تكسير الأمواج

تتألق الفيزياء حينما تصف الظواهر الطبيعية حولنا. ويزداد هذا التألق حينما تنبهنا الى ظواهر لا نكاد نراها  أو نلقى لها بالا لفرط رتابتها. بل وقد نحسبها تافهة ومجرد تحصيل حاصل. لكن الفيزياء لاتعرف ظاهرة مهمة وأخرى تافهة. فهى كيوستيسيا الألهة الرومانية اللتى تزن وهى معصوبة العينين لتحكم دائما بالعدل.

وظاهرة تكسير امواج البحرنعرفها جيدا. والمقصود بالتكسير هنا ليس انكسار مسار الأمواج عندما تمر من المياة العميقة الى الضحلة كما رأينا فى مرة سابقة. ولكن المقصود هو انهاء وجود الأمواج و تغيير شكلها كليا أو جزئيا وتحويلها الى رغاوى وفقاعات أو الى أمواج اصغر. وتعتبر عملية تكسير الأمواج من اجمل ما يمكن ان يشاهده المرء عند شاطئ البحر. لكن تكسير الامواج لا يحدث عند الشاطئ فقط. لكنه يحدث ايضا فى المياة المفتوحة العميقة. حيث اننا نعلم ان امواج البحر فى المياة المفتوحة لا يتخطى ارتفاعها 1/7 الطول الموجى تقريبا. فاذا تخطى الارتفاع هذا الحد تحطمت الموجة ونرى لها زبدا اعلاها ينزلق من فوقها. بل وقد تسقط قمم الأمواج و تتناثر مياهها فوق صفحة الماء امامها.

وهناك نمطان معروفان لتكسير الأمواج يمكننا ملاحظتهما فى المياة العميقة وهما : كسر الامواج عن طريق رفعها فوق الحد الاقصى المتاح لها او عن طريق  التساقط. وطبيعة هذين النوعين فى حقيقة الامر متشابهة. فاما النوع الاول فهو يشبه بالون او فقاعة هواء يتم نفخها حتى تصل الى حد معين فاذا زدنا عن هذا الحد انفجر البالون وتكسرت الفقاعة.  فعندما تهب رياح قوية ويربو ارتفاع الامواج عن سبع طولها الموجى لا تنمو الموجة اكثر من ذلك بل تتحول الى رغاوى وتتفتت.

الموجات المتنامية يتكون اعلاها زبد البحر

الموجات المتنامية يتكون اعلاها زبد البحر

فعندما تهب الرياح فانها تنقل بعضا من طاقتها الى امواج البحر. ويبرز انتقال هذه الطاقة فى شكلين: الشكل الاول هو ارتفاع سطح الماء وانخفاضه فى شكل الامواج الكلاسيكي المعروف لدينا جميعا و اللذى يشبه شكل دالة جيب الزاوية. اما الشكل الثانى فهو الحركة الدورانية لنقاط سطح الماء. وبالتالى تقع نقاط الماء تقع تحت تأثير سرعتين مختلفتين : السرعة الاولى هى سرعة انتشار الأمواج و السرعة الثانية هى سرعة الحركة الدورانية لنقاط الماء. وفى الغالب فان سرعة انتشارالأمواج تكون اعلى من سرعة دوران نقاط الماء. فاذا اقتربت سرعة دوران نقاط الماء من السرعة الموجية أو وزادت عليها فهنا تسبق نقاط الماء الموجة فنرى زبدا للامواج اعلاها  يبدأ فى الانزلاق وهذا يعطينا النمط الاول لكسر الامواج. اما اذا زادت سرعة دوران نقاط الماء عن سرعة انتشار الامواج بشكل كبير فنرى قمة الموجة تسبق باقى جسمها. ونلاحظ ما يشبه تجويفا او نفقا بداخل جسم الموجة. وتتساقط مقدمة الموجة على صفحة الماء امامها بفعل الجاذبية الارضية وهذا يعطينا النمط الثانى لتكسر الامواج.

الموجات المتساقطة.

