موضوعنا اليوم هو المغالطات غير المنطقية. وهذه المغالطات تعج بها حياتنا اليوم بشكل كبير. فتبثها بعض وسائل الأعلام نشازا عقليا مقرفا أقرب الى قلة الذوق. أما المنتديات الألكترونية ووسائل التواصل الاجتماعى مثل الفيسبوك فهي مليئة بحوارات ومجادلات تحتوي على الكثير من هذه المغالطات. وكريستوف دروسر Christoph Drösser هو كاتب ألماني أعد قائمة لبعض أنماط المغالطات الغير منطقية. واليوم احب أن أشارككم هذه القائمة مع أعطاء بعض الأمثلة من عندي.
فى البداية أحب ان اشير الى ثلاثة أمور : الأمر الأول هو أن كل الأمثلة والنتائج التالية ممكن أن تكون فى حد ذاتها صحيحة أو خاطئة تماما. وليس هذا مربط الفرس. لكن ما يهمنا هو أن طريقة استنباطها الموضحة في الأمثلة ليست صحيحة! الأمر الثاني ان الشائع لغويا هو تعبير المغالطات المنطقية. وفى رأيي أن هذا تعبير خاطئ فالمغالطات لايمكن أن تكون منطقية. بل هي غير منطقية. والأمر الأخير ان علم المنطق علم أساس فى ميدان رياضيات المعلومات كما أنه كان هاما جدا فى ميدان الفلسفة في الماضي. وربما نتعرض فى مرات قادمة ان شاء الله لمبادئ المنطق بشكل مبسط.
المجموعة الأولى من المغالطات هى مجموعة منطقية محضة. فهي تتعلق بعملية الاستنباط المنطقي نفسها. ونري هذ الأنماط فى كتب الرياضايات المتخصصة في المنطق الرياضي. وهي تشمل ثلاث صور.
1 المقدمات أو الأفتراضات الخاطئة
يستند هيكل التحجج المنطقى على صورة بماأن -اذن . فطالما كانت الأفتراضات الأولية مظبوطة والتحجج بها سليما فلابد ان تكون النتيجة النهائية صحيحة. فاذا كانت الحجج بلا خطأ فيسميها الرياضيون سارية valid. واذا كانت الحجج سارية كما أن الأفتراضات الأولية واقعة فيصف الرياضيون البرهان بأنه سليم sound. لكن من الممكن ان تكون طريقة التحجج سليمة بينما الأفتراضات الأولية خاطئة. في هذه الحالة سنحصل على برهان ساري ولكنه غير سليم ولن تكون النتيجة النهائية صحيحة بالضرورة . مثال على هذا النوع : “كل السويسريين يتحدثون الفرنسية. رشيدة لا تتحدث الفرنسية. اذن رشيدة ليست سويسرية”. طبعا الخطأ يكمن فى الأفتراض الاول. فليس كل السويسريين يتحدثون الفرنسية. فسكان سويسرا يتحدثون ثلاث لغات: ألمانية وفرنسية وأيطالية. وليس بالضرورة أن يتكلم كل سويسري الفرنسية. وطبعا نري أن هذا البرهان ليس سليم مع أنه ساري. أما النتيجة النهائية قد تكون في النهاية صحيحة أو لا. فرشيدة قد تكون سويسرية او لا. دعونا نري مثالا أخر لهذه المغالطة مختلطة مع مغالطات أخرى: “قال دافيد كاميرون رئيس الوزراء البريطانى حينما يصل الأمر الى الأمن القومي فلاتحدثنى عن حقوق الأنسان. وبريطانيا هي أعرق دولة ديموقراطية ولذلك لا يجب ان يطالب احد باحترام حقوق الانسان فى أوقات الاضطرابات”. لكن مشكلة هذه الحجة أن دافيد كاميرون لم يقل ذلك. فهى اذن قائمة على أفتراض ليس ذي أساس.
2 نفي السبب نفي النتيجة
هذه المغالطة كلاسيكية وماكرة جدا. مفادها انه اذا كان لدينا سبب ما يؤدي الى نتيجة ما فأن نفي السبب يؤدي الى نفي النتيجة. لكن هذا الاحتجاج غير سليم. مثال على ذلك:” أكل الشيكولاتة يسبب البدانة. وأنا لا أكل الشيكولاتة فلن أصاب بالبدانة”. ,ومثال أخر هو الشعار السياسي : الأسلام – أو الديموقراطية- هو الحل . اذن عدم الأسلام -عدم الديموقراطية- هو عدم الحل. لكن هذا ليس تحججا منطقيا ساريا. ولنا أن نلاجظ ان أكثر دولة حققت تقدما في العقود الأخيرة هى الصين وهى دولة ليست ديموقراطية ولا أسلامية.
