لربما رفع طفل صغير أربعة او خمسة أصابع بكل زهو فى وجهك قائلا: انا عمري هكذا! وتكمن خلف هذا التصرف البسيط دلالة عميقة جدا. فالطفل الصغير استطاع ان يربط بين شيئين مختلفين تماما: وهما اصابعه و الزمن. ووجد قاسما مشتركا بينهما وهي الفكرة المجردة للعدد أربعة أو خمسة. كما أن هذا الموقف يعكس علاقة الرياضيين بالأعداد!
يمكننا ان نقسم علاقة الرياضيين بالأعداد الي ثلاثة مراحل مختلفة. المرحلة الأولى كانت الأعداد تخدم فيها الواقع.
فقد كان الرياضى الأول هو أنسان العصر الحجري اللذي عرف الأعداد وذلك ثابت تاريخيا. فقد كتب الأنسان الاعداد قبل ان يكتب بعدها بعشرات الوف السنوات اللغات المتطورة. فلعله أحتاج أن يحصى ممتلكاته من الشياة والدجاج. فليس سيان ان كان هناك بالصباح 10 دجاجات ثم أمست 9 فقط. فلابد ان يعلم اين ذهبت الدجاجة المفقودة. هل هناك لص؟ اما ان هناك حيوان مفترس؟ فالتعامل مع الأعداد كان امرا اساسيا بالنسبة للأنسان والحفاظ على نوعه.
وتمر السنون وتظهر الحضارات المتطورة. ولا ريب ان المصريين القدماء اسسوا حضارة عظيمة. ووضعوا اساسات متينة للتعامل مع العمليات الحسابية الأساسية كالجمع والضرب. كما انهم اجادوا التعامل مع الكسور. ولم يكن ذلك لاحصاء ممتلكاتهم من الشياة والدجاج فقط. بل لانهم احتاجوا ذلك في تشييد أبنيتهم الخالدة من اهرامات ومعابد ومسلات. كما احتاجوها فى القياسات المساحية وتخطيط الأراضى الزراعية. كما انهم احتاجوها بعد ذلك فى أعادة ترسيم الأراضى الزراعية بعد فيضان النيل كل عام.
كما اجاد البابليون التعامل مع الأعداد بالرغم من أن نظامهم العددي كان غريبا. فقد كان نظاما ستينىا يحتوى على 60 عددا اساسيا بخلاف نظام اعدادنا العشرى اليوم. واكتشف البابليون عددا غريبا هو شبيه صفر اليوم. وقد سهل هذا العدد الحساب بشكل كبير. وكان البابليون يحتاجون للحسابات المفصلة فى الفلك والتنجيم.
ثم نصل الى أمة خدمت الرياضيات بشكل غير مسبوق وهم الأغريق. ونقصد منهم جماعة معينة وهى جماعة الفيثاغورثيين نسبة الى معلمهم العظيم فيثاغورث. ولهذه الجماعة ايادي بيضاء على الرياضيات في أكثر من زاوية.
كان الفيثاغورثيون هم أول جماعة اهتمت بالبراهين الرياضية. ربما لم يكن الفيثاغورثيون هم من اخترعوا البرهان الرياضي وربما يكون تالس المالطى قد سبقهم في ذلك. لكن مع ذلك يبقون هم الجماعة اللتى حرصت على برهنة كل نتائجها. ذلك بخلاف المصريين والبابليين اللذين قدموا النتائج واكتفوا بموافقتها للواقع دون ان يشعروا بضرورة برهنتها. ولذلك فشكل الرياضيات كما نعرفها اليوم يعود الى الفيثاغورثيين.
