نسبية الحركات المعقدة

تقوم فلسفة وفكرة النظرية النسبية بشقيها الخاص و العام على تصور ان الحركة امر نسبي وان انسان يتحرك بسرعة ما قد لا يدري بالضرورة انه يتحرك وقد يعتقد في قرارة نفسه صارما جازما بانه ثابت في مكانه. ولا يمكن لاحد ان يثبت عكس هذا فيزيائيا مهما حاول ومهما استخدم من اجهزة وعمل من قياسات. ولكن الانسان يتصور حركته بحكم العقل و المنطق وليس بالضرورة ان يدعم هذا الحكم الشعور والاحساس. فالكرة الارضية تدور حول الشمس ونحن معها ولكننا لانشعر بهذه الحركة. ومعرفتنا بامر هذه الحركة كان استنتاجا عقليا وليس شعورا محسوسا.و عندما يبدأ قطار نستقله في الحركة من محطة القطار فاننا لا ندري انحن المتحركون ام هو القطار على الرصيف المقابل. ولابد لكي ندرك حالتنا من الحركة ان ننظر الى شئ نعتقد انه ثابت ونقارن انفسنا بالنسبة اليه كعمود انارة او شجرة او شئ مشابه. وهكذا فاننا نري اننا لا نشعر بالحركة ولكننانسقط هذا الحكم بعقلنا.

وهذه كانت فكرة اينشتاين الاساسية. فكل الاجسام تعتقد في نفسها الثبات ولها كل الحق في ذلك. لان هناك ما يثبت هذا الاحساس ويدعمه وهو ان صيغة وصورة جميع القوانين الفيزيائية بالنسبة لجميع الاطر و محاور الاسناد المتحركة هي ثابتة او ينبغي ان تكون كذلك.

وكانت هذه فكرة ثورية. فهي تسقط ما قاله نيوتن اللذي كانت تحويلاته تجعل صور القوانين الفيزيائية ماعدا قوانين الحركة تختلف طبقا للاطار اللذي يتم فيه رصد هذه القوانين. كما انها تتخطى تحويلات لورنتر اللتى كانت قاصرة على ميادين الديناميكا الكهربائية وتختص بحالة واحدة من الحركة وهي الحركة بسرعة منتظمة في خط مستقيم.

ونسبية الحركة بسرعة منتظمة في خط مستقيم هو امر بين ندركه جميعا. وشعورنا بالثبات عند حركتنا ضمن هذه الاطر هو امر من السهل افتراضه وقد بينا ذلك انفا. ولكن اثبات نسبية الحركة بعجلة منتظمة لم يكن هينا كأمر السرعة المنتظمة. لكن اينشتاين استطاع عن طريق تجربة ذهنية ان يوضح ان الحركة بتسارع منتظم لايمكن تفريقها عن الوجود في مجال جاذبي منتظم. وقد استطاع اينشتاين توضيح ذلك عن طريق افتراض مختبر فضائي يتم تعجيله الى اعلى بتسارع 10 متر في الثانية المربعة و مختبر اخر مستقر فوق سطح الارض.وبداخل كل مختبر يوجد راصد. واوضح انه لا سبيل لاي من الراصدين لادراك لاي مختبر ينتميان مهما عملا من محاولات.

ولكننا الان لاستكمال الصورة نحتاج الى عمل تعديل على هذه التجربة الذهنية.فالمختبران ينبغى ان يكونا صغيرين. لانه لو كان المختبران كبيرين لفطن الراصدان لاي مختبر ينتميان. لماذا؟ لان في حالة المختبر الفضائي يتم التعجيل دائما رأسيا الى اعلى بغض النظر عن مكان وجود الراصد بداخل المختبر. اما اذا كان المختبر على الارض وافترضنا ان طول المختبر 5000 كيلومتر مثلا فان اتجاه قوة الجاذبية لايكون ثابتا. فأننا اذا راعينا كروية الارض فسنجد ان قوة الجاذبية تشير دائما باتجاه نصف القطر نحو مركز الارض.اى ان اتجاه القوة ليس ثابتا. ولكن في حالة المختبر الصغير فهذا الاعتراض غير موجود ولا يمكن لراصد ان يفطن لحالته بصورة قطعية.

