قصة القنبلة النووية

كان القاء القنبلتين النوويتين فوق اليابان فى السادس و التاسع من أغسطس من عام 1945 هو ايقونة الحرب العالمية الثانية وبداية عصر القوة النووية. وموضوعنا اليوم ليس ان نذكر انه كانتا هناك قنبلتان نوويتان تم القاؤهما ثم نذكر عدد الضحايا من قتلى ومصابين. بل سنحاول كما عهدنا ان نتعرف على الموضوع بطريقة اعمق. ولعلكم لا تتعجبون حين أقول ان لموضوع اليوم جوانب علمية وتاريخية وسياسية. بل ويحتوي على سير ذاتية وتفاصيل عسكرية وتكنولوجية. فدعونا أولا نستعرض الخلفية العلمية فهذا سيساعدنا ان نتابع بعد ذلك موضوعنا الشيق بكل سهولة ويسر.

نعلم من دراستنا المدرسية ان الذرة متعادلة كهربائيا فعدد الألكترونات السالبة يساوي عدد البروتونات الموجبة. وبالتالي قيمة الشحنات السالبة تساوي قيمة الشحنات الموجبة. ونعلم ايضا من معلوماتنا الدراسية ان تركيب الذرة يشبه الى حد كبير نظام المجموعة الشمسية. ومع ان هذا التشبيه ليس دقيقا تماما لكن لا بأس. سوف نحتفظ به فهو لن يزعجنا. فموضوعنا اليوم لا يختص بالذرات مناط عمل القنابل التقليدية وهى ما تهم الكيميائيين. لكن مايهمنا اليوم هى انوية الذرات مناط عمل القنابل النووية وهى ما تهم الفيزيائيين بصورة خاصة.

نعلم ايضا من دراستنا المدرسية ان النواة تتكون من بروتونات موجبة ونيوترونات متعادلة. وهنا سيبرز على الفور تسأول: فما اللذى يسبب استقرار النواة؟  فالبروتونات الموجبة تتنافر فيما بينها والنيوترونات المتعادلة لا يمكن ان تساهم فى تماسك النواة. وبدون الدخول فى تفاصيل يكفينا ان نعرف ان هناك صنفين من القوي بداخل انوية الذرات: صنف يعمل على تفتيتها ونوع اخر يعمل على تماسكها وهذا الصراع بين هذين النوعين هو مايفسر الأنشطارات النووية.

اذن هذه البداية اللتى سننطلق منها لفهم سرعمل القنبلة النووية. بالأضافة الى ذلك فهناك ست نقاط بسيطة لو انتبهنا اليها نكون فهمنا فكرة عمل  القنبلة النووية بصورة دقيقة.

النقطة الاولي: لابد وان نتوقع ان يكون الصراع بين صنفى القوي السابق ذكرهم يكون فى اقصاه كلما كبرت الأنوية. وأكبر عنصر طبيعى موجود في كوكبنا هو اليورانيوم. فرقمه الذرى هو 92  اي ان نواة اليورانيوم تحتوى بجانب النيوترونات على 92 بروتون. فكأن هذه النواة مصابة بالتخمة ويمكننا تشبيه الأمر بانسان ذهب الى وليمة واكل بصورة شرهة اكثرمما يطيق بطنه.  والأن وقد انتهت الوليمة وعاد صديقنا الى بيته فهو يشعر بعدم الأرتياح . ويود لو انه لم يأكل كل تلك الكمية. ويود لو يفرغ شئ من داخل معدته.

النقطة الثانية: عندما تنشطر الانوية يحدث على  الأغلب  شئ غريب. فيكون مجموع الكتل الناتجة بعد الأنشطار اقل منه قبل الأنشطار. ونعلم طبقا لمعادلة اينشتاين الشهيرة E=M*C^2
اى ان الكتلة المفقود تنبعث في صورة طاقة.

النقطة الثالثة: دعونا نعود الى صديقنا اللذي يريد ان يفرغ شيئا من الموجود بمعدته. فقد يحدث هذا بصورة طبيعية تماما ويتقيأ المرء جزءا من الموجود فى بطنه. او قد يتم ذلك عن طريق وسيلة مساعدة  بأن يضع الأنسان أصبعه فى فمه مثلا. واذا اردنا ان نرى مثال ذلك في عالم الأنوية. فقد تنشطر النواة من تلقاء نفسها. لكن كيف تضع النواة اصبعها في فمها؟ فى عالم الفيزيائيين توجد حيلة وحيدة يتم استخدامها دائما. وهى أن نقذف شئ  بشئ اخر ثم نرى ماذا يحدث. وهكذا فقد تنشطر الأنوية بتسليط سيل من النيوترونات عليها.

معادلة انشطار اليورانيوم

معادلة انشطار اليورانيوم

النقطة الرابعة: في الفترة الأخيرة انتشر نوع من أفلام الرعب تلعب فيها كائنات متحولة يطلق عليها الزومبى دورا كبيرا. ومع انى شخصيا لا أحب هذه الأفلام لكن لا بأس سأستخدمها اليوم لتقريب الفكرة. لنتخيل ان هناك مدينة تحوي نوع من هؤلاء الكائنات المتحولة. وهم من ناحية الشكل الخارجي لا يمكن تفريقهم ابدا عن الأشخاص الطبيعيين. لكن مايفرق هؤلاء المتحولين هو شعورهم بعدم راحة بطونهم ويود احدهم لو يتقيأ ما فى بطنه. ولكن حتى بعد ذلك فلن يشعر ذلك الزومبي بالراحة حتى يهاجم ثلاثة اشخاص اخرين بصورة عشوائية ويدس اصبعه في حلوقهم!! فاذا كانت الضحية انسانا عاديا فربما سيكتفي باللعن ويتوقف الأمر عند هذا الحد. لكن لو دس أصبعه فى فم زومبي اخر فالأخير سوف يتقيأ ما في بطنه وسيهاجم ثلاثة اشخاص جدد بصورة عشوائية. وهنا ستتوقف النتيجة النهائية عن نسبة تلك الكائنات المتحولة في المدينة. فاذا كانت كبيرة فستنتج موجة من التقيأ ومن انبعاث الطاقة فى كل مرة. لكن كيف نسقط ذلك علي عالم الانوية؟ هناك نوع من نظائر اليورانيوم وهو اليورانيوم 235 . اى ان نواة هذا النظير تحتوي بالأضافة الى ال 92 بروتون على 143 نيوترون. فيكون المجموع الكلى 235 جزئ. وهذه النواة اذا انشطرت من تلقاء نفسها او قذفناها بنيوترون فانشطرت فينتج في المتوسط ثلاثة نيوترونات جديدة وهذه النيوترونات قد تصطدم بانوية جديدة وتسبب انشطارها . وهنا نحصل على ما يسمى بسلسلة تفاعلات او Chain reaction

النقطة الخامسة: يوجد فارق هام بين النيوترونات الناتجة عن الانشطار والنيوترونات المسببة له. فالنيوترونات المسببة للأنشطار يجب ان تكون بطيئة بينما تنبعث النيوترونات الناتجة بسرعة عالية. ولذلك نحتاج الي وسط مساعد مهمته كبح النيوترونات الناتجة عن الأنشطار للوصول بها الى السرعة الملائمة. وأمثلة لذلك الوسط المساعد قد يكون الهيدروجين او الكربون. كما سنري لاحقا.

