عند استماعنا لبعض محطات الراديو العربية تقرع اذاننا احيانا عبارات مثل “تابعوا برامجنا عبر موجات الاثير”. وانا اتعجب احيانا كيف يمكن ان يترجم الانسان مثل هذه العبارات للغة الانجليزية مثلا او اي لغة اخرى. فمثل هذه العبارات قد بطل استخدامها بسبب سقوط فكرة الاثير. وهذا امر يثير الاستغراب الاليم كيف ان امر بطل استعماله في العالم منذ 70 عاما على الاقل لتبيان خطأه مازلنا نحن نصر على استعماله كاننا منفصلين عن العالم الاكبر اللذي نحن جزء منه. موضوع اليوم هو الاثير فدعونا نتعرف على الاثير و ما هي قصته.
البداية كانت من الضوء. الظواهر الضوئية المختلفة كلها كالانعكاس والانكسار و التداخل و الحيود هي كلها خواص للموجات. لهذا كان من المنطقي ان تنتصر فكرة ان الضوء عبارة عن موجة. وهنا ظهر سؤال: اذا كان الضوء كما هو الصوت عبارة عن موجات فما هو الوسط اللذي تنتشر فيه هذه الموجات؟. فموجات الماء مثلا تنتشر في وسط هو الماء. وموجات الصوت تحتاج لوسط تنتشر فيه وهو الهواء. فاذا لم يتوافر هذا الوسط لايمكن للموجة الانتشار. مثلا على سطح القمر حيث لا يجد غلاف جوي فلا يوجد صوت. ورائدا فضاء على سطح القمر بدون جهاز لاسلكي لا يمكنهما التحدث مع بعضهما البعض حتى ان وقف احدهم بقبالة الاخر. ولكن في حالة الضوء فشعاع الشمس يصل الينا بالرغم من انه يعبر اماكن في الكون فارغة تماما! فكيف ينتقل الضوء اذن؟ وما هو الوسط اللازم لانتشار الموجات الضوئية؟ هنا افترض العلماء ان هناك وسط يملأ الكون وهذا الوسط غير منظور ووظيفته الاساسية نقل الضوء من نقطة لاخرى واطلقوا عليه اسم الاثير. دعونا الان ان نقوم بدور مخبري التحري ونضع الحقائق بجوار بعضها حتى نحاول ان نستخلص ما هي صفات الاثير.
نعلم ان الضوءعبارة عن موجات عرضية تنتشر بسرعة رهيبة تقارب 300 الف كيلومتر في الثانية الواحدة. ونعلم ايضا ان الموجات العرضية لا تنتشر في الموائع كالسوائل والغازات ولكنها تنتشر فقط في المواد الصلبة ونعلم هذا من الزلازل والهزات الارضية حيث لا تستطيع الموجات العرضية عبور الطبقات السائلة في الكرة الارضية. اذن الاثير ينبغي ان يكون مادة صلبة مرنة وذات معامل مرونة عالية وتملأ كل جنبات الكون. نحن هنا اذن امام موقف غريب. فالأثير الان اشبه بمحيط ضخم من مادة صلبة والكرة الارضية في دورانها حول الشمس اشبه بقارب صغير يعبر خلال هذا المحيط ولكننا مع هذا لانشعر بتأثير هذه المادة على حركة الارض وقوانين نيوتن للحركة تطبق كما هي ولانجد اي أختلاف بين المحسوب وبين المقاس وكأن وجود هذه المادة ليس له تأثير على حركة الارض.
ونعلم ايضا من برادلي الفلكي الانجليزي اللذي حسب سرعة الضوء ان الضوء اللذي يصل الينا من النجوم يعاني من الزيغ الضوئي بسبب ان سرعة الارض مطروحة من سرعة الضوء تعطي السرعة النسبية اللتي يتحرك بها الضوء بالنسبة للأرض. فمن هذا نستتج ان طبقة الاثير لا تتحرك مع الارض. لانه اذا كانت الارض في حركتها تسحب الاثير الملاصق لها معها اذن لاختفي هذا الزيغ الضوئي لعدم وجود سرعة نسبية بين الارض والاثير.اذن فالاثير مادة ثابتة لاتتحرك تملأ الكون وتتخلل جميع الاجسام.
من ناحية اخري كان البحث في الظواهر الكهربائية والمغناطيسية يتطور وتنبأ ماكسويل بوجود الموجات الكهرمغناطيسية اللتي استطاع هيرتز ان يثبت ان وجودها فيما بعد. و قال ماكسويل ان الضوء ينتمي الى عائلة الموجات الكهرومغناطيسية الاكبر وان الاثير لا ينقل الضوء فقط ولكنه ينقل الموجات الكهرومغناطيسية كلها. قال ماكسويل انه يمكننا اثبات وجود الاثير بحساب الاختلاف اللذي يجب ان يكون موجود في سرعة الضوء الواصل لللارض تبعا لحركة الارض بالنسبة للأثير. فألارض خلال دورانها حول الشمس تغيراتجاه سرعتها كل يوم. وعند رصد هذا الاختلاف يستطيع الانسان ان يحسب سرعة الارض بالنسبة للأثير. وحيث ان الاثير ثابت ويملأ الكون كله فاصبح الاثير مكافئا للمكان المطلق اللذي قال به نيوتن. وحساب سرعة الأرض بالنبسة للأثير يعني حساب سرعة الارض المطلقة في المكان المطلق.
وهنا قام العلماء بتصميم عشرات الافكار واجراء العديد من التجارب الهدف منها رصد الاختلاف في سرعة الضوء وحساب سرعة الارض بالنسبة للأثير وبالتالي حساب سرعة الارض المطلقة واثبات وجود الاثير. ولكن كل هذه التجارب قد باءت بالفشل وحار العلماء في امرهم. وكانوا في كل مرة يفشلون فيها في اثبات وجود الاثير يتكلفون في ايجاد صفات جديدة لللاثير مع الامل في انه في التجربة القادمة سيتم اثبات وجود الاثير. وتسأل الفيزيائي الفرنسي الكبير هنري بوانكاريه ما هي النهاية؟
وهنا ظهر اينشتاين على الساحة وظهرت النظرية النسبية الخاصة واللتي من ابرز ماقالته انه ليس هناك سبيل لاثبات السرعة المطلقة لاي جسم متحرك. بل انه لا سبيل اساسا لتبيان الفارق بين حالتي السكون والحركة بسرعة منتظمة في خط مستقيم مهما قمنا بتجارب و عمل قياسات و حسابات. كما قالت النظرية ان سرعة الضوء ثابتة لا تتغير. اذن فلا يمكن اثبات وجود الاثير وهذه هي النتائج المباشرة لنظرية النسبية.
في القانون الجنائي نسمع عبارة أن المتهم برئ حتي تثبت ادانته. اما في الفيزياء فالامر هو العكس تماما فالمتهم مذنب حتى تظهر برائته. هكذا هو الحال في النظريات العلمية فهي يجب ان تثبت صحتها بنفسها حتي يمكن القول بانها صحيحة ومجرد عدم وجود تناقضات فيها لا يعني بانها صحيحة. وحيث انه لا سبيل لاثبات وجود الاثير فقد سقطت الفكرة تماما ولم يعد ينادي احد بها. اللهم الا بعض المذيعين في قنوات الراديو العربية.