كما ان الفيثاغورثيين نظروا الى الأعداد نظرة مدققة متفلسفة تتعدي النظرة السطحية الهادفة لاستغلال الاعداد حسابيا فقط. فالمصريون القدماء عرفوا الكسور وبرعوا فى التعامل معها. اى انهم تعاملوا مع الاعداد النسبية. لكن الاغريق ادركوا ان كل شئ فى الحياة عبارة عن نسبة. فما معنى ان حائط ارتفاعه 3 أمتار؟ معنى ذلك ان هناك مقياس طوله 1 متر وارتفاع الحائط بالنسة لذلك الطول يبلغ النسبة ثلاثة الى واحد. وبالتالى فان جميع القياسات الطولية فى حياتنا عبارة عن نسبة! وبالمثل اذا تحدثا عن ثلاث تفاحات. ما معنى ذلك؟ اننا ننسب هذه القيمة الى تفاحة واحدة فتكون نسبة التفاحات الى التفاحة مرة اخرى ثلاثة الى واحد! لكن ماذا اذا كان لدينا ثلاث تفاحات وموزتان. فماذا يكون لدينا؟ لانستطيع ان نقول ان لدينا 5 تفاحات طبعا. لكننا نستطيع ان نقول ان لدينا خمس فواكه او خمسة أشياء. المغزى: اننا نبحث عن قاسم مشترك فى الاشياء الموجودة امامنا ثم نحدد نسبة تكرار هذا القاسم الى الوحدة منه حتى نستطيع ان نعبر عن الكميات لغويا. وظهرت النسبة بقوة فى ميادين الفيثاغورثيين الأساسية: الهندسة والموسيقىى والفلك.
كانت شهرة فيثاغورث فى زمانه طاغية. ولم يكن سبب شهرته الاول الرياضيات ولكن لانه اكتشف السلم الموسيقى. فقد وجد الفيثاغورثيون ان النغمات الموسيقية عبارة عن نسب بالنسبة الى بعضها. وهى نسب من أوتار مهتزة. وبعض النسب ينتج نغما عذبا وصوتا متناسقا جميلا. والبعض ينتج اصواتا كريهة منفرة. اذن النسبة لاتصف المظاهر الحياتية فقط ولكنها تتحكم فيها ايضا. وحمل الفيثاغورثيون النسب غايات غير رياضية. فهناك نسب للجمال وأخرى للقبح. الى غير ذلك.
كما ان هناك نسب رياضية ثابتة تسود بين الاجرام السماوية. وتتحرك فى افلاكها في نسب ثابتة. فالقمر يصنع دورة حول الأرض كل ثلاثين يوما. ولم تكن الاجرام السماوية بالنسبة للاغريق اجراما فقط. بل هى كانت عالم الألهة. ومن هنا رأى الاغريق ان النسب العددية لاتتحكم فى عالم البشر فقط بل فى عالم الالهة ايضا. ورأى الفيثاغورثيون فى الاعداد شيئا الهيا. فتعامل الفيثاغورثيين مع الاعداد لم يكن رياضيا فقط. بل فلسفيا صوفيا روحانيا دينيا!
اذن رأى الفيثاغورثيون فى الاعداد شيئا اكبر من الواقع القائم. لكنهم مع ذلك هزموا انفسهم بسلاحهم هم. فقد كان الفيثاغورثيون كمن يعظ الناس ولكنه لا يتبع وعظه. فقد وجد الفيثاغورثيون ان مربع طول ضلعه 1 متر يكون طول قطره هو العدد جذر 2 وهو عدد لايمكن ان تعبر عنه أى نسبة. ووجدوا البرهان على ذلك بشكل لا يقبل الشك فهم كانوا اهل البراهين. لكن أصطدمت هذه النتيجة مع ايديلوجيتهم اللتى تقول ان كل شئ فى الحياة تعبر عنه نسبة. وفجاءة عجزت النسبة عن وصف شكل هندسى بسيط كما سبق. واحس الفيثاغورثيون بوطء المصيبة وحاولوا تكتم الخبر حتى يجدوا مخرجا من هذه الورطة. لكن احد اخوانهم لم يستطع الصبر وأباح السر. فتم ايقاع العقوبة به واعدامه. لكن كان ذلك بعد أن ظهرت الاعداد الغير النسبية اللتي كانت ضرورية لوصف الاطوال الهندسية وقد ذكر اقليدس فى كتابه العناصر البرهان الرياضى لماذا ان العدد جذر 2 هو عدد غير نسبى.
