الرياضيات و الفيزياء والهندسة ثلاثة ميادين مختلفة تربطها علاقات قوية لكن مع ذلك فان بينها فروقا هائلة. فهى تختلف من حيث الهدف و الوسيلة المستخدمة و الدقة المراعاة فى المدخلات و المخرجات.
الرياضيات هدفها الاساسي هو دراسة التصورات المجردة اللتى يستطيع العقل البشري صنعها واللتى يستطيع ان يربط بينها بصورة منطقية. فالرياضيات تبدو وكأنها تنبع من مكان ما في داخلنا. اما الوسيلة المستخدمة فى الرياضيات فهو العقل بصورة اساسية . والدقة فى الرياضيات لانهائية . فالعدد 1.00001 يختلف تماما عن العدد 1 . واذا حصلنا على احدهما بديلا عن الاخر فى حل مسألة رياضية فيكون الحل خاطئا اذا لم نكن نهدف لتقريب للحل وليس اللحل نفسه.
اما الفيزياء فهى تحاول وصف الطبيعة أو الواقع القائم ولكنها لا تحاول تفسيره. وهى بعكس الرياضيات لاتبدو وكانها تنبع من داخلنا بل تبدو وكأنها انعكاسات للواقع الخارجى علينا. ووسائل الفيزياء هى مزيج من التصورات العقلية المثالية واجهزة القياس ومعدات المختبرات. والدقة فى الفيزياء ليست لانهائية بل هى محدودة. بل ان هناك قانون اساسى فى الفيزياء وهو قانون عدم الدقة لهايزنبرج يفيد باستحالة تحديد القيم الفيزيائية بدقة مطلقة. والفيزياء لا تعرف البراهين المنطقية كما فى الرياضيات. واحيانا تعارض النظريات الفيزيائية المختلفة بعضها البعض. ويلوم الفلاسفة الفيزيائيين ويقولون عنهم ان شعارهم هو ان الغاية تبرر الوسيلة.
اما الهندسة فهدفها صنع انجاز ما نؤثربه فى واقعنا او نغير بواسطته في شكل العلاقة اللتى تربطنا بواقعنا. والوسائل المستخدمة فى الهندسة هي تقريبا اي شئ و كل شئ للوصول الى الهدف. فالمهندسون يستخدمون الرياضيات و الفيزياء والموروث من القواعد طالما كانت مفيدة عمليا حتى لو كانت خاطئا علميا. اما عن الدقة فهى تعتمد على الانجاز المطلوب صنعه. وهى اقل منها من الدقة المطلوبة فى عالم الفيزياء. وهى اقل بكثير جدا من الدقة المتوخاة فى عالم الرياضيات. ويلعب الخيال الجامح والطموح دورا ليس قليلا فى الانجازات الهندسية حتى وان كان يخالف ذلك الثابت من العلوم وقتها. فليوناردو دافنشى يعتبر اول مصمم للطائرة الهليكوبتر فى وقت لم يكن يسمح العلم السائد وقتها بصنع مثل ذلك الانجاز.
وموضوعنا اليوم هو هندسي ولذلك فان بعض ما سيأتى ليس مؤكدا تماما علميا. بل قد يكون محض توقعات وتخمينات وامال ومخاوف. وهيئة الناسا هى فى حقيقة الامر هيئة هندسية تعنى بصنع انجازات تمكننا من السفر فى الفضاء الخارجى. ومن التحديات الهامة اللتى تقابل الناسا هى السفر الى نجوم اخرى بخلاف شمسنا حيث ان اقرب نجم الينا يبعد عنا بعدة سنوات ضوئية. ومن ضمن المشاكل اللتى تتطلبها رحلة كهذه توفير الطاقة الللازمة. فالتقنية المتبعة اليوم هى ان يحمل الصاروخ وقوده معه. لكن بظروف زماننا فان كمية الوقود اللتى يحتاجها صاروخ فضائى ستكون هائلة جدا. وتمثل بذخا يصل الى درجة السفه.
ومن اجل البحث عن سبل بديلة للطاقة تنظم الناسا مؤتمرات حول هذا الموضوع تدعو اليها متخصصين من كافة الاتجاهات بعضهم فيزيائيين ومهندسين وبعضهم حتى من كتاب روايات الخيال العلمى ومخرجى افلام هوليود. واحد الافكار الجامحة اللتى يتداولها بعض المتخصصين هو استخدام طاقة نقطة الصفر او طاقة الفراغ لصنع رحلات عبر النجوم. وقوة كازمير اللتى تنشأ فى الفراغ قد تكون وسيلة مناسبة لصنع قوة دفع للصاروخ. لكن المشكلة فى قوة كازمير انها قوة متماثلة. فالقوة اللتى تنشأ على اللوح الايمن تساويى تماما القوة الناشئه على اللوح الايسر ولكنها تخالفها فى الاتجاه فتكون المحصلة النهائية صفر. وهنا فكر البعض لو اننا تمكنا من جعل هذه القوة غير متماثلة فتتولد لدينا قوة صافية نستغلها فى تحريك الصاروخ. لكن كيف يمكننا ان نصنع هذا؟ احد الافكار هى ان نجعل اللوح الايمن مثلا كانه مرأة نصف عاكسة تسمح بمرور قسم من الجسيمات الافترضية بينما يصطدم بها القسم الباقى. اما اللوح الايسر فنبقيه معتما تماما بالنسبة للجسيمات الافتراضية فيصطدم بها. وهنا تكون القوة المتولدة على اللوحين غير متماثلة وتنشا قوة صافية. لكن كيف نصنع مثل هذه الالواح النصف العاكسة للجسيمات الافتراضية؟ لا احد يعلم حتى الان.
