خط الحياة ومخروط المستقبل

من يقرأ عنوان موضوع اليوم قد يعتقد ان موضوع اليوم له علاقة بالتنجيم. لكنه ليس كذلك. أن موضوع اليوم يتعرض للتناول الرياضي للنظرية النسبية لمينكوفسكي.

نعلم ان مينكوفسكي دعا الي اعتبار الزمن بعدا رابعا ذو اعداد تخيلية لأننا اذا فعلنا ذلك فسوف نستطيع عمل الحسابات الرياضية بسهولة اكثر. وعند اضافة محور الزمن لنظام الاحداثيات الديكارتي التقليدي ذو الثلاثة ابعاد فسيكون عندنا فضاء رباعى الابعاد يعرف بالزمكان توصف النقاط فيه بدلالة اربعة احداثيات: ثلاثة احداثيات مكانية و احداثي رابع للزمن. وفي الفضاء الزمكاني لا يستخدم الانسان كلمة نقطة و يستعيض عنها بكلمة حدث.  وانا من الان فصاعدا سأستخدم كلمة حدث وأعني بها نقطة في الفضاء الزمكاني رباعي الابعاد. وسأستخدم كلمة احداث كجمع لكلمة حدث.

نعلم ان الزمن و المكان هما القماشة اللتي يتكون منها عالمنا فاذا اردنا ان نتتبع دورة حياة جسم ما فما علينا الا نتتبعه في الزمن و المكان بصورة مستمرة. او اننا نتتبع الاحداث المرتبطة به بصورة متصلة. والخط الواصل بين هذه الاحداث يعرف باسم خط حياة هذا الجسم.

الحركة في الزمكان

ولكننا اذا اردنا رسم خط الحياة لجسم ما على الورق بيانيا  فاننا سنجابه بمشكلة وهي ان سطح الورقة سطح ثنائي الابعاد ولذلك لا نستطيع ان نرسم عليه اكثر من بعدين في نفس الوقت. ولذلك فاننا يجب ان  نستغني عن المحاور و الابعاد الاقل اهمية ونكتفي بالمحاور اللتى لها علاقة بالحالة اللتي نتناولها.

على سبيل المثال اذا كنا ندرس حركة جسم يتحرك موازيا للمحور x فاننا نستطيع ان نهمل المحاور y و z لان قيمهما لاتتغير ونكتفي بالمحاور x و t. وهناك شبه اتفاق على ان يكون المحور x افقيا اما محور الزمن فيكون رأسيا مع ملاحظة ان محور الزمن يعبر دائما عن الزمن مضروب في سرعة الضوء c.

لتوضيح ذلك بمثال:  اذا تخيلنا اني اقف عند نقطة الاصل B و لا اغادر مكاني مطلقا بينما تتحرك انت بسرعة ما في الاتجاه الموجب لمحور x . فكيف يبدو خط حياتي؟ وكيف يبدو خط حياتك؟ حيث اني اقف عند نقطة الاصل و لا اراوح مكاني فتكون قيمة x صفر دائما ولكن مع ذلك فان الزمن يمر و لاتوجد اي وسيلة بالنسبة لي لايقاف الزمن. فيكون خط حياتي هو المحور الرأسي نفسه حيث ان كل احداثه تتميز بخاصية ان قيمة الاحداثي x صفر دائما. و الآن ماذا عنك؟ وكيف يبدو خط حياتك؟ حيث انك تتحرك فبعد ثانية لن تبقى عند النقطة B  ولكنك ستكون في مكان اخر. اذن قيمة x لن تكون صفرا وكذلك قيمة ct. اى ان خط حياتك يأخذ صورة خط مائل يمر بنقطة الاصل.

واذا افترضنا ان هناك شعاع ضوء يتحرك موازيا للأتجاه الموجب لمحور x فكيف تكون احداثه وكيف يبدو خط حياته؟ خط حياته سيكون ايضا خط مائل. وتكون زاوية الميل هي 45 درجة لان في هذه الحالة تكون x= ct. واذا كان شعاع الضوء يتحرك موازيا للأتجاه السالب لمحور x فان خط الحياة يكون ايضا مائلا بزاية قدرها 45 درجة ولكنه يكون واقعا في الربع الثاني من مربعات مجموعة الاسناد.