الموجات المتساقطة.

ولكن كما سبق وقلنا فان تكسر الامواج يحدث عند الشاطئ كما فى المياة العميقة. بل ان تكسير الامواج عند الشاطئ يكون اجمل مشاهد البحر على الاطلاق. حيث فى ثوان قليلة تتحرر كل طاقة امواج البحر اللتى اكتسبتها عبر الرياح فى ساعات و ايام! و لاتتكسر الامواج عند الشاطئ كما فى المياة العميقة لأن ارتفاع الأمواج قد تجاوز 1/7 طولها الموجي. بل قد تنجو الامواج من هذا المصير فى داخل البحر حتى اذا وصلت قرابة الشاطئ تكسرت وانتهى عمرها. لكن لماذا؟

بالقرب من الشاطئ تلعب ارضية البحر الدور الرئيس فى تكسير الامواج. حيث فى المياة الضحلة تشعر المياة بوجود الارض تحتها. وكما نعلم فان نقاط الماء تصنع حركة دورانية. لكن وجود الارض يعوق هذه الحركة. فتستطيع نقاط الماء الارتفاع الى اعلى . لكن العكس غير ممكن لأن ارضية البحر تقف فى الطريق فلا يتم تعويض المياة الصاعدة الى اعلى فينهار بناء الموجة. ويتم تشبيه ذلك بفقرة المهرج فى السيرك اللذى يحاول ان يقف على عصاه فيركل زميله العصا من اسفل فيسقط الأول على وجهه.

ونشاهد نمطي التكسر السابقين فى المياة العميقة ايضا عند الشاطئ. كما قد نشاهد نمطين اخرين اكثر ندرة. وهذان النمطان النادران هما الامواج الثابتة او لا امواج على الاطلاق. وهذان النمطان نشاهدهما فقط فى الشواطئ المحمية.

تسرب الهواء المحبوس عند ارتطام الامواج بشاطئ صخري

تسرب الهواء المحبوس عند ارتطام الامواج بشاطئ صخري

كانت هذه القواعد العامة لكن التفاصيل المعقدة تجعل عملية تكسير الامواج اكثر جمالا. فالهواء المحبوس بداخل تجويف الموجة لا يستطيع الفرار فى العادة. ولكنه قد يتمكن من التحرر و الخروج عند ارتطام الامواج بشاطئ صخرى فنشاهد ما يشبه تفجير نافورة من الماء. وقد لاتتكسر الموجة دفعة واحدة بل على دفعات. وفى كل مرة تتكسر فيها الامواج تتولد عنها امواج اصغر تتكسر بعد ذلك. وبسبب طبيعة الشاطئ و ارضه المعقدة قد نلاحظ فى نفس الموجة انماط التكسير المختلفة. بل قد نرى اجزاء فى نفس الموجة بدون تكسير ومناطق اخرى تظهر انماط التكسير المختلفة خلالها.

واذا شاهدنا امواج البحر تنتشر سليمة امامنا لكن عند بقعة معينة فى البحر فانها تنكسر ونرى الزبد و الرغاوي تتكون بينما تبقى باقى اجزاء الموجة سليمة فهذا دليل على ان ارض هذه البقعة أعلى مما حولها مما يسبب انكسار الامواج عند هذه البقعة تحديدا! وقد تتداخل موجتين مائيتين من مصدرين مختلفين بانماط انكسار مخلتفة بزاوية تداخل معينة فنرى اشكال عجيبة من الموجات المنكسرة تفوق فنون اشكالها ابداع  امهر الرسامين.

wellenbrecher

وقد لاتفى عمليات التكسير الطبيعية الطبيعية لامواج البحر بتقليل الطاقة اللتى تحملها عندما تصل الى الشاطئ مما يسبب نحر الشاطئ او مما يجعل عملية رسو السفن و القوارب عند ميناء هناك غير ممكنة ولذلك يلجأ الانسان لوضع كسارات للأمواج فى البحر لاستهلاك طاقة الأمواج.

Leave a Reply