يكونوا يريدون ان يصلوا الى قناة السويس. كان كل المطلوب من الألمان فقط ألا يخسروا امام الأنجليز. فكان الهدف هو شغل الأنجليز فى افريقيا وأبعادهم عن الساحة الأوروبية. وأيقاع اكبر قدر من الخسائر بهم.

بعد انسحاب رومل التكتيكي عادت انجلترا وتقدمت مرة اخرى حتى وصلت الى حدود طرابلس. وهنا مرة اخرى قام رومل بلعبته المفضلة وقام بهجومه المضاد فأوقع مرة اخرى بالأنجليز خسائر فادحة. وأستطاع فى هذه المرة فتح طبرق. فسعد به هتلر جدا ورقاه الى درجة مارشال. وبهذا كان أصغر ألمانى يحصل على هذه الرتبة العسكرية الرفيعة. كان رومل بحق ثعلب الصحراء. كان خصومه لا يدرون اين هو. كانوا يستعدون لقدومه ومواجهته ولكنه كان سريع المناورة خفيف الحركة يلف دورة واسعة ويتفاجأ به خصومه قادما من خلفهم. وتقدمت القوات الألمانية مرة اخرى حتى وصلت الى الحدود المصرية. وكان موسولينى يتأهب للذهاب الى مدينة الأسكندرية المصرية ليستقبل رومل هناك. وكان يعتقد انه بعد الأنتصار الألمانى سيقوم الألمان بتسليم مصرلأيطاليا ليقوموا بحكمها.

لكن فى هذه المرة انسحبت القوات الأنجليزية حتى مدينة العلمين المصرية وما يميز هذه المدينة انها كانت تشكل ساحة مواجهة ضيقة جدا فهى محصورة شمالا بالبحرالأبيض المتوسيط ومحصورة جنوبا ببحر رمال متحركة هائل. وقد أختار الأنجليز هذا الموقع خوفا من رومل حيث انه الأن لن يستطيع ان ينفذ المناورات والألتفافات المشهور بها. فقام الألمان بالرد على هذا بزرع حقول من الألغام تفصل بينهم وبين الأنجليز ليأمنوا أنفسهم ضد الهجوم الأنجليزي. وبقى الوضع جامدا هكذا لفترة طويلة. وقد كان تم تغيير العديد من القادة الأنجيز ضد رومل. وكان القائد الحالى هو مونتجمرى.

مونتجمري

مونتجمري

كان مونتجمرى بجسده النحيل على خلاف القادة السابقين كان قائدا هوليوديا يهتم بالصحافة والأعلام فكان يدعو الصحفيين لزيارة معسكرات الجنود ويعرض نفسه لكاميرات المصورين. كان هدف مونتجمرى رفع الروح المعنوية عند جنوده. فكان يهتم بتدريبهم حتى يصلوا الى المستوى اللازم لهزيمة الألمان. وكان يقول لهم انا أطلب منكم شئ واحد فقط: ان يقاتل كل منكم فى مكانه وأن يبقى كل منكم فى مكانه وأن يموت كل منكم فى مكانه. وكان مونتمجرى يقاوم ضغط تشرشل عليه بالأسراع فى تنفيذ الهجوم. وكرر أنه لن يبادر بالهجوم طالما كان لديه شعور بأنه غير جاهز. كان تشرشل متسرعا فى ان يجنى اى أنتصار ضد ألمانيا. لأنه منذ أن بدأت الحرب لم تجنى أنجلترا أى أنتصار ضد المانيا. ولو حدث وأغرقت سفينة انجليزية سفينة ألمانية ولو مصادفة كانت انجلترا تقيم افراحا ضخمة لبث رسالة داخلية ان انتصار عظيم قد حدث.

