أنواع مختلفة من المالانهاية والمالانهايات العظيمة

كان أستاذ الرياضيات الجامعى ادوارد كاسنر Edward Kasner معنيا بالبحث عن رقم ذي قيمة كبيرة ويكون في نفس الوقت سهل التقبل بالنسبة للأطفال. فأستغل فرصة تمشيته مع أبن أخيه الطفل الصغير وسأله ما هو أكبر رقم فى الكون من وجهة نظره. فاجابه الطفل الصغير أنه يتخيله رقم أكبر بكثير من الألف والمليون أنه واحد وأمامه مائة صفر أو: 1000000000000000000000000000000000000000
000000000000000000000000000000000000000000000
0000000000000000

وسأله عن أسم هذا العدد الرهيب فأجابه جوجول Googol . وأشتهر هذا العدد بهذا الأسم فى أنحاء العالم الرياضى. ولا شك ان هذه قيمة كبيرة جدا لكن كاسنر أقترح عددا جديدا ذا قيمة أكبر اسمه جوجول بليكس Googolplex وهذا العدد ليس واحد وأمامه مائة صفر ولكنه عبارة عن واحد على يمينه جوجول من الأصفار كاملة. لكن كما تعلمون مهما كان هذا العدد كبيرا فأنه أبعد عن أن يكون أكبر الأعداد الحقيقية الموجودة.  فيمكننا صنع رقم أكبر منه بوضع جوجول بليكس من الأصفار مثلا علي يمين الواحد. وهناك حيلة رياضية نعرفها جميعا وهي ان نضيف واحد الي أي رقم كبير لنحصل على رقم جديد أكبر منه. لهذا نقول ان أكبر عدد حقيقى لا وجود له. فالأعداد الحقيقية بلا سقف علوي. وهذه العملية: أي اضافة واحد الي أي رقم لنحصل على رقم أكبر منه تقع في قلب موضوع اليوم. ومضوعنا اليوم له عنوانان: الأول هو أنواع مختلفة من المالانهاية والثانى هو المالانهايات العظيمة.

أما العنوان الأول فيعود مرة اخرى الي احد اكتشافات جيورج كانتور العديدة في ميدان المالانهاية. حيث تنبه الى فلسفة الأعداد ووجد أن للأعداد وظيفتين على الأقل. الوظيفة الاولى أن تعبر عن السعة والضخامة Cardinality. كأن نقول ان هذا المصعد يتسع لأربعة او تسعة أشخاص. اما الأستخدام الثاني فهو يتعلق بالترتيب Ordinality وربما فى هذا الأستخدام ننطق الأعداد في هذه الصورة: الأول الثاني الثالث الى أخره. وتنبه كانتور الي انه فى الأعداد المنتهية تتصاحب الوظيفتان بصورة طبيعية وتختلطان فلا ننتبه اليهما ولا نفرق بينهما. فمثلا العددان ستة وخمسة. العدد ستة أكبر من العدد خمسة من حيث السعة. كما أن العدد ستة يلو الخمسة من حيث الترتيب. اذن بمنتهى البساطة يمكننا دوما أن نضيف واحد الي أى عدد منتهي لنحصل علي عدد أخر أكبر منه فى السعة ويليه فى الترتيب فى نفس الوقت.

لكن فى حالة الأعداد اللانهائية لا يتحقق هذا الامر. فمالانهاية زائد واحد تساوي مالانهاية. او بمعنى أدق ألف صفر زائد واحد سعتها مازالت  تساوي ألف صفر. لكننا هنا نفقد خاصية الترتيب اللتى لابد وأن يكون فحواها ان مالانهاية زائد واحد اكبر من مالانهاية بمعنى أنها تليها فى الترتيب. لكن هنا ادرك كانتور انه سيحدث تضارب اذا قال مرة أن الف صفر زائد واحد مازالت تساوي الف صفر. وفى مرة اخري يقول ان الف صفر زائد واحد اكبر من الف صفر حين يقصد ترتيب الأعداد. وهنا أدرك كانتور أن عليه ان يستخدم رمزين مختلفين للمالانهاية حين يريد التعبير عن السعة و حين يريد التعبير عن الترتيب. وحيث انه اختار اول الحروف العبرية للتعبير عن المالانهاية اللتى ترمز للسعة. فانه أختار اخر الحروف اليونانية حين التعبير عن ترتيب الأعداد. فاذا كان أول الأعداد الطبيعية هو واحد من حيث الترتيب فاللذي يأتى بعد أخرها هو أوميجا ω. مع ملاحظة ان أميجا زائد واحد أكبر من أوميجا. لكن الف صفر زائد واحد سعتها مازالت تساوي ألف صفر.

