المنحنى الهابط لألمانيا فى الحرب العالمية الثانية

رأينا فى المرة الماضية مرحلة تفوق ألمانيا فى الحرب العالمية الثانية واللتى كللتها زيارة هتلر- الوحيدة-  لمدينة باريس غازيا! لكن كما نعلم بعد القمة يأتى الهبوط. فقد بدأت بعد ذلك حرب هتلر ضد انجلترا اللتى كانت فى جزء كبير منها ليست الا تمويها على حربه الأساسية ضد الأتحاد السوفيتى.

وربما يتسائل أنسان لماذا قام هتلر بغزو الأتحاد السوفيتى؟ ولماذا لم يكتف بالنجاح الهائل اللذي حققه وامتنع عن دخول مغامرة عسكرية خسرها فى النهاية؟ الأجابة لأن هتلر كان عقائديا نازيا. وحسابات المكسب والخسارة تختلف عنها بالنسبة للأنسان العقائدي. فربما ما يكون مكسب لك يكون في عقيدة في أنسان اخر لا شئ. وعقيدة هتلر كانت قائمة على التفوق الألمانى واحتقاره للجنس السلافي ورغبته فى اقامة امبراطورية تدوم 1000 عام على اراضى الأتحاد السوفيتى. فلم يكن هتلر يريد محاربة الأتحاد السوفيتى فقط. فهوكان قد حاربه بالفعل. ولم يكن يريد هزيمة الأتحاد السوفيتى فقط. فهو كان قد هزمه بالفعل. ولم يكن يريد حتي غزو الأتحاد السوفيتى فقط فهو كان قد غزاه بالفعل. كان هتلر يريد محو الأتحاد السوفيتى من الخارطة بالكامل. كان يريد ان يفعل مع الروس كما فعل الأسبان مع دول المايا والأزتك فى امريكا الجنوبية او كما فعلت بلجيكا فى الكونغو أو كما فعلت هولندا فى اندونيسيا. ولم يأبه هتلر ان هذه التجارب السابقة تمت فى قرون خوال وكان هناك تفوق عسكرى واضح للدول الأوربية الغازية فكان من السهل أستعمار تلك الدول وأستعباد أهلها. أما الأتحاد السوفيتى فهو كان يمتلك أكبر جيش موجود فى العالم فى ذلك الوقت. كان يمتلك دبابات وطائرات تفوق الموجودة فى جميع دول العالم مجتمعة سواه. ولم يكن مشروع هتلر عفويا او لحظيا. بل انه كان يخطط له منذ اليوم الأول لوصوله للسلطة. فهو كان قد صرح بذلك قبل ذلك بزمن فى كتابه كفاحى. بل أن بعض المؤرخين يعزون تلك الفكرة الى الفترة اللتي كان يقاتل فيها فى الحرب العالمية الأولي. وكون هتلر عقائديا جعله ذا ايديولجية جامدة غير مرن. فالغاية عنده لا تبرر الوسيلة. فاذا كانت الوسيلة تخالف العقيدة فأنها مرفوضة. فأصر فى مواقف حرجة على أن تقاتل القوات الألمانية حتى أخر جندي فأودي بالكثير من حياة جنوده الى التهلكة.

وربما كان نجاح هتلر الكبير في فرنسا مسمارا فى نعشه. فقد يكون أحيانا النجاح الكبير احد أسباب الفشل حين يجعل الأنسان يغتر بنفسه ويستهين بالأخرين ولا يعمل على تطوير ذاته. وكان النجاح الهائل لهتلر ضد فرنسا جعل الأعتراض عليه صعبا. فلم يكن احد قبل ذلك يمكنه أن يتصور ان فرنسا تلك الدولة العظمى سوف تسقط فى شهرين فقط. حيث انها أستسلمت فى يونيو من عام 1940 . فعندما اخبر جنرالاته انه الأن يريد ان يقضى على اليهود البلشفيين فلم يستطع ان يعترض أحد.  كان مشروع هتلر لأستعمار الأتحاد السوفيتى خياليا اذا لم نقل انه مجنون. كان مشروعا شبه مستحيل ان لم نرد ان نقول انه مستحيل. كان كثعبان يريد أن يبتلع فيلا! فأنفجر بطنه! وماكان لينجح هذا الأمر دون أن يتحقق شرطان: اولا ان تنفذ المانيا مخططها بكمال كامل وبدون ارتكاب خطأ واحد. والشرط الثانى ان يقوم خصمها بارتكاب العديد من الأخطاء القاتلة أو بتعبير اخر ان يكون قائد خصومهم هو ستالين!