النقطة السادسة: تخص الدوال الأسية او المتواليات الهندسية. حيث ازدياد القيم فيها يحدث بصورة كبيرة جدا. وهناك اسطورة ربما يعلمها الكثيرون منا عن مخترع لعبة الشطرنج عندما اراد ملك ان يكافئه وسأله عن طلبه. فاجابه بان يضع فى اول خانة من رقعة الشطرنج حبة واحد من الأرز. ثم يضاعف عدد حبات الرز فى كل خانة تالية حتى تنتهى الخانات ال 64 جميعا. واستهان الملك بطلب المخترع لكنه عندما اراد ان يحققه وجد ان ذلك مستحيلا فما طلبه المخترع يفوق كل الرز الموجود فى مملكته. فما بالنا اذا كنا لا نضاعف الكمية فى كل مرة ولكن نضرب القيمة في ثلاثة. وهكذا فان كل انشطار نووي من نظائر اليورانيوم 235 يسبب ثلاثة  انشطارات جديدة. وعند كل انشطار ينبعث جزءا من الطاقة. اذن المحصلة النهائية ستكون بعد فترة وجيزة هائلة.

كانت هذه الخلفية العلمية فدعونا نرى الأن التكنولوجية الكامنة خلف تصنيع القنبلة النووية. وربما ينبغي أن يلفت نظرنا ان ظاهرة الأشعاع تم اكتشافها اول مرة عام 1896 لكن بعد مرور اقل من 50 سنة اى فى عام 1945 تم القاء القنبلة النووية فوق اليابان. وهكذا نري الفارق بين العلوم الحقيقية والمهاترات الكلامية. فالعلوم الحقيقية هي من تصنع الفارق في فترة  وجيزة.  والمهاترات الكلامية تبقى لعشرات ومئات السنوات مهاترات كلامية. تسمع ضجيجا ولا ترى طحينا. كم شبعنا سماعا عن خطأ اينشتاين ومؤامرة الجاذبية من اناس لا يكفون عن مواصلة حياتهم بواسطة تكنولوجيا تصرخ انا مبنية طبقا لقوانين نيوتن واينشتاين. ولكن لهذا حديث أخر.

ولم يكن اكتشاف النقاط الست السابقة زمنيا بتاريخ سردنا لها. فالنقطة السادسة مثلا لم تكن اكتشاف فيزيائى من الأساس بل معلومة رياضية عامة يعرفها كل من له تحصيل دراسى متوسط. والنقطة الثانية الخاصة بتحول الكتلة الى طاقة كانت معروفة منذ القرن التاسع عشر. لكنها اكتسبت شهرة خاصة بعد اعادة البرت اينشتاين تقديمه لها من خلال النظرية النسبية الخاصة عام 1905. اما باقى النقاط الأربع الباقية فقد تم اكتشافها زمنيا بطريقة متداخلة معقدة. فدعونا نرى القصة من بدايتها.

البداية كانت فى عام 1896 في فرنسا على يد العالم بكريل حيث وجد عن طريق المصادفة ان أفلام تصوير فوتوغرافية خام محفوظة في درج مكتبه قد فسدت دون ان ترى الضوء. ووجد العلة في ان درج مكتبه أحتوي على أملاح اليورانيوم. وان اليورانيوم يصدر أشعاعات تفسد الأفلام الفوتوغرافية. ومن أطلق مصطلح الأشعاع  على هذه الظاهرة كانت السيدة كوري الأم فى عام 1898 . ثم وجد الفيزيائيون أن هذه الأشعاعات ليست شيئا واحدا وأستطاعوا تقسيمها الى ثلاثة أنواع: الفا وبيتا وجاما. وواصلت السيدة كوري الأبنة ابحاث ابويها وتمكنت من تخليق مواد مشعة جديدة عن طريق تسليط اشعة الفا على بعض العناصر المستقرة. وانتقلت الريادة فى ذلك الميدان الى المانيا اللتى لم يكن يتميز علماؤها بدقة تجاربهم فقط بل وبقدرتهم التحليلية النظرية المدهشة اللتى استطاعت تفسير الكثير من الظواهر الأشعاعية.

انريكو فيرمي

انريكو فيرمي

لكن قبل ان نتحدث حول المانيا دعونا نعرج على أيطاليا لنتعرف على عبقرية استثنائية أنه معماري القنبلة النووية: انريكو فيرمي.

ولد فيرمي لأسرة متوسطة وكان أبوه موظفا بالسكة الحديد الأيطالية. ولفتت موهبة فيرمي الطفل انتباه احد اصدقاء الأب فاخذ يعيره كتبه فى الرياضيات يلتهمها التهاما. وأنهي فيرمى دراسته الجامعية بكل سهولة وحصل على درجة الدكتوراة في سن ال 21 ثم حصل على منحة دراسية فى معهد ماكس بورن الشهير فى المانيا. لكن للغرابة لم ينتبه احد لموهبته هناك ثم رحل فيرمى الى هولندا ليلمع نجمه هناك ثم عاد مرة اخرى الي روما ليترأس معهدا للأبحاث الأشعاعية وهو في سن صغيرة. والجدير بالذكر أن احد زملاء فيرمى فى ذلك المعهد  كان فيزيائى شاب وهو بونتشرفو اللذي سرب سر القنبلة النووية الى الأتحاد السوفيتى بعد أن هاجر الى الولايات المتحدة الأمريكية واعتنق الأفكار الشيوعية.

وكان فيرمي يعيد تكرار التجارب اللتى قامت بها السيدة كوري الأبنة بصورة ممنهجة. فكان يسلط الاشعاعات على كل العناصر اللتى يستطيع الحصول عليها ثم  يراقب تغيير سلوكها الأشعاعي. وقد كان موقفا طريفا روتينيا يوميا ان يرى العاملون في المعهد فيرمي أو أحد مساعديه وهم يعدون فى الممر بأقصى سرعة حاملين عيناتهم في يدهم. فقد كانتا حجرتا التجارب وجهاز قياس الأشعاع تقعان فى النهايتين المتعاكستين للممر. ولم يكن فيرمى رئيسا للقسم فقط بل وأيضا أسرع عداء فيه. يمكن اللمرء ان يقول مازحا انها كانت التكنولوجيا على الطريقة الأيطالية!!

لكن فيرمي ادخل تعديلين جوهريين على طريقة السيدة كوري. أولاهما ان السيدة كورى كانت تستخدم أشعة الفا وكانت النتائج متواضعة جدا. وهنا فكر فيرمى ان كلا من اشعة الفا والأنوية موجبة الشحنة وبالتالى تتنافران وبالفعل كان لا يصل الى الأنوية سوي واحد فى المليون من أشعة الفا. وهنا رأي فيرمى ان أستبدال أشعة الفا بالنيوتروات المتعادلة سيعطي نتائج أفضل. وبالفعل كان محقا.

اما التغيير الثانى فكان أكثر أهمية. كان فيرمى يجرى تجاربه بالصورة التالية:  كان يشكل العنصر تحت الأختبار في صورة  اسطوانة مفرغة. ثم يضع مصدر النيوترونات فى قلب تلك الأسطوانة. ثم يضع كل تلك الأشياء بداخل صندوق من الرصاص. لكنه اثناء اجراء احد التجارب لاحظ ان نتيجة التجربة تتوقف على موقع العينة بداخل صندوق الرصاص. ولم يكن لهذه النتيجة معنى. فصندوق الرصاص يقع بخارج العينة بعد ان تكون النيوترونات اصطدمت بالعينة بالفعل. ففكر باجراء التجربة بدون صندوق الرصاص فوجد ان ألاشعاعات الناتجة تتضاعف. ثم قام باجراء التجربة مرة على طاولة معدنية ومرة اخرى على طاولة خشبية فوجد ان الطاولة الخشبية تعطى نتائج افضل بكثير. ثم كرر تلك التجربة بعدما وضع العينة فى شمع البارافين فوجد ان النتائج افضل بكثير. وهنا فطن فيرمى الى ان السبب هو جزيئات الماء الموجودة  في شمع البارافين بسبب ذرات الهيدروجين اللتى تحتوى عليها. ثم كرر تلك التجربة مرة اخرى فى حوض لأسماك الزينة موجود فى حديقة المعهد فكانت النتائج مرة اخري اعلى بكثير. وهنا اكتشف فيرمى النقطة الخامسة اللتى تحدثنا حولها سابقا واللتى تتعلق بدور العامل المساعد.

