المركز الثالث: الاعداد الاولية لا نهاية لها

نظرية المركز الثالث تقول ان مجموعة الاعداد الاولية لانهائية. وقد برهن هذا القانون الرياضي الاغريقى الشهير اقليدس اللذي كان ينتمى الي مدرسة الاسكندرية المصرية وقد عاش في الفترة مابين 360 الى 280 قبل الميلاد. وقانون اليوم يتعرض للاعداد الاولية كما كان قانون المركز العاشر يتعرض للاعداد الاولية ايضا.

يتعلم التلاميذ في المدارس اول ما يتعلمون مجموعة الاعداد الطبيعية: 1 و 2 و3 و … الى اخره.  ومجموعة الاعداد الطبيعية هي مجموعة ساحرة. ففي الحقيقة فان الانسان  يبدو مفطورا عليها. فعندما تلقن طفلا صغيرا لم يبلغ مرحلة الدراسة بعد هذه الاعداد فانه يتقبلها فورا ولن يسألك ما معنى ثلاثة او خمسة  مع ان دأب الاطفال ان يسألوا عن كل شئ بماذا ولماذا. ولكن يبدو ان هذه الاعداد لها سر خاص. ولذلك يقول بعض الرياضيين السابقين وحتى الحاليين ان الاعداد الفعلية هي الاعداد الطبيعية بينما باقى الاعداد مصطنعة لا وجود لها فعلا لكنها مجرد وسائل مساعدة يستخدمها الانسان للوصول لهدف معين ثم يتخلص منها. اي انها مجرد وسيلة وليست هدف او حقيقة. ويقول كرون أيكر Kronecker الرياضى الالماني اللذي عاش في نهاية القرن التاسع عشر ومكتشف الدالة الشهيرة باسم دلتا: ان الله خلق الاعداد الصحيحة اما بقية الاعداد الاخري فهي من صنع الانسان.

وعندما يكبر التلاميذ شيئا ما ويبدأون في اجراء بعض العمليات الحسابية البسيطة كالجمع و الطرح ويحفظون جدول الضرب يعلمون ان هناك اعدادا اولية وهي عبارة عن مجموعة اعداد جزئية من  مجموعة الاعداد الطبيعية ولكنها لاتقبل القسمة سوي على نفسها فقط وعلى العدد واحد. وهذه الاعداد هي: 2 و 3 و5 و7 و 11 و 13و ….الى اخره. وبحكم التعريف فان 1 ليس عددا اوليا والاعداد الأولية تبدأ من 2 فيما فوق. وكذلك 4 ليس عددا اوليا لانه يقبل القسمة على عدد اخر بخلاف نفسه. فهو يقبل القسمة على 2.

ثم يبدأ التلاميذ الصغار ولكن في مرحلة اكثر تقدما  في ايجاد ما يعرف باسم القاسم المشترك الاعظم لعددين وتحليل الارقام الى حاصل ضرب اعداد اولية. فمثلا العددان 48 و 60 القاسم المشترك الاعظم بينهما هو 12 وهو حاصل ضرب 3 في 2 في 2 . كما ان العدد 48 يمكن تحليله الى ضرب 3 في 2 في 2 في 2 في 2 . كما ان العدد 60 يمكن تحليله الى ضرب 5 في 3 في 2 في 2.

اذن فكما ان الاعداد الطبيعية هي اسم على مسمي لان طبيعة الانسان مفطورة عليها نجد ايضا ان اسم الاعداد الاولية هو ايضا اسم على مسمى. فكل الاعداد الطبيعية يمكن تحليلها الى حاصل ضرب اعداد اولية. ويمكننا ان نعمم القول ونقول ان اي عدد طبيعى اكبر من واحد اما انه نفسه عدد اولى و اما انه حاصل ضرب مجموعة اعداد اولية في بعضها.

ولا يشترك اى رقم طبيعى مع رقم اخر في توليفة الاعداد الطبيعية اللتى يتكون منها هذا الرقم. ومن هنا تبدو توليفة الاعداد الاولية هذه وكأنها رقم قومي او بصمة جينية لا تتكرر و لا توجد الا في عدد واحد.

