لماذا ظهرت الحاجة الى النظرية النسبية العامة؟

لم يشعر البرت اينشتاين بالراحة بعد ان وضع نظريته النسبية الخاصة. وظلت هناك ثلاث نقاط على الاقل تؤرقه وكان مازال يبحث عن حلول لها.

النقطة الاولي: هي ان النظرية النسبية الخاصة كانت تتعارض بشكل صارخ مع ميكانيكا نيوتن وخصوصا القانون الثالث وقانون الجاذبية العام. سأحاول ان اوضح ذلك بتجربة  ذهنية: لو تخيلنا ان ساحرا استطاع ان يجعل الشمس تختفي في لمح البصر. فماذا سوف يلاحظ سكان الارض؟ قوانين نيوتن الكلاسيكية تقول ان الارض ستتحرر فورا من جاذبية الشمس وستنطلق في الفضاء في خط مستقيم يماس مسار دوران الارض لحظة اختفاء الشمس. على الجانب الاخر  تقول النظرية النسبية الخاصة ان هذا غير ممكن و تتنبأ بان الارض ستظل تدور في مسارها القديم نحو ثماني دقائق قبل ان يطرأ عليها اي تغيير. و السبب في ذلك انه لا شئ ينتشر اسرع من الضوء. والارض لن تدري بأختفاء الشمس  الا بعد 8 دقائق تقريبا وهو الزمن اللذي يستغرقه شعاع ضوء من الشمس الى الارض.

حاول اينشتاين في البداية ان يفترض ان قوة الجاذبية تنتشر بسرعة الضوء ولكنها مازالت تعمل وفقا لقانون الجاذبية لنيوتن. ولكنه اكتشف ان هذا مستحيل. فالمجموعة الشمسية سينفرط عقدها فورا اذا حاولنا تطبيق هذا التصور عليها.

فكان امام اينشتاتين احد خيارين: اما ان النظرية النسبية الخاصة خطأ او ان قوانين نيوتن خطأ. وبالطبع كان هو متأكد من صحة نظريته. اذن فميكانيكا نيوتن هي الخطأ. لكنه سأل نفسه ولكن ماهو البديل اذن؟ فقوانين نيوتن وقانون الجاذبية كانت استخداماتهم هائلة في ذلك الزمان. وقد ايقن اينشتاين ان مجرد النقد الهدام ليس كافيا. بالمثل عندما اخبرك ان بيتك مبني بصورة غير سليمة وعليك الا تستخدمه و ان تنام في الشارع. فبالطبع فانك لن تفعل ذلك وستظل تستخدم بيتك حتى يتوفر لديك البديل المناسب.

كما ان قانون نيوتن الثالث واللذي منطوقه ان لكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار ومضاد له في الاتجاه وعلى خط عمل واحد يتناقض بشكل كبير مع النظرية النسبية. لماذا؟!  لان هذا القانون يتضمن من ضمن ما يتضمنه ان قوتا الفعل ورد الفعل تتساويان في نفس اللحظة وفورا . وكان هذا غير ممكن عند اينشتاين لسببين. الاول ان التزامن ليس مطلقا وأن مفهوم في نفس اللحظة لايعني نفس الشئ بالنسبىة لجسمين مختلفين يتحركان بالنسبة لبعضهما البعض. والسبب الثاني ان تساوي قوة رد الفعل مع قوة الفعل فورا يفترض ان رد الفعل يستجيب للفعل بسرعة لانهائية. وهذا يتعارض مع ان سرعة الضوء هي سقف السرعات الممكنة.

ولكن ماهي المشكلة في ان تتخطي سرعة اشارة ما او تنتشر قوة ما بسرعة اعلى من سرعة الضوء؟ او حتى تكون سرعتها لانهائية؟الاجابة هي نسبية الزمن وكما نعلم فان  الساعات المتشابهة لا تعمل بنفس الكيفية في مجموعات الاسناد المختلفة. فاذا كان من الممكن ان تنتشر اشارة او قوة ما بسرعة لانهائية كما هو الحال في قوة الجاذبية او قوة رد الفعل. لتمكنا من استغلال هذا في صنع ساعات تقوم طريقة عملها على استغلال قوة الجاذبية. وبهذه الطريقة نستطيع ان نخلق التزامن في الكون كله وان نعاير الساعات فورا في اي في مكان في الكون ولكن لن يكون الزمن هنا اذن نسبيا. كما ان كل انسان يستطيع ان يستغل هذا الفارق بين ساعة تعمل على اساس قانون الجاذبية وساعة اخري تعمل بطريقة اخرى و ان يدرك انه يتحرك في خط مستقيم بسرعة منتظمة. وهذا ينسف فكرة النسبية من اساسها.