3 الأستدلال الدائري
وصورته ان الدعوي ب صحيحة لأن الدعوي أ صحيحة والدعوى أ صحيحة لأن الدعوة ب صحيحة. فهى تفسر الماء بالماء. مثال لهذه المغالطة: “بما أن برلين عاصمة المانيا اذن فبرلين هى عاصمة المانيا”. ومع اننا لم نرتكب خطئا فى الاستنباط الأ اننا لم نثبت فعلا ان برلين هى عاصمة المانيا ولكنه هو زعمنا الابتدائي. مثال اخر:” نتائج العلاج بالهندسة الوراثية ليست جيدة لأن أبحاثها ليست مدعومة جيدا. ولا يجب دعم العلاج بالهندسة الوراثية لأن نتائجها ليست جيدة”. مثال أخر: نحن في السلطة لاستكمال المعركة -او النضال- -أو التقدم- . لا صوت يعلو فوق صوت المعركة -أو النضال- -أو التقدم-. اذن لابد أن نبقي فى السلطة.
نصل الى مغالطات اخرى طبيعتها ليست منطقية محضة كالمغالطات السابقة. لكنها مغالطات على الأغلب لغوية و حججها ليست قوية لكنها قائمة على خطأ فى ادراك العلاقة السببية اوالشخصنة او المزايدة الكاذبة. دعونا نتعرف اولا على المغالطات اللتى تنشأ بسبب الخطأ فى تحديد العلاقة السببية وهى تشمل ست صور.
4 علاقة مصاحبة وليست علاقة سببية
صورة هذه المغالطة أنه قد يحث اولا الحدث “أ” يتلوه الحدث “ب” فنظن أن “أ” هو سبب “ب”. وهذه المغالطة قد تسبب مشكلة كبيرة فى استنباط العلوم الطبيعية. فانا مثلا اقلب بنظري بين ضفتى النهر فأري اولا الجانب الأيمن ثم الجانب الأيسر فليس معنى ذلك أن الجانب الايمن هو مسبب الجانب الأيسر. أو قد يطرق الباب صديقى سعيد وبعدها يخسر فريقي المفضل فى كرة القدم . فأقول ان زيارة سعيد هى سبب هزيمة ريال مدريد . ويصبح سعيد مصدرا للتشائم حين يلعب فريقي المفضل كرة القدم. ولا يمكن ان يكون سعيد اللذي يبعد الاف الكيلومترات عن فريق قيمته بالمليارات هو سبب هزيمته. أو حين يكتب شخص معروف تدوينة وتقع حادثة اقول انها سبب الكوارث وانتظر بعد كل تدوينة له الكارثة اللتى لا تحدث. لكني أري فقط الجانب اللذي يهمنى وأتعامى عن الباقي
5 مغالطة المنحدر الزلق
صورتها هي ان الدعوى” أ” ينتج عنها “ب”. والدعوى” ب” ينتح عنها “ج” وهكذا حتى نصل الى النتيجة ” و” اللتى هى أمر كارثي اذن نستنتج أن الدعوي” أ” شريرة. مثال على ذلك: السياح يريدون ان يذهبوا لرؤية بلد ما. الأرهابيون يتربصون بالسياح لالحاق اذي بالسياحة. تحصل خسائر كبرى وتتأثر سمعة الدولة المضيفة. اذن هذه كانت مؤامرة من السياح لتخريب سمعة البلد.
