كورت جودل Kurt Gödel

كورت جودل

كورت جودل

نصل اليوم الى محطتنا الثالثة والأخيرة فى رحلتنا مع سير الرياضيين العظماء. ومما لا شك فيه انه يوجد فى كل زمن رياضيون ممتازون لكننا هنا لا نتتبع سير الرياضيين الممتازين بل الاستثنائيين منهم فقط.

فمن الاستثائيين فيثاغورث اللذي جعل البراهين سمة الرياضيات. فالرياضيات ليست مجرد سرد نتائج مهما كانت عجيبة ومبهرة. ولذلك يمكننا ان نعتبر فيثاغورث مؤسس الرياضيات كما نعرفها اليوم. واقليدس الاغريقى الأسكندري من الاستثنائيين فقد هضم كل رياضيات زمانه وكتب اول موسوعة رياضية شملت كل نواحى الهندسة والجبر المعروفة فى وقته. وهو صاحب كتاب العناصر اكثر الكتب طباعة وتوزيعا في التاريخ بعد الكتب السماوية. وهو اللذى علمنا كيف نكتب الرياضيات وأن نؤسس لها أولا بمنظومة من المسلمات والبديهيات. وبراهماجوبتا الهندي استثنائى حرر الرياضيات من قيدها بالواقع المباشر وانتقل بها الى عالم العقل الواسع فوضع قواعد العمليات الرياضية للأعداد السالبة اللتى لا نراها مجسدة في أي شئ فى الواقع المادي مباشرة ولكنها فكرة سهلة التخيل فى العقل البشري. وهناك الخوارزمي اللذي اخذ بحل المعادلات الجبرية شوطا بعيدا وابتكر اداة جديدة للتعامل مع القضايا الرياضية وهى اداة الخوارزميات اللتى اصبحت بعد ذلك عمود الاساس لرياضيات المعلومات او الانفورماتيك. وهناك عمر الخيام اللذي حرر الرياضيات كما براهماجوبتا  ولكن ليس فقط من الواقع المادي بل وأيضا من سلطان البديهة عليها. فتعامل مع امور يصعب على المخيلة تصورها فقط الذكاء البشري قادر على التعامل معها. فكانت بدايات الهندسة الغير اقليدية. وهناك نيوتن العبقري الرهيب اللذى اكتشف حساب التفاضل والتكامل ونقل بهذا الحضارة الانسانية نقلة غير مسبوقة فتدفقت الاكتشافات العلمية فى كافة المجالات ودخلنا عصر العلم. وهناك اويلر السويسري صاحب اجمل القوانين الرياضية فهو بحق شاعر الرياضيات. وكانت له فطرة رياضية عجيبة كانت كالبوصلة هدته فى ميادين غير معروفة حتى بالنسبة له شخصيا. وكما كان يقول العرب عن شعراءهم فى الماضى ان كل شاعر عظيم هناك جن من وادي عبقر يلهمه ابداعاته فيبدو انه كان لاويلر جن رهيب مكنه من صنع انجازات هى اشبه بفنار النور فى ظلمات رياضية غير مأهولة. وهناك جاوس الألمانى اللذى كان ايضا كاويلر له انجازات وقوانين فريدة فى ميادين متعددة. لكن يبدو أن جانه كان يعمل فى منطقة عمر الخيام البعيدة عن البديهة واللتى يستطيع فقط الذكاء البشري ان يصل اليها. ولو لم يكن لجاوس اى انجاز فيكفيه فخرا انه كان أستاذ ريمان. وريمان كان ظاهرة فريدة للغاية مات شابا فى الأربعين من عمره. ولكنه فى عمره القصير أستطاع دفع الرياضيات فى جميع الاصعدة القائمة. ولو لم يكن ريمان لما ظهرت النظرية النسبية العامة وربما لو طال به الأمد لكان أهم رياضى فى التاريخ. وهناك فايرشتراس اللذي دخل بالرياضيات العصر الحديث. واكمل اللبنات الناقصة فى هيكل الرياضيات وادرك ان ما يشوب الرياضيات فى زمانه هى عدم دقة الصياغة بصورة حاسمة لا تقبل النقاش. فمسلمات اقليدس وكل من تلوه لم تكن كلها حاسمة قاطعة لا يختلف اثنان حولها. فصاغ فايرشتراس مفاهيم حساسة دقيقة كمفهوم النهاية وأزال تناقضات رياضية كانت قائمة لالاف السنين. وهناك الذكي كانتور اللذي اسس علم نظرية المجموعات الحديث. ونطح برأسه فى اصلب صخرة رياضية وهي مفهوم المالانهاية فصنع فيها ممرا نستطيع ان نتعامل من خلاله مع هذا الموضوع الصعب للغاية. وان كان ذلك على حساب صحته واعصابه حيث انتهى به الحال الى الوفاة بداخل مستشفى للأمراض العصبية.

