يبدو لون السماء الأزرق الجميل هو اكثر الأمور طبيعية فى العالم. ولا يكاد يتصور موضوع تعبير كتبه تلاميذ فى مدرسة حول الطبيعة يخلو من وصف السماء الزرقاء. لكن دعونا ننبش حول هذا الأمر البديهى ونسأل لماذا تبدو قبة السماء زرقاء مع ان الشمس مصدر الضياء فى حياتنا ضؤها ابيض. ولا نرى على امتداد البصر مصدرا اخر للضوء سواها يهب السماء زرقة اللون.
الأجابة انه الغلاف الجوي اللذى تتداخل جزيئاته مع اشعة الشمس لينتجوا فى النهاية لون السماء الأزرق. دعونا نتأمل ذلك بشئ من التفصيل.
انما الضوء اللذى نراه عبارة عن باقة ضيقة من الموجات الكهرومغناطيسية. وما يميز هذه الباقة عما سواها هو ان العين البشرية تحس بها وتميزها عن سواها من الموجات وتترجم ذلك فى صورة الألوان اللتى نعرفها جميعا. وطبعا هذه الموجات كأى موجات اخرى لها طول موجى. واقصر الاطوال الموجية اللتى تشعر بها العين هي اللون البنفسجي وأطولها هو اللون الأحمر.
وتقبع كل ألوان طيف قوس قزح حسب الترتيب التصاعدي لأطوالها الموجية من ازرق الى أخضر الى اصفر الى برتقالى بين هذين اللونين. واختلاط هذه الألوان جميعا تترجمه العين البشرية فى صورة اللون الأبيض. اما انتفاء هذه الألوان جميعها فهو اللون الأسود. اما باقى الموجات الكهرومغناطيسية فالعين البشرية عمياء عنها. فيلى هذه الباقة من ناحية اللون الأحمر الأشعة تحت الحمراء ومع ان عيوننا انفسها تشع هذه الأشعة الا انها لا تراها ولا تشعر بها. وتستخدم مناظير الرؤية الليلية هذه الأشعة فى عملها. ويلى هذه الباقة من ناحية اللون البنفسجى الأشعة فوق البنفسجية وهى ايضا اشعة لاتراها العين وهى اشعة ذات طاقة عالية ولكنها ضارة للكائنات الحية ولذلك تستخدم فى عمليات التعقيم وقتل الجراثيم.
نبدأ رحلتنا من سطح الشمس اللذي يشع اشعة تحتوى علي كل الألوان السابقة. لكن ليست كل الألوان المشعة لها نفس التركيز واكثر الألوان تركيزا هو اللون الأصفر. كما يظهر ذلك فى رسم توزيع اطياف ضوء الشمس. لذلك تبدو اشعة الشمس فى الفراغ بيضاء تميل للأصفرار. وعبر مسافة طولها 150 مليون كيلو متر تقريبا تنتقل الاشعة حتى تصل الى الغلاف الجوى الأرضى حيث تبدأ المغامرة الكبري.
كما نعلم فان الغلاف الجوى الأرضى يتكون بصفة اساسية من غازي النتروجين والأكسجين. وتصطدم اشعة الشمس بهذه الجزيئات فتتشتت الألوان البنفسجية والزرقاء بشكل كبير جدا بينما تمر باقى الاطياف بدون تغيير تقريبا. لذا لايصل الضوء الازرق الى عيننا مباشرة بل يمر بانعكاسات متعددة بين جزيئات الهواء ويأخذ اكثر المسارات تعقيدا حتى يصل الى اعيننا فيبدو وكأنه يأتى من السماء وتظهر السماء زرقاء. لكن لماذا تتشتت بعض الألوان اكثر من غيرها؟ فيتشتت اللون الأزرق والبنفسجى لكن لايتشتت اللون الأحمر بنفس الدرجة؟
كل الموجات على اختلاف اصنافها عندما تصطدم بعائق فانها اما تنعكس عنده او تتخطاه كأنه غير موجود أساسا! لكن لماذا تتصرف الموجات هكذا فى كل الحالة؟ الأمر يعتمد على طول العائق مقارنة بالطول الموجى. فاذا كان العائق طويلا مقارنة بالطول الموجى الساقط فان العائق يعوق حركة الموجة ويجعها ترتد وتنعكس. اما اذا كان طول العائق اصغر من الطول الموجى فان الموجة تتجاهله وكأنه غير موجود. وهذه الظاهرة الهامة نعيش اثارها يوميا. فنحن اذا تحدثنا الى شخص من وراء سور فانه سوف يسمع صوتنا ولكنه لن يرانا. لكن لماذا هذا الأختلاف فى حين ان كلا من الصوت والضوء موجات تنتشر فى المكان؟ الاجابة تعود الى اختلاف الأطوال الموجية لكلا منهما. فالطول الموجي لموجات الصوت يتراوح بين سنتيمترات قليلة الي أمتار عديدة. فاذا افترضنا مثلا ان ارتفاع السور هو 3 متر فذلك هو أرتفاع قليل اقصر من طول الموجة وبذلك يتخطى الصوت السور وكأنه غير موجود. اما الضوء فطوله الموجى أقصر من واحد علي الألف من المليمتر . وبذلك يكون السور اكبر بملايين المرات من الطول الموجى للضوء فيعجز الضوء عن اجتيازه ويرتد وينعكس عنده. لكن الحال يختلف اذا تحدثنا الى شخص من خلف سلسلة جبال. فارتفاع الجبل او الهضبة بمئات الأمتار لن يسمح للصوت باجتيازه ويرتد الصوت فى هيئة صدي صوت.