وربما يظن البعض ان هناك تناقض في خواص المالانهاية فمرة نقول ان اضافة عدد منتهى اليها لايغير منها ومرة اخري نعود ونقول أن اضافة واحد اليها يجعلها تتغير وتكبر. لكن ليس فى هذا اي تناقض. دعونا نبسط ذلك. دعونا نضرب مثلا الشكل الهندسي: المستطيل. وتخيلوا أن ان لدينا مستطيلين الاول طوله 6 وعرضه 4 والثاني طوله 12 وعرضه 2. هل المستطيلان متساويان؟! من حيث السعة او المساحة نعم . فمساحة الاثنان تساوي الطول فى العرض او 24 .  لكن من حيث المحيط  او مجموع أطوال الأضلاع فهما مختلفان. فالاول طول محيطه 20 بينما الثاني 28 . وهكذا فالمالانهاية هى كالمستطيل. قد تتساوي من حيث السعة او المساحة ولكنها فى الوقت نفسه تختلف من حيث الترتيب او طول المحيط.

مع ملاحظة ان عملية اضافة وحد الى مالانهاية او الى أوميجا  هي اكثر تعقيدا وتجريدا عما تعلمناه فى المدرسة عندما كنا فى الصف الأول لكن هذا لن نتعرض له اليوم. وان كنا قد تعرضنا له فى مرة سابقة من قبل بشكل بسيط.

نصل الأن الى موضوعنا الثاني . وهذه الموضوع لم يكتشفه كانتور لكن تم استحداثه بعد وفاته ونطلق عليه الأعداد اللانهائية العظيمة! وهنا نعود مرة اخري الى صفة سعة الأعداد وتحديدا سعة الأعداد اللانهائية. وهناك ملاحظة هامة وهي اننا طالما نتعامل مع الأعداد المنتهية فكل النتائج اللتى نحصل عليها تكون أعدادا منتهية. ولا توجد عملية حسابية -جمع أو ضرب أو حساب الأس- نستطيع ان نحول من خلالها عددا منتهيا الى عدد غير منتهى. فالأعداد المنتهية والأعداد اللانهائية كأنهما يعيشان في مستويين مختلفين وعالمين منفصلين. كما شبهناهما من قبل كعالم البشر وعالم الملائكة. وليس معني اننا نعيش فى عالم واحد فقط ان الثاني غير موجود. لكن اذا حدث ووصلنا الى اول محطة فى المالانهاية وهى المحطة ألف صفرفستنفتح امامنا بوابات لانهائية لعوالم لانهائية جديدة هى المحطات الف واحد وألف اثنين والف ثلاثة الى اخره. فاثنان أس مالانهاية تعطى مالانهاية أكبر كما رأينا فى المرة الماضية.

لكن حتى هنا يري الرياضيون ان هذه ليست نهاية المستويات. فبالقياس السابق ربما تكون هناك مالانهايات من نوع جديد لا تستطيع حتي ألف صفر وأخواتها الأكبر منها ان تصل اليها. فهذا النوع الجديد من المالانهاية يعيش فى مستوي ثالث أعلى من مستوي اللأعداد المنتهية وأعلى من مستوي ألف صفر وأخواتها. وأى عملية نجريها على الف صفر واخواتها سوف تبقيها فى المستوى الثاني ولن ترفعها الى المستوي الثالث ابدا. وبهذا نصل الى عالم جديد: عالم باء صفر وأخواتها وهكذا الى مالانهاية!

في النهاية أحب أن انوه ان تعبير باء صفر هو من صياغتى لكن من يريد البحث حول هذا الموضوع فعليه البحث حول المفهوم التالي: Large Cardinal

Leave a Reply