ومن هنا يمكننا ان نشبه الاعداد الاولية في الرياضيات بالعناصر الدورية في الكيمياء. فاي شئ نراه او نلمسه او نتذوقه. اى شئ في الكون. اي مادة في اي حالة كانت سائلة صلبة او غازية يمكننا ان نرده الى عدد محدود من العناصر الموجودة في الجدول الدوري . وهذا العدد المحدود من العناصر واللذي يقارب ال 120 عنصر يتكون منه كل شئ في حياتنا. كما ان 28 حرف اللذين يكونون حروف اللغة العربية نستطيع ان نكون منهم عدد هائل من الكلمات و الاصوات بغض النظر ان كان لهذه الكلمات او الاصوات معنى ام لا. وهنا يظهر سؤال : هل ايضا الاعداد الاولية محدودة كحروف اللغة او عناصر الجدول الدوري؟ اليس بديهيا انه كلما كبرت الاعداد كلما قبلت القسمة بالتاكيد على عدد ما اقل منها؟ هذه كلها اسئلة تبدو منطقية ومقبولة ولكن اجابة اقليدس كانت رائعة: لا. فالاعداد الاولية هي لانهائية وليست محدودة و لاتنتهي ابدا. ويمكننا تشبيه ذلك بالهواء فهو دائما موجود. ولكنه موجود في الاسفل بكثرة وكلما صعدنا الى اعلى يقل الهواء ويشح ولكنه لاينقطع ابدا فقط كثافته و تركيزه يقلان. وهكذا الاعداد الاولية فبعد كل عدد اولى يمكنك التأكد من انه يوجد عدد اولي اخر اكبر!!

والحقيقة فان نظرية الاعداد من المواضيع الشيقة في الرياضيات ولكن كثير من الدارسين يستخفون بها و لا يقدرونها حق قدرها ويظنون ان مواضيع اخري كالتفاضل او حساب الموترات اهم شأنا وأعلى قيمة. ولكن هذا غير صحيح. فهناك العديد من الاسرار اللتى مازالت غامضة في هذا الميدان وهناك العديد من الحدسيات العالقة اللتى بالرغم من مضى القرون الطوال عليها الا انه لم يتمكن احد من اثباتها الى الان. وكثير من هذه القضايا العالقة تتعلق بالأعداد الاولية. مثال على ذلك هناك مقولة تقول انه بين كل عددين مربعين اكبر من الواحد  يوجد عدد اولي واحد على الاقل. فمثلا بين 4 و 9 تقع الاعداد الاولية 5و 7 وبين العددين المربعين 9 و 16 تقع الاعداد 11و 13 وهكذا. ولكن تبقى هذه المقولة غير مبرهنة حتى الان وتحتاج الى رياضى يثبتها او ينفيها. وان كانت التجربة حتى الان توضح ان هذه مقولة صحيحة.
اما برهان قانون اليوم واللذي توصل اليه اقليدس فهو كالتالى: افترض اقليدس اولا ان الاعداد الاولية منتهية. وان اكبر عدد اولي موجود هو p . الان نكون رقما جديدا عن طريق ضرب p مع جميع الارقام الاقل منه ثم نضيف واحد الى النتيجة النهائية فنحصل علي رقم كبير جديد هو :

1+px….3x2x1
وهناك الان احتمالان لهذا الرقم الجديد: اما ان يكون اولى ولكن هذا يتعارض مع الفرض بان p هو  اكبر عدد اولى موجود. و الاحتمال الاخر ان يكون هذا العدد غير اولى اذن فلابد وان يقبل هذا الرقم القسمة على عدد ما بخلاف نفسه و الواحد. ولكننا نري ان هذا القاسم لايمكن ان يكون العدد 2 او 3 او 4 او 5 او … او حتى p لان في النهاية يتبقى العدد واحد. اذن وحيث ان هذا العدد غير اولى فلابد انه يقبل القسمة على اعداد غير اولية هي كلها اكبر من p . ولكن هذا يتعارض مرة اخرى مع ان p هو اكبر عدد اولي موجود. ومن هنا نري خطأ الفرضية الابتدائية بان الاعداد الاولية منتهية وان p هو اكبر عدد اولي موجود فيها.

وفي النهاية اود ان اشير الى جمال قانون اليوم فهو قصير وواضح بشكل مذهل وينطبق عليه المثل العربي اوجز فانجز. كما ان نتيجة هذا القانون تحمل مفاجأة لطيفة وهي ليست بالضرورة النتيجة اللتى قد يتوقعها معظم الناس لانه كما سبق وذكرنا عاليه فانه قد يعتقد البعض بانه كلما كبر الرقم كلما قبل القسمة بالتأكيد على عدد ما اصغر منه. ومرة اخري نري كما في نظرية المرة الماضية كيف ان العقل و الخيال يتقابلان. ولكن في هذه المرة العقل اعطى الضوء الاخضر للخيال في الانطلاق و البحث عن اعداد اولية اكبر و اكبر.

2 thoughts on “المركز الثالث: الاعداد الاولية لا نهاية لها

  1. لإيجاد متتابعة للأعداد الأولية علينا بالتفكير بشكل غير اعتيادي وفريد للغاية لأنها أعداد غير اعتيادية وفريدة للغاية!

Leave a Reply