كان ستالين انسانا عنيفا دمويا. لا يتورع عن قتل احد. كان كل كل من يقابله مرشح للقب مرحوم. كان مصابا بالبارانويا ولم يكن له أصدقاء ويشك فى كل من حوله. ومن يشك فيه كان بمنتهى البساطة يقتله. وكان ستالين يشك فى المانيا وفى هتلر. ولم تكن ملايين الجنود الألمان اللتى حشدها هتلر على الحدود السوفيتية أمرا يمكن اخفاؤه بسهولة. وكان قادة الجيش فى الاتحاد السوفيتى منزعجين جدا لهذا الوضع. بل وحتى قامت انجلترا باخبار ستالين ان هتلر سيقوم بغزو الأتحاد السوفيتى. لكن ستالين الموهوم بنظرية المؤامرة والمصاب ببارانويا هائلة تجاه الانجليز ظن انها مؤامرة يريد الأنجليز ان يورطوه فيها فى حرب مع المانيا لتخفيف الضغط عليهم. وهو كان يتذكر جيدا أن الحرب العالمية الأولى كانت قد أندلعت بسبب أن روسيا حشدت جيشها على الحدود الألمانية فأعتبرت المانيا ذلك عملا عدائيا تجاهها ونشبت الحرب العالمية الأولى. وعندما سأل ستالين هتلر عن سبب وجود القوات الألمانية عند الحدود الروسية كتب له هتلر رسالة كوميدية. أجابه فيها بانه يخبئها هناك خوفا عليها من الطيران الأنجليزي. وقبل ستالين هذا التبرير الغريب. فهو كان يعتقد أن هتلر بحاجة اليه لأنه يسانده فى حربه ضد بريطانيا ولن يغامر هتلر بفتح جبهتين على نفسه فى نفس الوقت. وعندما أخبره العملاء الروس أن المانيا ستشن حربا ضد الأتحاد  السوفيتى استشاط غضبا وقال ان العملاء الروس تم شراؤهم. ولم يكن حشد الجنود الألمان عند الحدود هى الاشارة الوحيدة اللتى تغاضى عنها ستالين. بل أن المانيا تحالفت مع رومانيا والمجر وبلغاريا وكان للأتحاد السوفيتى مصالح فيهم. وهذا الأمر اغضب ستالين. بل ان هتلر تحالف مع فنلندا عدوة الاتحاد السوفيتى فى ذلك الوقت.  بل أن الخطوة العجيبة كانت تحالف هتلر مع اليابان أكبر أعداء الأتحاد السوفيتي. حيث أن ألمانيا وقعت معها ومع أيطاليا معاهدة دفاع مشترك. وكان تبرير هتلر لذلك انه يحتاج لليابان لانها تحارب بريطانيا فى أسيا وتشغل قواتها هناك. اما فنلندا فكانت مصدر المانيا الأساسي للحديد والخامات الأولية. ونهى ستالين عن ان يقوم بأى عمل عدائى تجاه فنلندا.

وبينما كان ستالين حانقا على قدره اللذي احاطه بمساعدين أغبياء يواصلون تحذيره من هتلر تفاجأ باجتياح ثلاثة ملايين جندي المانى الحدود الروسية ملتهمين 40 فرقة روسية امامهم. وقام الطيران الألمانى بتدمير 2000 طائرة سوفيتية على الأرض هى تقريبا قوام القوات الجوية السوفيتية كلها. عمقت خيانة هتلر حالة البارانويا لدى ستالين اللذى بقى اسابيع محتجبا يرفض ان يقابل احد مما زاد من خسارة القوات السوفيتية وبعد ان تمالك اعصابه واستعاد روعه ظهر مرة اخرى وامر باعدام قادة الجيش بسبب الخيانة العظمى والتقصير وأنهم سبب تلك الكارثة اللتى احاقت بهم. مع أن ستالين كان أولى أن يقتل نفسه لانه كان السبب الأساس في تلك المصيبة اللتى حلت.

كان هتلرا متعجلا لغزو روسيا. بل أنه عندما انتهى من فرنسا فى يونيو عام 1940 اراد غزو الأتحاد السوفتيى فى خريف نفس العام. لكن قادة الجيش طلبوا منه ألا يفعل ذلك لان شتاء روسيا قاس وسيحول دون اتمام ذلك الأمر. فتم تأجيل الحرب الى ربيع العام المقبل. لكن هطول امطار كثيرة فى الربيع جعل ارض الأتحاد السوفيتى اوحالا غير مناسبة للعمليات العسكرية فتم تأجيل غزو الأتحاد السوفيتى مرة اخرى. ثم نجحت المخابرات البريطانية بعد ذلك فى دعم انقلاب عسكرى فى يوغوسلافيا ضد النظام الموالى لهتلر فدفع هذا هتلر الى غزو يوغوسلافيا واليونان اللتين احتلهما بالكامل فى خمسة اسابيع. لكنها كانت خمسة أسابيع غالية جدا أخرت الهجوم الألمانى على الاتحاد السوفيتى كما سنرى لاحقا.

عندما اجتاحت المانيا الأتحاد السوفيتى كانت الخسائر السوفيتية هائلة جدا ولاتكاد تصدق. خسر الجيش الروسى فى الشهور الأولى للحرب أكثر من ثلاثة ملايين جنديا. مع العلم ان خسائر الأتحاد السوفيتى من الجنود في الحرب كلها ربت فوق الستة ملايين جنديا. بينما خسائره الكلية من جنود ومدنيين فاقت ال 25 مليون أنسان. وغريبة جدا تلك الأعداد فى دولة مفروض انها خرجت منتصرة من الحرب العالمية الثانية و لم يتم استخدام اسلحة نووية او بيولوجية ضدها. فكيف تكون الهزيمة اذن؟ بل ان الرئيس الروسى بوتين صرح بارقام غريبة جدا. قال ان خسائر الاتحاد السوفيتى في الحرب العالمية الثانية من الجنود وحدهم كانت 25 مليون جندي. والخسائر البشرية مجتمعة تفوق الستين مليون! ويرى المتخصصون ان تلك الأرقام مبالغ فيها وان كانت قد حصلت بالفعل. لكن هتلر لم يقتل كل هؤلاء وتم تحميله الجريمة كاملا. فهتلر قد قضى على 25 مليون روسى بينما قضى ستالين على ال 35 مليونا الباقين فى سنوات حكمه. وسنرى ذلك عندما نتحدث عن الأتحاد السوفتيى بالتفصيل فى مرة قادمة.

