يعتبر سؤال : “ما هى نتيجة قسمة 1 على صفر؟” من الاسئلة الكلاسيكية اللتى يتم توجيهها كثيرا. وقد جاوبنا علي هذا السؤال سابقا فى مرات ماضية. ولكننا مع ذلك سنحاول ان نجاوب عليه مرة اخرى اليوم من زاوية مختلفة نوعا ما.
كان اول من قدم اجابة صحيحة على هذا السؤال هو الرياضى الهندي بهاسكارا الثانى فى القرن الثانى عشر الميلادي. حيث قال ان قسمة اى عدد بخلاف الصفر على الصفر تعطى المالانهاية. وقد كان للهنود انجازات رياضية رائعة عموما. فهم مكتشفوا الصفر والاعداد السالبة والمالانهاية. لكن مع انتقال الريادة فى ميدان الرياضيات الى الغرب وقد كان لهم تاريخ قديم من العداء باتجاه الصفر والمالانهاية. واذا راعينا انه في اثناء مرحلة تطور الرياضيات في الغرب تمت عملية خلط اوراق الرياضيات مرة بعد مرة بعد مرة. فظهرت هناك كثير من الشكوك ان قسمة الواحد على الصفر تعطى مالانهاية. وتسائل البعض هل المالانهاية عددا عاديا مثل باقى الاعداد؟ وهل يجوز ان تكون المالانهاية نتيجة لعملية حسابية سواء كانت قسمة او غيرها؟ واعتقد اخرون ان المالانهاية فيها شئ الهى وحتى قال بعضهم انها ترمز الى الله نفسه و لايمكن ان تكون جزء من عملية حسابية.
ونحن نجيب اليوم بلغة الرياضيات المعاصرة على السؤال السابق بان قسمة واحد على صفر هى كمية غير معرفة فى نطاق الاعداد الطبيعية والصحيحة والنسبية والحقيقية والمركبة. لانه لو كانت هذه العملية لها قيمة معرفة ومع مراعاة ان عملية القسمة هى العملية العكسية لعملية الضرب لكان معنى ذلك ان هناك عدد طبيعى او صحيح او نسبى او مركب اذا ضربناه فى صفر ستكون النتيجة 1 . ونحن نعلم ان هذا غير ممكن لان ضرب اى عنصر من مجموعات الاعداد السابقة في الصفر يعطي صفرا. وتعبير كمية غير معرفة ليس تعبيرا مخيفا بل هو امر نعرفه جميعا. فنحن نقول ايضا ان قسمة 7 على 2 تعطى كمية غير معرفة فى نطاق مجموعتى الاعداد الصحيحة والطبيعية لانها لا يوجد اى عدد صحيح او طبيعى اذا ضربناه فى 2 نحصل على النتيجة 7.
ويجب علينا ان نراعى ايضا ان مجموعات الاعداد السابق ذكرها يطلق عليها انها مجموعات مفتوحة. ومعنى كلمة مجموعة مفتوحة هى ان حد هذه المجموعة ليس احد عناصرها او جزء منها. اي بتعبير مبسط ان المالانهاية ليس عنصرا من مجموعات الاعداد السابقة.
وهنا يظهر سؤال هل قسمة 1 على صفر تعطى مالانهاية فعلا؟ وهلا يمكننا توسيع المجموعات السابقة بحيث تشتمل على المالانهاية وبهذا نجعل عملية القسمة على صفر معرفة؟. الاجابة هى نعم. وقد رأينا ذلك فى مرة ماضية عندما عالجنا موضوع الاعداد الحقيقية الموسعة حيث ضممنا موجب مالانهاية وسالب مالانهاية الى مجموعة الاعداد الحقيقية وبذلك حصلنا على مجموعة اعداد جديدة اوسع.
واليوم سنرى توسيع اخر لمجموعة الاعداد المركبة ونرى خلالها كيف توصل ريمان الى ان قسمة 1 على صفر تعطى مالانهاية. وريمان هو رياضى عبقرى المانى وقد كان تليمذا لرياضي عبقري الماني هو جاوس. ومن يدرس تاريخ ريمان سوف يلاحظ التأثير الهائل اللذى لعبته اراء جاوس على ريمان.
وفى البداية احب ان انوه الى شئ هام وهو ان ريمان لم يفرق بين المالانهاية الموجبة و السالبة. فهو لم يأبه الى اشارة المالانهاية. وفى رياضيات كرة ريمان عندما يذكر المالانهاية فانه يعنى المالانهاية عموما بشقيها.