ثم نصل الان الى المرحلة الثانية وهى مرحلة الاعداد في خدمة الرياضيات
ما يميز هذه المرحلة هو ان ثقة الرياضيين فى الرياضيات بلغت شأوا عظيما وادركوا ان الرياضيات اكبر من مجرد أن تكون وسيلة مساعدة لخدمة الواقع. بل هى حقيقة سحرية قائمة فى حد ذاتها. فالرياضيات لاتحتاج الى العالم لكن العالم هو من يحتاج للرياضيات.هذه هي الحقيقة شاء من شاء وأبى من ابي.
ويمكننا ان نعتبر ان هذه المرحلة بدأت منذ حملة الاسكندر الاكبر على الهند حيث اخذ معه بذورالرياضيات الاغريقية والبابلية و المصرية. صحيح ان هذه الحملة فشلت فى النهاية لكن البذور بقت وانتجت حدائق مبهجة. حيث اعجب الهنود بالبضاعة الرياضية اللتى وصلت اليهم واجادوا فيها. لكنهم لم يستسيغوا ربط الاغريق الاعداد مع الهندسة كما انهم لم يحملوا عقد الاغريق باتجاه العدم والعدد صفر. فعقيدة الهنود الدينية تقبل العدم. فلديهم الاله شيفا هو اله العدم و الدمار. وفي حين ان الاغريق وجدوا فى عملية طرح 2 من 2 عملية سخيفة لا معنى لها. فأن الهنود لم يشعروا ذلك وقالوا ان طرح 2 من 2 يعطى العدد صفر واللذي طلت بشائره لدي البابليين من قبل. بل اكثر من ذلك وجدوا ان طرح 3 من 2 عملية عادية جدا تنتج العدد سالب واحد. ولم يعتنوا بالبحث وراء التفسير الهندسي لهذا او تأويله ومعناه في الواقع. فهي اولا وأخيرا اعداد تنتج أعداد.
وباكتشاف الهنود للصفر والاعداد السالبة يكونون بذلك اكتشفوا الأعداد الصحيحة ووسعوا فى نفس الوقت الاعداد النسبية والحقيقية لانها كانت قبلهم قاصرة على القيم الموجبة فقط. وكان للرياضى الهندي العظيم براهماجوبتا فضل كبير فى هذه الأكتشافات.
ثم كانت لأعمال الخوارزمى فى بغداد ولكتابات الرياضى الايطالي فيبوناتشي المقيم فى الجزائر وللحروب الصليبية وللخلافة الأموية فى الاندلس دور كبير فى نقل الاعداد الهندية العربية الى اوروبا . وكانت اكثر البلاد تأثرا بذلك ايطاليا اللتى كانت تربطها مع الدول الاسلامية علاقات اقتصادية وتجارية هامة.
ثم نصل الى موقف مشابه عندما طلبنا حلا للمعادلة X^2=2 حيث قال الفيثاغورثيون أولا لا يوجد حل لهذه المعادلة. ثم عادوا وقالوا يوجد حل بشرط اختراع نوع جديد من الأعداد هي الأعداد الغير نسبية. حيث ظهر السؤال ماهو حل المعادلة x^2=-1 ولا يوجد حل لهذه المعادلة الا بعد اعتماد نوع جديد من الأعداد هى الأعداد التخيلية.
كان الرياضى الأيطالي كاردانو فى القرن السادس عشر يبحث عن حل عام لمعادلات الدرجة الثالثة عندما وجد شيئا عجيبا جدا: احيانا كان بامكانه ان يجد ثلاث حلول حقيقية سليمة لمعادلة الدرجة الثالثة امامه. بشرط ان يفعل شئ غريب وهو ان يفترض تلك الاعداد المركبة اللتى تلاشي بعضها بطريقة سحرية بحيث تبقي فى البداية والنهاية الاعداد الحقيقية فقط! لكن الثمن هو ان يقبل بالأعداد التخيلية فى وسط الحل.