كان اندفاع القوات الألمانية فى الأتحاد السوفيتى سريعا جدا. كانت المانيا تتقدم 100 كيلومتر فى اليوم الواحد حتى اصبحت القوات على مسافة 300 كيلومتر من موسكو وطلبت القيادة الأذن من هتلر بغزو موسكو. لكن هتلر رفض. فلم تكن موسكو أو المدن عموما تعنى له شيئا كثيرا فهو كان مهتم بالقضاء على الجيوش والسيطرة على الأماكن ذات القيمة الأستراتيجية. فامر جيشه بالاتجاه نحو مدينة كييف لتأمين مصادر الطاقة هناك. وبالفعل نجع الجيش فى فعل ذلك. وكان الأستقبال الشعبى للجيش الألمانى طيبا. فالناس كانوا قد ذاقوا الأهوال تحت حكم ستالين. وفى رأيهم انه مهما كان الحاكم الجديد فلن يكون اسوأ من ستالين. وبعد الأنتهاء من كييف امرهم هتلر باحتلال موسكو. فتقدمت القوات حتى صارت على مسافة 25 كيلومترا منها فقط.

كان الأداء العسكرى حتى هذه اللحظة أفضل من ممتاز وقد يتعجب الأنسان كيف خسرت المانيا الحرب اذن؟ لقد ارتكبت القيادة العسكرية الألمانية خطأ فنى واحد ولكنه كان قاتل.- بينما ارتكبت القيادة السياسية العديد من الأخطاء-. انها لم تقدر الشتاء الروسي حق قدره فهو كان طير الأبابيل اللتى حصدت ارواح الجنود الألمان!

يظن الكثيرون فى الدول العربية ان شتاء المانيا بارد جدا. وهم طبعا محقون في ذلك فشتاء المانيا أبرد من شتاء الدول العربية بثلاثين درجة. لكن الالمان يرون ان شتاء روسيا بارد جدا بالنسبة اليهم. فشتاء روسيا أبرد من شتاء ألمانيا بثلاثين درجة! ولم تكن تجهيزات الجنود الألمان مناسبة للشتاء الروسى. اللذى أتى فى عام 1941 فى غاية البرودة. ووصل الى اقل من سالب اربعين درجة مئوية. لقد مات عشرات الألاف من الجنود الألمان متجمدين بدون اى قتال! وفى الخريف تحولت ارض الاتحاد السوفيتى الى اوحال ومستنقعات جليدية لا تسمح للسيارات بالمرور فوقها. وطلب قادة الجيش من هتلر ايقاف العمليات العسكرية الى مابعد الشتاء. لكن هتلر رفض وقال انه يريد ان ينهى العمليات العسكرية بالكامل قبل حلول الشتاء. ويرىد ان يقضى الجنود أعياد الميلاد مع أسرهم في ألمانيا بعد أن حققوا النصر. وأمرههم ان ينتظروا حتتى تتجمد الأرض لتستطيع المركبات معاودة السير عليها مرة اخرى. لكن أتى يوم توقفت فيه السيارات والدبابات نفسها عن الحركة بسبب شدة البرودة. بل أن الوقود نفسه قد تجمد! واصبحت الذخيرة لا تعمل!

القوات الألمانية عند موسكو

القوات الألمانية عند موسكو

فى تلك الأثناء كان ستالين يعمل على تنظيم صفوفه. وما يحسب له انه لم يفر ولم يهرب من موسكو. بل بقى هناك رغم الخطر الرابض وظهر وسط الجنود.فاذا كان القائد الأعلى واثقا رابط الجأش فان هذا ينتقل الى الظباط والجنود. وأعاد فتح الكنائس بعد ان كان أغلقها وكان يريد غلقها الى مالانهاية. وطلب منها تحفيز المواطنين ورفع روحهم المعنوية ومواساتهم فى مصابهم وعين المارشال الرهيب جوكوف اللذي لم يخسر معركة واحدة فى حياته مسئولا عن حماية موسكو. فقرر ان يهاجم الألمان. فبعد ان علم من العملاء الروس ان اليابان لا تخطط لضرب الاتحاد السوفيتى ولكن لمهاجمة الولايات المتحدة الأمريكية قرر سحب افضل قواته الموجودة عند الحدود اليابانية ومفاجأة الألمان بهم يوم 6 ديسمبر من عام 1941 .

وحاقت أول هزيمة عسكرية بالألمان منذ اندلاع الحرب. كان الفوز على الألمان عند موسكو يحمل أكثر من رسالة منها ان القوات الألمانية قابلة للهزيمة. فلم تكن استعدادت الجيش الألمانى مناسبة للطقس الروسى. وكان الروس ادرى ببلادهم. وادرك الجنرالات الألمان ان النصر اصبح مستحيلا. وذلك لعدة أسباب:

فلم يعد كافيا ان تنتظرألمانيا فصلي الربيع والصيف فتقوم بهجمات موجعة ضد الأتحاد السوفيتى ثم يأتيا فصلا الخريف والشتاء بالموت والعذاب. فان لم تحطم القوات الألمانية القوات الروسية بالكامل فلا أمل فى النصر.