وكورت جودل صاحب موضوع اليوم هو أعظم من كل من سبقوا جميعا. مع ذلك فأسمه ليس مشهورا بيننا. وهذا هو السبب الثانى لتسليط الضوء عليه. كما ان  سيرته الذاتية عجيبة أيضا. وهذا سبب ثالث يدعونا لتسليط الضوء عليه.

كان كورت جودل رياضى نمساوي مجرى تشيكى الماني امريكي. وهذه الجنسيات العديدة هى ايضا من النواحي الغريبة فى سيرته الذاتية. ولد كورت جودل فى 28 ابريل من عام 1906 فى مدينة برين اللتى كانت تابعة فى ذلك الوقت لمملكة النمسا – المجر وهذا يفسر الجنسية المزدوجة المجرية النمساوية له وبعد انتهاء الحرب العالمية الاولى فى عام 1919 اصبحت تابعة للتشيك وهذا يفسر الجنسية التشيكية. وسكان هذه المنطقة هم احد اسباب قيام الحرب العالمية الثانية حيث كانت غالبيتهم تنتمى للقومية الألمانية ولم يكونوا مرتاحين لضمهم لدولة تشيكوسلوفاكيا.  ولم يكونوا يتحدثوث التشيكية. وكان التشيك بالنسبة لهم أقل شأنا. وعندما صعد هتلر الى السلطة ادعى حق المانيا فى تلك المناطق وقام بضم تلك الأراضى بسكانها الى دولة المانيا الكبري. وبعد هزيمة المانيا فى الحرب تم اعادة تلك المناطق مرة اخري للتشيك وتم طرد قاطنيها من ذوي القومية للألمان فاصبحوا لاجئين أووا الى المانيا والنمسا بصفة خاصة.

وكان جودل من المواطنين ذوي الأصول الألمانية وكانت عائلته ثرية. أتم جودل دراسته الثانوية بتفوق كبير. وبالرغم من انه عاش فى فترة من أحلك الفترات فى تاريخ اووربا. فهى فترة شهدت حربين عالميتن. الا أن  يبدو ان هذه الاحداث الجسام لم تكن تعنيه نهائيا. بل أنه لم يعلق عليها وكأنه كان يعيش كل الوقت فى عالم افتراضى موازي معزول عن العالم اللذي يعيش فيه باقي البشر.

كان جودل يهوى الرياضيات جدا واختار ان يتخصص بها. وكما كانت عادة اثرياء قومه ان الدراسة الجامعية تكون فى احدي الجامعات المتحدثة بالألمانية . وكانت برلين هى اهم جامعة في العالم متخصصة فى الرياضيات فى ذلك الزمن. لكن جودل لم يشأ ان يذهب الى هناك واختار فيينا عوضا عنها. وذلك لسببين اولهما انه كان شديد الحنين الى مسقط رأسه وكانت فيينا تبعد عن مدينته 100كم فقط. اما السبب الثانى فان اخاه الأكبر كان يدرس أيضا هناك فاختار ان يكون بجانب اخيه اللذى تقاسم معه شقة فى فيينا.

واستهوت فيينا حياة الطالب جودل جدا. وكانت المدينة في ذلك الوقت مشهورة بملتقياتها الثقافية اللتى يلتقى فيها الفلاسفة والفيزيائون والرياضيون والفنانون والأقتصاديون حيث يتحدث كل صاحب تخصص فى مجاله  ويحاول ان يفيد الحاضرين من الجمهور بالمعلومات القيمة وأخر الانجازات فى هذا المجال. وكان هذا الملتقي من أهم المؤثرات فى تكوين جودل العلمى والثقافى وجعلته ينبغ فى ثلاثة ميادين هى الرياضيات والفيزياء والفلسفة.