لكن الأمر بقي باهتا وسيئ السمعة الى حد كبير. فقد كان حتى الرياضيين المرموقين على غرار جاوس يخشون من الجهر بابحاثهم في ميدان الاعداد التخيلية وخافوا من ان يطعنوا بانهم يمتهنون ذلك الفن الهابط اللذي لا طائل من وراءه. لكن بمرور الوقت تبين ان الاعداد التخيلية والمركبة ليست فنا هابطا فهى متسقة مع نفسها بل ومع باقى الرياضيات. ثم حدثت المفاجأة عندما تتطورت الفيزياء وظهرت ميادين الكهرباء والأجسام الدقيقة واحتاجت الفيزياء الى نماذج رياضية تعبر عنها فلم تجد سوي الاعداد المركبة اللتى تستطيع عمل ذلك.
ومن هنا ظهرت ضرورة تطليق الرياضيات عن الطبيعة طلاقا بائنا وذلك فى صالح الطرفين. فالرياضيات تكتسب حريتها فى الانطلاق. في نفس الوقت ليس على العلوم الطبيعية اجبار ان تجد تطبيقا لكل ما تقوله الرياضيات. لكنها فى وقت الحاجة قد تجد طلبها عند الرياضيات الحرة جاهزا.
ونصل الى المرحلة الثالثة واللتى أسميها: الأعداد فى الرياضيات الفصحى. وما يميز هذه المرحلة هى الثقة الرهيية للرياضيين ليس فقط فى الرياضيات بل فى انفسهم وأيضا فهم أرادوا بناء صرحا رياضيا غير مسبوق. وكما ان بناء مبنى مكون من 10 طوابق هو عمل هندسى فى منتهى الدقة وغاية الصعوبة. لكن بناء ناطحة سحاب يربو ارتفاعها علي الكيلومتر هو عمل هندسى من طراز مختلف يفوق تعقيده بمراحل بناء 10 طوابق. واتباع نفس دقة الحالة الاولى في البناء الثانى خطيئة لا تغتفر.!
ولا شك ان الرياضيين ادركوا الروائع والانجازات الرياضية اللتى تم تحقيقها حتى الان وازداد تأكدهم من ضرورة فصل الرياضيات عن الواقع الحسى القائم. فكان مازال يؤرقهم ان لغتهم الرياضية عامية ممجوجة. فبالرغم من الروائع اللتى تحققت الا ان المبادئ الاساسية للرياضيات مازلت مرتبطة بالواقع الحسي وفكرتها ليست مجردة خالصة. وأعتمد الرياضيون ان هذه المفاهيم موجودة عند الجميع بالفطرة وبالضرورة. وفى قلب هذه المفاهيم الاساسية الاولية تأتى الاعداد. فماذا يعنى العدد واحد؟ قد تكون الاجابة ان ذلك يماثل تفاحة واحدة او موزة واحدة. لكننا كما نرى ان هذه مقاربة حسية مادية. ماذا لو لم يكن على الكرة الارضية تفاح او موز فهل مازال بامكاننا ان نعبر عن العدد واحد؟ بل ماذا لو لم تكن الكرة الارضية نفسها بل ولا نحن ولا اى ذرة واحدة ولا أي شئ مادي موجود! فقط يبقى عالم الافكار كما عند افلاطون او كانت فهل يمكننا ان نعبر عن العدد واحد؟
قام الرياضي المجري فون ناويمان بهذه المحاولة وقام بانشاء الاعداد الطبيعية عن طريق نظرية المجموعات. فى البداية يحب ان نشير ان الاعداد الطبيعية هى الاعداد الصحيحة الموجبة ك 1 و 2 و3 الى اخره. وهناك خلاف حول العدد صفر هل هو طبيعى اما لا ويرى معظم الرياضيين المعاصرين انه عدد طبيعى وهذا موقفنا علينا اليوم.