ثم اصابت الألمان ضربة قوية حيث مرض رومل مرضا شديدا وسافر الى المانيا لتلقى العلاج. كانت الظروف والوقت يلعبان لصالح انجلترا وضد المانيا. حيث كانت القوات الأنجليزية فى مصر قريبة من مقر قيادتها. وكانت الطائرات الأنجليزية لاتحتاج ان تطير لأكثر من 100 كيلومتر حتى تصل الى أهدافها. بينما الألمان كان عليهم امداد قواتهم لمسافة ألاف الكيلومترات بداخل الصحراء. وكان  للألمان مشكلة في مياه الشرب والوقود حيث ان كل اربعة سفن امداد ألمانية تبحر فى البحر المتوسط كانت انجلترا تغرق منها ثلاثة.

أستمر مونتجمرى فى تجهيزاته حتى أصبح يتفوق على الألمان فى جميع الأسلحة وعلى جميع الأصعدة . ثم أتى يوم 23 أكتوبر عام 1941 حيث أبتدأت معركة العلمين. ابتدأت المعركة بمحاولة سلاح المهندسين الأنجليزي تأمين ممرات أمنة وسط حقول الألغام اللتي زرعها الألمان. وكانت تغطيهم قوات المدفعية. كانت مهمة فريق الألغام صعبة حيث كانت تطلق عليهم النيران بكثافة بينما هم كانوا يحاولون أن يفككوا الألغام باستخدام مسابير يدوية.

وعاد رومل الى ساحة المعركة سريعا قبل ان يكتمل شفاؤه. وعندما عاد أستشاط غضبا عندما وجد ان الأنجليز قد علقوا بألياتهم فى حقول الألغام ولم يقم الألمان سريعا بالهجوم المضاد كما كانت طريقة رومل. وبمجرد عودته امر بشن هجوم مضاد. لكن كان الوقت قد تأخر وفشل هجومه المضاد. وقامت حرب مفتوحة بين الجانبين. كانت اكبر حرب دبابات عرفها العالم فى ذلك الوقت. ولكن مع ذلك عند تأمل الأرقام نجد انه كانت هناك 800 دبابة انجليزية فى مقابل 100 دبابة المانية. وانتهت المعركة بخسارة الألمان حيث بقت 600 دبابة بريطانية مقابل 35 ألمانية. واراد رومل الانسحاب للخلف مسافة 100 كيلومتر وتشكيل حائط صد دفاعي جديد. لكن أتته ألأوامر من هتلر أن يبقى مكانه والأ يتراجع مترا واحدا. وكان هذا مثال على تدخل هتلر الخاطئ فى عمل القيادة العسكرية. فكانت هزيمة رومل كاملة. وقام بمحاولة الانسحاب حتى قواعده فى تونس. فكان على طوال الطريق لقمة سائغة للطيران الأنجليزي.

وأشتد المرض على رومل فسافر مرة اخرى لالمانيا لتلقى العلاج. وفي تلك الأثناء كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد دخلت الحرب بعد أعتداء بيرل هاربر فى 8 ديسمبر 1941. وقرر روزفلت الرئيس الأمريكى ان تكون لأوروبا الاولوية الأولى فى عمليات القتال. فقامت بطرد القوات الفرنسية من بلاد المغرب العربى في العمليات العسكرية المعروفة باسم الشعلة واللتى أبتدات فى 8 نوفمبر عام 1942. وانتهت فى بداية عام 1943 كما رأينا فى المقالة الماضية. والأن أصبحت القوات الألمانية الموجودة فى تونس محاصرة من جهة الغرب بالقوات الأمريكية ومن جهة الشرق بالقوات الأنجليزية. وابتدأ هجوم مزدوج على الألمان من الجهتين وتم تطهير تونس تماما من  القوات الألمانية وتم أسر عدد كبير منهم ومنهم نائب رومل.

أما رومل فقد شارك بعد ذلك فى حرب الدفاع عن فرنسا. لكن بعد محاولة اغتيال هتلر الفاشلة فى عام 1944 تم أتهامه أنه ضالع فى الأمر. لكن هذا الأتهام لم يكن صحيحا فكان رومل جنديا محترفا ولم يكن له ميول سياسية. وطلب منه الأختيار اما ان ينتحر بتناول السم وستكرم سيرته بعد موته ولن تتعرض اسرته لاذى من بعده أو أن يعدم بتهمة الخيانة وستشوه سيرته وسيتم التنكيل بأسرته فأختار رومل الأنتحار.