كان جودل هادئا جدا قليل الكلام شديد الانصات والتركيز فيما يسمع. ولذلك فقد افادته حلقة فيينا كثيرا. وفى خلالها تعرف على زوجته اللتى كانت ايضا تحضر نفس الحلقات الثقافية وكانت بالمصادفة ايضا جارته فى محل سكنه. وبالفعل يبدو ان جودل كان يعيش فى عالم افتراضى منفصل عن الواقع. فقد كانت زوجته تختلف عنه فى كل شئ. كانت اكبر منه فى العمر وسبق لها الزواج. ولم يكن تعليمها عاليا وتعمل راقصة فى احد الملاهي الليلية. بينما هو كان كما سبق الكلام ذو تعليم راق جدا مثقف للغاية قليل الكلام. وكانت حياة جودل عجييبة يذهب الى الجامعة نهارا ليلتقى زملاءه الجامعيين والى الملهى الليلى مساءا حيث كانت تعمل زوجته. ورفض والدا جودل تلك الزيجة البتة. ولكن تحث اصرار الأبن لم يكن امامهم سوى قبول الأمر الواقع.

وفى تلك الاثناء تقدم جودل مرة اخري للحصول على الجنسية النمساوية وحصل عليها وأصبح مواطنا نمساويا مرة أخري.

وكانت الميادين الفلسفية المرتبطة بالرياضيات والعلم تستهوي جودل وخاصة التساؤلات حول ما معنى الحقيقة؟ ما معنى البرهان؟ وهل كل ما يمكن برهنته هو حقيقي؟ و هل كل ما هو حقيقى يمكن برهنته؟

وحصل النابغة جودل على درجة الدكتوراة فى عمر الرابعة والعشرين. وفى عمر السادسة والعشرين فجر مفاجاة كبري فقد نشر قوانين عدم الاكتمال. وفحوي هذه القوانين باختصار: انه أستطاع ان يبرهن انه لا يوجد نظام رياضى كامل. بل وحتى لا يمكن ان يوجد مستقبلا او فى أي زمن اخر. فاي نظام رياضى يتكون من مجموعة من المسلمات  نستطيع من خلالها ان نبرهن نتائج رياضية معينة. لكن تبقى خارج محيط دائرة هذه النتائج نتائج اخرى لا يمكننا ان نبرهن على صحتها او خطأها. وبامكاننا فقط ان نفترض صحتها او خطأها افتراضا دون القدرة على برهنة ذلك. لكن حتى ان فعلنا ذلك ستظهر لنا بعد ذلك قضايا اخرى لن نستطيع ان نبرهن على صحتها او بطلانها. فقط يمكننا اعتبار ذلك من المسلمات وتستمر الأمور هكذا الى مالانهاية!

وكانت هذه مفاجئة صادمة لكثير من الرياضيين العمالقة فى زمانه امثال دافيد هلبرت وراسل حيث كان حلم هؤلاء اللذي هرموا من أجله هو الوصول الى منظومة رياضية مثالية متكاملة تستطيع ان تنسج كل حقائق الرياضيات من خلالها. واذا بشاب يافع عمره اقل من نصف عمر هؤلاء الشيوخ المخضرمين ينسف حلمهم فى لحظة. ولم يكن امامهم الا التسليم بالأمر الواقع مع قسوته بالنسبة اليهم.

وابتدأ الشاب النابغة بعد اكتشافه المزلزل ينال شهرة واسعة فى ارجاء العالم الرياضى على ضفتى المحيط الأطلنطي. وتلقى دعوات عديدة لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية والعمل بها. وكان جودل مرتبطا عاطفيا ونفسيا بفيينا جدا ورغم ان دخله من الجامعة كان قليلا جدا لانه لم يكن استاذ رسمى بداخل الجامعة الا انه كان قانعا بعيشته فى النمسا وفضلها على الهجرة الى مكان اخر براتب مغري. لكنه قبل دعوة لزيارة احد الجامعات الأمريكية لمدة عام والعمل هناك.

وفى تلك المرحلة الزمنية تغير الواقع السياسى بشكل كبير. وابتدأ نجم الجماعات النازية فى الصعود فى المانيا والنمسا. ولكن كما قلنا كان جودل يبدو وانه لا يهتم بأي شئ يحصل حوله كما لو أنه كان يعيش فى عالم اخر. وفى أحد المرات اوقفته احدي الجماعات النازية فى الطريق وأوسعته ضربا وكادت ان تقتله لان كان يرتدي ملابسا سوداء وظنوا انه يهودي. ولم يكن جودل يهوديا. لكن لم تكن كل هذه الامور تعنيه كثيرا.