النقطة الثانية اللتى كانت تؤرق اينشتاين هي ان فلسفة وروح النظرية النسبية تكمن في ان مجموعة اسناد تتحرك في خط مستقيم بسرعة منتظمة تستطي ان تتخيل نفسها ثابتة وتقوم برصد كافة القوانين الفيزيائية بدون اي حاجة لتعديل صورة هذه القوانين. وقد لا يدري راصد ينتمي الي مجموعة الاسناد هذه انه يتحرك اساسا. وهذه فكرة جميلة وساحرة ولكن اذا تحركت مجموعة الاسناد بسرعة غير منتظمة فهنا يدرك الراصد حركته. فمثلا عندما يكون الانسان راكبا قطارا مريحا يتحرك بسرعة منتظمة فانه لا يشعر بحركة القطار بتاتا. ولكن اذا فرمل القطار فجأة فحينها يدرك الراكب ان القطار كان يتحرك و انه قد فرمل الان. اذن فاذا كانت حالة التسارع تجعل المسافر يفطن الى حالته من الحركة فلابد و ان قوانين الفيزياء تتغير بالنسبة لمجموعة اسناد تتحرك بتسارع او مجموعة اسناد ثابتة. لكننا على الارض لا نلمس هذ الشئ. فالكرة الارضية كما نعلم لا تتحرك في خط مستقيم. بل هي تدور حول الشمس اي ان شروط النظرية النسبية الخاصة لا تنطبق عليها ولكننا مع ذلك لانحتاج الى قوانين خاصة بالارض تختلف عن القوانين السارية عند الشمس. اذن فلابد من وجود تحويلات عامة تشبه تحويلات لورنتر ولكنها تسري بالنسبة لكل مجموعات الاسناد بغض النظر عن حالتها من الحركة او كونها تتحرك بتسارع او بسرعى منتظمة. وهذه التحويلات تضمن ان صورة القوانين الفيزيائية تبقى واحدة بين مجموعات الاسناد المختلفة. اذن فاينشتاين كان بحاجة الى قانون جديد يفسر الجاذبية ويغطي حالة الحركة التسارعية.

النقطة الثالثة وهي ما اكتشفه جاليليو من ان جميع الاجسام تتساقط نحو الارض بنفس التسارع بغض النظر عن كتلتها. صحيح ان نيوتن استطاع تفسير هذه الظاهرة. لكن اينشتاين كان يعتقد ان هناك مزيد من السحر مازل يكمن خلف هذه الظاهرة وان كل الحقائق لم يتم اكتشافها بعد. فالكتلة تلعب دورا عجيبا وتقوم بدور العميل المزدوج فهي من ناحية مسئولة عن زيادة وزن الجسم وبالتالي عن زيادة قوة جذب الارض للجسم وبالتالى تسارعه نحو الارض ومن ناحية اخري فالكتلة مسئولة عن القوة القصورية اللتى تقاووم  التغيير في الحركة. وهذان العاملان الايجابى و السلبي متساويان تماما ولذلك تسقط الاجسام كلها نحو الارض بنفس التسارع. اذن هنا مرة اخري نري ان الجاذبية و التسارع يبدوان مرة اخرى متلازمين.

 

ومن هنا عرف اينشتاين ما عليه ان يفعله وما هو واجبه. فكان عليه ان يجد نظرية جديدة تحقق الاهداف التالية:

1 تفسر قوة الجاذبية

2 تغطي حالة الحركة التسارعية

3 توضح التكافؤ بين قوي القصور وقوى التثاقل.

4 ان تحتوي النظرية الجديدة نتائح النظرية النسبية الخاصة. وتكون النظرية النسبية الخاصة هي حالة خاصة من النظرية العامة عندما يكون التسارع صفر و لا يوجد مجال للجاذبية