يمكننا ان نشبه الأمر بلعبة البلياردو. فاذا اصدمت كرة بلياردو متحركة بأخري ثابتة. وافترضنا الأفتراضات التالية:

  1. ان الكرتين متساويتان في الكتلة تماما
  2. ان الأصطدام مركزي  تماما
  3. أن الأصطدام مرن  تماما

فان الكرة المتحركة سوف تتوقف بالكامل وتنقل حركتها الى الكرة الثابتة. اما الحالة النقيض فهي أن تصطدم كرة متحركة بجسم ثابت يفوقها كثيرا في الكتلة كأن نضرب كرة تنس في الحائط مثلا ففي هذه الحالة فان الحائط لن يتحرك ولن تتوقف كرة التنس ولكنها ستحتفظ بسرعتها العالية بعد أن تعكس اتجاهها. وهكذا كان الوضع فى تجربة فيرمي. فمعظم النيوترونات كانت لا تتفاعل مع العينة ثم تصطدم بأنوية الرصاص ذات الكتلة العالية فتنعكس مرة اخرى باتجاه العينة محتفظة بسرعتها العالية فلا تسبب تفاعلات جديدة. لكن الأمر أختلف حين تم استخدام الطاولة خشبية او شمع البرافين حيث تصطدم النيوترونات المتسربة بانوية مازلت كتلتها اكبر من انوية  النيوترونات لكن اقل بكثيرمن كتلة نواة الرصاص فيتم فرملة النيوترونات المتسربة مما يمكنها من النجاح فى صنع تفاعلات نووية لاحقة. وفاز فيرمى لهذا بجائزة نوبل في الفيزياء في  عام 1938

ولم يكن فيرمى سعيدا بالتطورات السياسية فى ايطاليا ووصول الحزب الفاشى الى الحكم فقرر الهجرة الى الولايات المتحدة الأمريكية. وبالرغم من ان اعداد الراغببين فى الهجرة كانت قد أكتملت في ذلك العام فقد تم عمل أستثناء له بسبب شهرته الفائقة. مع ذلك أستوفى فيرمي جميع متطلبات البيروقراطية الأمريكية ومنها خوض امتحان ذكاء حيث تم سؤال الفائز بجائزة نوبل فى الفيزياء ماهي نتيجة جمع 24 زائد 17 و ماهى نتيجة قسمة 29 على 2 . ولم تكن الفاشية السببب فى هجرة فيرمى فقط. بل تسببت فى هجرة الكثيرين غيره من العلماء المميزين. بل لعبت الفاشية دورا تاريخيا فى اكتشاف معادلة النقطة الرابعة: المعادلة الزومبى. معادلة الطاقة والموت. معادلة المفاعل والقنبلة النووية. ولكى نرى ذلك دعونا نمر على المانيا.

تهرب شاب نمساوي من اداء الخدمة العسكرية في بلده الأصلى مملكة النمسا-المجر لكي يتطوع لخوض الحرب العالمية الأولى بجوار الجارة ألمانيا وراقب هناك انهيار بلده الأصلي حيث تحولت من دولة عظمى الى دولة ملأي بالمشاكل. وكما يرى الأنسان من الأسم ان تلك الدولة كانت تتكون من قوميات مختلفة: القومية الألمانية والمجرية والسلافية وغيرها. وكان رأي ذلك الشاب ان تلك القوميات غير الألمانية كانت سبب انهيار تلك الدولة العظمي. فكان يراها قوميات حقيرة اقل شأنا اخذت تثير المشاكل وتتطالب بحقوق باسم الديموقراطية مع انها لا تريد فى النهاية سوي الأنفصال. وكان يري فى الديموقراطية فكرة بغيضة وخراب للحياة البشرية فلا معني ان تجعل جنسا أدنى مساويا لجنس أعلى منه. وكان سعيدا بهجرته الى المانيا حيث كان أهلها من وجهة نظره لا يزالون الى حد كبير محافظين على نقاء عرقهم الأري والأهم من ذلك ان انهم مازالوا محافظين على طباعهم. مع ذلك كان يرى انه يحيق بألمانيا خطر داهم حيث تعيش بها اسوأ قومية في تاريخ البشرية ألا وهم اليهود. واسوأ ما فى هذه القومية من وجهة نظره هى ان اليهود ينكرون انهم قومية من الأساس ولكن جماعة دينية. ولكنهم من وجهة نظره جماعة قومية بامتياز تتستر برداء الدين. بل من شدة خبثهم يدعون انهم مواطنون مخلصون حتى لغة البلاد اتقنوها بشكل تفوقوا به على سكان البلاد الأصليين. فمنذ ان نشأت اللغة الألمانية حتى اليوم لم يمتلك ناصيتها احد  كالعملاق جوته الأديب والشاعر المعروف والمسماة معاهد تعليم اللغة الألمانية حول العالم باسمه والشاعر والفيلسوف هاينريش هاينا. وهاينا  يهودي. ولا يوجد اى امل فى الخلاص عن طريق الاحزاب السياسية القائمة فقد تسلل اليهود الى قمة جميع الاحزاب على اختلاف مشاربها من اقصى اليسار الى اقصى اليمين. فهم أشبه بجرثومة تسللت الى مفاصل البلاد. ولا امل الأن الا عن طريق تأسيس حزب الماني حقيقى. ومعنى المانى هنا انه خالى من اليهود يكون بمثابة الخلية الأولى اللتى عليها ان تتكاثر وتنتشر حتى تطهر الحياة السياسية الألمانية من اليهود وتحذف اثارهم من الحياة الألمانية وتخرجهم من جميع المجالات اللتى اسـتأثروا بها . فهناك بعض الوظائف اللتى احتكرها اليهود فى المانيا مثل الطب مثلا او المجال الأكاديمى وبخاصة مجال الفيزياء.

اذا سألت اى شخص في الشارع عن ألبرت اينشتاين فعلى الأغلب انه سيعرفه. واذا سألت اى تلميذ في الصف العاشر او الحادي عشر عن ماكس بلانك فعلى الأغلب ايضا انه سيعرفه. واذا سألت اي شخص له أهتمامات بسيطية بميدان العلوم عن هايزنبرج صاحب مبأ عدم الدقة فانه على الأغلب سوف يعرفه. هل تعلم عزيزي القارئ ماهي العلاقة بين اينشتاين وبلانك وهايزنبرج. انهم الثلاثة ألمان يهود.

وقد يستغرب معظمنا حين يسمع  انه ساد فى ثلاثينيات القرن الماضى فى ألمانيا دعوة الى “ألمنة الفيزياء” وانشاء “الفيزياء الألمانية”. بمعنى انشاء فيزياء جديدة خالية من التأثيرات اليهودية وخالية من خرافات اينشتاين وهايزنبرج. وهناك مقالة شهيرة كتبت في هذه الفترة اسمها اليهودي الأبيض كان المعنى بها هوهايزنبرج على الخصوص -وأن لم يذكرذلك صراحة- وكل من هم على شاكلته على العموم. تقول هذه المقالة ان بعض السذج يظنون ان اليهود لهم أنوف معقوفة وملامح جسدية معينة. وبنفى هؤلاء الأشخاص من المانيا يتم حل جميع المشاكل. لكن المشكلة اعمق من ذلك بكثير فليس لليهود تلك الملامح الجسدية المميزة بل حتى نفى كل اليهود الفعليين من المانيا بغض النظر عن شكلهم لن يحقق شيئا. فاليهود تركوا اثارهم في الفكر الألماني والحضارة والألمانية والعلوم الألمانية. لذلك يجب البحث بدقة عن كل هذه الاثار والتخلص منها. وخاصة فى مجال الفيزياء فلليهود اثر سيئ وذلك على الأقل من ناحيتين. هم اولا قد جعلوا دخول ذلك الميدان بالواسطة فلا يحصل على منح الدكتوراة فى الأغلب احد سواهم. وهم بذلك أعاقوا الألمان الحقيقيين عن دخول ذلك الميدان. ومن ناحية ثانية هم حولوا الفيزياء الى طلاسم رياضية لا يفهمها أحد الا هم.