كما أن قدرة الأتحاد السوفيتى على تحمل الصدمات كانت عالية. فقد طورت القوات الألمانية فى الحرب العالمية الثانية الكثير من الاستراتيجيات العسكرية. وكثير من المصطلحات العسكرية فى يومنا الحالى هى باللغة الألمانية لأن مكتشفيها ألمان. مثال لذلك Blitzkrieg أو الحرب الخاطفة وهى الأستراتيجية اللتى أستحدثتها المانيا فى الحرب العالمية الثانية لأول مرة. وسرها ان تهاجم خصمك بأفتك أسلحتك وأمضى معداتك وبأفضل رجالك وبكامل قوتك وأن تضرب أضعف نقطة عنده بمنتهى القسوة. أن الأمر يشبه الى حد ما طريقة الملاكم مايك تايسون اللذي كان يقضى على خصومه بالضربة القاضية الفنية بعد ثوان قليلة من بدء المباراة. لكن كلما مضى الوقت ولم يتحقق النصر الحاسم بالضربة القاضية صارت فرص الخصوم فى الفوز هى الاعلى.

كما كانت خطوط الأمداد الطويلة من ألمانيا حتى روسيا لالاف الكيلومترات يسهل ضربها. بالأضافة ان الألمان اظهروا وجها قبيحا. كان مواطنو الأتحاد السوفيتى يظنون انه لا يوجد أسوأ من ستالين فتفاجئوا ان هتلر ليس مجرد دكتاتور يريد قتلهم قتلا بطيئا لكنه مجرم يريد قتلهم قتلا سريعا و ابادتهم جماعيا بالكامل. فنشطت حركة المقاومة الشعبية ضد الغازي الألمانى وتم تكبيده خسائر فادحة فى حرب كل شئ فيها مباح. كما زاد ذلك من استبسال الجنود الروس فى المعارك.

واذا كنا فى سياق الحديث عن الجرائم النازية فى الحرب العالمية الثانية فلابد ان نذكر مذابح الهولوكوست. كان اليهود بالنسبة للنازيين ملعونى الذكر والوجود وتم تحميلهم ماسى الكون. وكان الهدف الدعائى المعلن لحرب روسيا هو التخلص من البلشفيين اليهود فعندما غزا النازيون روسيا وأوكرانيا ومن قبلهم بولندا وجدوا هناك الملايين من اليهود. وهؤلاء اليهود كانوا سيئى الحظ مقارنة باليهود الألمان . فالحرب كانت قد قامت بالفعل وتقطعت بهم السبل فلم يستطيعوا مغادرة البلاد. ولم يكن النازيون ليقدموا لهم وسائل الأعاشة ويمدوهم بالطعام والشراب فتم تجميعهم فى معسكرات اجبارية للعمل. فمن يستطيع العمل منهم تم تسخيره للخدمة ومن لا يستطيع العمل تم قتله. وكانت معسكرات القتل هذه ليست خاصة باليهود وحدهم ولكن أيضا بطوائف أخرى كالغجر والمعاقين وغيرهم.

يهود روس فى معسكرات الهولوكوسب

يهود روس فى معسكرات الهولوكوست

لقد كنا نتحدث حتى الأن عن الجبهة الشرقية فماذا عن الجبهة الغربية؟ كانت انجلترا تقاتل وحيدة حتى أتتها قبلة الحياة فى 22 يونيو من عام 1941 عندما قام هتلر بغزو الأتحاد السوفيتى. ويمكننا تلخيص الاعمال القتالية الأنجليزية فى اربعة محاور:

المحور الاول هو الحرب البحرية. حيث كانت بريطانيا تحاول كسر حصار الغواصات اللذي تفرضه ألمانيا عليها بهدف تجويعها وتركيعها. وكانت هذه حرب دفاعية وحرب وجود بالنسبة لانجلترا.

المحور الثانى كان عموده الدهاء السياسي والألاعيب المخابراتية. كانت ألمانيا كالثور الجامح اللذى لا تقوى بريطانيا على مقاومته فحاولت أعاقته بنشر المعوقات امامه. فعاونت أثيوبيا فى حربها ضد ايطاليا وخططت لأنقلاب عسكرى فى يوغوسلافيا ضد النظام الموالى لهتلر.  وحاولت الوقيعة بين ستالين وهتلر. وكما رأينا حاولت اخبار ستالين ان هتلر ينوى الحرب عليه لكن كان ستالين يخشى الحيل البريطانية

اما المحور الثالث فكان الحروب الجانبية. فقد كانت انجلترا تحترم القوات الألمانية كثيرا وتحاول تجنب الأصطدام المباشر معها. فبحثت انجلترا عن القتال فى معارك جانبية. مثل حروب الشرق الأوسط واليونان وحتى بعد ذلك فى حرب أيطاليا. ومع أن هذه الحروب كانت كبيرة الا انها لم تكن ذات أهمية كبيرة بالنسبة للأستراتيجية الألمانية

