أمواج البحر

يشغل موضوع الموجات قلب الفيزياء وهو موضوع قديم جدا. فقد عرف الانسان هذه الظاهرة منذ ان وقعت عيناه لأول مرة على  أمواج البحر ومنذ ان رأى اعواد الذرة و سنابل القمح تتمايل فى حقل بعد مرور رياح لطيفة خلالها. ومع ذلك فلا احد يستطيع  حتى اليوم ان يبين ماهو كنه الموجات بشكل قاطع. ومازالت الموجات تشكل مصطلحا غير مريح امام الطلبة و المهتمين بالفيزياء. وبالرغم من شيوع الظاهرة الموجية فان اكتشاف القانون الرياضى اللذي يصف الموجات بشكل علمى كامل لم يتم الا فى نهاية القرن التاسع عشر. كما أن اجراء محاكاة للموجات المائية عملية معقدة جدا وتحتاج الى اجهزة كمبيوتر ذات كفاءة عالية. وقد يستغرب الانسان عندما يعلم انه عندما يضع قدمه فى بانيو ملئ بالماء تنشأ موجات فى غاية التعقيد ولا تختلف هذه الموجات كثيرا عن موجات التسونامى اللتى تنشأ فى البحار  و المحيطات

.واليوم سنتعرض لوصف امواج البحر. لكن قبل ذلك دعونا نتحدث عن الموجات عموما. وأنا اليوم لن احاول ان اقدم تعريفا علميا صارما للظاهرة الموجية. بل دعونا نقترب من هذه الظاهرة بالاسهاب فى وصف تفاصيلها. ودعونا نعرف الموجات بان نستبعد منها ما  ليس فيها. تماما كما  سئل مايكل انجلو عن كيفية انجازه لاهم اعماله وهو تمثال داوود. فاجاب لقد استبعدت من تمثال داوود كل ماهو ليس بداوود! وهناك بالفعل تصورات كثيرة خاطئة عن الموجات فدعونا نوضح هذه الظاهرة بان ننقيها من التصورات المغلوطة.

يظن البعض ان الموجات عبارة عن حركة اواهتزازات ما. لكن هذا التصور غير صحيح. فبعض الموجات قد تكون حقا مصحوبة بحركة او اهتزاز كما فى حالة موجات البحر. لكن هذه ليست هى القاعدة العامة. ودعوننا نصحح العبارة السابقة بالعبارة المؤقتة التالية:  أن الموجات ليست هى الحركة فى حد ذاتها. ولكنها هى انتشار الحركة أو انتقال الحركة فى المكان والزمان! بل دعونا نعمم العبارة السابقة و نقول ان الموجات ليست بالضروة انتشار حركة ولكن الموجات عبارة عن انتشار تغير ما من نقطة الى اخرى فى المكان والزمان بشكل رياضى معين

دعونا نوضح ذلك بمشهد من ملاعب كرة القدم عندنا يناصر المشجعون فريقهم على طريقة امواح البحر. وهنا  يقف كل انسان فى مدرجات الملعب عندما يشاهد جاره جهة اليسار مثلا يقف ثم يجلس بعدما يراه يجلس. وهكذا تنتقل الحركة من مشجع الى اخر وينشأ لدينا احساس بالموجة حيث نرى موجة هائلة تنتشر فى مدرجات الاستاد فى عكس اتجاه دورات عقارب الساعة مع انه لم يتحرك اى مشجع نفسه فى هذه الاتجاه. ولكنها عدوى القيام والجلوس هى اللتى انتقلت فى عكس اتجاه دوران عقارب الساعة

ويمكننا تقسيم الموجات الى 3 انواع. النوع الاول وهو يحمل اسما عبقريا وهو الموجات الميكانيكية. وهذا النوع تنتمى اليه موجات البحر و اهتزاز سنابل القمح وكثير من الظواهر الموجية الاخرى كالصوت و الموجات الزلزالية وغير ذلك. ودعونا نتأمل قليلا فى هذا الاسم: الموجات الميكانيكية. نعلم ان الميكانيكا هى علم القوى والحركة, ولهذا فان هذا النوع من الموجات يكون مرتبطا بقوى الميكانيكيا و الحركة. وهذا النوع هو اللذى القى فى تصورنا وفى تصور كل الفيزيائيين فى الماضى ان الموجة عبارة عن حركة  وتسارع  واهتزاز وقوة مؤثرة متغيرة  بشكل ما. وحيث ان كل قوانين الميكانيكا اللتى تعرفها وتظهر فيها القوة تظهر فيها الكتلة ايضا وحيث الكتلة من خواص المادة  فقد ظن الفيزيائيون فى الماضى ان الموجات لاتنتشر الا فى المادة. فموجات البحر تنتشر فى الماء والصوت ينتشر فى الهواء والزلازل فى سطح الارض الى اخره. لكن هذا هو مجرد النوع  الأول من الموجات وتوجد أنواع اخرى من الموجات لاتشترط المادة كوسط وسيط لانتقال الموجات