أما ذلك الشاب النمساوي الاصل فاصبحت افكاره الأكثر انتشارا وكتاباته الأكثر رواجا والحزب اللذي اسسه الأكثر جماهيرية حتى انه وصل الى سدة الحكم فى عام 1933 . بالطبع عزيزي القارئ انت عرفت من ذلك الشاب انه أدولف هتلر وهذه الحركة اللتى اسسها هى الحركة النازية. وأتى اول رد  فعل من البرت اينشتاين واللذي كان وقت تولى هتلر الحكم فى مهمة علمية فى الولايات المتحدة الأمريكية فأعلن انه لن يعود الى المانيا مرة أخرى طالما بقي النازيون فى الحكم. فظهرت في اليوم التالي كبريات الصحف الألمانية مستبشرة  وقالت اينشتاين غادر المانيا ولن يعود اليها أبدا. وقامت السلطات بمصادرة بيته فى برلين وتأميم حسابه البنكي. وهي بذلك لم تخسره فقط بل انها كسبت عداوته. وكان لاينشتاين دور سياسى كبير فى صناعة القنبلة النووية كما سنري لاحقا.

بعد  ان قمنا بهذا العرض التاريخى والسياسى السريع دعونا نعود مرة أخرى الى الفيزياء. ولكنها الفيزياء المسيسة.

في عام 1913 قدم نيلس بور نموذجه الذري اللذي يتعلمه التلاميذ في المدارس اليوم. واللذي يقول ان الذرة تتكون من نواة موجبة فى المركز تدور حولها الألكترونات السالبة فى مسارات محددة. ولم يقل نموذج بور شيئا عن النيوترونات اللتى لم يتم اثبات وجودها رسميا الا فى عام 1932 على يد الأنجليزي شادويك. وأدرك العلماء اهمية النيوترونات بالنسبة لاستقرار النواة فهى تشارك فقط فى قوي التجاذب النووية ولا تشارك فى قوى التنافر الكهربائية لأنها متعادلة. على  عكس البروتونات الموجبة اللتى تساهم فى الأثنين معا. وادرك العلماء انه لكى تكون النواة مستقرة فلابد ان تكون نسبة النيوترونات فيها 50% على الأقل. وتزداد هذه النسبة كلما كبرت الأنوية.كما علم العلماء ايضا انه كلما كبرت الأنوية كلما أصبحت غير مستقرة. وكما رأينا فى الأعلى كان فيرمى يقوم بقذف الأنوية بالنيوترونات. ولم يكن فيرمى بالمصادفة متخصصا في أشعة بيتا. فالتصور الرائج في ذلك الزمان أنه حيث ان الانوية تحتوي على نيوترونات فاذا قذفناها بسيل من النيوترونات فانها قد تلتقف أحداها كما فى لعبة البيسبول. وهنا بسبب قوي معينة لامجال للحديث عنها اليوم قد يتحول النيوترون المتعادل الى اليكترون  سالب وبروتون موجب. فتبقى الشحنات الكهربائية متعادلة. وكذلك الكتلة تبقى ثابتة فكتلة النيوترون اكبر بشئ بسيط منها للبروتون وتساوى مجموع كتلتى بروتون واليكترون. اذن تكون النتيجة النهائية بعد ان تلتقف النواة نيوترونا أن تقذف الكترونا -او أشعة بيتا فأشعة بيتا هي عبارة عن الكترونات- وتزداد بروتونا. واذا ازدادت النواة بروتونا زاد عددها الذري واحد وتحولت الى عنصر كيميائى جديد. فعدد البروتونات فى النواة هو المسئول عن الخواص الكيميائية.

وكان لهذه النقطة بريقها فالعناصر الكيميائية المعروفة فوق الأرض هى 92 فقط. اكبرها هو اليورانيوم. فكان نوع من الوجاهة العلمية ان تقوم مجموعة بحثية بالسبق بتسليط النيوترونات علي اليورانيوم بهدف تخليق عناصر كيمائية جديدة ليست موجودة فوق كوكب الأرض. وبالفعل أعلنت مجموعة فيرمى فى روما انها سلطت على اليورانيوم سيلا من النيوترونات وأستطاعت تخليق البولونيوم العنصر اللذي يلى اليورانيوم بخانتين فى الجدول الدوري.

لكن كيميائية وفيزيائية ألمانية وهى أيدا نوداك قابلت هذا الأعلان بالتشكك. وقالت ان الأمرلا يجب ان يتم دائما بالصورة اللتى تخيلتها مجموعة فيرمى. فقد يحدث العكس تماما فبدل ان تزيد النواة جزيئا جديدا عند اصطدام النيوترون بها فانها قد تنشطر الى قسمين او ثلاثة متساوين فى الحجم تقريبا لكن كل قسم منها أبعد مايكون عن عنصر اليورانيوم. لكن لسوء الحظ لم يلق احد بالا لهذه المرأة فهى كانت قد تورطت فى ملابسات معينة -اثبت الزمان بعدها سلامة موقفها تماما-. لكن هذه الملابسات افقدتها سمعتها العلمية وأظهرتها فى صورة امرأة متسرعة تبحث عن الشهرة وسرعة النشر.

في الوقت نفسه كان هناك فريق علمى فى برلين يجري التجربة نفسها. وكان هذا الفريق يتكون من دكتورة نمساوية يهودية اسمها ليزا مايتنر يعاونها زميلها الألمانى أوتو هان. لكن مرة اخرى تلاحقنا السياسة. فى عام 1938 طلبت النمسا الأتحاد مع ألمانيا وتحولت ليزا مايتنر بين عشية وضحاها من نمساوية يهودية الى المانية يهودية. وكان هذا يعنى قرار طردها من عملها فى برلين. وتقدم العالم الكبير ماكس بلانك بالتماس الى الفوهرر ادولف هتلر يطلب منه ان يستثنى الدكتورة مايتنر فهي ذات كفاءة استثنائية وسوف تستفيد الدولة من خدماتها. لكن هتلر غضب أشد الغضب من التماس بلانك وقال ذلك اليهودي يستغبانى ويطلب التماس ليهودية مثله. ويقول البعض ان هذا كان السبب الحقيقى لأغتيال هتلر لأبن ماكس بلانك بعد ذلك. وهاجرت مايتنر الى السويد لترأس معهد علمى هناك.

وبقى اوتو هان بمفرده يساعده شتراسمان يجريان التجربة نفسها. ولكنه لاحظ شيئ غريب. بدلا من ان يحصل على البلوتونيوم كما كانت تدعي جماعة فيرمى وجد دائما اثارا من الباريوم ولم يكن للباريوم اي محل من الأعراب فى هذه التجربة. فظن اول الأمر ان هناك خطأ ما و انه ربما استخدم عينات غير نقية تشوبها شوائب من الباريوم. لكنه كلما أعاد التجربة وجد النتيجة  نفسها. واصابه الأحباط لهذا الأمر. ولذا كتب الى زمليته القديمة السيدة مايتنر وكان يثق فى قدراتها ان كانت ترى الخطأ اللذى يقوم بارتكابه واللذى يتسبب فى انتاج الباريوم. لكنها ردت عليه بأنه يقوم بعمل ممتاز ولا ترى اى خطأ قام به . ولكن اللذي حدث ان الانوية بدلا من أن تزيد كما كان يقول الرأي السائد فأنها قد انشطرت.

