تتكسر امواج البحر عندما تصبح المياة ضحلة وتشعر بوجود الأرض تحتها. كما انها تتكسر فى عرض البحر عندما يربو ارتفاع الامواج على 1/7 طولها الموجى. وعلى أي حال فعند تكسرها فأنها تتحول الى رغاوى وفقاعات. ويقدر العلماء أن 3% حتى 4% من سطح البحار مغطى دائما بالرغاوى عند اي لحظة من الزمن! وهذه النسبة هائلة جدا! فاذا تخيلنا اننا وضعنا هذه الفقاعات و الرغاوى بجوار بعضها فسوف تقترب مساحتها من مساحة قارة امريكا الشمالية! لكن هل هذه المساحة الهائلة السريعة الزوال بلا فائدة للحياة على كوكبنا؟ لكى نجيب على هذا السؤال دعونا نستعرض بعض الامور.
تعزى ظاهرة الفقاعات المائية الى ظاهرة التوتر السطحى مصاحبة بامتزاج الهواء بالماء. ونحن فى حياتنا العادية نعرف خلط الهواء بالماء بثلاثة طرق: الطريق الاول هو الطريق الميكانيكى حيث اننا باستخدام مضارب يدوية او ميكانيكية نستطيع مزج الهواء بالسوائل كما نخفق الحليب لنحصل على القشدة. وهذه هى الالية المستخدمة فى صناعة عن الفقاعات فى موج البحر. حيث أن الامواج المضطربة المتكسرة وقطرات الماء اللتى تتحرك بشكل عشوائى تخفق جزيئات الهواء معها وتحبسها بداخلها. أما الطريق الثانى فهو الطريق الكيمائى. ومثال له استخدام الخميرة لخبز المعجنات و الحلويات!. حيث ينتج التفاعل الكيميائى للخميرة غاز ثانى اكسيد الكربون اللذى يبقى محبوسا بداخل العجينة ويسبب انتفاخها دليل اتمام نضجها. أما الطريق الثالث فهو الضغط ونستخدم ذلك فى المشروبات الغازية حيث يتم ضغط نسبة من الصودا بداخل السوائل المعدة للشرب. وعندما يأتى الوقت ونفتح القنينة او العلبة يقل الضغط و نلاحظ تكون الفقاعات فى السائل.
اذن الفقاعات اللتى تتكون فى البحر هى ناتجة عن الخلط الميكانيكى. لكن مع ذلك فان هناك شئ ما يبدو ناقصا. فنحن ندعك ايدينا تحت صنبور الماء ولكننا لا نرى الفقاعات. لكن الأمر يختلف بشدة عندما نضع على ايدينا شئ من الصابون فهنا نلاحظ الفقاعات بكثرة ولفترة اطول! وفى حقيقة الأمر فان الصابون لا يصنع الفقاعات ولكنه عامل مسهل لظهورها. فماهو السر فى ذلك؟
يمكننا بشكل مبسط جدا جدا وبدون الدخول فى تفاصيل معقدة ان نقول ان المواد المرغية كالصابون و غيرها تكسب جدارن الفقاعة شحنات كهربائية من نفس النوع. فتبقى متنافرة ولذلك تحافظ جداران الفقاعة على قوامها ولا تنهار سريعا. وقد يصل عمر الفقاعات بهذه الطريقة الى دقيقة كاملة أو ما شابه ذلك.
لكن مافائدة كل ذلك لحياتنا كما يلمح عنوان الموضوع؟ حسنا دعونا نترك هذه النقطة ونتعرض لمشكلة اخرى تبدو لا علاقه لها بالفقاعات وهى تتعلق بمياه الامطار. كان اول من درس مياة الامطار بطريقة علمية هو جون دالتون John Dalton وهو اول من اكتشف ان مياة الامطار تحتوى على نسب قليلة من الملح. وطبعا هذا لا يفاجئنا لاننا نعلم ان المصدر الرئيسى لمياة الامطار هى مياة البحار والمحيطات المالحة. ولكن فى دراسة متاخرة للينوزلندي دين Dean استطاع تقديم وصفة طريفة لتركيب لتر من مياه الامطار. حيث جاء فى وصفته التالى:
اخلط 0.5 ميللجم من مياة البحر المالحة مع 4 ميللجم بلانكتون وطحالب مجففة مع 1 لتر من الماء المقطر لنحصل على لتر من مياة الامطار!
وهنا يظهرالسؤال: لكن من اين تصل البلانكنتون و الطحالب الجافة تلك الكائنات العضوية الى مياة الامطار؟ وخصوصا ان النسبة اللتى تظهر بها فى مياة الامطار عالية جدا واعلى حتى من النسبة اللتى تتوافر بها فى البحار والمحيطات؟!
مبدأيا فان البلانكتون والطحالب تتركزان عند سطح البحر حيث تكون قريبة من ضوء الشمس اللذى تستطيع ان تستغله فى انتاج الطاقة. لكن كيف يمكن ان تصل هذه الكائنات العضوية الى مياة الامطار؟ فعندما يتبخر الماء لاشك انه يترك هذه الكائنات العضوية خلفه؟
هنا يقدم عالم المحيطات فيرين ماكنتاير Ferren MacIntyre تصور مفاجئ للألية اللتى تصل بها الطحالب والبلانكتون الى مياة الامطار. وهنا تلعب رغاوى البحر دورا هاما فى ذلك!