اما فى حالة ضوء الشمس المار فى الغلاف الجوي فان جزيئات الاكسجين والنتروجين صغيرة تستطيع الأشعة الحمراء باطوالها الموجية الطويلة تجاوزها بكل يسر بينما لا تنجح فى ذلك الألوان الزرقاء والبنفسجية وتتشتت عندها ولذلك تبدو السماء زرقاء.
لكن اذا كان اللون البنفسجى هو الأكثر تشتتا من الأزرق فلماذا تظهر السماء زرقاء ولاتظهر بنفسجية؟ لهذا ثلاثة أسباب. أولا لأن الأكسجين فى طبقات الجو العليا يمتص اللون البنفسجى ويبقى اللون الأزرق. كما ان طبقة الاوزون تمتص أيضا الأشعة فوق البنفسجية الضارة بصحة البشر. السبب الثانى يعود الي توزيع الالوان فى طيف شعاع الشمس. فمن الأساس اللون البنفسجى تركيزه اقل من اللون الأزرق. اما السبب الثالث فيعود الى ان حساسية العين البشرية لرؤية اللون البنفسجى اقل منها لرؤية اللون الأزرق. فالعين البشرية ترى 3 الوان رئيسة هى الأزرق والأخضر والأحمر. ومنها تصنع باقى الألوان.
كما ان العرض السابق يساعدنا فى تفسير ظاهرة مثيرة. وهى لماذا يتغير لون قرص الشمس . فنراه فى وقت الظهر عندما يكون فوق رؤوسنا ابيضا يميل للأصفرار. بينما نراه وقت الشروق او الغروب أحمر. الاجابة تعود الى انه عندما تكون الشمس عند الأفق وقت الشروق أو الغروب فان أشعتها تسلك مسارا أطول بداخل غلافنا الجوي. ولهذا لا يتشتت اللونان البنفسجي والأزرق فقط بل أيضا الألوان التالية لهما وتظهر الشمس حمراء برتقالية.
اذن نرى ان لون السماء يعتمد على الغلاف الجوي ومكوناته. وهنا نصل الى عنوان موضوع اليوم. متى كانت السماء برتقالية؟ كان ذلك قبل 2.5 مليار سنة كما يقول العلماء. حيث لم يكن الغلاف الجوي يحتوى على النتروجين والأكسوجين بل على جزيئات غاز الميثان الأكبر حجما من النتروجين. وبالتالى تتشتت الألوان التالية للأزرق وكانت السماء تبدو فى ذلك الزمان برتقالية اللون.
نفس الأمر ينسحب على الأجرام السماوية بخلافنا ودعونا نرى ما لون السماء على القمر والزهرة والمريخ؟
اقرب جيراننا هو القمر ذلك الجسم البللوري الجميل لا يمتلك اى غلاف جوي وبالتالى سماؤه سوداء وجوه حالك. فالقمر اللذى يضئ ليلنا لا يستطيع ان يضئ نفسه فهو كمن يقدم النصح لغيره ولا ينصح نفسه. فغلافنا الجوي هو اللذى يجعل للنهار معنى فهو يعكس اشعة الشمس ويقويها وتعمل جزيئات الهواء فيه عمل المرايا فى المحلات التجارية الفخمة اللتى تعطينا احساسا باتساع المحل وتزيد الضوء فيه.
اما الزهرة واللتى يطلق عليها احيانا توأم الأرض وهى جارنا الأقرب من الشمس تمتلك غلافا جويا يشبه ذلك الغلاف الجوي اللذى امتلكته الأرض من مليارات السنوات ولذلك فلون السماء هناك برتقاليا. اما المريخ جارنا الأبعد عن الشمس فيمتلك غلافا جويا خفيفا لايشتت الأ الألوان البنفسجية ولذلك فالسماء هناك بنفسجية اللون!