ثم  عكفت مايتنر مع ابن اختها فيشر على دراسة النتائج اللتى اعطاها لها هان حتى وصلت الى التحليل النظري اللذي نعرفه اليوم حول ذلك الأنشطار. فاليورانيوم العادي الطبيعى اللذي نعرفه واللذي هو موجود بكثرة فى الطبيعة  هو النظير 238 وهذا النظير يكون مختلطا بنسبة ضئيلة تقدر ب 7 فى الألف من النظير 235 . وهذا النظير الأخير هو سبب الظاهرة اللتى حيرت هان. فهذا النظير أنويته كاملة الكرية فاذا اصطدمت بها نيوترونات فانها تنبعج وتاخذ شكلا اشبه بكرة الرجبي. وفى هذه الحالة تتغير موازين القوي. ففى داخل النواة تسود قوتان: قوى تجاذب نووية قوية ولكنها لا تؤثر سوي فى المسافات الصغيرة وقوة تنافر كهربائية اضعف من القوة النووية ولكنها لا تفقد تأثيرها بنفس السرعة اللتى تفقدها بها القوة النووية عند زيادة المسافات. فعندما تنبعج نواة النظير 235 تتباعد المسافة بين طرفيها فتقل فجأة قوى التجاذب النووية ولا تقل بنفس المقدار قوى التنافر فتنشطر النواة.

وانتشر خبر انشطار النواة بسرعة رهيبة حول العالم ونشأ سريعا نزاع حول ألأسبقية والأحقية. حيث اعلنت الدكتورة نوداك ان الأنجاز ينبغى ان يحسب لها لانها أول من نبهت الى هذا الأمر ولكن هان رفض ذلك وقال ان مافعلته نوداك كان مجرد تخمين وانها لم تقدم اية براهين وتدخل البرت اينشتاين من الولايات المتحدة الأمريكية بالرغم من أنه لم يكن له أية علاقة مباشرة بالموضوع وقال ان الفضل لاينبغى ان يحسب لا لنوداك ولا لهان ولكن للدكتورة مايتنر مع أن هذه الأخيرة لم تطلب نسب الفضل اليها. وأستقر الرأي اليوم على نسب الأكتشاف الى هان وشتراسمان ونسب التحليل النظري الى مايتنر.

ولم يكن اكتشاف انشطار اليورانيوم شيئ للوجاهة أوللحديث المسلى. بل ادرك كثير من الفيزيائيين حول العالم على الفور أهمية ذلك الأكتشاف. فكتب فيزيائى ألماني مقالا تاريخيا فى جريدة يومية المانية ليعرف القارئ العادي أهمية ذلك الأكتشاف. وقال انه يمكن استغلاله فى توليد الطاقة او صناعة قنبلة هائلة بل انه وضع تصورا لشكل المفاعل النووي. وكان ذلك قبل ان تنطلق اية رصاصة فى الحرب العالمية الثانية. لكن السلم لم يدم طويلا فسرعان مادهست الدبابات الألمانية الأراضى البولندية وبدأت الحرب العالمية الثانية. واصدرا القيادة الألمانية قرارا بحظر النشر في الأبحاث النووية وجعلت ذلك الميدان من المواضيع العسكرية.

في الوقت نفسه تمكن ثلاثة فيزيائيين مجريين يهود من الفرار الى الولايات المتحدة الأمريكية. وهم كانوا من بلد هتلر الأصلى اي من مملكة النمسا- المجر وكانوا ينتمون الى الأقليات اللتى يكرهها هتلر فكانوا مجريين ويهودا. وكان هؤلاء الثلاثة  وأسم شهرتهم الفرسان الثلاثة لانهم كانوا دائما معا على دراية بالتطورات الجارية فى المانيا. وكان اشهرهم ادوارد تيلر ابو القنبلة الهيدروجينية وله القاب اخرى اشتهر بها مثل المنبوذ او الخائن كما سنرى لاحقا. توجه هؤلاء الثلاثة الى البرت اينشتاين وقالوا له انت كبيرنا هنا. كما انه لا يضاهيك فى العالم كله احد فى مكانتك العلمية. كما ان الشعب الأمريكي يحبك فأنت احد نجوم المجتمع والقيادة السياسية تستمع الى رأيك فيجب ان تنبه لما يحدث فى المانيا.

وبالفعل كتب اينشتاين الى الرئيس الأمريكى روزفلت خطابا تاريخيا أخبره فيه بالتطورات الفيزيائية الراهنة وان الألمان يخططون لبناء قنبلة لم تعرف البشرية مثالها قط يستطيعون ان يشحنوها على سفينة ويتركوها فى غفلة من الجميع  ثم يفجرونها من بعد فتختفى مدينة ساحلية امريكية من على وجه الكرة الأرضية. ويبدو ان اينشتاين كان يتصور ان هذه القنبلة لابد ان تكون كبيرة الوزن فلا تقوى الطائرات على حملها. وأضاف اينشتاين ان الجامعات الأمريكية تقوم بالبحث فى ذلك الميدان. لكن امكانيات الجامعات لايمكن ان توفى بذلك الغرض ولابد ان تتبنى الدولة الأمريكية تلك الأبحاث. واثر خطاب اينشتاين فى روزفلت فامر  فورا بانشاء مشروع مانهاتن السري لصناعة القنبلة النووية

ومن هنا عزيزي القاريئ يتحول موضوعنا الى سباق يبدو متكافئا بين دولتين هما ألمانيا والولايات المتحدة. كان للأولى السبق فى المشروع والريادة فى الميدان ولكنها ركلت علماءها بقدمها مرددة عبارات ان المانيا كبيرة وولادة ولن تتوقف على هؤلاء وستأتى بخير منهم. بينما كانت الولايات المتحدة مغناطيسا جاذبا لجميع العلماء من حول العالم على اختلاف مشاربهم. فبينما نجد هان مكتشف انشطار اليورانيوم فى المعسكر الألماني نجد فيشر ابن أخت مايتنر وصاحب التحليل النظري لذلك الأنشطار فى المعسكر الأمريكي. اما من الناحية الصناعية فكانتا كلتا الدولتين صناعيتين كبيرتين ومن الناحية الاقتصادية كانت امريكا تتفوق فكانت هى اكبر اقتصاد فى العالم في ذلك الوقت بينما كانت المانيا منهكة من الحرب العالمية الاولي. ومع ان مقدمات السباق كانت متكافئة فنتائجه لم تكن كذلك ابدا. فكانت النتيجة هى فوز الولايات المتحدة بذلك السباق وباكتساح كبير.

واذا اردنا ان نعقد مقارنة بين قيادتي المشروعين فى البلدين. سنجد انهما كانتا فى يدي يهوديين: فى يد هايزنبرج فى المانيا وفى يد اوبنهايمر فى الولايات المتحدة الأمريكية. وللأثنين اصول المانية فهايزنبرج ألماني أصلي وكذلك ابو اوبنهايمر. والأثنان تلقيا تعليمهما في المانيا. الأول تلقى تعليمه بالكامل هناك والثاني حصل على درجة الدكتوراة من المانيا. كما أن الاثنين قد تقابلا شخصيا فى جامعة جوتنجن الالمانية. كما كانت حياة الأثنين درامية وتصلح كعمل فني مع ان احدهم قد نجح فى مهمته تمام النجاح والأخر فشل تمام الفشل.

فاما اوبنهايمر فبعد نجاح القنبلة النووية الأمريكية شعر بالذنب وأحس ان دماء مئات الألاف تلطخ يده. فاصبح من المعارضين لاستخدام السلاح النووي بدون حسيب او رقيب. وابتدأت السلطات الأمريكية تشتبه في انه اعتنق الأفكار الشيوعية وكان ذلك  بعد ان دخلت امريكا حقبة سوداء من ناحية الحريات وهي حقبة المكارثية. وتم التحقيق معه بشأن افكاره.  وكان من أوشي به مرئوسا تحت يده فى مشروع مانهاتن.  كان ادوارد تيلر اللذي ذكرناه عاليا حيث شهد ان تصرفات اوبنهايمر غريبة وانه لا يثق فيه ويعتبره خطرا على الأمن القومي الأمريكي. فكان لهذه الشهادة بالغ الاثر فتم طرد اوبنهايمر من وظيفته واضطر لمغادرة الولايات المتحدة برمتها. لكن بعد ذلك ب 9 سنوات تقريبا تم الأعتذار له فى عهد الرئيس جونسون وحصل على وسام تقديرا لاخلاصه وخدماته. أما تيلر فظل زملاؤه الفيزيائيون يلقبونه بالخائن حتى وفاته منذ سنوات قليلة.