لكن بداية من الطريف ان نشير ان هناك مساعدة اتت من ميدان اخر وهو ميدان صناعة الكاميرات السريعة التصوير. ففى خلال هذا المضمار اهتم المصورون ربما عن طريق الصدفة بتصوير ماذا يحدث لفقاعات الماء وكيف تتفجر وتنتهى بعد انتهاء عمرها القصير.
الملاحظ ان اول مايبدأ فى الضعف فى الفقاعات هو نصفها العلوى فبتأثير الجاذبية الارضية يبدأ جزء من ماء نصف الفقاعة العلوى فى التسرب فيضعف ويدق جدارها العلوى. فاول ماتفقد الفقاعة يكون نصفها العلوى. اذن يبقى نصف الفقاعة السفلى بشكله النصف كروى. وهنا مرة اخرى تظهر قوة التوتر السطحى اللتى تجذب اجزاء الفقاعة الى اعلى وتتصرف الفقاعة كانها قطعة مطاط مشدودة. اذن تتصرف الفقاعة كأنها نبلة صغيرة وتتخطى مستوى الاتزان عند سطح البحر ثم تتحول الى قطرة ماء تستطيع ان تقفز حتى الى مسافة 30 سم الى اعلى!. وهنا تصل قطرة الماء بما تحويه من طحالب وبلانكتون الى الهواء. ثم يتوافر بالطبع الوقت الكافى لكى يتبخر الماء مخلفا البلانكتون والطحالب.
هذه العملية البسيطة مسئولة عن وصول الاطنان من المركبات العضوية الى مياة الامطار فى العام مما يساهم فى رفع خصوبة الاراضى اللتى تسقط فوقها بشكل هائل جدا ومما يؤثر بشكل كبير جدا على دورة الحياة الطبيعية فوق كوكب الأرض.
القرآن
هذه الظاهرة تناولها القرآن الكريم في آية عظيمة يقول فيها تبارك وتعالى: (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) [1].
الأعجاز العلمي له في القرآن
ولو تأملنا هذه الآية وجدناها تتطابق مع الحقائق العلمية:إن الزبد يتشكل نتيجة سيلان الماء عبر الوديان بحركة سريعة وعنيفة، ومن المعلوم للجميع الآثار المدمرة للسيول، وبالتالي فإن الآية تصف لنا طريقة تشكل الزبد كنتيجة لحركة الماء السريعة: (فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا) [1]، وانظروا معي إلى كلمة (رَابِيًا) والتي جاءت من فعل ربى يربو أي كبُر، وبالفعل يقول العلماء إن الزبد هو عبارة عن رغوة مليئة بالهواء، وتكفي كمية قليلة من الماء لإنتاج كمية كبيرة من الزبد.تشير الآية إلى قانون فيزيائي معروف لدى علماء الفيزياء، وهو قانون الكثافة، حيث نجد المادة الأثقل تغوص إلى الأسفل بفعل الجاذبية الأرضية، أما المادة الأخف فترتفع إلى الأعلى. ويمكن تسريع هذه العملية باستخدام الحرارة. لذلك تقوم المعامل بصهر الحديد الخام لتنقيته من الشوائب، فبعد رفع درجة الحرارة إلى حد معين تبدأ ….الشوائب الموجودة مع الحديد بالتحرك للأعلى وتشكل رغوة (أو زبد) يتم تصريفه من فتحات خاصة. أما الحديد الصافي فيتجمع في الأسفل. وهذه الخاصية تنطبق على جميع المواد في الطبيعة. وقد أشار القرآن إلى هذه العملية بقوله تعالى: (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ)، ولو قمنا بمقارنة لدراسة تشكل الرغوة الناتجة عن البحار أو السيول، ودرسنا الرغوة المتشكلة في مصانع الحديد الخام (الفرن العالي) فإننا نجد العمليات الفيزيائية ذاتها تحدث في كلتا الحالتين!في قوله تعالى: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً)، لو تأملنا طريقة ذهاب الزبد نجد العلماء يقولون إنه بمجرد أن تهب عليه نسمات من الهواء فإن الزبد يذهب ويتطاير ويجفّ، لأنه أساساً عبارة عن رغوة خفيفة أو فقاعات هواء! أي أن التعبير القرآني دقيق علمياً.
أضيف فقط ان يذهب جفاء لا تتطابق لغويا مع يجف كما اول المفسرون تفسير هذا الجزء من الآيه .. و قد يلزم مزيد من التدقيق فى تأويل يذهب جفاء .. هذه التركيبه اللغويه العبقريه .. التى كاتت و ستظل تعجز العقول
أخي الكريم، مجهودك رائع، ولكن يجب أن تعمل على تصنيف المقالات حتى يصبح الموقع سهل التصفح. تصنيفات مثل: فيزياء، رياضيات، فلسفة… مع تحياتي