لكن ماذا عن نظرية المجموعات؟ ماذا يمكننا ان نفهم تحت مصطلح مجموعة؟ يمكننا ان نقول انها عبارة عن اظهار تحيز او انحياز او اختيار لعناصر ما على انها تنتمى لمجموعة واحدة. لكن اي عناصر بامكاننا ان نختار اذا لم يكن هناك اى شئ حسي موجود طبقا لشرطنا السابق؟!
تقول احدى مسلمات نظرية المجموعات. ان هناك مجموعة خاصة جدا اسمها المجموعة الخالية وهى مجموعة لاتحتوى على أى عنصر على الأطلاق. مع ذلك فهى مجموعة شرعية سليمة. هذه بداية انطلاقتنا. حيث قال فون نويمان ان المجموعة الخالية تعبر عن العدد الطبيعى صفر!
ربما قد لا يكون فى ذلك مفاجأة حتى الان. فحتى لغويا الصفر والخلاء يعتبرا قريبين. لكن كيف يمكننا ان ننشئ العدد واحد؟ يقول فون نويمان ان العدد واحد عبارة عن المجموعة اللتى تحتوى على المجموعة الخالية!
لكن مهلا . الم تقل ان المجموعة الخالية لاتحتوى على اي شئ. اذا فان مجموعة تحتوى على المجموعة الخالية لاتحتوي هى ايضا على اي شئ! اليس كذلك؟ كلا ليس الامر كذلك! وهذا الامر يرجع الى دقة صياغة الرياضيات. ان استنتاج انه اذا كانت هناك مجموعة خالية تحتويها مجموعة ثانية فان المجموعة الثانية هى ايضا خالية هو استنتاج لا دليل عليه. فهذا هو توقعك وفطنتك فقط. بمعنى انه لا توجد صياغة لقانون رياضى يؤدي لهذه النتيجة. ان جميع القوانين الرياضية بلا استثناء هى عبارة عن مسلمات قليلة تم فرضها فرضا ونظريات تمت برهنتها من هذه المسلمات الاساسية الاولية.
دعونا نرى ماذا تقول مسلمات نظرية المجموعات عن تساوى مجموعتين. تقول ان مجموعتين تتكافئان عندما تحتويان على نفس العناصر تماما بدون زيادة او نقصان. وكما نعلم فان المجموعة الخالية لاتحتوي على اى عنصر. بينما ان مجموعة تحتوى على المجموعة الخالية هى مجموعة تحتوي على عنصر واحد. لان هناك مسلمة تقول ان المجموعة الخالية هى مجموعة رياضية قانونية. اذن المجموعة الخالية ومجموعة تحتوي على المجموعة الخالية لا تشتركان فى كل العناصر اذن فهما شيئان مختلفان!
وماذا عن العدد 2؟ انه المجموعة اللتى تحتوي على المجموعة الخالية بالاضافة الى المجموعة اللتى تحتوي على المجموعة الخالية! اذن فهى تحتوى على عنصرين مختلفين كما رأينا توا. وبما ان المجموعة اللتى تعبر عن العدد2 تحتوى على عنصرين بينما المجموعة اللتى تعبر عن العدد واحد تحتوى على عنصر واحد والمجموعة الخالية اللتى تعبر عن العدد صفر لا تحتوى على اي عنصر اذن فنحن امام ثلاث مجموعات مختلفة وباالتالى فنحن امام ثلاثة اعداد مختلفة 2 و 1و0 . وبالمثل يمكننا ان نفعل ذلك مع باقى الاعداد.