وفى مؤتمر الدار البيضاء فى يناير عام 1943 بين تشرشل وروزفلت أعلن روزفلت امام الصحفييين ومفاجئا تشرشل نفسه انه لن يقبل سوى بأستسلام كامل وغير مشروط لألمانيا. واتفقا على الخطوة المقبلة. وكانت امريكا تريد مهاجمة المانيا مباشرة. حيث كانت المانيا فى ذلك الوقت قد أحتلت فرنسا بالكامل. وكانت بالتالى تواجه السواحل البريطانية مباشرة. بينما كان تشرشل يحترم القوة العسكرة الألمانية كثيرا وكان من رأيه أنه من الأحصف أن تقوم قوات الحلفاء بضرب خاصرة التمساح الضعيفة حسب تعبيره اى ايطاليا. وبعدها تنضم القوات الغربية الي القوات الروسية لمهاجمة المانيا من جهة الشرق. وكما فى كثير من المواقف المشابهة كان الرأى الأنجليزى هو اللذى يتم تنفيذه فى النهاية. قتقرر الأنطلاق من تونس لمهاجمة ايطاليا.

فكان غزو صقلية فى 10 يوليو عام 1943 وكانت عملية سهلة الى حد ما. فقد كان الصقليون وجماعات المافيا متعاونين مع قوات التحالف لأنها كانت تكره موسولينى فهو كان من قام باكبر عملية تطهير فى تاريخ ايطاليا ضدها. كما انه كانت لاتوجد عائلة صقلية الا وأحد افرادها مهاجر الى الولايات المتحدة الأمريكية . فتم الترحيب بقوات الحلفاء كأصدقاء.

فى نفس الوقت شنت قوات التحالف هجمات جوية على مدينة روما لخفض الروح المعنوية لدي الشعب الأيطالي. وبالفعل نجحت الخطة فقد رأى الأيطاليون سهولة احتلال صقلية وادركوا ان الباقى لن يختلف كثيرا. ورأوا ان حروب أيطاليا الكثيرة لم تجنى لها أى خير. كلفت ميزانيتها الكثير ولم تحل اى من مشاكلها. فقامت المظاهرات فى الشوارع ضد حكم موسوليني.

وأجتمع الحزب الفاشى لبحث الأمر. فقد كان الأمر لا يحتمل. ورأوا ان تجمع السلطات فى يد موسولينى ليس شيئا جيدا. فقد كان رئيس الوزراء والقائد الأعلى للجيش بالأضافة الى كونه وزيرا للوزارات الحربية الثلاثة. فكانت السلطة الموجودة فى يده ليس لهتلر حتى مثلها. وقرر الحزب ان يتخلى موسولينى عن الوزارات الحربية الثلاثة والعهدة بها الى متخصصين فربما تتغير النتيجة.

وتوجه موسولينى الى الملك ليخبره بما قرره الحزب الفاشى. وكان الملك لا يحب موسولينى ويعلم بعداوة موسولينى للنظام الملكى فكاد الملك لموسولينى مؤامرة. فقد بقى حرس موسولينى عند بوابة القصر الملكى. وعندما اخبره موسولينى بتخليه عن الوزرات الحربية الثلاثة قبل الملك منه ذلك وعزله أيضا من رئاسة الوزراء وألقى القبض عليه. وتم اركابه فى عربة اسعاف منتظرة بالخارج ذهبت به الى المستشفى اولا ثم الي السجن بعد ان تم أخبار حراسه أن وعكة صحية قد ألمت به وعين الملك رئيسا اخر للوزراء.

أعلن رئيس الوزراء الجديد ان شئ لن يتغير وان ايطاليا ستواصل الحرب. ولكنه أرسل الى الحلفاء سرا يخبرهم ان أيطاليا تريد فعلا ان تواصل الحرب ولكن بجوارهم ضد هتلر. وطلب منه الحلفاء الصمت وانهم سيردون عليه فى الوقت المناسب.