6 القياس الخاطئ
اذا كان الامر” أ” يشبه الأمر” ب”. والأمر” أ” ينتج عنه النتيجة “ج” اذن لابد أن ينشأ عن “ب” امر مشابه ل “ج”. وهذه المغالطة قد تظهر بكثرة عند عمل قياسات تاريخية غير مناسبة. وهي طبعا موجودة عند استخلاص بعض الأحكام الدينية. مثال معاصر لتلك المغالطة: يقول المرشح الرئاسى الأمريكي بن كارسون لو أمتلك اليهود السلاح لما تمكن هتلر من صنع مذبحة الهولوكوست بحقهم. أو مثال أخر ان الثورة المصرية كالثورة الفرنسية يجب ان تنصب المقاصل في الطرقات لكى تحققق أهدافها
7 المعضلة الخاطئة
يتم اختصار الموضوع فى بعض النقاط واغفال الكثير من العناصر الهامة. مثال لذلك: أما انت معنا أو ضدنا. اما انت مع النظام او ضد النظام. اما انت مع الثورة أو ضد الثورة. اذن يتم اختزال الصورة بين أبيض وأسود ويتم تجاهل الكثير من الحقائق المؤثرة
8 مسخ الرأي المعارض
يتم تشويه الرأي المعارض وعرضه فى صورة على خلاف حقيقته ويري الانسان فقط مايحب أن يراه ويتغافل عن الباقي. مثال: ماذا تقصد بان المتهم برئ حتى تثبت ادانته؟!! هل تريدنا ان نخلى سراح المجرمين ونتركهم فى الشوارع؟
9 المساواة الخاطئة
وهى الا يدرك الانسان الفرق بين مفهومين ويبدوان له وكأنهما شيئا واحد مثل الخلط بين النشاط الخيري والنشاط السياسي. لماذا تريد ان تصبح نائبا في البرلمان ما هى حجم الأعمال الخيرية اللتى بذلتها عن طيب خاطر؟. او أن العلمانية هى فكرة كافرة تهدف الي احلال العلم محل الله والدين.
نصل الان الى مجموعة جديدة من المغالطات . تتميز بضعف الحجة مما يجعل صاحبها يغير من كلماته دوما. ولها ثلاث صور.
10 التبرير الدائم
لم نتمكن من تحقيق الوعود بسبب المتأمرين والخونة
11 تحريك الهدف
عند عدم تحقيق النتائج المزعومة يتم تغييرها دائما. مثال: صحيح اننا لم نفز باللانتخابات الرئاسية لكننا سوف نفوز بالانتخابات البرلمانية او المحلية.
12 مغالطة الاسكتلندي الحق
كل الاسكتلنديين شجعان. لكن ماكدونالد جبان. ماكدونالد ليس أسكتلندي حقيقى. بالمثل عندما يواجه الانسان النقد يكون رد فعله أنكار المشكلة وقول شئ على هذا المنوال: انهم ليسوا مسيحيين حقيقيين او مسلمين حقيقين أو وطنيين حقيقيين.
ثم نأتى لمجموعة جديدة من المغالطات ترتبط بشخصنة المضوع أيجابا أو سلبا. كما يمكن ربط النتائج بنوع من التعصب او التحامل لمكان أو عصر معين. وهنا نتعرف على 8 مغالطات.
13 مغالطة الجماهير
لا يمكن ان تكون هذه الجماهير الغفيرة مخطئة. هذا النوع من الفن جمهوره بالملايين فلا يمكن ان يكونوا كلهم خاطئين. وأن هذا الشخص معجبيه عشرات الملايين فلا بد ان يكون كلامه حقا.
14 مغالطة صاحب السلطة
وهي شخصنة المقولة تبعا لقائلها. فاذا كان القائل فلان الفلاني فالمقولة صحيحة. وهذه مغالطة مزعجة . فالرجال يعرفون بالحق ولايعرف الحق بالرجال. وليس المقصود من صاحب السلطة ان يكون حاكم او رئيس. بل كل من له سلطة ادبية او معنوية معينة. مثلا فنان محبوب او رياضى مشهور. وهذه المغالطات نراها كثيرا في تصريحات بعض المشاهير في غير ميادين أختصاصهم. . مثال على هذا: قال الفنان المحبوب ان الحادثة اللتى شغلت الرأي العام لم تكن عملا أرهابيا. او مثال دافيد كاميرون في اول المقال. انظر من المتحدث؟ انه دافيد كاميرون نفسه.
15 مغالطة جاليليو
وهى تستند الى سيرة جاليليو العالم الكبير. حيت تم الأستهزاء بارائه عندما كان على قيد الحياة. لكن بعد موته اثبت الزمن انه كان بعيد النظر وانه كان صحيحا وان معارضيه هم المخطئون. بالمثل يمكن ان يدافع انسان عن بعض الاراء المضحكة بان صاحبها عبقرى وسابق عصره والزمن كفيل بنصره. لكن كون الرأي مضحكا اليوم فهذا ليس برهانا انه سوف يكون صحيحا غدا. وبعض العظماء كانت لهم أراء خاطئة وبعد مرور الزمن بقت أيضا اراؤهم خاطئة.