لكن هذه ليست الفكرة الوحيدة وهناك افكار اخرى. فاحد الافكار انه بناء على قوة كازمير المتماثلة فان اللوحين يضغطان بعضهما وبسبب هذا الضغط تتولد حرارة يمكن استغلالها كمصدر للطاقة. وهذه القكرة لاشك انها مقبولة على الاقل على المستوى النظري. لكن المشكلة القائمة هى بعد ان يلتصق اللوحان ببعضهما فعلينا ان نبعدهما مرة اخرى حتى نكرر عملية توليد الحرارة وهكذا دواليك. ولكن لكى نبعد اللوحين مرة اخرى عن بعضهما فاننا نحتاج الى طاقة خارجية . وطبقا ولقوانين الديناميكا الحرارية فان الطاقة المطلوبة تفوق الطاقة اللتى تم توليدها فى العملية السابقة. اي اننا فى النهاية لن نتكمن من توليد طاقة صافية ولكننا على العكس سنستهلك طاقة اكثر مما نستطيع ان نولد!
لكن هناك فيزيائى اسمه بوتهوف Puthoff يدعى شيئا غريبا يقول انه تمكن من اكتشاف طريقة تشبه الطريقة السابقة وتمكنه من توليد طاقة تساوى 30 ضعف الطاقة المستخدمة. ويقول بوتهوف انه حصل على براءة الاختراع لفكرته العجيبة. وخطة بوتهوف تقوم على استغلال البلازما بديلا عن اللوحين فى تجربة كازمير. والبلازما هى عبارة عن غازات مشحونة كهربائيا. وتقوم فكرة بوتهوف على استخدام لوحين من البلازما فى الفراغ فتتولد قوة كازمير تدفع اللوحين باتجاه بعضهما . وينشأ عن تضاغطهما شرارة كهربائية تحول الغاز الى بلازما جديدة وهكذا.
لكن الغريب فى موضوع استغلال طاقة الفراغ هو شئ اخر. فالفيزيائيين يقولون ان طاقة الفراغ صفر. فاذا تم استغلال طاقة الفراغ فان طاقة الفراغ سوف تقل. اذن معنى ذلك ان طاقة الفراغ سوف تصبح سالبة. لكن ما معنى ذلك ؟ البعض يقول ان هذا لايعنى شيئا كثيرا فهو اشبه باننا نغرف من المحيط الهادى شربة ماء. فانه عمليا لن يتأثر بذلك. بينما يقول بعض اخر انه اذا تمكن صاروخ من توفير طاقته بهذه الطريقة فان طاقة الفراغ سوف تقل . وكأن هذا الصاروخ ينخر فى القماشة اللتى يتكون منها كوننا. والبعض يقول ان كوننا اشبه بفقاعة هائلة فى حالة اتزان ولكنها غير مستقرة. ويقولون ان هذا الصاروخ سوف يتسبب بمنتهى البساطة بتدمير كوننا كانه فقاعة صابون تم وخزها بابرة طفل صغير يلهو!!
ويقول بعض اخر بان هذه الاحتمالية غير قائمة لان كوننا موجود منذ مليارات السنوات . ولو كان كوننا قابلا للتفجير هكذا لتمكنت احد الاحداث الكونية الهائلة اللتى حدثت على امتداد تاريخ كوننا من صنع هذا التفجير. لكن سواء هذا الرأى او ذاك. او حتى اى رأى اخر مخالف تبقى الفيزياء مجالا ممتعا للتفكير وللتأمل!!
جيد جدا رائع
رائع
أحييك حقاً على هذه المقالات الرائعة.
لكم أتمنى أن يسير على خطاك العديد من الكتاب العرب حتى تنمو المعرفة العلمية من جديد في الوسط العربي الذي يفتقر إليها بشدة بعد أن كان أحد روادها.
لي أيضاً تعليق بسيط وهو أن تتجنب بعض المعلومات التي قد تبدو مبهمة أو غير منطقية أو تفتقر إلى مراجع موثوقة لأنها قد تجذب القارئ اليوم ثم تساوره الشكوك لاحقاً إن لم يكن هو قد زادها تشويقاً.
شكرا لك على تعليقك الجميل. اشكر لك نصيحتك المفيدة. انا بالفعل اتجنب الاثارة . وارى ان الحقيقة جميلة فى حد ذاتها. انا احاول فقط ان اقلل اخطائى فى نقل المواضيع المختلفة., الاستثناء الوحيد كان فى موضوع اليوم حيث تطرقت الى امور غير مثبتة علميا, ولكنى تعمد ذكر ذلك ايضا فى سطور المقالة.