لكن هتلر لم يكن غبيا ادرك ما كان يحدث فأعلن رفضه للقبض على موسولينى وفى عملية اشبه بأفلام جيمس بوند استطاعت قوات من الوحدات الخاصة الألمانية اقتحام السجن الأيطالي المعزول فى قلعة حصينة فوق جبل وتخليص موسولينى واعادوه مرة اخرى الى السلطة.

قامت المانيا باحتلال ايطاليا ووضعت موسولينى كرئيس دمية. كان موسولينى الأيطالى كما بيتان الفرنسى ابناء خائبين. يمكننا تشبيه الحال بأنسان له ابن غير ناجح فى التعليم فيقوم أبوه بانشاء مدرسة خاصة كاملة له. كذلك كان الحال فقد أقامت المانيا دولا صورية فرنسية وايطالية كان رؤساؤها بيتان وموسوليني.

لم تكن مهمة الحلفاء سهلة فى ايطاليا كما كان يتوهم تشرشل. فالالمان كانوا ذوي خبرة دفاعية عالية. وكان التقدم فى ايطاليا امرا مكلفا جدا. وكان روزفلت دائم التململ. فهو كان من البداية يريد غزو المانيا مباشرة عبر فرنسا. وفى مؤتمر طهران فى اواخر عام 1943 تم الأتفاق على ان الاولوية ستكون لغزو فرنسا وأنما العمليات العسكرية فى ايطاليا هى من الدرجة الثانية.

وبالفعل عندما بدأ انزال النورماندي فى يونيو عام 1944 توقفت العمليات العسكرية فى ايطاليا بالكامل. بل وقام الألمان بتحسين وضعهم هناك.

وادرك موسولينى ان مصيره معلق بخيط المانيا. وكانت المانيا تخسر الحرب فى فرنسا فقرر الهرب من ايطاليا الى سويسرا ومنها كان يريد الوصول الى المانيا حيث ان انصاره كان يطلبون منه أن يأتي اليهم ليحاربوا معا معركتهم الأخير. لكن اثناء هربه تعرف عليه مقاتلون ايطاليون شيوعيون. وكان يرافقه فى الهرب عشيقته . حيث انه كان منفصل عن زوجته ولم يكن الطلاق مسموحا به فى ذلك الوقت . فتم قتل موسولينى وعشيقته والتنكيل بجثثهم وتعليقهم من ارجلهم فى محطة بنزين  ليكونوا عبرة. وكان ذلك فى 28 أبريل عام 1945 .

نهاية موسولينى

نهاية موسولينى

فكان مصير موسولينى وعشيقته يشبه لاحقا مصير دكتاتور اخر كان لدولته اسم ولغة قريبة من الأيطالية وهى دولة رومانيا. حيت تم اعدام شاوشيسكو الرئيس الرومانى هو وزوجته بعد القبض عليهم من الثوار الرومانيين. بل ان سيرة موسولينى تشبه بعضا من سير الحكام الأخرين ومنهم حكام عرب. فمنهم من كان يرتدي الملابس الغريبة او من يتحدث بخطاب ناري او من يتكلف باحاطة نفسه بالحرس الخاص. والبعض يحرص على تسمية نفسه بالقائد الرئيس أوالأخ القائد فى بدعة استنها موسولينى كما لوكان فى هذا اللقب فأل جيد. بل البعض شاركه مصيره قتم قتله والتمثيل بحثته وعرضها علي المارة.

أما ايطاليا بعد ذلك فقد تنحى الملك ايمانويل الثالث عن العرش وتنازل لأبنه وذهب الى المنفى الاختيارى فى الاسكندرية فى مصر ومات هناك. حيث كان الملك يريد ان ينقذ عرش اسرته. لكن بعد 33 يوما من تولى ابنه العرش قرر الأيطاليون فى استفتاء شعبى تحت الأدارة العسكرة الأمريكية ان الأيطاليين لا يريدون النظام الملكي للحكم ولكنهم يريدون ان تصبح أيطاليا جمهورية. وبالفعل تم ذلك فى 2 يونيو عام 1946 .