هايزنبرج

هايزنبرج

اما داراما هايزنبرج فكانت اعمق. كانت اشبه بتراجيديا اغريقية. كعقدة اوديب اللذي قتل اباه ليتزوج امه. لم يكن احد يتصور أساسا  كيف يمكن ان يصل يهودي الى ذلك المنصب الحساس فى الحقبة النازية. ويبدو ان هتلر لم يكن متحمسا لذلك المشروع. فعلى الرغم من أن موقف المانيا فى الحرب كان بائسا جدا وكانت محاصرة من جهتين وكان امتلاك القنبلة النووية بالنسبة لها وكانه مصباح علاء الدين وخاتم سليمان معا. لكن هذه المعجزة كانت ستتحقق على يد يهودي. كان الفوهرر يستعر من مدير مشروعه! كان كشخص يتلقى قبلة الحياة من انسان ينفر منه. فهو لا يدري هل الأفضل له الموت أو الحياة.

اما من ناحية هايزنبرج فلا يستوعب المرء كيف يخدم الانسان نظاما يهين اهله وعشيرته ليلا ونهارا هكذا؟. هل هي عقدة النقص؟ ام متلازمة استكهولم؟. رأينا مقالة اليهودي الأبيض اللتى كانت تستهدف هايزنبرج  كما وصلته تهديدات عديدة اشعرته بالقلق. لكن كان لعائلة زوجته صلة قرابة بعيدة بهملر النازي الأول ومجرم الحرب رقم واحد ورئيس المليشيات النازية فسألوه ماللذي على هايزنبرج ان يفعله فطمأنهم ان يبقى فى عمله ولا يخشى شيئا. يقول هايزنبرج عن دوافعه الي عدم هجرته انه حب الوطن. فهو لا يستطيع ان يعيش فى مكان اخر بخلاف المانيا. اما المؤرخون فقد اختلفوا فى دوافع هايزنبرج البعض يقول انه كان يريد صنع القنبلة ولكنه فشل ويستدلون  على ذلك بانه عندما احتل هتلر الدنمارك ذهب هايزنبرج لزيارة استاذه وصديقه الدنماركي نيلس بور -واللذي امه من أصول يهودية- وحاول تجنيده فى مشروع القنبلة النووية الألمانية لكن بور رفض وغضب واحتد عليه بشدة كيف يطلب منه شيئا هكذا. اما القسم الثانى من المؤرخين فبقولون ان هايزنبرج كان فى المشروع ليفشله وليتعمد عدم النجاح. ويستدلون  على ذلك بشهادة الفريق البحث الألمانى المشارك فى المشروع -وكانوا فريق غريب عجيب- فكلهم يزعمون انهم كانوا يرفضون تصنيع القنبلة النووية ويدعون ان الابحاث كانت للاغراض السلمية فقط بل ويدعى اوتو هان -صاحب المعادلة الانشطارية المذكورة سابقا واللذى كان قيد الاعتقال هو كامل الفريق الألمانى لدي المخابرات الانجليزية بعد استسلام المانيا- انه اصيب بالأنهيار يوم القت الولايات المتحدة القنبلة النووية فوق هيروشيما حيث أخبره الحراس ان اكتشافه قتل اليوم  مائة الف انسان. وظل الجميع حوله يواسونه وكانوا يخشون ان يلم به مكروه من فرط حزنه. لكن خلاصة الامران حياة هايزنبرج كان بها انفصام في الشخصية فى الصباح يلبس حلة مدير المشروع الفاشل ليعود بعد الظهيرة الى منزله ليعزف على الة البيانو اللتى كان يعشقها وكأنه يغتسل من ادران النهار. ثم يتحول بعد الظهيرة مرة اخرى الى فيزيائى عبقري ألمعي.

اذن كان امام الدولتين هدفان واضحان وهما انشاء مفاعل نووي وصناعة القنبلة النووية. وهذا الهدفان متقاربان فهما مبنيان على نفس الفكرة ونفس التفاعل النووي. ويمكننا بشئ من التبسيط ان نقول ان القنبلة النووية هي مفاعل نووي سريع والمفاعل النووي هو قنبلة نوية بطيئة. والمفاعل النوي هو تفاعل نووي يمكن التحكم به بينما القنبلة النووية هى تفاعل نوي لا يمكن التحكم فيه ولذلك من المنطقى البدء بالمفاعل فكيف يبدأ الانسان بشئ لا يمكن التحكم فيه فينفجر فيه اولا قبل ان ينفجر فى خصومه.

ومن اجل تحقيق هذين الهدفين كان يجب الأجابة على هذه الأسئلة :
1. ماهو افضل وسط مساعد يمكن استخدامه
2. كيف يمكن تخصيب اليورانيوم
3. بفرض توافر المواد الخام كيف يصنع الانسان المفاعل النووي والقنبلة النووية,

اما بالنسبة للوسط المساعد فقد قرر فيرمى فى الولايات المتحدة استخدام الكربون. صحيح انه ليس أفضل عنصر من ناحية الكتلة لكنه مع ذلك يؤدي الغرض. فالنيوترون يصطدم 19 مرة فى المتوسط مع نواة قليلة الكتلة حتى يصل الي سرعة مناسبة لصنع انشطار نووي. لكنه مع الكربون يحتاج الى 120 اصطداما في المتوسط. لكن ميزة الكربون انه موجود فى الطبيعة بوفرة. صحيح ان الكربون العادي لايمكن استخدامه كما هو لانه يكون مخلوطا بكثيرمن الشوائب اللتى تمتص النيوترونات الناتجة وتسبب توقف التفاعل لذا علينا أن ننقي الكربون اولا لكي نستخدم جرافيت نقي تماما.

اما فى المانيا فكانت الموازنة بين الجرافيت النقى او عنصر اخف كالهيدروجين وتم تكليف مجموعتين لأختبار الخيارين. فكانت هناك مجموعة بحثية فى جامعة هايدلبرج تختبر صلاحية الكربون لان يكون وسطا مساعدا. لكن هذه المجموعة ارتكبت خطئا في القياسات وجدت بناء عليه ان الكربون لا يصلح لأن يكون وسطا مساعدا. وقد كان هذا خطئا قاتلا كلف المانيا السباق منذ بدايته. فالكربون متوافر فى المانيا بوفرة وكانت حرفة الألمان الأصلية وقت الحرب العالمية الثانية هى تعدين الفحم. ولم ينتبه أحد الى هذا الخطأ الا فى عام 1944 بعدما كان فات القطار. اما الهيدروجين فكانت هناك مجموعة اخرى تقوم بالبحث فى صفاته وكان يرأس هذه المجموعة هايزنبرج. والهيدروجين من حيث الكتلة هو أفضل العناصر لفرملة النيوترونات فكتلة نواة الهيدرورجين تساوي كتلة نيوترون تقريبا. لكن الهيدروجين من ناحية اخرى يمتص النيوترونات ليتحول الى الهيدروجين الثقيل او الديوتريوم. أما الديوتريوم فهو لا يمتص النيوترونات وان كانت له ضعف الكتلة. لكن عيب الديوترويوم هو ندرة وجوده فى الطبيعة وصعوبة الحصول عليه. وأفضل استخدام له ان نحصل عليه مختلطا بالاكسجين اى ان نستخدم ما يعرف بالماء الثقيل. ووجد هايزنبرج ان الماء الثقيل يصلح كوسط مساعد. والماء الطبيعى اللذي نشربه توجد به جزيئات قلية جدا من الماء الثقيل والعثور على هذه الجزيئات وعزلها كالبحث عن أبرة فى كومة قش. وكانت هذه عملية تكنولوجية صعبة جدا. ولم تكن المانيا تتقن هذه التكنولوجيا تماما. لكن كان فى النرويج مصنع متخصص فى عزل الماء الثقيل وكانت المانيا قد احتلت النرويج فقامت بتكريس انتاج المصنع بالكامل لتصنيع الماء الثقيل اللازم لصناعة القنبلة النووية. لكن الحلفاء زادوا مصاعب الألمان بالقيام بعملية خاصة بالتعاون بين المخابرات البريطانية والمقاومين النرويجيين بتفجير هذا المصنع عام 1943