لكن ماذا عن باقى الحركات الاكثر تعقيدا من الحركة بسرعة منتظمة او الحركة بعجلة منتظمة؟هل هي نسبيية ايضا؟ هل طائرة تطير في الجو وتتعرض لمطبات هوائية يمكن ان تتصور انها ثابتة وان حركتها نسبية؟ وان شعور ركاب الطائرة يمكن تفسيره على نحو اخر؟ الاجابة هي نعم. فالنسبية تقول اننا يمكن ان نفسر لراكب طائرة يتعرض لمطبات هوائية انه الان يقع تحت رحمة مجال جاذبية متغير القيمة ولكنه ثابت الاتجاه وفي اتجاه رأسي. ولكن هل يمكن في الطبيعة خلق او ايجاد مجال جاذبية متغير كهذا المجال اللذي نحاول ان نقدمه؟ نظريا نعم. ولكن عمليا فان علينا ان نحرك الكرة الارضية او كواكب اخري بحركة تسارعية حتى نخلق هذا المجال. اذن فوجود مجال جاذبية مثل هذا ممكن على الاقل من الناحية النظرية.

كانت هذه خطوة هامة. فالحركات المعقدة يمكن تفسيرها الآن على انها الوقوع تحت تأثير مجال جاذبية متغير. ولكن في المثال السابق كان اتجاه التسارع ثابتا والقيمة كانت هي المتغيرة. لكن ماذا الان لو تغيرت قيمة التسارع و اتجاهه في نفس الوقت؟ اي ان الحركة اصبحت في قمة التعقيد فهل مازال من الممكن تفسير هذه الحركة على انها تأثير مجال جاذبية متغير ايضا؟ وهل يمكننا صنع او ايجاد مجال جاذبية مشابه في كوننا؟

ان تغيير اتجاه التسارع يشبه الحركة الدورانية. فقرص يدور حول مركز ما يشعر انسان موجود فوقه بقوة الطرد المركزية اللتى تدفعه دائما بعيدا عن هذا المركز. وهي قوة متغيرة الاتجاه و القيمة. فهذه القوة تكون صفرا عند محور الدوران وتزداد قيمتها كلما ابتعد الانسان عن المركز باتجاه الحواف. كما ان اتجاه هذه القوة متغير ايضا وهي يشير دائما الى عكس مركز الدوران في اتجاه نصف قطري يعتمد على مكان وجود الانسان فوق القرص.

ولكن هل يمكن تفسير القوة الطاردة المركزية على انها تأثير مجال جاذبية متغير الاتجاه و المقدار؟ واين يمكن ان يوجد مثل هذا المجال في الكون؟ قوانين نيوتن تقول ان مجال جاذبية كهذا مستحيل ومهما اتينا باجسام وكتل وحركناها او سارعناها فاننا لن نستطيع ان نخلق مجالا كهذا.اما نظرية اينشتاين للجاذبية فتقول صحيح ان مثل هكذا مجال غير موجود في الطبيعة ولكنه ليس مستحيلا نظريا.

اذن فقد اطمأن اينشتاين الى سلامة فكرته الاساسية و هي ان اي حركة نسبية بغض النظر عن نوع هذه الحركة. ولكن بقى عليه الان ان يجد القالب الرياضى اللذي يصوغ فيه هذه الفكرة. فكان عليه ان يجد تحويلات تشبه تحويلات لورنتر او قوانين مينكوفسكي. ولكن عند اجراء التحويلات الفيزيائية بدلالة هذه المعادلات الرياضية فينبغى ان تبقى صورة القوانين الفيزيائية في الاطر المختلفة كما هي كما هي بدون اي تغيير.

One thought on “نسبية الحركات المعقدة

Leave a Reply