النسبية عند نيوتن

الموضوع في هذه المرة يحتاج الى قدر اكبر من التركيز و التأمل حيث انه يتعرض لما وراء ميكانيكا نيوتن ونغوص تحت سطح الانجازات الباهرة اللتي حققتها هذه النظرية لنحاول ان نرى البنية الاساسية لهذه النظرية و ان كانت مكتملة البناء ام يعتريها بعض الخلل و النقصان. ونفعل هذا بعيون اناس اتوا بعد نيوتن بقرون عديدة.

في الحقيقة ان نيوتن كان قد فجر ثورة كبرى حين قال ان نظريته كونية بمعني انها تسري على الكون كله  بنفس الكيفية بينما كان سابقوه شديدي التواضع حينما قالوا انما قوانينهم تسري على الارض فقط اما الاجرام السماوية فلها قوانينها المختلفة. وكانوا بذلك متأثرين بالمدرسة الارسطية القديمة.

لكن نيوتن واجه مشاكل مباشرة منذ البداية. لماذا؟ اذا نظرنا مثلا لقانونه الاول واللذي ينص على انه: يبقى كل جسم على حالته من حيث السكون أو الحركة في خط مستقيم  بسرعة منتظمة مالم تؤثر عليه قوة خارجية تغير من حالته. فاذا طبقنا هذا القانون  على حالة النجوم مثلا: كان نيوتن يعلم ان النجوم معزولة ولا توجد قوى تؤثر عليها كما انها تبعد عن بعضها بمسافات شاسعة  ولذلك وطبقا لقانونه الاول كان ينبغي  ان تكون في حالة سكون او انها تتحرك في خط مستقيم بسرعة منتظمة. ولكن الراصد من الارض يرى النجوم و هي  تتصرف بشكل مختلف. فهي تدور دورة كامله في اليوم الواحد وهذا طبعا بسبب دوران الارض. هنا وضع نيوتن مبدأ النسبية بالمعني المقيد حيث قال ان قوانينه سليمة ولكن ليست كل مجموعات الاسناد تصلح لرصد قوانينه. وخصص نيوتن مجموعات الاسناد اللتي هي في حالة سكون مطلق او تلك اللتي تتحرك في خط مستقيم بسرعة منتظمة بانها هي فقط الوحيدة القابلة لملاحظة الحركة بالشكل اللذي حددته قوانينه. وهذا المبدأ اخذه اينشتاين وعممه وجعله المبدأ الاول في النظرية النسبية الخاصة. حيث قال ان كل مجموعات الاسناد اللتي تتحرك في خط مستقيم بسرعة منتظمة تسري عليها قوانين الفيزياء بنفس الكيفية. طبعا اينشتاين استبعد حالة السكون المطلق لانها غير موجودة او بمعني ادق لا يمكن اثباتها علميا . ما معني هذا؟  اذا تخيلنا انسانا واقفا في مكان ما يراقب طفل يركب دراجة تسير في خط مستقيم ويراقب في نفس الوقت طائرا في السماء يطير في خط مستقيم ليس بالضروة موازيا لمسار راكب الدراجة تكون كل هذه المجموعات الثلاثة متكافئة  من امكانية رصد قوانين الفيزياء. فبالنسبة للطائر يبدو راكب الدراجة وكأنه يتحرك في خط مستقيم بسرعة منتظمة ايضا.

لكن في الحقيقة كانت عند نيوتن مشكلة تؤرقه بهذا الطرح لمبدأ النسبية بمعناه المقيد. فنيوتن كان يعتقد ان السكون المطلق هو الحالة الاصح ورصد الحركة ينبغي ان يكون بالنسبة له. فهو اشبه بالذهب الحقيقي. بينما مجموعات الاسناد اللتي تتحرك بسرعة منتظمة في خط مستقيم اشبه بالذهب الزائف. و المشكلة انه كان لا يمكنه التمييز بين النوعين من الذهب.فالمتحرك بسرعة منتظمة في خط مستقيم يري قوانين الميكانيكا بنفس الكيفية اللتي يراها الغير متحرك. بل قد لا يدري المتحرك انه يتحرك اساسا  كما ان راكب قطار او طائرة يتحركان بسرعة منتظمة يشعر وكأنه ثابت غير متحرك. فماذا اللذي كان كان يجبر نيوتن على افتراض اهمية حالة السكون المطلق؟

اذا تاملنا منطوق قانونه الاول و اللذي يتحدث فيه عن الحركة في خط مستقيم. فاين يوجد خط مستقيم في هذا الكون؟ ان تلميذا في المدرسة يستطيع ان يرسم خطا مستقيما علي صفحة في دفتره بان يرسم نقطتين ثم يصل بينهما. ولكن في كوننا كيف يمكن عمل هذا. اذا تخيلنا مثلا ان انسانا يمسك خيطا بين اصابعه ويضع في هذا الخيط حبة  مسبحة ويدع هذه الحبة تنزلق فوق الخيط. هنا يستطيع الانسان الزعم انه طالما كان الخيط مشدودا فان حبة المسبحة تتحرك في خط مستقيم. حسنا. لكن ماذا لو ان الشخص الماسك بالخيط قام بتدويره في الهواء مع ابقاءه مشدودا؟ بالنسبة لحبة المسبحة لا تزال الحركة في خط مستقيم لان الخيط ما زال مشدودا. اما بالنسبة لمراقب اخر يشاهد هذا المشهد فان حركة حبة المسبحة تكون ابعد ما يكون عن الحركة في خط مستقيم.