أما المحور الرابع فكانت الحرب الجوية او حرب المدن. وفيها أرادت انجلترا الثأر من المانيا واذاقة الشعب الالمانى من نفس الكأس اللذى يتضرعه الأخرون وايصال رسالة اليه ان الحرب ليست نزهة. فقام الطيران الأنجليزي بالأغارة على المدن الالمانية وتدميرها. كانت الأهداف المعلنة فى البداية هى الأهداف العسكرية. ثم تم التوسيع فى تعريف الأهداف العسكرية حيث شملت كل شئ تقريبا. كان الطيران الأنجليزي يقصف مساحات واسعة من الأرض بتقنية معينة. فتشتعل النيران  ثم فى ظاهرة فيزيائية تنشأ رياح تقوم بشفط البشر والأشياء كالمكنسة الكهربائية الى قلب النيران المشتعلة فقضت النيران على كل شئ فى المنطقة تقريبا. وهذه الطريقة فى القصف تم تجريمها لاحقا وأصبحت من جرائم الحرب اللتى لايجوز أستخدامها. وبلغت الخسائر المدنية لالمانيا جراء القصف الجوى حوالى 600 ألف انسان. بينما يدعى اليمين الالمانى المتطرف ان الخسائر من وسط المدنيين كانت بالملايين. بينما كانت خسائر انجلترا من المدنيين مابين 30 الى 60 الف. ويشكك الخبراء العسكريون فى مدي نجاعة هذه الطريقة اللتى لم تجلب لأنجلترا سوى الانتقاد. وهي نقطة  سوداء فى سجل انجلترا فى الحرب العالمية الثانية.

حريق درسدن

حريق درسدن

ثم أتت قبلة الحياة الثانية لأنجلترا في 8 ديسمبر عام 1941 حينما أغارت القوات اليابانية على ميناء بيرل هاربور ودخلت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب العالمية الثانية. كان الرئيس الأمريكى روزفلت على خلاف الرئيس الأمريكى نلسون فى الحرب العالمية الاولى. كان نلسون لا يريد دخول الحرب وتم دفعه اليها دفعا. بينما كان روزفلت يرغب فى دخول الحرب ولكنه لا يستطيع بسبب المعارضة الداخلية. لكن قصف اليابان للأسطول الأمريكى كان يجب الرد عليه وأعلنت امريكا الحرب على اليابان. ويتسائل خبراء التاريخ عما اذا كان روزفلت سيهاجم ألمانيا ام لا بسبب المعارضة الداخلية. لكن هتلر قام بارتكاب خطأ جديد يضاف الى اخطائه العديدة فقام باعلان الحرب على الولايات المتحدة الأمريكية مما رفع الحرج السياسى  الداخلي عن روزفلت.

واستطاع روزفلت اقناع الرأى العام الداخلى ان عدوه حية لها رأسان: المانيا واليابان. لكن الرأس الأخطر هو الألمانى وهو ما يجب ان يكون له الأولوية ويجب القضاء عليه اولا. اما اليابانيون فانهم أقل قيمة ويجب التعامل معهم الأن فى الحد الأدنى ولكنهم سوف ينالون نصيبهم الكامل من العقاب بعد ألانتهاء من المانيا. كان الجانب العنصري والأحتقار المتبادل يلعب دورا كبيرا فى الحرب عبر الباسيفيك بين امريكا واليابان.

ولم تكن الولايات المتحدة الأمريكية فى بداية الحرب العالمية الثانية قوة عسكرية عظمي. هى كانت كشاب قوى مفتول العضلات لكنه أغر لايدري فنون القتال لابد له من مدرب يعده. وتماما كما فى الحرب العالمية الأولى عندما لم يكن لأمريكا اى سلاح جوى على الأطلاق وتم اعداد الطيارين العسكريين الأمريكيين فى فرنسا كان المدرب فى هذه الحالة هو بريطانيا.

كان الأنجليز يدركون ان  الأمريكيين غير جاهزين لحرب المانيا وكان يجب اختيار مسرح لتجهيزهم. ووقع الاختيار على مسرح الشرق الأوسط لتدريب الأمريكيين فتم أشراكهم فى الحرب ضد القوات الفرنسية التابعة لحكومة فيشى فى المغرب وتونس والجزائر والمعاونة في القضاء على فلول القوات الألمانية فى الشرق الاوسط . وكان قائد القوات الأمريكية هو ايزنهاور اللذى اصبح رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية لاحقا.

وأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية بمساحتها الشاسعة وبمواردها الطبيعية الهائلة وبعقول ابنائها وبعقول الأفذاذ المهاجرين اليها مصنع كبير لأنتاج الأسلحة الحربية. والغريب انها تفوقت فى هذا الميدان على من سواها فكانت هى أول دولة صنعت القنبلة النووية وكانت من أوائل الدول اللتى صنعت حاسوبا. بل انها تفوقت على استاذتها بريطانيا فى ميدان الطيران. فبينما كانت الطائرات الأنجليزية تقوم بهجماتها الجوية ليلا فقط لأنها كانت تخاف من الدفاع الجوى الألمانى كان الطيران الأمريكي يطير ليلا ونهارا

كما تحولت الولايات المتحدة الى معسكر حربى كبير يدرب الجنود على عمليات العبور والأنزال. وكان ستالين يلح على الانجليز والأمريكيين في فتح جبهة غربية على هتلر. وكان الأنجليز دائما حذرين ويقولون ان التجهيزات ليست كافية فى الوقت الحالي وكانوا يفضلون دائما الحروب الجانبية. بل وحتى الأمريكيين كانوا دائما يريدون الاسراع فى المواجهات المباشرة مع الألمان والأنجليز يرون عكس ذلك. وصرح روزفلت ذات مرة على طريقة رعاة البقر ان الحلفاء لن يقبلوا سوى باستسلام كامل وغير مشروط لالمانيا. وفى الحقيقة عندما دخلت الولايات المتحدة الامريكية الحرب كانت هزيمة الألمان محسومة. ويقدر الخبراء ان هزيمة المانيا كانت ممكنة خلال عام 1943 . لكن ادارة ستالين السيئة اخرت النصر عامين وجعل دماء ملايين تسكب هدرا كان يمكن حفظها.