وموضوع الاعداد المركبة هو موضوع كبير وهام ولكن لا يتسع المقام لذكره هنا. ولكن ما يهمنا اليوم ان نعرفه ان الاعداد الحقيقية يتم التعبير عنها في صورة خط الاعداد اللذى توجد الاعداد الحقيقية فوقه. اما فى حالة الاعداد المركبة فان خطا واحدا لايكفى. ويتم التعبير عن الاعداد المركبة كانها نقاط مستوي ثنائى الابعاد محوره الافقى يعبر عن الجزء الحقيقى من الرقم المركب اما محوره الرأسى فيعبر عن الجزء التخيلى منه. وقد اكتشف ريمان اكتشافا مذهلا وهو ان كل الاعداد او النقاط الموجودة فى مستوي الاعداد المركبة يمكن ان يتسع لها السطح الخارجى لكرة نصف قطرها الوحدة!!. ولكن كيف توصل ريمان الى ذلك؟
تخيل ريمان ان هناك كرة صغيرة نصف قطرها هو الوحدة وهى تشبه كرتنا الارضية موجودة فوق مستوى الاعداد المركبة بحيث يقع قطبها الجنوبى فوق نقطة الاصل تماما وتخيل ريمان ان هناك عند قطبها الشمالى مصباح او مصدر ضوء. بسببه تتكون لنقاط سطح الكرة ظلالا قوق مستوى الاعداد المركبة. وهنا سنلاحظ التالى انه توجد لكل نقطة على سطح الكرة نقطة وحيدة على سطح مستوي الاعداد المركبة تمثل ظلها. او بتعبير اخر اكثر رياضية نقول ان الاسقاط المركزي لنقاط سطح الكرة يمثل نقاطا فريدة على مستوي الاعداد المركبة وذلك عندما يكون مركز الاسقاط هو نقطة القطب لشمالى. معنى ذلك انه لا تشترك نقطتان فى نفس الظل. ومن ناحية اخرى اذا وصلنا اى نقطة تقع فى مستوي الاعداد المركبة مع نقطة القطب الشمالى نحصل على خط مستقيم يقطع سطح الكرة فى نقطة فريدة. اى بتعبير اخر ان كل نقطة على مستوي الاعداد المركبة تماثلها نقطة مستقلة على سطح الكرة!!
وكانت هذه نتيجة غريبة فكل نقاط مستوى الاعداد المركبة اللانهائىة تماثلها نقاط سطح محدود وهو سطح الكرة. بل الاعجب من ذلك ان عدد نقاط سطح الكرة اكثر من نقاط المستوى بنقطة واحدة!! وهى نقطة القطب الشمالى نفسها. حيث ان مصدر الضوء يقع عند هذه النقطة نفسها فلا يوجد ظل لهذه النقطة على مستوى الاعداد المركبة. واعتبر ريمان ان سطح كرته يماثل مجموعة الاعداد المركبة بالاضاقة الى المالانهاية. واعتبر ان القطب الجنوبى للكرة يماثل الصفر اما القطب الشمالى فهو يماثل المالانهاية عموما بغض النظر عن اشارتها سالبة او موجبة.!!
ثم كانت المفاجأة الثانية عندما درس ريمان خواص هذه الكرة الفريدة. فاسقاط دائرة خط الاستواء على سطح مستوى الاعداد المركبة او ظل خط الاستواء له شكل دائرة. واسقاط خطوط عرض تقع جنوب خط الاستواء يعطى دوائر مركزها نقطة الاصل ايضا ولكنها تقع بداخل دائرة ظل خط الاستواء. وظل نقطة القطب الجنوبى هو نقطة الاصل حيث انها تقع فوقها مباشرة. اما ظلال خطوط العرض شمال خط الاستواء فتشكل دوائر مركزها نقطة الاصل ولكنها تقع خارج دائرة ظل خط الاستواء. اما ظلال خطوط الطول فتعطى خطوطا مستقيمة تمر بنقطة الاصل .
ثم تأتى مفاجأة ثالثة عجيبة هى الاهم فى موضوع اليوم. عندما درس ريمان بعض الدوال الهندسية بدلالة هذه الكرة فوجد اننا بتحريك هذه الكرة حركات معينة نحصل على قيمة الدوال الجديدة. ويمكننا تشبيه ذلك بلاعب كرة سلة استعراضى يضع كرة سلة على طرف اصبعه ثم يديرها بطريقة استعراضية فوق اصبعه. اى ان ريمان حول عمليات الجبر الى عمليات هندسية مع ان شهرة ريمان الاساسية ترجع الى هندسة ريمان اللتى اكتشفها واللتى حول فيها عمليات الهندسة الى عمليات جبرية!
مثال على ذلك لنرى الدالة التالية
f(x) = x*i
اى اننا نضرب قيم x وهى عدد مركب فى العدد التخيلى i ونتيجة هذه العملية او هذه الدالة نحصل عليها تماما عندما ندير كرة ريمان فوق مستوى الاعداد المركبة 90 درجة فى عكس اتجاه دوران عقارب الساعة!! اى اننا اذا وضعنا نقطة على سطح الكرة تماثل عددا مركبا قانها بعد الدورن ستأخذ وضعا جديدا يعبر عن نتيجة ضرب العدد الاصلى في i.
دالة اخرى هى الدالة:
f(x) = (x-1)/(x+1) 2
وهذه الدالة يمكننا ان نحسب نتجتها عندما نقلب كرة ريمان بحيث تقع نقطتا القطب الشمالى والجنوبى فوق خط الاستواء.
اما الدالة الاهم فى موضوع اليوم فهى:
f(x) = 1/X
حيث وجد ريمان ان حساب نتائج هذه الدالة يماثل قلب الكرة 180 درجة بحيث تتبادل نقطتا القطبين الشمالي و الجنوبى مكانيهما. وهنا وجد ريمان ان قسمة 1 على مالانهاية تعطى صفر !! وان قسمة ا على صفر تعطى مالانهاية!!.