اما تخصيب اليورانيوم أو أستخلاص النظير 235 من اليورانيوم الطبيعى فكانت المهمة الاكثر صعوبة. وقد وجد الامريكون 4 وسائل لتحقيق هذا الغرض. تتحد الثلاث الاولى منها في انها تقوم بتمييع احد مركبات اليورانيوم الي الصورة الغازية. والطريقة الأولى تستغل التاثير المغناطيسى على الأجسام المشحونة. فالمغناطيس يجعل جسما مشحونا ينحرف عن مساره المستقيم. لذا تم صناعة اجهزة تشبه  المعجلات لها مدخل واحد ومخرجين. وبما أن اليورانيوم 235 هو الأقل كتله فيقوم المغناطيس بحرفه بصورة اكبر. لذلك عند احد المخرجين يكون تركيز النظير 235 أعلى منه عند المخرج الأخر. ثم نقوم بتكرار العملية نفسه مرات ومرات على الناتج اللذي حصلنا عليه من المخرج ذو الأنحراف الأكبر وفى كل مرة نحصل على تركيز أعلي. والطريقة الثانية لا تعتمد غلى الخواص المغناطيسية بل الميكانيكية . وهنا نستغل ان كثافة اليورانيوم 235 اقل ونقوم بفصله عن طريق الات الطرد المركزي. فكما فى خفق العجين عندما نخفق خليط ما بمراواح قوية فان الاجسام الاخف وزنا  تتطاير الى الحواف بينما الاجسام الثقيلة تبقى عند المركز. وهكذا الحال فى اليورانيوم فان المركبات اللتى تحتوي على النظير الأخف 235 يتم طردها نحو الخارج. ومرة اخري يتم تجميع تلك النواتج وادخالها اجهزة الطرد المركزي بعد ذلك مرات ومرات. وفى كل مرة يتم تخصيب اليورانيوم بشكل أقوى.

الطريقة الثالثة تستغل خاصية اخري وهى القابلية للنفاذية وهى تشبه عملية الغربلة حيث تمر الاجسام الأصغر من المنخل ولا تستطيع الاجسام الكبيرة تخطيه. وهذه الطريقة مبنية على ان نظائر اليورانيوم 235 تستطيع تجاوز أغشية معينة بشكل أفضل من اليورانيوم العادي.

اما الطريقة الرابعة فهى اسهل هذه الطريقة وفى نفس الوقت أصعبها. ولهذه الطريقة اهميتها الراهنة فى وقتنا الحالي. وصعوبة هذه الطريقة تكمن فى انها تشترط وجود مفاعل نووي اولا. فالمفاعل النووي على خلاف القنبلة النووية يمكن استخدام اليورانيوم العادي لتشغيله. فقط نحتاج الى كميات كبيرة من الخامات لا تقدر بكيلوجرامات محدودة كما عند استخدام اليورانيوم المخصب بل بأطنان من اليورانيوم الطبيعي. فاليورانيوم الطبيعى يحتوي كما سبق وذكرنا على نسبة من النظير 235 . لكن فى هذه الطريقة يتشارك النظيران 235 و  238 دور البطولة. فهنا يحدث التفاعل اللذى اخطأءه فيرمى في المختبر فى روما ولكنه حصل عليه في المفاعل النووي فى شيكاغو. فالنظير238 يمتص النيوترونات الصادرة من انشطار النظير 235 ليتحول الى النظير 239 الغير مستقر وبعد فترة يصدر اشعة بيتا ليتحول الى العنصر نبتونيوم اللذي هو بدوره عنصر غير مستقر يصدر اشعة بيتا مرة اخرى ليتحول الى البلوتونيوم. والبلوتنيوم ينشطر كما اليورانيوم 235 تماما. اذن هذ الطريقة لاتشترط شيئا سوي ان يكون هناك مفاعل نووي نترك اليورانيوم فيه بعد الأنشطار ليتخمر ويتحول من تلقاء نفسه الى بلوتونيوم. وخطورة هذه الطريقة في سهولتها. فاي دولة فى العالم لديها مفاعل نووي اليوم تستطيع ان تحصل على البلوتونيوم الممكن استخدامه فى صناعة قنبلة نووية. ولهذا فان هيئة الطاقة النووية تشترط وضع كاميرات فى قلب كل مفاعل 24 ساعة في اليوم للتأكد من ان اليورانيوم المستخدم في المفاعل يتم استبداله بسرعة وعدم تركه يتخمر الى بلوتونيوم. والدولة اللتى تريد صنع  قنبلة نووية كل ماعليها ان ترفع هذه الكاميرات لتستطيع بعد ذلك ان تفعل كل ما يحلو لها. هكذا صنعت كوريا الشمالية والهند قنابلها النووية.

المدن السرية الأمركيية

المدن السرية الأمركيية

كان هذا نظريا اما فعليا فكان الحصول على المواد المخصبة بالقطع مكلفا. كان الأمر بالحاجة الى مصادر طاقة عالية.  ولذا لم يكن ممكنا مثلا الأعتماد على محطة طاقة نيويورك للحصول على الطاقة اللازمة. بل من اجل ذلك المشروع تم انشاء مصانع انتاج طاقة كاملة بل تم انشاء العديد من المدن السرية المخصصة لصناعة القنبلة النووية. ولم يكن العمال العاملون في هذا المشروع يعرفون ماذا هم يفعلون تماما. لقد شارك في بناء القنبلة النووية عشرات الألاف من العمال. بل وتم بناء اول حاسب الكترونى من اجل ذلك المشروع. فجهاز الكمبيوتر اللذي بين أيدينا اليوم له اكثر من أب. وأحد هؤلا الأباء هو الحاسوب اللذي تم بناءه من اجل القنبلة النووية. بل من اجل هذا المشروع تم أستخدام كل النحاس الموجود فى الولايات المتحدة الأمريكية من اجل صناعة الأسلاك والملفات الكهربائية اللازمة. وعندما نفذ النحاس تمت الاستعانة بالفضة اللتى لها نفس الخواص الكهربائية ولكنها طبعا أغلى كثيرا. ولذلك تم استعارة ما قيمته 300 مليون دولار من الفضة من الخزانة الأمريكية لبناء المفاعل على سبيل الأمانة وتم ارجاعها بعد  انتهاء المشروع. كانت تكلفة المشروع النهائية فى ذلك الوقت بمليارات الدولارات. ولذلك يقول البعض ان المانيا لم تكن تطيق أبدا هذه التكلفة وهي كانت منهكة وتخوض اكثر من حرب على أكثر من جبهة.

والأن نأتى للسؤال الثالث بشرط توافر المواد الخام كيف يمكن بناء المفاعل والقنبلة النووية؟. قبل ان نرى اجابة هذا السؤال نجد هنا مرة اخرى أن التاريخ صنع تغيرا كبيرا حيث أعتدت اليابان على الولايات المتحدة فى معركة بيرل هاربر ودخلت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب فى 7 ديسمبر عام 1941 ضد المانيا واليابان وايطاليا. وبذلك اصبح فيرمي الأيطالي عدوا لا يسمح له بالمشاركة فى مشروع حساس كبناء القنبلة النووية. لكن تم عمل استثناء خاص له لكي يواصل  العمل فى المشروع. وكما حصل فيرمي على استثناء ليهاجر الى الولايات المتحدة احتاج بعد 3 سنوات الى استثناء أكثر أهمية.