وأستمرت الحروب الجانبية والأستعدادات العسكرية حتى 6 يونيو من عام 1944 حين قام البريطانيون والامريكيون ومن ولاهم بالانزال على شواطئ نورماندي الفرنسية. ونجح الأنزال وبالرغم من المقاومة الألمانية العنيفة والخسائر العالية للأنجليز والامريكيين تم تحرير فرنسا. وابتدأ فكى الكماشة يضيقان على هتلر من الشرق والغرب

ادرك هتلر ان المانيا لا يمكن ان تتحمل ذلك الضغط من جبهتين واسعتين. وعندما مات فجأة الرئيس الأمريكى روزفلت وخلفه نائبه ترومان ظن هتلر ان الحظ ربما عاد حليفه من جديد فقام بارتكاب مغامرة كانت خطأ قاتل جديد. اراد هتلر ان يتخلص من فكى الكماشة اللذان يقبضان عليه وكانت الجبهة الشرقية الروسية هي الأعنف ففكر ان يتخلص من الجبهة الغربية بسرعة أولا حتى يتفرغ لقتال الروس فامر فى سرية بسحب قواته من الجبهة الشرقية الى الجبهة الغربية. وقرر ان يهاجم الاوروبيين بهجوم كاسح يسحقهم فيه ويجعلهم يتوسلون اليه ليطلبوا وقف اطلاق النار. وقرر اعادة سيناريو غزو فرنسا مرة ثانية.

الغريب ان هذا السيناريو نجح مرة اخرى. وكان لقاء مباشرا بين الألمان والأمريكيين وكانت خسارة الأمريكيين فادحة. وأستمر هذا السيناريو بنجاح لمدة 3 ايام. فكانت الظروف الجوية سيئة وغير صالحة للطيران وكانت المانيا قد فقدت كل قوتها الجوية تقريبا. لكن بعد 3 أيام تحسنت الأحوال الجوية. وقام الطيران الأمريكي والأنجليزي بابادة القوات الألمانية المكشوفة. ففقدت المانيا قواتها فى الشرق والغرب. وكان سباق الجيوش المختلفة باتجاه المانيا

بالنسبة للألمان لم تكن كل الجيوش الغازية كبعضها. كان ينظر الى الروس على أنهم همجيين بينما الغربيون اكثر انسانية وتحضرا وكان الألمان يخشون من الثأر الروسى لما أقترفته ألمانيا من جرائم حرب فى الأتحاد السوفيتى. لذا كاد الألمان  يطيرون الى الانجليز والامريكيين والفرنسيين ليحملوهم حملا ليسرعوا باحتلالهم قبل الروس

وفى 30 ابريل من عام 1945 قام أدولف هتلر بالأنتحار هو وزوجته أيفا براون بعد أن تزوجا بيوم واحد وأمر بحرق جثتيهما حتى لا يعثر عليهما أحد. واستطاع الروس أحتلال برلين بعد اقسى المعارك دموية. حيث كان ستالين ارسل ثلاثة جيوش لغزو برلين . لكن مرة اخرى ادارة ستالين السيئة لمعاركه أخرت النصر. حيث كان يتوعد الجيوش فى حالة تأخر النصر وكان يعد الجيش اللذى يفتح برلين اولا بمكافئات سخية فتسببت هذه الادارة فى اسالة الكثير من الدماء الروسية فى معركة شبه محسومة.

وتم تقسيم المانيا بين اربعة دول هى الاتحاد السوفيتى وأمريكا وبريطانيا وفرنسا. وتقسمت بعد ذلك ألمانيا الى دولتين: ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية. ثم تم توحيدهما مرة اخري فى أكتوبر من عام 1990.

فى النهاية دعونا نرى لماذا أنهزمت المانيا فى الحرب العالمية الثانية بغض النظر عن فساد الهدف الأساسي لتلك الحرب:

السبب الأول يعد من وجهة نظري أهم الأسباب وباقى الأسباب الأخرى منبثقة عنه. كان نظام الحكم فى المانيا ديكتاتوريا. فصحيح ان  التعددية الديموقراطية تكون معوقة أحيانا. وصحيح ان الديكتاتور قد يكون بامكانه اتخاذ خطوات حاسمة على الطريق الصحيح بسهولة اكثر. لكن المشكلة انه عندما تأخذ اسهم الديكتاتور في الهبوط فانه يسحب معه دولته بلا رحمة الى أسفل سافلين ولا يوجد هناك مجال لتخليص الدولة منه. ربما تكون النجاحات فى حالة الديموقراطية ليست هائلة. لكن يوجد هناك على الأقل ضمان للحد الأدنى من الأخطاء الكارثية لأنه من غير المحتمل أن يكون هناك خطأ فادح وألا يعترض أحد. وفى الحالة الديموقراطية عندما تبدأ تروس الحاكم فى الهبوط يتم التسليم بسلاسة الى ترس اخر صاعد فتبقى البلاد فى تقدم حتى ولو كان بسيطا. وفي غاية الأهمية أن نرى أن نهضة الأمم لا تقاس بشطحات عالية لعقد أو عقدين ولكن بنمو مستمر حتى ولو كان يسيرا لقرن أو قرنين. وفى حالة هتلر فأنه كان ديكتاتور رفع معه ألمانيا لبضعة سنوات ثم هبط بها ومعها الى الهاوية. بينما فى الحالة الأنجليزية مثلا نري انه تم تغيير السلطة فى وسط الحرب وتولى تشرشل المسئولية لأن المرحلة كانت تتطلب ذلك. وذلك بوسائل ديموقراطية بحتة. ولم يكن تشرشل نابغة كما يتصور البعض. صحيح انه كانت له طبعا مزاياه  الأ انه كان شخصى عصبى كثير الأخطاء. وكان النظام الديموقراطى فى انجلترا هو الضمانة ضد أخطاء تشرشل. وكذلك فى حالة الولايات المتحدة الأمريكية فقد مات الرئيس روزفلت فى سط الحرب وتولى نائبه ترومان السلطة ولم تحدث أي هزة فى أمريكا لهذا السبب بسبب الألية الديموقراطية. حتى فرنسا صاحبة الأداء السئ فى الحرب العالمية الثانية فبسبب كونها ديموقراطية وحتى بعد سقوطها وفرت شخصيات كديجول استطاع حشد قطاع كبير من الفرنسيين حوله ليعبرعن فرنسا اخرى غير اللتى يمثلها نظام حكومة فيشى

السبب الثانى هو خوض المانيا لحربين فى نفس الوقت على جبهتين مختلفتين. وكانتا هاتان الحربان ضد دول من اكبر دول العالم فى المساحة وهى الأتحاد السوفيتى والولايات المتحدة الأمريكية وهى دول مصادرها الطبيعية هائلة جدا. وكانت ألمانيا فى أفضل تقدير صغيرة جدا بالنسبة اليهما فكانت كنملة تكاتف أفيالا. وطبعا خطأ فتح جبهتين فى نفس الوقت خطأ قاتل وكان الجميع يدرى بذلك حتى هتلر نفسه. لكن لو كان هناك نظام ديموقراطى فى المانيا لأعترض احد ولكان فتح جبهتين فى نفس الوقت أمرا غير ممكن

السبب الثالث هو تدخل القيادة السياسة فى الشئون العسكرية. فكان هتلر لايثق فى قادة جيوشه. فكان هتلر لا يثق الا فى النازيين فقط وكان قادة الجيش فنيين محترفين لاعلاقة لهم بالشئون السياسة او العقيدة الحاكمة. فتجاهل طلب قواته عندما طلبوا منه أحتلال موسكو عندما كان ذلك أمرا ممكنا. ومن الصعب ان ينجح نظام يجبر المارشال رومل صاحب الانتصارات الشهيرة على تجرع السم والأنتحار لأنه لا يثق فيه. ومن الصعب أن ينجح نظام أدخل مهندس الحرب العالمية المارشال هالدر السجن لأنه اختلف مع النظام. تم تأتى القوات الأمريكية وتخرج هالدر من السجن وتأخذه معها الى أمريكا ليبنى لها جيشها وقوتها العسكرية حتى تصبح الدولة اللتى نعرفها اليوم. صحيح ان الادارة السياسية هى من تحدد الأهداف للمؤسسة العسكرية لكنها لا تتدخل فنيا فى عملها. فلم يكن هذا الحال مع روزفلت او منتوجمري

السبب الرابع هو العقيدة الجامدة لهتلر. فعندما أخبره قادة الجيش ان الأتحاد السوفيتى مساحته شاسعة جدا وعدد القوات الألمانية قليل – ففي شهور قليلة أستطاعت القوات الألمانية أحتلال مساحات تفوق أضعاف مساحة ألمانيا نفسها- وعرضوا عليه بعد فتح اوكرانيا ألأستعانة بمليون جندي أوكرانى فى  استكمال غزو روسيا فرفض هتلر لأنه لا يتصور ان يصير شريكا للسلافيين اللذين يحتقرهم. او عندما أخبره قواد جيشه ان موقفهم العسكرى حرج فصرخ فى وجوههم انهم مثبطون ولا يملأ الأيمان قلوبهم وانهم ليسوا من يصنعوا النصر ولكنه الجندي الألمانى المقتنع بأفكاره وأشاح بيده بحركة واسعة على الخارطة بطريقة غير واقعية وطلب منهم أن يضربوا هنا وهناك. أو عندما أخبره الجنرال باولس قائد الجيش السادس عند ستالنجراد ان الموقف صعب وطلب منه اجراء انسحاب فرفض وأمره أن يقاتل حتى أخر جندي فتم أسر الجيش السادس بالكامل.