16 مغالطة هتلر
في الأدبيات الالمانية عندما تريد تقبيح شئ فقل ان هتلر كان يفعل ذلك او أن هتلر كان يرى ذلك. لكن في الفضاء العربي ليست شخصية هتلر منفرة كما فى الفضاء الالماني. لكن ربما يعوض هتلر انسان صهيوني او اسرائيلي فتقول مثلا هذا كلام قاله الأستاذ اليهودي فلان. فبمجرد ذكر هذه الفقرة يتم تنفير الناس من الفكرة بدون ضرورة الخوض فى تفاصيلها.
17 مغالطة الطبيعي أفضل
في هذه المغالطة يتم افتراض ان أي شئ طبيعى أفضل من أى شئ مصنع. وبمجرد ان نقول مثلا السمن الطبيعي يتم اعطاء الشعور أنه أفضل من نظيره المصنع. لكن هذا أمر لا دليل عليه.
18 مغالطة الماضى الجميل
في هذه المغالطة يتعصب الأنسان للزمن الماضى. فكل ماهو ماضي فقد كان أفضل وأكثر أصالة. مثلا تقول هذه وصفة ممتازة كان يستعملها قدماء المصريين لعلاج الأم البطن. وليس هناك دليل أن الطب ايام قدماء المصريين أفضل من الطب اليوم.
19 مغالطة الشخصنة
هنا يتحول أهتمام المرء من تفاصيل القضية الى شخصية القائل. فنقول له من انت حتى تتكلم فى السياسة وانت ذو ميول شاذة.
20 مغالطة وأنت أيضا
يمكننا أيضا ان نسمي هذه المغالطة الشيطان يعظ. بمعنى انسان يهاجم سلوكا معينا فترد عليه وأنت ايضا تمارس هذا السلوك. لكن ربما يمارس الانسان سلوكا سيئا هو يعتقد في قرارة نفسه انه سيئ ويود ان يقلع عنه. ربما كان هذا السلوك في الماضى لكن القائل قد تغير اليوم
وهنا نصل الى مجموعة الأخيرة وهى تتكون من 4 مغالطات وهى تتكون من مغالطات لغوية. صاحبها لا يملك حجة لكنه يزايد ويناور ويلف ويدور.
21 التهرب من السؤال
هذه اكبر مغالطة منتشرة فى البرامج الحوارية وفى المنتديات. وفيها يتهرب الانسان من الأسئلة المطروحة عليه. ويناور ويلف ويدور ويتكلم كثيرا لكنه لا يجيب على السؤال المحرج.
22 اللعب بالالفاظ
في هذه المغالطة يستخدم الأنسان الفاظا تفهم بمعنيين. كما في المثال التالي: هذه الفتاة عربية. العربية سريعة. اذن هذه الفتاة سريعة. وهنا استخدمنا لفظ العربية بمعنيين. الأول بمعنى انها تنتمي الى أصل عربي. اما الثانى فهو تعبير عامى المراد به السيارة. ومن امثلة هذا أيضا محاكمة الرئيس الأمريكي السابق كلنتون امام الكونجرس لعزله من منصبه حيث قد حنث فى قسمه. عندما أقسم انه لم يمارس الجنس مع المتدربة عنده. وكان رده انه يفهم الجنس بطريقة اخرى غير اللتى يتصوره بها المحققون معه.
23 مغالطة الدعاية والتكرار
كل شئ مع كثرة الألحاح والتكرار يبدو مع الزمن حقيقيا. مثلا بعد كثرة الحديث حول المؤامرة يتم أعتمادها كحقيقة قائمة ويتم اعزاء كل الأخفاقات المتتالية الى المؤامرة
24 خير وسيلة للدفاع هى الأتهام
هنا يبدأ المحاور فى مهاجمة زميله. ويصفه بالعمالة او الخيانة او الكفر. حتى تضيع القضية الأساسية فى وسط هذا الصراخ العالي.
وهنا نصل الى المغالطة الاخيرة وهي
25 تخطيئ الخاطئ
قد نقول عنها لاتجادل الأحمق. وفحوي هذه المغالطة. عندما يرتكب محاورك مغالطة ما. وضح له ذلك فورا وأفضح تلك المغالطة. لكن لا تحاول ان تبحث عن مثال عكسي لعكس ادعاءه. فانك بهذا لاتكون اثبت خطأه بالضرورة.
مدونتك رائعة ، إستمر في الكتابة