رأي فيرمى ان مختبرات الجامعة لا تصلح لبناء مفاعل نووي فتم استئجار ملعب تنس فى شيكاغو لهذا الغرض. وأصبح تحت يد فيرمى أطنان من اليورانيوم الطبيعي والجرافيت مشكلة فى صورة قوالب. وقرر فيرمى ان يكون بناء المفاعل على هيئة كرة تدعمها دعامات من الخشب. وكان العمل يتم عن طريق بناء طبقة من اليورانيوم تعلوها طبقة من الجرافيت وأستمر العمل فى دوريتين على مدار ال 24 ساعة وكان فيرمى يراقب العمل ويرصد مستوي الاشعاعات الصادرة ومعدل النيوترونات المتسربة من خارج المفاعل واللتى تدل على ان المفاعل لم يصل الى المرحلة الحرجة. لكن يوم 2 ديسمبر عام 1942 كان  يوما تاريخيا حيث نهض فيرمى فجاءة معلنا ان  المفاعل صار حرجا. وكان ارتفاع الجدار اليورانيومى فى تلك اللحظة ثلاثة أمتار فوق سطح الأرض.

هذا كان عن المفاعل لكن كيف تمت صناعة القنبلة النووية؟ ربما تكون مفاجأة ان نعلم أن القنبلة النووية لا تحتاج اية صناعة. فاذا تجمعت الكتلة الحرجة ولنقل انها 30 كجم فستنفجر القنبلة من تلقاء نفسها وبدون وجود اي عامل مساعد! لماذا؟ لاننا كما نعلم ان أحد انوية اليورانيوم 235 سوف ينشطر من تلقاء نفسه لأنه نظير مشع وغير مستقر وسينتج عن هذا الانشطار ثلاثة نيوترونات جديدة. اما معنى  الكتلة الحرجة فهو ان على الأقل احد النيوترونات المنبعثة سوف يصطدم بنواة نظير يورانيوم 235 جديدة ويسبب انشاطارها وهكذا تستمر العملية. لكن هنا يظهر السؤال. لكن كيف لا تنفجر القنبلة فى التو واللحظة وتنتظر حتى تنفجر فى المكان والزمان اللذان ينبغي ان تنفجر فيهما؟ الاجابة اننا لا نجمع الكتلة الحرجة الا فى المكان والزمان المطلوبين تماما. تحديدا يتم تشكيل كتلة اليورانيوم ال 235 النقى فى صورة نصفى كرة . والكرة الكاملة تكون فى حجم كرة اليد تقريبا.  ثم يوضع هذا النصفان فى جسم القنبلة فى مكانين منفصلين ومنعزلين عن بعضهما. ثم نحيط نصفى الكرة بمتفجرات تقليدية عادية.  الان فى المكان والزمان المناسبين يتم تفجير المتفجرات التقليدية فتدفعان نصفى الكرة باتجاه بعضهما حتى يتحدا وتبقى شدة الأنفجار هذين النصفين متحدين معا لأطول فترة زمنية ممكنة. وفى خلال هذه الفترة تحدث  الأنشاطارات النووية وتنبعث الطاقة المدمرة.

كان العمل فى بناء القنبلة النووية يجري على قدم وساق حتى عام 1945. وهو عام حاسم استسلمت فيه المانيا وتم احتجاز طاقم العلماء الألمان المشاركين فى المشروع النووي الألماني فى انجلترا.  وتم التحقيق معهم من قبل المخابرات الأنجليزية. وكان الأمريكيون مطلعين ايضا على هذه التحقيقات. لكن كما رأينا سابقا انكر هؤلاء العلماء جميعا اى مشاركة لهم فى بناء قنبلة نووية. وقالوا انهم كانوا يبحثون في التطبيقات النووية للأغراض السلمية. وتم تفتيش معاملهم ومختبراتهم وبالفعل لم يتم العثور على اية تصاميم لصناعة قنبلة نووية. ويمكنك عزيزي القارئ ان تصدق شهادة هؤلاء العلماء او تكذبهم. لكنى انا شخصيا لا أصدقهم. لكن خلاصة القول كانت المانيا بعيدة جدا عن صناعة قنبلة نووية حتى وقت انتهاء الحرب. فقط كان المفاعل النووي الألمانى على وشك ان يكون حرجا. اي يمكننا ان نقول ان عند هذه اللحظة كانت الولايات المتحدة الأمريكية متقدمة على المانيا بسنتين ونصف على الأقل.

العشر علماء المحتجزين

العشر علماء المحتجزين

وكان احتجاز العلماء الألمان خبرا سعيدا بالنسبة لزملائهم الأمريكيين. لكن هؤلاء الاخرون تم تحفيزهم والطلب منهم الا تخفت وتيرتهم في العمل فالحرب لم تنته. صحيح ان المانيا استسلمت ولكن اليابان لم تفعل. وطالبوهم بان يبذلوا اقصي جهودهم حتى ينتهوا من صناعة القنبلة فى أسرع وقت. لكن الحقيقة ان القيادة اليابانية كانت تتذلل وتكاد تقبل الأقدام من اجل استسلام مشرف والولايات المتحدة هى اللتى كانت ترفض وتصر على استسلام كامل وبلا أى شروط. اذن كما انكر العلماء الألمان معرفتهم باي قنبلة نووية انكر العلماء الأمريكيون معرفتهم بحقيقة الوضع على الجبهة اليابانية وقالوا كنا نظن ان الوضع معقدا وحرجا.

فريق مانهاتن

فريق مانهاتن

وبالفعل فى اول صيف عام 1945 تمكن الأمريكيون من صناعة القنبلة النووية. وقرروا فى 16 يوليو من عام 1945 تجربتها فى صحراء نيومكسيكو الأمريكية. وبذلك كانت اول قنبلة نووية تم تفجيرها فى العالم في الولايات المتحدة الأمريكية وليس فى اليابان كما قد يظن البعض. ولكن هذه القنبلة كانت قنبلة تجريبية. وكانت هذه القنبلة من نوع البلوتونيوم والسبب المعلن لذلك ان عنصر البلوتونيوم غيرموجود فوق الكرة الأرضية ولذلك فان خصائصه غير معروفة بشكل كافى ولذلك تم تجريب قنبلة البولوتونيوم ولم يتم تجريب قنبلة اليورانيوم. وكان اوبنهايمر يراقب التجربة من على مسافة 15 كيلومتر من خندق محصن تحت الأرض. ويقول اوبنهايمر عن هذه اللحظة كانت لحظة تاريخية كان الموجودون فى هذا المكان يعلمون انهم صنعوا التاريخ. البعض اخذ يضحك والبعض الأخر اخذ يبكي اما معظمنا ضربه الصمت.

اما الباقى فتجده موجودا فى مصادر كثيرة علي الشبكة العالمية. تعقد الموقف أكثر بعد غزو الأتحاد السوفيتى لليابان وتحديدا بعد غزو اقليم منغوليا واللذي كانت اليابان احتلته منذ زمن طويل. ثم القت الولايات المتحدة قنبلة اليورانيوم فى 6 أغسطس فوق مدينة هيروشيما وكان اسم القنبلة الحركي الولد الصغير. ثم القت قنبلة البولوتونيوم وأسمها الولد السمين فوق نجازاكي فى 9 أغسسطس. كان مشهد الموت مرعبا. كل من كان على مسافة 800 متر من موضع سقوط القنبلة مات فى التو واللحظة. ومن كان كان أسوأ حظا من كان أبعد وعاش قليلا. ترى الناس عرايا تدلت ملابسهم عليهم ولكنك عندما تقترب منهم تجد انها ليست ملابسهم اللتى تدلت بل جلودهم. خرجت مقلات العيون من جحورها. كان الضحايا يمشون وكأنهم زومبي.

يقول اوبنهايمرمتحدثا على لسان القنبلة النووية: الأن اصبحت الموت مدمر العوالم