ادنجتون:شهادة الحق رغم الحرب الدائرة

من يقرأ تاريخ قصة النظرية النسبية العامة فسوف ينبهر بالدور اللذي لعبه ارثر ادنجتون في اثبات النظرية النسبية العامة ودعمه لالبرت اينشتاين. فالبرت اينشتاين كان فيزيائيا نظريا عملاقا ولكنه لم يجري تجربة عملية واحدة في حياته من اجل اثبات نظرياته. بالرغم من ذلك كان اينشتاين شديد الثقة في صحة افكاره ونظرياته. وكان لايخالجه ادنى شك في ان التجارب العملية لابد وان تدعم مايطرحه من افكار وتصورات. ومن ملامح تمكن اينشتاين وثقته بنفسه انه كان دائما يفكر في تجارب عملية من الممكن عملها من قبل الفيزيائيين التجريبيين من اجل التحقق من صحة نظرياته او عدمها.

انحراف موضع نجم عن موضعه الحقيقة وقت الكسوف

ومن ضمن الافكار اللتى طرحها اينشتاين للتحقق من صحة نظريته النسبية العامة كانت تجربة للتحقق من انحناء الضوء عند مروره بالقرب من قرص الشمس. وكانت فكرة اينشتاين انه يمكن استغلال فترة كسوف الشمس لرصد نجم مجاور للشمس بشرط ان يكون مكان هذا النجم معروفا في وقت اخر لايكون فيه هذا النجم بجوار الشمس. فعندما يكون النجم بجوار الشمس فان الشمس سوف تحرف الضوء الصادر منه بحيث يبدو النجم وكانه موجود في مكان اخر غير المكان اللذي ينبغى ان يكون فيه طبقا للأرصاد السابقة.

وفي تلك الفترة اللتى كان فيها اينشتاين يبحث في النظرية النسبية العامة كانت الحرب العالمية الاولى مازالت قائمة وبالرغم من ذلك فان اينشتاين كان يطرح نتائج ابحاثه على الاكاديمية البروسية للعلوم. ومن هناك كانت تصل النتائج الي هولندا المحايدة. ومن هولندا كانت النتائج تصل الى انجلترا حيث يعمل الفيزيائى والفلكي ارثر ادنجتون. وكان ادنجتون من اشد المعجبين بالنظرية النسبية العامة. وفي 29 مايو عام 1919 كان من المتوقع ان يحدث كسوف كلى للشمس فقرر ادنجتون ان يستغل هذا الحدث من اجل التحقق من النظرية النسبية العامة كما اقترح البرت اينشتاين. وكان ادنجتون يود في قرارة نفسه ان تكون نتيجة قياساته ايجابية وان يثبت النظرية النسبية ويؤكدها و لا يدحضها وينفيها.

وهذا الشئ يثير العجب و الاعجاب خصوصا اذا تنبهنا الى ان ادنجتون كان انجليزي بينما اينشتان كان المانيا.اي انه  ينتمي للدولة اللتى كانت انجلترا تخوض حربا ضروسا ضدها. ويتقرر ارسال بعثتين علميتين الاولى الى البرازيل بقيادة فرانك ديسون والثانية الى غرب افريقيا برئاسة ادنجتون.وكانت فترة الكسوف ستستمر لمدة دقائق قليلة. وبالفعل حرص ادنجتون على عمل القياسات اللازمة لنجم بجوار الشمس ساعة الكسوف وكان ادنجتون يعلم مكان هذا النجم من قبل.وكانت النتائج الاولية مبشرة.ثم عاد ادنجتون الى لندن مرة اخرى لعمل الحسابات النهائية ولتقييم بيانات بعثة البرازيل ايضا. وكانت النتيجة النهائية لارصاد البعثتين تؤكد ان النظرية النسبية على حق وانها تنبأت بالموقع المزيف للنجم بمنتهى الدقة. وتم اعلان ذلك في جلسة مشتركة للجمعية الملكية الانجليزية مع الجمعية الملكية الفلكية الانجليزية. وبعد مراسم انجليزية تقليدية اعلنت الهيئتان ان البرت اينشتاين كان محقا فيماذهب اليه. وفي صبيحة اليوم التالى أصبح البرت اينشتاين اشهر رجل فوق سطح الكرة الارضية.

ومما يثير التأمل في هذه القصة ان ادنجتون شهد لصالح اينشتاين ولم يمنعه عن ذلك كره للالمان  لان الالمان والانجليز كانوا اعداء لدودين في تلك الفترة. كما لم يمنعه عن تلك الشهادة تحيزه الى ابن بلده الانجليزي العملاق اسحق نيوتن اللذي كان قبل 200 عاما رئيسا للجمعية الملكية الانجليزية وبالرغم من ان نظرية اينشتاين اسقطت قوانين نيوتن بالضربة القاضية.

2 thoughts on “ادنجتون:شهادة الحق رغم الحرب الدائرة

  1. Pingback: الغزالى و التحرر من سطوة ارسطو | روائع العلوم

  2. Pingback: الثقوب السوداء وشاندراشكهار اصاب التلميذ و اخطأ الاستاذ | روائع العلوم

Leave a Reply