اذن قد راينا 3 حالات: الحالة الاولي عندما يكون الجسم ساكنا فيكون خط الحياة هو محور الزمن نفسه. والحالة الثانية وهي حالة الحركة بسرعة اقل من سرعة الضوء فيكون خط الحياة مائلا عن الرأسي. ثم الحالة الثالثة وتمثل الحالة القصوي وهي الحركة بسرعة الضوء ويكون الميل فيها اقل مايمكن ويبلغ الميل 45 درجة. وحيث ان  سرعة الضوء هي اعلى سرعة يمكن الوصول اليها  فيمثل الخطان المائلان بزاوية 45 درجة اقصي حدود يمكن لخطوط حياة جسم  تمر بنقطة الاصل ان تأخذه

مخروطي المستقبل و الماضي

.

وبالمثل اذا اردنا توسيع فكرتنا السابقة واضفنا محور جديدا هو المحور y لوجدنا ان خطوط الحياة لشعاع ضوء ينطلق من نقطة الاصل A تكون محدودة بسطح مخروط يقع رأسه عند نقطة الاصل. وتكون كل الاحداث خارج هذا المخروط احداثا يستحيل الوصول اليها من نقطة الاصل.

ويسمي هذا المخروط بمخروط المستقبل بالنسبة للحدث A لان جميع الاحداث اللتى تقع بداخل هذا المخروط او على سطحه هي احداث يمكن الوصول اليها من نقطة الاصل بدون تخطي سرعة الضوء. وتكون الاحداث الواقعة خارج هذا المخروط احداثا من المستحيل ان تكون لها علاقة  بالحدث A . لان الوصول اليها من نقطة الاصل يتطلب سرعات اعلى من سرعة الضوء.

ويمثل مخروط المستقبل في نفس الوقت مخروطا للسببية. حيث ان جميع الاحداث اللتى تفع بداخل المخروط يمكن ان يكون A سببا لها اذا راعينا ان الاسباب تسبق نتائجها دائما.

وكذلك الحال ينطبق على مخروط الماضي. وهو يشمل جميع الاحداث اللتىي يمكن ان يكون الحدث A مستقبلا لها. او بمعنى اخر هي جميع الاحداث  اللتي يمكن ان تصل للحدث A بسرعة لا تتخطي سرعة الضوء.

ولكن ما هي المشكلة في الحركة بسرعة اعلى من سرعة الضوء؟ نعلم ان نسبية الانية هي من نتائج النظرية النسبية. أي ان حدثان يحدثان في نفس اللحظة بالنسبة لمجموعة الاسناد أ لا يحدثان بالضرورة في نفس اللحظة بالنسبة لمجموعة الاسناد ب. و الان اذا قارنا بين الحدثين A و B فمن وجهة نظرنا ان الحدث A يحدث قبل الحدث B . فهل هناك مجموعة احداثيات اخري يمكن ان ترصد ان الحدث B يحدث قبل الحدث A؟ الاجابة لا. بالنسبة لجميع مجموعات الاسناد اي كانت سرعتها فهي  ترصد دائما A اولا وبهذا لاتوجد اي مشكلة في ان يكون A سببا ل B.

لكن ماذا عن الحدثين A و C. من وجهة نظرنا ان A يحدث اولا. ولكن هل توجد مجموعات اسناد اخري يحدث فيها C اولا؟ الاجابة نعم!! وفي هذه الحالة يمكن ان تكون C سببا ل A. كما ان A يمكن ان تكون سببا ل C. وهذا يشكل معضلة خطيرة لايمكن حلها اذا كنا نعتقد ان العلة لابد دائما وان تسبق المعلول.

 

2 thoughts on “خط الحياة ومخروط المستقبل

Leave a Reply