فى شهر أغسطس من عام 2010 حدث فى الصين تكدس مروري غير مسبوق. فعلى امتداد مائة كيلومتر توقفت السيارات على احد الطرق الحيوية لمدة أحد عشر يوما تقريبا! وكانت السيارات تقطع كيلومترا واحدا فى اليوم. ثم تبخر ذلك التكدس فجأء وكأنه لم يكن.
ان الانحباس بداخل اختناق مرورى يسبب للانسان شعورا بقلة الحيلة ويدفعه للغضب. وهذا الامر يحدث فى كل بلدان العالم. والرقم القياسي لاطول تكدس مرورى حققته فرنسا. حيث بلغ ذات مرة التكدس المروري بين باريس وليون 176 كيلومتر. ويقضي السائقون الألمان يوم ونصف كل سنة محبوسين فى التكدسات المرورية فى المتوسط.
وعندما ينفض الأختناق المروري يبقى سببه فى كثيرا من الأحيان غامضا: فلا توجد اصلاحات على الطريق او حادث سير او تضييق ملحوظ لعرض الطريق. فلماذا توقف المرور فجأة؟ ولماذا يعود للانسياب الأن؟ ولماذا يحدث احيانا تكدس مروري من لا شيئ؟ ومنذ عدة اعوام ادرك المختصون ان اسباب التكدس المروري تجليها قوانين الفيزياء.
فعندما يعلق السائقون في اختناق مرورى فانهم يفقدون خصوصياتهم الفردية. فللسائقون سمات قيادة مختلفة. فبعضهم رد فعله أسرع من الأخر وبعضهم يبقى مسافة أمان بينه وبين سابقيه أطول أو أقصر. لكن فى التكدسات المرورية تتحكم السيارات الأمامية فى السيارات الخلفية وتحدد للسائقين التابعين سرعة قيادتهم وتوقيت ضغطهم لدواسات الفرامل حتى يتجنبوا الاصطدام.
اذن السيارات تشبه فى سلوكها الأجمالي تيار من الأجسام المتشابهة الصغيرة المنسابة. وهذا التشابه قوى بدرجة تسمح لنا أن نستخدام النماذج الرياضية المستخدمة في فيزياء الموائع لتوضيح اسباب التكدس المروري.
وكثير من المصطلحات اللتى يستخدمها المختصون فى وصف انسياب المرور مستمدة من فيزياء الموائع: فنجد تعبيرات مثل “أنسياب حر” أو “متقطع” او “حالة وسط حرجة”
والمرور ينساب بصورة حرة عندما تمر 1800 سيارة او أقل فى الحارة المرورية فى الساعة. في هذه الحالة تكون المسافة بين السيارات مناسبة وتتوفر للسائقين مرونة القيادة. بحيث يبقي احدهم مسافة امان طويلة او قصيرة بدون ان يحدث ذلك تأثيرا على حركة المرور الكلية. لكن عندما تتعدى السيارات حاجز 2200 سيارة فى الساعة الواحدة فى الحارة تضيق المسافات بين السيارات وفى الغالب يخفض السائقون من سرعتهم للحفاظ على مسافة امانة مريحة.
صحيح انه لا ينتج عن ذلك اختناقا مروريا بشكل تلقائي. بل على العكس اذا استطاع جميع السائقين المحافظة على سرعة قيادة متساوية تزداد عدد السيارات المارة مما يرفع من فاعلية استخدام الطريق. مع ذلك يكون الطريق قد وصل فيزيائيا الى مرحلة تشبع حرجة. وأقل سبب يسبب انهيارا للموقف بأكمله. فيكون كما القشة اللتى قصمت ظهر البعير.
ويعرف الفيزيائيون حالات مشابهة من ميادين مختلفة. فقد يسبب متزلج على الجليد انهيارا ثليجيا يدفع بالعديد من اطنان الثلج للأنجراف.
وفى الأزدحامات اذا فقط احد السائقين انتباهه قليلا وسار بسرعة أقل من المفروضة فسيسبب ذلك تأثيرا لا يمكن اصلاحه على المرور بأكمله. فالسائق اللذي يليه لابد ان يقلل من سرعته هو الأخر. ولأن تصرفه هذا لايمكن ان يحدث فى نفس الوقت اللذى صنعه سابقه ذلك فانه يضغط بصورة اقوى من سابقه على دواسة الفرامل. وكذلك يفعل السائق اللذي يليه واللذى يليه. وتنشأ موجة من الفرملة تستوعب سيارات اكثر وأكثر وتنتشر هذه الموجة عكس اتجاه السير. مما قد يسبب فى النهاية عند حد معين توقف السيارات التابعة بشكل كامل
لكن هل يكمن تجنب هذا النوع من التكدس المرورى اللذي يحدث من لا شئ؟ الأجابة نظريا نعم . فاذا حافظ جميع السائقين على سرعة قيادة واحدة والاهم ان تكون سرعة رد فعلهم واحدة ستبقى حالة السير الحرجة قائمة ويكون معدل المرور عاليا. وربما يكون هذا ممكنا عندما تتولى اجهزة الكمبيوتر السيطرة على السيارة بالكامل وتتولى هي عملية القيادة. لكن طالما بقى الانسان هو المتحكم فى عجلة القيادة فسوف تحدث التكدسات المرورية.
مقتبس من مجلة جيو بتصرف