وهنا نصل الى النوع الثانى من الموجات اللذي لا يعتمد على حركة المادة. ودعونا نوضح ذلك بمثال  وان كان غير دقيق تماما. دعونا نتخيل حجرة ولسبب لا يعنينا فان نقطة فيها تتغير عندها درجة الحرارة باستمرار ودعونا نتغاضى عن ان الحرارة ليست الا مقياس لطاقة الحركة لجزيئات الهواء. لكن دعونا نتجاهل هذا الامر. ماذا سنلاحظ؟ سنلاحظ ان التغير فى درجة الحرارة عند هذه  النقطة يتبعه تغير نقاط الحرارة عند النقاط المجاورة وبالتالى بداخل الحجرة كلها! اذن كان هذا مثال لموجة لاتعتمتد على حركة وسط مادي. ولكنها تعتمد على انتقال التغير فى حقل او مجال الحرارة عبر الغرفة! ولكن المثال الادق هو الضوء او الموجات الكهرومغناطيسية اجمالا. ففى حالة الضوء لا توجد نقاط تتحرك او تهتز. ولكنها فقط قيم المجالين الكهربائى والمغناطيسى تتغير فى المكان. وهذا التغيير نشعر به فى صورة الضوء

اذن النوع الثانى من الموجات لايعتمد على الحركة المادية ولكنه يعتمد على فكرة المجال.  والمجال هو تصور فيزيائ فى غاية الروعة. وهو عبارة عن قيم تنسب لنقاط المكان مباشرة. وينبغى ان نتنبه الى امر مهم وهو ان المجال من خصائص المكان مباشرة وليس خصائص وسط مادى ما يقع فى المكان. ولذلك موجات النوع الثانى  تنتشر مباشرة فى المكان وليست بحاجة الى وسط مادى لكى تنتشر خلاله. وكان  اينشتاين اول من نبه الى فلسفة فكرة المجال الجديدة هذه حيث كان الفيزيائيون قبله يتصورون حتمية وجود مادة تملأ المكان اطلقوا عليها الاثير وهى الوسط اللذى تنتقل خلاله الموجات الكهرومغناطيسية. لكن اينشتاين اوضح التكلف فى هذا التصور. وبين ان الموجات الكهرومغناطيسية تنتشر فى المكان نفسه. ومثال اخر لهذا النوع من الموجات هو الموجات الجاذبية

ثم نصل الى النوع الثالث من الموجات وهي “الموجات المادية” وهى تحتاج الى قدرة اكبر على التفكير المتجرد. فقد بدأنا بالنوع الاول اللذى يمثل انتقال الحركة فى المكان والزمان. ثم تجردنا عن الحركة بتصور قيم مجال متغير. وفى النوع الثالث نتجرد عن المجال الفيزيائى المتغير و اللذى يمكننا قياسه بشكل او باخر بمجال من نوع جديد لانعرف ماهو و لا عن اى شئ يعبر. لكننا نعلم ان مربع سعة هذا المجال يعبر عن احتمال وجود المادة فى هذا المكان! اي ان أي مادة موجودة فى الكون حتى المادة اللتى تتكون منها اجسادنا عبارة عن موجات. وعملية وجودها هى عملية احتمالية فقط. ومن هنا نصل الى مفارقة قطة شرودنجر اللتى هى نصف حية ونصف ميتة فى نفس الوقت. ..