ثم قرر جودل العمل فى ميدان اخر وان يضرب ضربة ثانية كبيرة. قرر ان يركز اهتمامه في ابحاث كانتور فى المالانهاية وان يبحث عن حل المشكلة اللتى فقط كانتور عقله وأعصابه بسببها. كان يعلم ان التحدي هذه المرة كبير جدا. فالبحث فى المالانهاية يبدو وكأنه لعنة الفراعنة يصيب من يبحث فيه بأذي كبير. وبالفعل ابتدأ جودل بالعمل فى هذه النقطة. والغريب انه ايضا أصيب بالانهيارات العصبية بعد أن ركز كل طاقته فى هذا الميدان المعقد.

وبالفعل استطاع جودل ان يحقق انجازا عظيما. فبلمسة عبقرية استطاع ان يبرهن ان القضية اللتى كان يبحث بها كانتور اذا افترضنا صحتها فان هذا الأفتراض لن يتعارض مع المسلمات الرياضيات الحالية القائمة. وكان هذا انجازا كبيرا. وكان يمثل 50% من حل المشكلة. كان الباقى عليه الخطوة الأخيرة: ان يبرهن انه اذا افترضنا ان قضية كانتور خاطئة فان هذه الافتراض أيضا لن يتعارض أيضا مع الرياضيات القائمة. وبالنقطتين معا نستنتج ان تلل القضية اللتى كان يبحث بها كانتور ينطبق عليها قانون عدم الأكتمال . اى انها خارجة عن منظومة الرياضيات القائمة. ويمكننا فقط ان نفترض صحتها او خطأها كمسلمة دون القدرة على برهانها. وهذا يفسر مأساة كانتور حيث كان احيانا يعتقد انها استطاع ان يثبت القضية وفى أحيان اخر كان يعتقد انه توصل الى اثبات عكسها.

لكن الأمور سارت فى أتجاه اخر . فى هذه الاثناء اتحدت النمسا مع المانيا وصارت دولة واحدة. وهنا اصبح جودل مواطنا المانيا. وقامت الحرب العالمية الثانية. وتم طلب جودل للخدمة العسكرية لكى يذهب للجبهة ليقاتل كجندي ألماني.

وهنا فقط فى هذه اللحظة فتح العصفور الرومانسى الحالم عينيه واردك انه لا يستطيع ان يعيش منعزلا عن الواقع القائم. وهو كان رافضا للحزب النازي واتجاهاته الفكرية. وقرر الرحيل بسرعة عن النمسا.

كانت مع جودل دعوة لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية فقرر ان يستغلها ويحصل علي تأشيرة لهناك ويسافر. لكن الوقت كان قد تأخر فقد قامت الحرب وأغلقت السفارة الأمريكية فى فيينا ابوابها. لكن رئيس الجامعة الأمريكية اللتى كان جودل من المفروض ان يذهب اليها تدخل فى الأمر. وطالب بمعاملة خاصة لجودل لانها عالم استثنائى من طراز فريد. وبالفعل حصل جودل وزوجته على تأشيرة لكن كانت كل سبل السفر الى الولايات المتحدة قد تعطلت بسبب الحرب الدائرة فى أوروبا.

كانت رحلة جودل الى الولايات المتحدة غريبة . فقد اتجه اولا الى روسيا ومنها الى اليابان ومن هناك عبر المحيط الهادي الي الولايات المتحدة الأمريكة. وكانت رحلة عجيبة محفوفة بالمخاطر. تم ايقافه اكثر من مرة عند حواجز التفتيش وتم تهديده باعادته مرة أخري الى النمسا. لكن ذلك لم يحدث واستطاع ان يكمل سفره الى امريكا. لكن يبدو حتى ان كل ذلك لم يكن يعنيه. فعندما سألوه اول ما وصل كيف هى الحال فى فيينا الأن؟ كانت اجابته ان طعم القهوة اصبح فيها مزريا!