وهنا تكمن المشكلة في انه لا توجد في الكون اي نقاط ثابتة يمكن الاستناد اليها. فالارض غير ثابتة فهي تدور حول محورها و حول الشمس. وكذلك الشمس غير ثابتة فهي تتحرك ايضا بفعل جذب كواكب المجموعة الشمسية لها. اذن اين توجد نقاط ثابتة في هذا الكون؟ هنا اضطر نيوتن الي ان يعتبر المكان نفسه مطلق و ثابت. فهو اشبه بالوعاء اللذي توجد فيه جميع الموجودات. وهو مع ذلك ثابت و لا يتأثر بالموجودات الواقعة فيه.

وهنا اتت انتقادات معاصريه امثال جورج باركلي و لايبنيتس اللذين رأوا ان المكان والزمان في حقيقة الامر لا معنى لهما الا بوجود الموجودات فيهما. ثم تأتي مشكلة اخري في قانون نيوتن الاول. كيف يمكن للانسان ان يحدد اذا كانت سرعة منتظمة ام لا؟ لقياس السرعة يجب  قياس المسافة وهنا نرجع مرة اخري لمشكلة المكان وعدم وجود نقاط ثابتة. وينبغي على الانسان ايضا ان يقيس الزمن. وهنا اعتبر نيوتن ان الزمان ايضا مطلق. فهو يسري  بنفس الطريقة وبنفس الهيئه هنا على الارض او في اي مكان اخر في الكون. ولكن بالطبع نيوتن لم يمكنه ان يقيم دليلا على هذا الزعم. ولكن نجاحات قوانين نيوتن الباهرة كما ان افتراضاته بان المكان والزمان مطلقان كانت تبدو بديهية واقرب للفطرة فكانت الناس تتغاضي عن هذه الاعتراضات حول نظرية نيوتن.

وفي القرن التاسع عشر كان الفيلسوف والفيزيائي النمساوي ماخ يقول ان قوانين نيوتن تتعارض مع نفسها. فالقانون الثالث يقول ان لكل فعل رد فعل. والقانون الاول والثاني يشيران الي قوة القصور الذاتي. تلك القوة اللتي تجعل الاجسام تقاوم التغيير و تحاول الاحتفاظ بوضعها. وكان نيوتن يقول ان مصدر هذه القوة هو الحركة بالنسبة للمكان المطلق. وكان ماخ يقول فاين قوة رد الفعل اذن؟ فينبغي على الاجسام ان تؤثر على المكان المطلق بقوة رد الفعل المكافئة لقوة القصور الذاتي. اذن فالمكان المطلق هو ايضا معرض لتأثير قوى عليه وهو معرض للتغيير. وكان رأي ماخ ان قوة القصور الذاتي تاتي من ممانعة الاجسام المادية في الكون كله لحركة جسم ما فيه. وكان ماخ يؤمن بوحدة الكون وكانت افكار ماخ شديدة التأثير على البرت اينشتاين

كما ان القانون الثالث يحتوي ايضا على مشكلة. وهي مشكلة الانية. فقوة الفعل تساوي قوة رد الفعل في نفس اللحظة. وهنا تكمن المشكلة. نعلم ان الارض تدور حول الشمس بفعل جاذبية الشمس. فالارض والشمس يجذبان بعضهما البعض بنفس القوة في نفس اللحظة. فاذا اجرينا الان تجربة ذهنية و تخيلنا ان ساحرا استطاع ان يجعل الشمس تختفي فجأة من الوجود واصبحت قوة الجاذبية غير موجودة. فان الارض لايمكنها ان تشعر بذلك الا بعد مرور 8 دقائق لان لا شئ يسري اسرع من الضؤ والشمس تبعد عنا بمسافة 8 ذقائق ضوئية. فاذا اختفت الشمس فجأة وجب على الارض ان تدور 8 دقائق كاملة وكان شيئا لم يحدث. وهذا يتناقض مع القانون الثالث بان لكل فعل رد فعل في نفس اللحظة.

كانت النسبية قائمة عند نيوتن على اساس ان المكان الزمان مطلقان. وبقى هذا التصور قائما حتى اتي اينشتاين اللذي قال حيث انه لايمكننا التمييز بين الذهب الحقيقي والذهب الزائف من وجهة نظر نيوتن فلا توجد قيمة لافتراض وجود مثل هذا الذهب الحقيقي ولاداعي لافتراض حالات لا يمكن اثباتها. وبهذا يمكننا الاستغناء عن حالة السكون المطلق و بالتالي المكان المطلق. والمثل بالنسبة للزمان. فالمكان والزمان نسبيان.

 

 

One thought on “النسبية عند نيوتن

Leave a Reply