لكن ماذا عن امواج الماء: موضوع اليوم؟ هى طبعا من النوع الاول اى الموجات الميكانيكية و الوسط اللذى تنتشر فيه هو طبعا الماء. لكن ماذا عن القوى اللتى تتحكم فى هذه الظاهرة؟ فى الحقيقة ان هناك قوتان: قوة الجاذبية وقوة ضغط الماء.وفى الحالة العادية عندما يكون سطح الماء هادئا ومستويا تتساوى هاتان القوتان. لكن مأ اسهل ان نخل بهذا التوازن كأن نلقى مثلا بحجر فى الماء او ان يحدث زلزال مائى او ان تهب الرياح فوق الماء وهي السبب الاشهر لحدوث الموجات. فتتغير قيمة الضغط وتبدأ الامواج فى الظهور

لكن ليستا القوتان السابقتان هما القوتان الوحيدتان اللتان تسببان الامواج. ففى حالة الاهتزازات اللطيفة الناعمة فوق سطح الماء تلعب قوة الجاذبية وقوة التوتر السطحي وليست قوة الضط الدور الاساسى فى الموجات الدقيقة الناشئة. وهذه الاهتزازات تمتاز بصغرها وبصغر طولها الموجى

waterwave

وكما نعلم فان الموجات الميكانيكية يتم تقسيمها الى موجات طولية وموجات مستعرضة. ونعلم ان الموجات المستعرضة هى كموجات المشجعين فى استاد كرة القدم حيث تكون الحركة المادية الفعلية اللتى يقوم بها المشجعون بالقيام والجلوس فى اتجاه عمودى او مستعرض على اتجاه انتشار الموجة اللتى تنتشر فعليا فى اتجاه اليمين أو اليسار . بينما مثال على الموجات الطولية هو اهتزار سنابل القمح. صحيح ان سنابل القمح فى النهاية لا تبارح مكانها ولكن اتجاه اهتزازها ينطبق مع اتجاه انتتشار الموجة. ماذا عن امواج البحر اذن؟  فى كثير من المصادر نجد أن امواج البحر يتم تصنيفها تحت الموجات المستعرضة. فهل هذا الكلام صحيح؟ اذا القينا قطعة من الخشب عى مدى يدنا فى وسط البحر فى المنطقة البعيدة عن الشاطئ و الهادئة نسبيا. سنجد ان قطعة الخشب تعلو وتهبط. اى ان الموجات المائية هى موجات مستعرضة. لكننا اذا دققنا النظر سنلاحظ ايضا ان قطعة الخشب تهتز الى الامام والى الخلف!. فى الحقيقة ان نقاط سطح الماء تتحرك فى شكل دوائر اثناء انتشار الموجات. ولذلك فموجات الماء مختلطة فهى موجات طولية كما انها موجات مستعرضة لان نقاط الماء تتحرك لاعلى واسفل كما انها تتحرك الى الامام و االخلف. ولهذه الحركة دورانية نتائج هامة حسب ماسوف نرى الان

اذن فعندما تهب رياح فوق سطح البحر فان جزء من طاقة الرياح يذهب فى جعل سطح الماء يعلو ويهبط فى الشكل الموجى الكلاسيكى . كما ان جزء من هذه الطاقة يذهب فى طاقة الحركة الدورانية لجزيئات الماء. لكن توجد هناك خاصية غريبة لموجات الماء. فاذا بلغ ارتفاع الموجة  7\1 طولها الموجى تقريبا فان الموجة تنكسر وتتحول الى رغاوى وتذهب الطاقة  كلها فى الحركة الدورانية و لاتنمو الموجة اكثر من ذلك.

اذن فعندما تهب الرياح فوق سطح البحر تنشأ فى الماء موجات كثيرة باطوال موجية مختلفة.  ولكن الموجات ذات الطول الموجى القصير تتوقف سعتها عند السبع وتغطيها الموجات ذات الطول الموجى الاطول. ثم هناك حالة  خاصة تنشأ عندما تهب رياح لفترة زمنية معينة حيث تذهب كل طاقة الريح الى طاقة دورانية ونقول عن البحر فى هذه الحالة انه هائج. وتتوقف هذه الحالة كما قلنا على سرعة الريح ومسافة هبوبه وزمن الهبوب . فهذه الحالة نحصل عليها مثلا عند هبوب رياح بسرعة 20 عقدة لمدة 10 ساعات لمسافة  130 كيلومتر. كما ان هذه الحالة تنشأ ايضا عن هبوب رياح بسرعة 32 عقدة لمدة 28 ساعة على الاقل ومسافة قدرها 740 كيلومتر. و العقدة البحرية هى وحدة قياس للسرعة  تساوى نصف متر فى الثانية تقريبا.

اذن على الرغم من ان موجات الماء من اقدم صور الموجات اللتى نعرفها فانها مازالت تبهرنا بطبيعة المعلومات اللتى قد نعلمها أو لانعلمها عن هذه الظاهرة.