فاراداي: أسطورة الاصرار على التعلم

يعتبر مايكل فاراداي من اعظم علماء الفيزياء التجريبية واللذي كانت لتجاربه الأثر البالغ في تطور الفيزياء. فهو اول من صنع ما يشبه الموتور الكهربائي كما أنه أول من اكتشف ظاهرة الحث الكهرومغناطيسي. وكان اينشتاين يقول ان دور فاراداي ودور ماكسويل في الكهرباء كدوري جاليليو و نيوتن في الميكانيكا. وقصة حياة فاراداي غاية في الامتاع. فهي تعطي دروسا بالغة في ارادة التعلم و الكفاح حتى الوصول الى اعلى المستويات.

ولد مايكل فاراداي في سبتمبر عام 1791 في عائلة فقيرة في احدي المدن الصغيرة القريبة من لندن. وكانت هذه الفترة هي فترة الثورة الفرنسية واللتي كان لها تأثيرا سلبيا على الوضع الاقتصادي العام  في دول اوروبا مما زاد فقر اسرة فراداي سوءا. وتحت هذا الضغط انتقلت العائلة للعيش في لندن. والتحق مايكل بالمدرسة الابتدائية ليتعلم المبادئ اللأساسية للقراءة و الكتابة و الحساب حتى بلغ عمره 12 عاما. ثم اضطر فاراداي لترك المدرسة ليتعلم حرفة ما يتكسب منها قوته. وكان فاراداي يقول عن تلك الفترة  ان امه كانت تخبز له رغيفا من الخبز كان هو غذاؤه لمدة اسبوع كامل.

ثم التحق فارادي بالعمل لدي ريباو وهو مهاجر بروتستانتي هارب من فرنسا وكان يملك مطبعة في لندن. وكان لريباو فضلا ايجابيا على  مستقبل فاراداي.  في البداية عمل فاراداي لمدة عام كامل في توزيع الصحف على زبائن ريباو وبعد عام وقع فاراداي عقدا لمدة 7 سنوات للتمرين لدي ريباو ليتعلم مهنة طباعة الكتب. وتعلم فاراداي الحرفة بسرعة واتقنها ولكن فاراداي كانت له مع هذا خصلة غريبة: فهو كان يقرأ جميع الكتب اللتي تقع تحت يديه قبل طباعتها. فهو قرأ كتب في مبادئ الكيمياء كما قرأ كتب في مبادئ الكهرباء وقرأ كتب في الفنون و الفلسفة كما انه قرأ قصة علي بابا ذات الأصول العربية. وتولد لدى فاراداي عشق للعلوم الطبيعية و كان ريباو يسمح له باجراء التجارب العلمية اللتي استهوته.

وفي اثناء تلك الفترة كان هناك صائغ للذهب يدعي تاتوم وكان يقيم  في منزله محاضرات علمية للحرفيين و للمتمرنين. وشجع ريباو  فاراداي على حضور تلك المحاضرات وقام اخو فاراداي بسداد رسوم الاشتراك لتلك المحاضرات وكانت تبلغ قيمة الاشتراك شلن انجليزي في ذلك الوقت. وشغف فاراداي بتلك المحاضرات وكان يدون تلك المحاضرات ويعمل ملخصات لها بصورة رائعة. وفي أحد الايام يقوم ريباو بعرض تلك الملخصات على احد زبائنه فيعجب بها  و يقوم هذا الزبون باصطحاب فاراداي  الى سلسلة محاضرات كان يلقيها همفري دافيز رئيس المؤسسة الملكية كان الهدف منها تبسيط الكيمياء الكهربائية لغير المتخصصين. فيحضر فاراداي تلك المحاضرات ويقوم بعمل ملخصات ورسومات لتلك المحاضرات. ثم يقوم بطباعة هذه المحاضرات وتجليدها على هيئة كتاب فاخر ويقوم بارسال هذا الكتاب الي دافيز اللذي يعجب بهذا الكتاب وخصوصا انه في تلك الفترة كان قد تعرض لاصابة شديدة في عينه اليسري اثناء اجراءه بعض التجارب الكيميائية. ويستدعي  فاراداي و يعينه كمساعد مختبر صغير في المؤسسة الملكية. وكانت وظيقة فاراداي تنحصر في مساعدة المحاضرين في اعداد محاضراتهم واجراء تجاربهم. ويحصل دافيز على ميدالية من نابليون بونابرت وتتم دعوته للحضور الي باريس وعمل رحلة علمية في اوروبا. ويقبل دافيز الدعوة ويصطحب فاراداي معه في هذه الرحلة كسكرتير ومعاون في اجراء التجارب. وفي هذه الرحلة  رأى فاراداي الكثير من المدن الاوربية ورأي كثير من التجارب و الاكتشافات العلمية. وعندما عاد فاراداي الي لندن مرة اخري كان يقوم بالتجارب العلمية وابتدأ بنشر ملخصاته في المجلات العلمية وقام باجراء تجاربه الخاصة. وكان من اهم كتشافات فاراداي في الكهرباء اكتشاف الموتور الكهربائي و اكتشاف ظاهرة الحث الكهرومغناطيسي.

وترقي فاراداي في المناصب فترقى من مجرد مساعد مختبر صغير الي رئيس المختبر ثم مدير المؤسسة الملكية كلها. واصبح فاراداي بروفيسورا في الكيمياء عام 1828 بعد حصوله على جائرة فوللر.

وكتب فاراداي العديد من الكتب و المقالات ولكن الغريب انك لن تجد في هذه  الاعمال الا القليل جدا من المعادلات الرياضية. وقد يكون هذا الامر طبيعيا لان فاراداي لم يسلك السلك الاكاديمي الطبيعي فهو لم يلتحق ابدا بالمدارس العليا او الجامعات بل كان انسان عصامي علم نفسه بنفسه. وكان يستغني عن المعادلات الرياضية بالرسومات التوضيحية. ومن ابرز الاشياء اللتي فسرها فاراداي بهذه الطريقة كان مفهوم المجال. وقام ماكسويل بعد هذا بوضع كل افكار  وتصورات فاراداي في قالب رياضي محكم. مازال قائما حتى الان.