المركز الاول: قانون اويلر

قانون اويلر

سيعلم الجمع من ضم مجلسنا
بأننى خير من تسعى به قدم
انا اللذي نظر الاعمى الى ادبي
واسمعت كلماتى من به صمم
الخيل والليل والبيداء تعرفنى
والسيف والرمح والقرطاس والقلم

على غرار هذه الابيات الرائعة للمتنبى اخال قانون اليوم يفاخر بنفسه مزهوا. فقانون اليوم هو ابيات شعر رياضية موزونة ومقفاة. ويشعر بجمال قانون اليوم كل من له نصيب في الاحساس بالجمال حتى وان كان المامه بالرياضيات يسير. فهو علاقة تجمع الثوابت الاساسية في الرياضيات في قانون واحد. ولم يكن المرء ليتخيل انه بالامكان جمع كل تلك الثوابت في علاقة واحدة بديعة كهذه. وقد كتبت كتب عديدة عن كل واحد من هذه الثوابت على حده فهي كالاحجار الكريمة و الآلئ اللتى اصطفت في تاج هو قانون اليوم الموضوع على قمة النظريات الرياضية الاكثر جمالا.

ومكتشف قانون اليوم هو السويسري اويلر Euler اللذي تعرفنا عليه في نظريتين من قبل. فقانونه اليوم هو ثالث قانون له في النظريات العشر الاكثر جمالا بل النظريات الخمس الاكثر جمالا على وجة الدقة. وفيما يلى نتعرف على الثوابت اللتى ظهرت في قانون اليوم بشئ من التفصيل:

اولا الصفر. وهو عدد ساحر وهو العدد المحايد الجمعى. فاذا جمعنا اي عدد على الصفر فتكون النتيجة هي العدد نفسه دون تغيير. والعدد صفر لا غنى عنه في الرياضيات وقد احتل مكانة بارزة لا يتزحزح عنها بعد ان كان عددا مرفوضا من قبل الفلاسفة اليونانيين لانه كان عددا عبثيا يثير الفوضي والخوف و الفزع. كما انه كان مرفوضا من قبل رجال الكنيسة الغربية في العصور الوسطى لانه كان من وجهة نظرهم هرطقة وكفر. ولكنه في النهاية تبوأ مكانته اللتى لا يضانيه فيها الا توأمه الاخر وللذي للاسف لم يظهر في علاقة اليوم: المالانهاية!

ثانيا العدد واحد. وهو المحايد الضربي بمعنى اننا اذا ضربنا اي عدد في واحد فسوف تكون النتيىجة العدد نفسه. والعدد واحد هو اول الاعداد الطبيعية كما انه العدد اللذي تقبل كل الاعداد الطبيعية الاخرى القسمة عليه بدون باق. بينما هو لايقبل القسمة سوي على نفسه فقط. وهو مع ذلك ليس عددا اوليا. و الرقمان صفر و واحد لاغنى عنهم في اي نظام رياضي بينما باقى الارقام الاخري من 2 الى 9 يمكن الاستغناء عنها. صحيح انها مفيدة ولكنها ليست ضرورية. وخير دليل على ذلك جهاز الحاسوب اللذي امامك فهو لا يعرف سوي رقمين فقط هما الصفر و الواحد وهو مع ذلك يقوم بكل العمليات الحسابية بمنتهي الدقة. وفائدة الاعداد من 2 الى 9 تأتى في انها تختصر الحيز اللازم للتعبير عن الاعداد. فمثلا العدد 9 يحتاج في النظام العشرى الى موضع واحد اما في النظام الثنائى فان العدد 9 يأخذ هذه الصورة 1001 اي انه يحتاج الى 4 مواضع ليعبر عن نفس القيمة.

ثالثا الثابت ط. وهو ثابت الدائرة ويعبر عن النسبة الثابتة بين محيط الدائرة وقطرها. وقد تعرضنا لهذا الثابت مرتين من قبل وعلمنا ان الثابت ط عدد متسامى وغير نسبي. ولن نتعرض للعدد ط مرة اخرى اليوم ونحيل من يرغب في المزيد من المعلومات عن العدد ط الى نظريتي المركزين الثامن و الخامس.

رابعا الثابت e وهو يساوي تقريبا 2.7 . وهذا العدد  هو ايضا عدد متسامى وغير نسبى كالثابت ط تماما. وبالتالى فان عدد ارقام الثابت e بعد العلامة العشرية هو مالانهاية. وقد تمكن الرياضيون حتى الان من تحديد اول تريليون رقم بعد العلامة العشرية. ومن هنا نري اهمية ان نرمز لهذا العدد بالحرف e لاننا من المستحيل ان نكتبه كاملا. ولانعرف على وجه التحديد سبب اختيار الحرف e كرمز لهذا العدد ولكن من الجائز انه يكون مأخوذ لأنه الحرف الاول في اسم Euler مكتشف هذا العدد ومكتشف قانون اليوم. وهذا العدد يعرف بانه اساس اللوغاريتمات الطبييعة ولكن تعريفه الرياضي الدقيق ينبع من قانون حساب الفائدة البنكية المركبة. فكيف ذلك؟ لو تخيلنا اننا اودعنا دولارا في بنك يعطى فائدة 50% اي 0.5 فاننا بعد عام ستصبح قيمة الدولار