السبب الخامس هو فرار الكثير من العقول الفذة من ألمانيا بسبب طبيعة النظام السياسى الحاكم. فشاهدنا فرار اينشتاين من ألمانيا. واينشتاين لعب دورا كبيرا فى صناعة امريكا للقنبلة النووية. وان كان دور سياسى وليس  علمي. وطبعا كان اينشتاين يهوديا. لكن ايضا فر جودل من ألمانيا وهو لم يكن يهوديا. فطبيعة النظام السياسى الجامد تجبر اصحاب العقول الحرة علي ان تفر منه.

السبب السادس هو التفوق التكنولوجي. في الحقيقة لا يستطيع أحد أن يلوم العلماء والمهندسين الألمان فلقد طوروا الصناعات الحربية الألمانية بشكل هائل خلال الحرب العالمية الثانية وخصوصا فى بداية الحرب. لكن الأمريكيون والأنجليز كانوا أفضل. فهم من صنعوا القنبلة النووية والحاسوب والمحرك النفاث والرادارات المتفوقة. ربما يمكننا ان نقول ان الألمان كان ينقصهم الأبداع. فقد استطاعوا الوصول بالمنتجات الموجودة فى زمانهم الى العلامة النهائية . لكنهم لم يبدعوا شيئا مختلفا جديدا كما فعل غيرهم. هذا بالرغم من أن تاريخ الالمان العلمى ممتلئ بالمبدعين والعباقرة. وربما يرجع هذا الى جو النظام العام اللذي كان نظاما عقائديا جامدا.

وفى الختام دعونا نرى كيف يتعامل الألمان اليوم مع هزيمتهم فى الحرب العالمية الثانية. فى الحقيقة أن اجابة هذا السؤال يرجع فى جزء كبير منه الى دور الدول المنتصرة فى التعامل مع ألمانيا. حيث ادركوا ان تعاملهم معها بمعاهدة فرساى جديدة لن ينتج سوى حرب عالمية جديدة. وربما كانت ألمانيا سعيدة الحظ حين أدرك الحلفاء انه اذا سقطت ألمانيا فى الفقر ستتحول الى دولة شيوعية وستسقط فى قبضة الأتحاد السوفيتى. فتم ادماج ألمانيا واليابان فى مشروع مارشال. حيث حصلا كما انجلترا وفرنسا وايطاليا على مساعدات أقتصادية هائلة استطاعت بسببها المانيا القيام على قدمها مرة اخرى. بل وأصبحت اكبر دولة مصدرة فى العالم. كان لابد من قرصة اذن بسيطة لها بلا شك بعض المستفيدين مثل دولة اسرائيل الحالية اللتى نصبت نفسها وكيلا رسميا عن كل الضحايا اليهود فى الحرب العالمية الثانية. لكن الحلفاء رأوا ان افضل طريقة للتعامل مع ألمانيا ليس عن طريق الثأر والأنتقام ولكن على طريقة عودة الأبن الضال. فلا نسمع مثلا فى الاعلام الغربى عبارات من نوع انتصار الحلفاء على ألمانيا ولكنهم يقولون انتصار الحلفاء على ألمانيا النازية. بمعنى انهم يفصلون بين ألمانيا الحالية والمانيا المختطفة فى زمن الحرب العالمية الثانية من الحزب النازي. ولايوجد احد من الدول المنتصرة يخاطب الألمان قائلا نحن أصحاب فضل عليكم نحن انتصرنا عليكم وتركناكم أحياء. لكنهم يقولون نحن اصدقاءكم حررناكم من نظام ديكتاتورى كان يريد التسلط عليكم وكان سيعيقكم من النهضة الاقتصادية والصناعية اللتى صنعتوها بعد ذلك. فى النهاية يرى الألمان انفسهم أحد المنتصرين فى الحرب العالمية الثانية واحد ضحايا نظام هتلر.

لقد رأى الحلفاء انه من الافضل عدم تحطيم الطاقة الألمانية والقوة النيتشوية الألمانية ولكن فقط توجيهها فى منحى أخر. أن الفارق بين المانيا في العهد النازي واليوم يتجلى فى اوضح صوره فى الفارق بين السلام القومى الألمانى فى العهد النازي واليوم. حيث بقت الموسيقى كما هى. وبقت القصيدة الشعرية كما هى. لكن فقط تم استبدال الفقرة اللتى تغنى من القصيدة. فتم استبدال الفقرة الأولى بالفقرة الثالثة. فبدلا من ان كانت السلام الجمهوري يقول:

ألمانيا المانيا فوق كل شئ
فوق كل شئ فى العالم
فطالما احتجنا الى الدفاع والمقاومة
حصلنا عليها بتماسكنا الأخوي
من الماس وحتى الميمل
من الأيتش وحتى البيلت
المانيا ألمانيا فوق كل شئ
فوق كل شئ فى العالم

مع ملاحظة ان الماس والميمل والأيتش والبلت هى انهار او مجارى مائية تسري حاليا فى فرنسا وايطاليا وروسيا البيضاء والدنمارك.

اما الفقرة الثالثة فهى تغنى كالتالي:
الوحدة والحق والحرية
من أجل ألمانيا الوطن الأم
لأجل هذا دعونا نسعى جميعا
باخوة وبالقلب وباليد
الوحدة والحق والحرية
هم ضمان السعادة
أثمري فى بريق هذه السعادة
اثمري يا المانيا وطننا الأم

 

Leave a Reply