- 0 = { }
- 1 = {0} = {{ }}
- 2 = {0, 1} = {0, {0}} = {{ }, {{ }}}
- 3 = {0, 1, 2} = {0, {0}, {0, {0}}} ={{ }, {{ }}, {{ }, {{ }}}}
من العرض السابق لابد لنا وان نستشعر تلك الثقة بالنفس اللتى لابد وان شعر فون نويمان بها عندما انشأ الأعداد الطبيعية من المجموعة الخالية. وعلى امتداد طريقة فون نويمان وبنفس النسق يمكننا انشاء الاعداد الصحيحة والنسبية والحقيقية . لكن هذا ليس جزء من موضوعنا اليوم. ويجب ان نراعى ان كلمة انشاء construction ليست تعبيرا بلاغيا مني ولكنه مصطلح رياضي مقصود.
لكن على الجانب الاخر قد يشعر المرء بقلق انسانى من فكرة انشاء الاعداد حتى ولو لفظيا من اللاشئ ومن المجموعة الخالية. وانه لتصور مزعج حقا ان تكون الاعداد عبارة عن مجموعات متداخلة من العدم. ولابد ان نسأل انفسنا عندما نقوم بعملية جمع 2 زائد 3 فى اي صورة يجيب ان نفكر؟ فى تلك المجموعات العدمية المتداخلة؟ اما فى اصابع الطفل فى اول الموضوع؟ هل مازال بامكاننا ان نستخدم الرياضيات بصياغتها وصورتها العامية ام يجب ان نلفظها فقط بالفصحي؟
فى الحقيقة ان معظم الرياضين يفكرون بالعامية الرياضية ولا يتصورون فى الاعداد شيئا الا ما يماثل اصابع الطفل فى اول الموضوع. فمعظم الرياضيين ليسوا مناطقة افصاح أقحاح. ومن يمتلكون لسانا رياضيا فصيحا هم فقط الرياضيون من الوزن الثقيل ولا بأس فى ذلك. فبامكاننا ان نتعامل مع الرياضيات بعاميتنا. لكن مع ذلك فان الرياضيات الفصحى لا غنى عنها. فهي الاساس الأسيس للرياضيات ودستور الدساتير اللذى تشتق منه كل القوانين الرياضية. وعندما يصل ارتفاع ناطحة السحاب الى 500 متر قد يجب علينا ان نختار بين قرارين يبدوان متكافئين تماما ولا فارق بينهما. مع ذلك فقد يكون في احدهما الهلاك لانه لا اساس له حتى وان بدا رصينا متماسكا بينما يكون الاختيار الثانى هو اختيار النجاح والنجاة. فبدون تعريف المبادئ الاساسية الرياضية بشكل مجرد خالص لاتكون الرياضيات محصنة ضد التناقضات والأنهيار.
“ان جميع القوانين الرياضية بلا استثناء هى عبارة عن مسلمات قليلة تم فرضها فرضا ونظريات تمت برهنتها من هذه المسلمات الاساسية الاولية.”
هل جملة تم ” تم فرضها فرضا” تعني ” تم افتراضها افتراضا” أم تعني ” تم التسليم بها عنوة من باب الشيء المفروض والواجب”.
الخيار الأول هو اللذي قصدته. بمعنى انه تم اختيارها هكذا. نقطة ومن أول السطر!. أما الخيار الثانى فهو محبذ ولكننا لا يمكن ان نضمن تحقيقه . فقد ما يكون ماهو مفروض وواجب من وجهة نظري ليس مفروض وواجب من وجهة نظرك. فالمسلمات الاولى نعجز عن اقامة البرهان عليها ولذلك فهى مسلمات.
مثال الهندسة الغير اقليدية عند بداية ظهورها لا يستطيع ان يقول احد ان كل مسلماتها كانت ضرورية وواجبة. بل انها تخالف المألوف والبديهى لدينا. لكن مع ذلك اثبت الزمن انه سيظهر لها تطبيقات عملية مهمة.
هناك مقولة لاينشتاين عن الحرية يقول فيها ان معانى الحرية هو ان من حق الرياضى او الفيزيائى أن يفترض افتراضات اولية من دون ان يسائله أحد لماذا قمت بهذه الأفتراضات.