تحمل الرياح حبوب اللقاح لكى تخصب ازهارا فى اماكن بعيدة عن تلك الزهور الاصلية اللتى انتجت حبوب اللقاح. كما ان علماء الفلك يقولون انه فى نهاية عمر النجوم العملاقة وقبل ان تموت فانها تقوم بعمل انفجار ضخم وهائل واخير تقذف فيه بالمعادن الموجودة فى قلبها حتى يكتب لهذه المعادن عمر جديد فى قلب كواكب ونجوم اخرى جديدة ويتم انقاذ تلك المعادن من الفناء. وهكذا كانت حملة الاسكندر الاكبر على الهند! فالاسكندر الاكبر حمل معه الى الهند الافكار المصرية والبابلية و الاغريقية والقى بها فى ارض الهند. فازهرت بعض هذه الافكار واينعت بينما لم يتقبل الهنود بعضها الاخر. ومن المهم رصد وملاحظة الافكار اللتى تقبلها الهنود وكذلك من المهم والمثير رصد تلك الافكار اللتى لم يقبلها الهنود ونبذوها.
تقبل الهنود فنون علم المساحة المصرية وبرعوا فيها فعرفوا تحديد مساحات الاراضى الزراعية وقياس وانشاء الزوايا القائمة. واستخدموا فى ذلك الحبال تماما كما كان يفعل المصريون القدماء. كما تقبل الهنود حساب المثلثات الاغريقى واستغلوا ذلك فى تعيين المسافة بين الشمس و الارض. كما تعلم الهنود الاعداد البابلىة وتبنوا نظاما مشابها يستغل فكرة القيمة المكانية. بمعنى ان النظام الهندى للاعداد عرف خانات للاحاد والعشرات والمئات الى اخره. ولكن كان هذا النظام يختلف عن النظام البابلى فى شئ مهم. فقد كان نظام الاعداد الهندى عشريا بينما كان النظام البابلى ستينيا. واختلف النظام الهندي عن النظام البابلى فى شئ مهم اخر وهو ان الصفر الهندي كان صفرا حقيقا وليس مجرد شغل خانة كما كان الصفر البابلى. وفى واقع الامر فان هذا النظام الهندي للاعداد هو النظام اللذى نستخدمه اليوم.
والان دعونا نرى ماذا ترك الهنود من علوم وفلسفات ولم يهتموا بها. فلقد كان تأثير ما تركوه اكبر من تأثير ما اخذوه. رفض الهنود فلسفات الاغريق عموما وفلسفة ارسطو خصوصا. فبالرغم من ان الاسكندر الاكبر كان تلميذا لارسطو وعنى بنشر فلسفته ايما عناية. لكن الهنود رفضوا افكار ارسطو ورفضوا رفض الاغريق للعدمية وللمالانهاية. فقد كانت الديانة الهندوسية تحتوى عليهما. وكما نعلم فان الديانة الهندوسية تحتوي على الاف من الالهة لكن قبل فترة طويلة من غزو الاسكندر للهند ابتدأت الديانة الهندوسية فى حمل بعض صفات توحيدية. صحيحة ان الالهة بقت بالالاف لكن الهنود تصورا ان هناك اله اعلى لكل اللالهة الاخرى وهو الاله براهما. وان باقى هذه الالهة اقل منه وهى تمثل نواحى وجوانب مختلفة من براهما. وكان الاله فشنو هو اله التدمير و العدم. اذن فقد كان العدم عند الهنود معروفا ومقبولا. وأمن الهنود بيتناسخ الارواح بمعنى ان الميت عنما يموت لاتفنى روحه وانما تدخل جسد انسان او كائن اخر حتى يعيش حياة جديدة ويمر بتجارب جديدة حتى تصل الروح فى نهاية المطاف الى مرحلة الخلاص وعندها تلتحق الروح البشرية ببرزخ الارواح الازلي حيث الراحة الابدية. وهذا البرزخ هو مصب جميع الارواح وهو روح الاله براهما نفسه وهو لا نهائى وفى نفس الوقت لاشئ!!
اذن فالهنود من البداية عرفوا فى ديانتهم العدم و اللاشئ وعرفو المالانهاية وكانوا يروا ان العدم والمالانهاية شيئا واحدا. وكان هناك شئ اخر هام لم يرثه الهنود عن الاغربق وهو طريقة نظر الاغريق للاعداد. فلم ير الهنود الاعداد بالطريقة الاغريقية الهندسية. فلم يروا خلف الاعداد المربعة مربعات ولم يروا انه عند طرح عددين من بعضهما اننا نطرح مساحتى قطعتى ارض من بعضهما. فمثلا اذا طرح الاغريق 2 من 3 كان معنى ذلك عندهم انهم ينتقصون هكتارين من قطعة ارض مساحتها 3 هكتارات فتكون النتيجة هكتارا واحدا. ولذلك فقد كان طرح 3 من 2 عملية لامعنى لها. فكيف يطرح الانسان قطعة ارض مساحتها 3 هكتارات من قطعة ارض مساحتها هكتارين؟!. لكن الهنود فكروا خلاف ذلك و رأو ان الاعداد هى مجرد اعداد فاذا جمعناها مع بعضها او طرحناها من بعضها فانها تنتج اعداد جديدة فقط. ولذلك فقد قكر احدهم ان طرح 3 من 2 هي عملية حسابية عادية نتيجتها سالب واحد. وبهذا فقد كان الهنود اول من توصل للاعداد السالبة. وكتب براهماجوبتا الرياضى الهندي كتابا فى القرن السادس الميلادي يوضح فيه العمليات الحسابية بالنسبة للارقام السالبة. وقال ان ضرب عدد موجب مع اخر موجب او عدد سالب مع اخر سالب يعطى عددا موجبا كما ان ضرب عدد موجب مع اخر سالب يعطى نتيجة سالبة. وكذلك الحال بالنسبة لعملية القسمة.
وهذه هى نفس القواعد اللتى نستخدمها اليوم. كما عرف الهنود ايضا العدد صفر بنفس الطريقة عندما سألوا انفسهم ماهى نتيجة طرح 2 من 2 . وكانت النتيجة هى الصفر. ولم يكن الصفر فى هذه المرة مجرد شغل خانة كما فعل البابليون ولكنه كان قيمة فى حد ذاته وكانت هذه لحظة ميلاد العدد صفر. ولكن براهماجوبتا اخطأ فى شئ يتعلق بالصفر حين قال ان قسمة 1 او اى عدد على صفر تعطى صفرا وكذلك فان قسمة صفر على صفر تعطى صفرا. ونحن نعلم اليوم ان قسمة 1 على صفر تعطى مالانهاية وان قسمة صفر على صفر هي كمية غير معينة. ولكن مرة اخرى فان الهنود انفسهم هم من صلحوا خطأهم حين قال رياضى هندي اخر ان قسمة 1 على صفر تعطى مالانهاية واستدل على ذلك بأننا اذا جمعنا مع هذه القيمة اى عدد اخر فان النتيجة لا تتغير وكذلك اذا طرحنا من هذه النتيجة اى عدد اخر فان النتيجة ايضا لن تتغير. ونرى ذلك فى المثال التالى اذا جمعنا 5 الى ناتج قمسة 1 على صفر او طرحنا خمسة فان النتيجة تكون دائما 1 على صفر!!
شكرا