ووصل جودل الى الولايات المتحدة وهناك فى نفس الجامعة تعرف على صديق مهم اصبح صديق عمره وهو الفيزيائى الأشهر البرت اينشتاين. وكانتا الشخصيتان تختلفان فى كل شئ. كان اينشتاين ثرثارا وجودل لا يتحدث . كان اينشتاين مرحا واشبه بنجم سينمائي والاخر منطوي ولا يحب الظهور. وعندما سألوا جودل عن سر صداقته مع اينشتاين اجاب لاننى الوحيد اللذي أستطيع أن  اخالفه الرأي وهو يستمتع بذلك كثيرا. لكن يبدو ان السبب المهم ان اينشتاين كان يحب الحديث باللغة الألمانية ولذللك وجد فى جودل ضالته المنشودة.

وظل جودل بيحث فى قضاياه وكان يسير متأملا بجوار الشاطئ والغابة. وكان الأمريكيون يتوجسون منه خيفة وكانوا يطلقون عليه لقب  الألمانى ويقولون انه جاسوس يسير بجوار الشاطئ حتى يتحين اللحظة المناسبة لارسال اشارة الى غواصة المانية قابعة فى مكان ما غير بعيد عن الشاطئ.

وابتدأت المشاكل العصبية لجودل فى الازدياد وتدهورت حالته ودخل المصحة النفسية اكثر من مرة . وفى فترة نقاهته قرر ان يبتعد عن موضوع المالانهاية وان يسلى وقته بالبحث فى النظرية النسبية العامة! وهكذا عزيزي القارئ. فنحن نظن ان ميدان النظرية النسبية العامة ميدان رياضى معقد جدا وهو بالفعل كذلك. لكن بالنسبة لرياضى من طراز جودل كان البحث فى هذه القضية اشبه بالتسلية. وتوصل الى نتائج عجيبة جدا. فقد توصل الى ان معادلات النظرية النسبية العامة تسمح بالسفر عبر الزمن اذا افترضنا ان الكون ثابت فى الحجم ويدور. وقدم هذه النتيجة لاينشتاين كهدية عيد ميلاده. لكن اينشتاين انزعج جدا من هذه النتيجة لانه كان يرفض فكرة السفر عبر الزمن. ونعلم اليوم ان اشتراطات جودل بالنسبة للسفر عبر الزمن غير متوفرة لان الكون ليس ثابت بل يتوسع ولا يدور حول نفسه.

وقرر جودل ان يحصل على الجنسية الأمريكية. ومن أجل ذلك عليه كان ان ان يقرأ الدستور الأمريكي. لكنه قرأه من وجهة نظر انسان متخصص فى المنطق. وووجد متناقضات منطقية فى الدستور الأمريكي. وكان يصارح كل من يقابله بهذا الامر. لكن صديقه اينشتاين انزعج وطلب منه الا يذكر هذا عند اجراءات تجنيسه. وفى يوم المخصص للمقابلة الشخصية بين جودل وقاضى امريكى من اجل اختبارات التجنيس. كلف اينشتاين صديقين بالقدوم معه لالهاء جودل عن الخوض في موضوع التناقضات فى الدستور الأمريكي. لكن  كان ذلك بلا جدوي. فبمجرد ان رأي جودل القاضي الامريكي بادئه بانه اكتشف ان الدستور الأمريكيى يحتوي على تناقضات منطقية تسمح لدكتاتور ان يتولي السلطة! لكن القاضى كان صبورا وتلقى ذلك بروح مرحة. ولاشك انه كان مزهوا بان اينشتاين العالم التاريخى كان موجودا فى القاعة كشاهد فى جلسة تجنيس جودل.

وفى تلك الاثناء تدهورت الحالة الصحية لجودل جدا وكان عنده ما يشبه حالة جنون الاضطهاد. كان يشعر بان هناك من يريد ان يقتله ويضع له السم فى الطعام ويضع له الغاز السام فى أجهزة التكييف. وكان لا يأكل أى شئ الا بعد ان تتناول منه زوجته شيئا. وفى تلك الاثناء استطاع رياضى امريكى وهو باول كوهين من برهنة ان عكس افتراض مسلمة كانتور لا يتعارض مع المسلمات الرياضية القائمة . وقبل ان ينشر بحثه اتصل بجودل  وارسل له نتائجه وسأله عن رأيه. وبارك له جودل وقال له انه فعلا توصل الى البرهان الصحيح وعليه ان ينشر بحثه.

وفى 14 يناير عام 1978 توفى جودل بداخل مستشفى الأمراض العصبية بعد ان فقد وزنه وصار شبحا. وغاب عن سطح الأرض اذكي العقول اللتى عرفتها البشرية في  ميدان الرياضيات.

 

Leave a Reply