الضوء محطم النظريات العلمية

يكاد يكون الضوء هو الظاهرة الطبيعية الاكثر الفة بالنسبة لنا. فكل الناس اللذين يتمتعون بنعمة البصر يتعرفون على الضوء منذ اللحظات الاولى لميلادهم وتبقي هذه المعرفة قائمة حتى اللحظات الاخيرة لهم في الدنيا. والضوء مع هذا قد فجر ثورات علمية كبري في تاريخنا واسقط نظريات علمية عريقة من على عروشها. كما انه على بساطته الا انه غاية في التعقيد و لا يدري الانسان ما هو كنهه تماما. حتى ان وليام براج الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1915 قال ان الضوء يتصرف ايام الاثنين و الاربعاء والجمعة كانه جسيم مادي ويتصرف ايام الثلاثاء والخميس و السبت و كانه موجة. وهذه المقولة تعبر عن مدي اليأس و تخبط العلماء في معرفة ماهو كنه الضوء بالظبط. فما هي قصة الضوء في تاريخنا العلمي؟

لا يكاد يكون بمقدور الانسان ان يعطي تاريخ محدد متى كانت بداية اهتمام الانسان بالضوء. لانه ومن البديهي ان الانسان التفت الي الضوء منذ بداية ظهور الانسان على سطح الكرة الارضية. ونعلم عن اهتمام المصريين القدماء بالضوء. وكيف ان تمثال رمسيس الثاني في ابوسمبل تم بناءه بحيث تتعامد اشعة الشمس على وجه التمثال في يوم 21 فبراير و هو يوم ميلاده كما انها تتعامد على وجهه في يوم 21 اكتوبر وهو يوم جلوسه على العرش. ويكون تعامد اشعة الشمس لفترة لا تقل عن 20 دقيقة.

ونعلم ايضا ان الاغريق اهتموا بالساعات الشمسية . وهناك اسطورة بان ارشميدس أحرق السفن الرومانية المعادية في عرض البحر بتسليط اشعة الشمس عليها بفعل مرايا كرية عاكسة عملاقة مركبة عند الشاطئ.  وكانت  لارسطو مباحث كثيرة في الضوء وكان من ارائه انما النظر يكون لان اشعة الضوء تخرج من عين الناظر حتى تصل للجسم المرأي و بواسطة هذا الشعاع تتم رؤية الاشياء. وبقي هذا التصور حتي اتي ابو على الحسن  ابن الهيثم من الف عام تقريبا. وهو عالم موسوعي عارض ارسطو في ارائه وقال ان الرؤية انما تكون الا  لان الاجسام هي اللتي تعكس الضوء بداخل عيون الناظرين. والعين لا يخرج منها اي اشعاع. كما ان ابن الهيثم قام بتشريح العين للتعرف على كيفية الابصار وكانت له مباحثه في الانعكاس من الاسطح الكروية ويعد هو اول انسان صمم الكاميرا. وتأثر به جاليليو وهو في الحقيقة صاحب مقولة ان الاجسام المتحركة تبقي على حالتها من الحركة حتي تؤثر عليها قوة خارجية تغير من حالتها. وتكريما لشأن ابن الهيثم تم اطلاق اسمه على فوهة موجوده فوق سطح القمر.

وهناك قصة غريبة قد لا تكون معرفة لدي البعض. فابن الهيثم عاش معظم حياته في القاهرة وهو اول من فكر في بناء السد العالي في  اسوان لتنظيم المياه و التحكم في الفيضان. وعرض فكرته على الخليفة الفاطمي في هذا الوقت الحاكم بامر الله اللذي وافق على فكرته اعطاه جميع الصلاحيات لتنفيذ مشروعه. ولكنه ساعة التنفيذ ادرك  صعوبة التنفيذ وخاف من بطش الحاكم بأمر الله فادعى الجنون حتى مات الخليفة وأمن انتقامه.

ثم اتي نيوتن وحاول ان يفسر ماهو الضوء وحاول استغلال نجاح نظريته في الميكانيكا في الضوء وقال ان الضوء عبارة عن سيل من  الجسيمات المادية الدقيقة اللتي تنطبق عليها قوانينه. وفي نفس هذا الوقت تقريبا كان العالم الهولندي هيجنز يقول ان الضوء ليس جسيمات مادية دقيقة ولكنه كما هو الصوت عبارة عن موجات. ولكن طالما ان اسم نيوتن قد وضع في كفة قضية ما فان كفتها تكون هي الراجحة. واستمر هذا الوضع قرابة قرن من الزمان حتي اتي يونج وقال ان تصور الضوء كموجة هو الاصح وان هناك ظواهر لايمكن تفسيرها الا باعتبار الضوء موجة. وهنا تمت الاطاحة بنظرية نيوتن في الضوء و تم اعتماد النظرية الموجية لهيجنز

ثم اتي اينشتاين وقال ان الضوء يتصرف وكانه مرة اخر جسيم مادي وليس كموجة وهناك ظواهر لا يمكن تفسيرها الا بذلك. وحصل على جائزة نوبل لهذا الطرح. وكانت هذه القترة هي  فترة الاضطراب اللتي قال فيها وليام براج كلمته المذكورة في البداية. وفجر اينشتاين ثورة عظمي حين قال ان سرعة الضوء دائما ثابتة بغض النظر عن اي شئ اخر وكانت هذه لحظة ميلاد النظرية النسبية واسقط ميكانيكا نيوتن عن عرشها. ثم بسبب هذه الطبيعة المزدوجة للضوء انه يتصرف كجسيم مادي وموجة في نفس الوقت كانت بداية نظرية الكوانتم الشهيرة.

بالرغم من هذا فان الضوء يبقى مصدرا للاهتمام وربما يكون في المستقبل المنظور مرة اخرى مسئولا عن اسقاط نظرية عن عرشها وظهور نظرية جديدة عوضا عنها.

 

 

One thought on “الضوء محطم النظريات العلمية

Leave a Reply