1.5 = (1+0.5)*1

أي دولارا ونصف وبعد عامين اذا تركنا المبلغ برمته في البنك ولم نسحب منه شئ فسوف تصير القيمة:

2.25 = 2^(1+0.5)*1 =(1+0.5)*(1+0.5)*1

والان اذا افترضنا ان البنك يعطى فائدة 100% او 1. فاننا بعد سنة سوف نحصل على

2=(1+1)*1

واذا افترضنا الان ان البنك لا يوزع الفائدة مرة واحدة في نهاية العام 100% ولكنه يوزعها على مرتين كل مرة 50% فاننا نحصل في نهاية العام على القيمة التالية:
2.25 = 2^(1+1/2)*1

واذا افترضنا ان البنك يوزع الفائدة كل 12 شهر فان القيمة سوف تكون:

2.613 =12^(1+1/12)*1

واذا افترضنا ان البنك يوزع الفائدة يوميا فان القيمة سوف تكون:
2.715 = 365^(1+1/365)*1

وهكذا فاننا نقترب تدريجا من قيمة الثابت e واللتى سوف نصل اليها تماما عندما يوزع البنك فائدته لحظيا او ان

e=lim(1+1/n)^n
وذلك عندما تئول قيمة n الى مالانهاية.

خامسا العدد i وهو عدد تخيلي ويساوي جذر ناقص واحد بمعنى ان:

i^1= i  , i^2 = -1   , i^3=-i  , i^4=1
i^5=i    , i^6=-1   , i^7=-i  , i^8=1

وهكذا دواليك!

وقد يتسأل اللانسان عن هذه الاعداد التخيلية ومن اين اتت؟ الاجابة الاعداد التخيلية مثلها مثل باقى الاعداد تنبع من كونها  حلولا ممكنة  للمعادلات المختلفة.

فمثلا المعادلات:
x-1= 0
x+1=0
2x-1=0
x^2-2=0

حلولها هي كالتالى: حل المعادلة الاولي 1 وهو عدد طبيعى اما حل المعادلة الثانية فهو ناقص واحد وهو عدد صحيح اما حل المعادلة الثالتة فهو 1/2 وهو عدد نسبى اما حل المعادلة الرابعة فهو احد امكانيتين اما جذر 2 او سالب جذر 2 وهما عددان حقيقيان. لكن ماذا عن المعادلة التالية :

x^2 +1 = 0
?

نستطيع ان نكتب المعادلة السابقة على هذه الصورة:

x*x = -1
ومن هنا نري ان الحل لايمكن ان يكون عددا حقيقيا لان هناك 3 احتمالات لقيمة x اما قيمة موجبة او قيمة سالبة او صفر. لكن الصفر  ليس حلا لهذه المعادلة . كما ان x لايمكن ان يكون موجبا لان موجب ضرب موجب يعطي موجب. كما انه لايمكن ان يكون ايضا سالبا لان سالب ضرب سالب يعطي مرة اخرى موجب. اذن حل المعادلة المذكورة لا يمكن ان يكون عددا حقيقيا. ومن هنا جاء اختراع الاعداد التخيلية.

في البداية اعترض بعض الرياضيين و الفلاسفة على الاعداد التخيلية وقالوا انها مستحيلة او انها عبث لاطائل من ورائه. ولكن الاعداد التخيلية اثبتت لنا اليوم انها في غاية الاهمية ولايمكن الاستغناء عنها وهي تستخدم في الفيزياء بشكل اساسى خصوصا في ميادين الكهرباء و فيزياء الكم و النظرية النسبية. ولكن حتى في مجال الميكانيكا الكلاسيكية فالاعداد التخيلية موجودة بقوة فهي تظهر في قوانين الاهتزاز.

ومن هنا فكما ان مجموعة الاعداد الصحيحة تشمل مجموعة الاعداد الطبيعية وكما ان مجموعة الاعداد النسبية تشمل مجموعة الاعداد الصحيحة وكما  ان مجموعة الاعداد الحقيقية تشمل مجموعة الاعداد النسبية فاننا بامكاننا ان نقول ان هناك مجموعة اعم من مجموعة الاعداد الحقيقية وهي مجموعة الاعداد المركبة. وهي اعداد تتكون من جزأين او  عددين: عدد حقيقي و اخر تخيلي. ولكن ليست مجموعة الاعداد المركبة نهاية المطاف فهناك مجموعة  اعداد اعم وهي الكواترينيونات ولكن هذا موضوع اخر.

اما برهان هذا القانون فينبع من التعويض في القانون

e^ix = cosx + i sinx

بالقيمة PI  في x فنحصل على:

e^i*PI = -1
e^i*PI +1 = 0

ومن هنا نحصل على برهان القانون الرائع اللذي ابهر المتصوفين والفلاسفة والعلماء و الرياضيين  كل على حد سواء.